الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

زهدوا في الحياة تقربًا لـ"رب العرش"

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رابعة العدوية.. أحيت ليلها بالتهجد ومناجاة ربها ونهارها بالذكر
على حب الله تجمعوا، زهدوا فى الحياة عشقا فى رب العرش، زادهم كان الشوق للخالق، وعن طريقهم نشر «العشق الإلهي»، صوفية أحبوا الله وأخلصوا فى حبهم له، ليس خوفًا منه ومن عقابه، بقدر ما هو حب وعشق حتى الفناء للذات الإلهية.


أم الخير «رابعة العدوية»
أشهر هؤلاء هى سيدة التصوف الشهيرة «رابعة العدوية» التى اشتهرت بلقب «أم الخير» المولودة فى البصرة فى سنة ٧١٣ ميلادية، وهى من أشهر الشخصيات فى عالم التصوف، فهى أول من أدخلت مفهوم «العشق الإلهي» فى التصوف الإسلامى بسمات خاصة، إذ كانت أول من استخدم لفظ الحب استخدامًا صريحًا فى مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة، وعلى يديها ظهرت نظرية العبادة من أجل محبة الله لا من أجل الخوف من النار أو الطمع فى الجنة.
حياتها أفنتها فى حضرة الحب الإلهى، فكانت تحيى ليلها بالتهجد ومناجاة ربها، ونهارها بالذكر، جاهدة فى ذلك من أجل سمو النفس والوصول بها إلى أعلى الإحساس بملكوت الله، وكان مما يؤثر عنها فى مناجاتها لربها، وزهدها فى كل من سواه، وانقطاعها للعبادة، فكانت تقول حين يأتى الليل: «إلهى هدأت الأصوات وسكنت الحركات، وخلا كل حبيب بحبيبه، وقد خلوت بك أيها المحبوب، فاجعل خلوتى منك فى هذه الليلة عتقى من النار».
ولرابعة كلام مأثور عنها، ومعبر عن حالة الحب الإلهى التى عاشتها ودعت إليها، نثرًا وشعرًا، فكانت تقول: «محب الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن مع محبوبه» بالإضافة إلى مناجاتها ربها الذى جسد بامتياز ووضوح علاقتها الخاصة بالله وتبتلها إليه، ودعواتها وحبها له، فى أشعار عديدة تنسب لها، أشهرها: 
عرفت الهوى مذ عرفت هواك.. وأغلقت قلبى عمن سواك.
وبت أناديك يامن ترى.. خفايا القلوب ولسنا نراك.
أحبك حبين حب الهوى.. وحــبــــا لأنـك أهل لـذاك.
فأما الذى هو حب الهوى.. فشغلى بذكرك عمن سواك.
وأما الذى أنت أهل له.. فكشفك لى الحجب حتى أراك.
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى.. ولكن لك الحمد فى ذا وذاك.
أحبك حبين حب الهوى.. وحــبــــا لأنـك أهل لـذاك
وأشتـاق شوقيـن شوق النـوى.. وشـوق لقرب الخلـى من حمـاك.
فأمـا الــذى هــو شــوق النــوى.. فمسـرى الدمــوع لطــول نـواك.
وأمــا اشتيـــاق لقـــرب الحمـــى.. فنــار حيـــاة خبت فــى ضيــاك.
ولست على الشجو أشكو الهوى.. رضيت بما شئت لى فـى هداك.


الحلاج.. شهيد العشق الإلهي
«الحلاج» من أشهر الشخصيات فى عالم التصوف، واسمه بالكامل أبو عبدالله حسين بن منصور الحلاج، المولود فى بلاد فارس عام ٨٥٨ ميلادية، وأطلق عليه البعض لقب «شهيد الحب الإلهي» حيث أراد أن يعرف المعنى الرمزى الذى يرفع دعاء الروح إلى الله، فتعلق قلبه بالوجد الإلهى والحب الربانى، فانقطع عن دروسه، وأقبل على ملكوت السماء والأرض، يقلب الآفاق ويتأمل أسرارها، يبحث عن أسرار وأسرار، ونذر نفسه لربه سبحانه، وأقبل عليه بكل ذاته، والتهبت عواطفه بالحب والوجد يستهدف ارتباط قلبه بالله وقرب روحه منه.
كانت كلمات الحلاج التى جاءت فى ديوانه «الطواسين» أسرار تغزو سرائر، فيفهم من حاز السر ويصم عن فهمها من ليس له حظ، ولم يدر ما العشق ولا الهوى، نغم فاتن شجى، ولحن ثرى بمعان القرب الممنع، فهو القائل: 
يا موضع الناظر من ناظـرى.. ويا مكان السر من خاطـري.
يا جملة الكل التى كلهــــا أحب.. من بعضى ومن سائري.
تراك ترثى للذى قلبــــه.. مُعَلَق فى مخلبى طائــــر.
مدَلَهٌ حيرانُ مستوحـــشٌ.. يهرب من قفر إلى آخـــر.


«ابن الفارض»
أحد أشهر شعراء التصوف هو «الفارض» واسمه بالكامل أبو حفص شرف الدين عمر بن على بن مرشد الحموى، المعروف بـ«ابن الفارض» والمولود فى سوريا عام ١١٨١ ميلادية، ولقب بـ«سلطان العاشقين» لغزارة العشق الإلهى فى شعره، ويرى أن الحب على ثلاث مراتب «حب طبيعى، وحب روحانى نفسى، والأخير حب إلهي».
يعد ابن الفارض شاعر الحب الإلهى، فهو يرى أن المحبة ميل الجميل إلى الجمال بدلالة المشاهدة، ومن أشعاره فى الحب الإلهى، يقول ابن الفارض:
قلْبى يُحدّثُنى بأنّكَ مُتلِفى.. روحى فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ.
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذى.. لم أقضِ فيهِ أسى ومِثلى مَن يَفي.
ما لى سِوى روحى وباذِلُ نفسِهِ.. فى حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ.
فَلَئنْ رَضيتَ بها فقد أسْعَفْتَنى.. يا خيبةَ المسعى إذا لمْ تسعفِ.
يا مانِعى طيبَ المَنامِ ومانحى.. ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدى المتلفِ.
عَطفًا على رمَقى، وما أبْقَيْتَ لى.. منْ جِسميَ المُضْنى، وقلبى المُدنَفِ.
فالوَجْدُ باقٍ والوِصالُ مُماطِلى.. والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفى


«جلال الدين الرومى»
ولايقل جلال الدين الرومى عن ابن الفارض، وقد ولد محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخى البكرى، المعروف بـ«مولانا جَلَال الدِّين الرُّومي»، فى طاجيكستان عام ١٢٠٧ ميلادية.
ويعرف الحب بـ«أن تميل بكلك إلى المحبوب، ثم تؤثره على نفسك وروحك ومالك ثم توافقه سرًا وجهرًا ثم تعترف بتقصيرك فى حبه» فالعشق عنده يتّصل برؤيته العميقة لمنزلة الإنسان وموقعه فى مراتب الوجود، ويرى فيه العالم الأكبر.
تجربة «الرومي» فى الحب الإلهى جعلته يتجاوز حدود المعتاد، ويقبل المشارب والأطياف كافة، ويقول بوحدة الحب والأديان، بل إن العاشق فى نظره لا يكون صادقًا ما لم ينفتح أفقه على الخلق كله، وأذهلته مشاهد الجمال الإلهى فعشقها لكونها دالة على خالقها، لا لذاتيتها الصورية، ووجودها الجزئى الفانى.