الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سقراط يعيش بداخله.. حكاية أقدم بائع في سور الأزبكية

عم حربي
عم حربي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما إن تخطو قدمك إلى منطقة سور الأزبكية فى العتبة، حتى تجد ساحة من الثقافة والفن لكن دون اهتمام أو رعاية، ففى سور الأزبكية تجد كتبا فى كافة المجالات، كتب تخطف عينيك، تجذبك للاطلاع عليها وبجوار الكتب تجد وجوها مر عليها الزمن تحكى تاريخ الكتاب، ومن بينهم عم حربي "أقدم بائع كتب فى منطقة سور الأزبكية".

يعرف بـ"شيخ الوراقين" فى سور الأزبكية، صاحب مكتبة "دار الحسن"، حين تدخلها تجد الكتب المختلفة القديمة منها والجديدة، فضلا عن احتفاظه بجرائد قديمة من أيام النكسة والعدوان الثلاثى ونصر أكتوبر.

يقول الرجل الستيني: "ورثت تلك المهنة من والدى الذى ورثها عن جدي، فطيلة عمرنا نعمل فى بيع الكتب، بدأت العمل مع والدى من سن 7 سنوات، وعشت وسط الكتب وأحببتها، وأحببت الثقافة والقراءة".

وتابع: "هذه المكتبة كانت كشكا صغيرا ثم كبر المشروع وأصبحت مكتبة، فى أوائل عملى كنت أنادى على الناس لشراء الكتب، كان الكتاب حينها بقرش واحد، لم يعطلنى العمل عن استكمال دراستى، فأكملتها حتى الثانوية العامة".

ويقول "عم حربي": "عندما بدأت القراءة اطلعت على مجلات الأطفال مثل ميكى والوطواط وسوبر مان، وكلما كبرت تخليت عنها تدريجيا، واتجهت لكتب تميل إلى الفلسفة، ساعدتنى القراءة على أن أسوق للكتب وأستطيع أن أفيد أى شخص يطلب كتابا معينا، رغم أنه فى تلك الأيام تغير الأمر كثيرا، وأصبح من يأتى يريد كتابا معينا محددا اسمه جيدا ولا يريد غيره، رغم أن هناك كتبا ترتبط ببعض، ومن الممكن أن يكون هنا بديل لفكرة الكتاب نفسه".

ويشير إلى أن بائعى الكتب الموجودين فى سور الأزبكية مثقفون حتى فيما يتعلق بالكتب الأجنبية على عكس اعتقاد الناس بأنهم مجرد بائعين جهلة.

ويقول إن الثقافة المصرية ولدت مع الحضارة المصرية، ولكن مع مرور الوقت تلك الثقافة مهددة بالاندثار فى ظل عدم التوعية أو الاهتمام بها، خاصة أن الأجيال الجديدة تجهل الثقافة المصرية.

وأضاف "عم حربي" أن المثقفين والسياسيين كانوا يحضرون لشراء الكتب من سور الأزبكية فى الأوقات الماضية، على عكس الوقت الحالى نادرا إذا جاء مثقف أو سياسى ليشترى كتبا من سور الأزبكية، مشيرا إلى أن العديد من الأجيال الماضية من المثقفين مروا عليه وكانت لديه علاقة قوية معهم، منهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ومصطفى محمود وأنيس منصور وخيرى شلبي، كنت أحلم عندما ألتقى بهم أن أحصل على قدر قليل من الثقافة الذي يتمتعون بها.

ثم يصمت "عم حربي" للحظات، ويقول: "من الصدف العظيمة التى حدثت لى طيلة حياتى العملية أننى رأيت الرئيس الراحل محمد نجيب، كان وقتها يسير بسيارته، وسأل على كتاب بعنوان "كلمتى لبلادي.. مذكرات أول رئيس لمصر".

ولفت إلى أن المكتبة لا تشتمل على الكتب فقط، إنما الجرائد القديمة أيضا، قائلا: "كنت أحب الاحتفاظ بالجرائد القديمة، وموجود فى المكتبة جرائد لانتصار أكتوبر والعدوان الثلاثى وغيرها من أيام الستينيات والسبعينيات، كنت أحتفظ بها بدون سبب معين، وما زالت موجودة حتى الآن ولم أفرط فيها، فأنا أراها ثروة ليست مجرد مجموعة أوراق".

يقول "حربي": "رغم أننا نعتمد فى سوق الأزبكية على الناس الذين يريدون بيع الكتب فنشتريها منهم إلا أن هؤلاء الناس يثيرون دهشتي، كيف يستغنون عن الكتب بهذه السهولة والبساطة، يكشفون لى حقيقة أن الكتب لا يقدرها سوى المثقفين.

وعن طريقة الحصول على الكتب، يقول "حربي": "بالإضافة إلى الكتب التي نشتريها من الناس هناك أيضا مزادات نشترى من خلالها الكتب، نشترى كمية كبيرة من كتب متنوعة سواء فن أو تاريخ أو ثقافة، لافتا إلى أن هناك أيضا الكثير من الكتب المتهالكة، لكنها ذات قيمة عالية لا يستطيع البائع التخلى عنها، وأحيانا يكون هناك كتب يكون غلافها مهترئا، ولكن قيمتها كبيرة فنقوم بإعادة تهيئتها عن طريق إعادة تجليدها بحيث تخرج فى أحسن صورة".

واختتم حديثه: "قبل أن يصبح بيع الكتب مصدرا لأكل العيش هو فى الأساس فكرة وإيمان بالكتاب وقيمته، هذا الوعى تضاءل فى الوقت الراهن فمثقفو الماضى رحلوا ورحلت أيامهم الحلوة، ومثلما دخلناها فقراء سنغادرها فقراء، وهذه هي حال المثقفين.