الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الحرية أو الموت.. حكاية محمد مهنا

الروائي محمد مهنا
الروائي محمد مهنا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ ما يقرب من شهرين، لم يلتفت الروائى محمد مهنا إلى أنه دخل عامه الخمسين، لم يفكر فى دعوة أقاربه وأصدقائه للاحتفاء بعيد ميلاده، كان خاوى الوفاض، لا يملك شيئا على الإطلاق، لا أصدقاء ولا أقرباء ولا زوجة ولا حبيبة ولا وظيفة، ومع دخوله الخمسين فقد أيضا صحته وأصبح طريح الفراش ما بين مستشفى الحميات ومنزله بحدائق القبة حتى وافته المنية مساء أمس محدثا صدمة لكل من يعرفه فى الوسط الثقافى المصري.
لم يكن المرض العضوى الذى أصابه هو ما أودى بحياته، ففى الوقت الراهن أصبح لمعظم الأمراض العضوية علاج، لكن حالة البؤس التى سيطرت على مهنا فى الفترات الأخيرة كانت كفيلة بأن تودى بحياته.
محمد مهنا كان يعمل مصححا لغويا فى مجلة الإذاعة والتليفزيون وظل يعمل بها قرابة عشر سنوات، ولم يحصل على تعيينه بعد، وعندما حانت الفرصة اندلعت ثورة يناير وتغيرت هياكل تحرير المطبوعات القومية، فطالب بتعيينه وبسبب خلافات ما بينه وبين رئيس التحرير محمد الغيطى حينها تم تجاهل طلبه، فاحتج واعتصم وتظاهر إلى أن فصل من عمله، تنقل بين عشرات المجلات والصحف، لكنه دائما ما يتم التنكيل به، بسبب صوته العالى وتفكيره المختلف عن الجميع.
إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير سادت حالات تعصب أعمى وعنف ضد كل ما هو معارض للثورة، وكان مهنا من مؤيدى سياسات الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان يعلن رأيه بصراحة تامة أمام الجميع وداخل أماكن عمله، فتنشأ مشكلات يتم بعدها التنكيل مه، مهنا كان يرى أن كثيرين من مهاجميه باسم الثورة مرائين، مبررا وجهة نظره بأن صوتهم لم يخرج فى عصر مبارك معترضا بل كانوا أكثر ولاء للنظام السابق من أى شخص آخر، يتعجب لماذا يلبثون اليوم ثوب النضال وينكلون بشخص مسكين مثله لا يمتلك شيئا سوى مهنيته الصحفية وثقافته ورأيه المخالف.
على مستوى الكتابة الإبداعية، لم يكن حظ مهنا أسعد من الصحافة، بل كان الحال هو الحال رغم أن أعماله هى الشيء الملموس الوحيد الذى يتبقى منه، إلا أن أعماله كانت تعيسة الحظ على مستوى النشر والتوزيع والطباعة، لم تسنح له الفرصة أن يطبع فى دور النشر الرسمية التابعة للدولة والمتمثلة فى هيئة قصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب، حيث سيكون كل شيء مجانا، بل سيحصل على مكافأة مالية وستتوافر نسخ عديدة وستوزع بشكل يغطى كافة أنحاء الجمهورية، لكنه لم يسع إليها بسبب الطوابير الطويلة التى تنتظر أعمالها، واختيار العديد من الأعمال بناء على منطق به شبهة شللية ومحسوبية، ناهيك عن الأخطاء الطباعية والأغلفة الرديئة بعض الشيء، فقرر أن يطبع أولى رواياته "درب حلوية" على نفقته الخاصة فى دار وعد للنشر، لكنه تفاجأ فيما بعد أن "درب حلوية" ظلت مركونة على أرفف الدار فى وسط البلد دون أن تخرج منها لتوزع فى بقية المكتبات وانتهت نهاية بائسة فى التوزيع، رغم جودتها كما لاقت حظا تعيسا فى الكتابة عنها بالصحف، فلم يكن مهنا يمتلك منصبا ما حتى يكتب له فى الصحف، غير أنه عاش طيلة حياته لا يحب ظاهرة المحسوبيات وتبادل المصالح، كان يقتنع أن من يحب عمله سيكتب عنه فقط، لكن الواقع لم يكن كذلك، فالكتابة عن الأعمال فى الصحف ليست لجودة العمل أو رداءته، ولكن لشهرة صاحبه ومدى نفوذه وعلاقته بالصحفي.
تكرر الأمر فى عمله الثانى "حشو أدمغة"، الذى طبعه لدى دار الأدهم، حيث التكلفة الأقل من دار وعد، لكنها أيضا عانت أزمة توزيع أكثر من الأولى، بسبب ملله المتزايد قرر أن يصدر عمله الأخير "تابوهاي" على نفقته الشخصية، لكن بعيدا عن دور النشر ذهب لمطبعة "بير سلم" وطبع عددا من النسخ طبعات رديئة صمم هو غلافها، ووزعها على أحد أكشاك سوق الأزبكية فى معرض القاهرة للكتاب، كانت جميع النسخ المودعة حوالى خمسين نسخة بيع عدد منها، وكان ذلك المشهد الأخير الذى اختتم به مهنا حياته الأدبية.
مهنا له محاولات عديدة فى كتابة السيناريو السينمائى وكتب العشرات، لكنه لم يوفق فى العثور على منتج رغم بحثه الدائم وجلساته المتعددة، رحل مهنا فاقدا كل شيء ما عدا حريته وموقفه الذى لم يتغير، فكانت قاعدته الأساسية "الحرية أو الموت" مثلما قال كزنتزاكس، وقد عاش حرا حتى النهاية.