الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

رجل "العلم والإيمان": صوت الفطرة يقود إلى الله

مصطفي محمود
مصطفي محمود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«إن زهوى بعقلى الذى بدأ يتفتح، وإعجابى بموهبة الكلام ومقارعة الحجج التى انفردت بها، كانت هى الحافز والمشجع والدافع دائمًا، وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب، الأمر الذى دفعنى إلى الاستغراق فى عبادة نفسي، وأعجبت بومضة النور التى بدأت تتوهج فى فكرى مع انفتاح الوعى وبداية الصحوة من مهد الطفولة».. بهذه الكلمات الصغيرة، والشكوك التى راودت العالم الراحل مصطفى محمود، يسرد قصته من الشك إلى اليقين.


لم ينكر فكرة إلحاده، لكن نفاها قائلا: «كانت لى شكوك إنسانية لكن كنت مع الله وأنا فى حالة شكى هذه»، ثم بتفسير أكبر «ناقشت فى كتابى كل الظواهر الموجودة فى الكون بمنطق فكرى علمي، والقليلون فهموا موقفى على وجهه الصحيح»، خاتما بقوله: «قدمت كتابى الأول منطلقًا من شيء أساسى وجوهري، وهو أن الله واحد»، الأمر الذى دفعه إلى أن يغرق فى الكتب طويلًا، حتى عاد إلى صوابه مرة أخرى.
ليس الأمر الذى يمر على الفرد مرور الكرام، والتحول الفكرى والعقائدي، وزرع الأفكار المختلفة النابعة من الغرب التى تخللت إلى عقول المصريين وبرزت إليهم عن طريق الرحلات والبعثات العلمية، ظهرت جلية على واحد من كبار المفكرين المصريين «الدكتور مصطفى محمود»، صاحب البرنامج الأشهر فى الشرق الأوسط «العلم والإيمان» الذى استمر على مدار ١٨ عامًا يفسر من خلاله علاقة الإيمان بالعلم والاستشهاد به فى شتى الأمور، الذى بدأ حياته متخبطًا بالأفكار الإلحادية، حتى عاد إلى رشده، وتيقن بوجود الله تعالى.
رجل «العلم والإيمان» وصف فى كتابه «رحلتى من الشك إلى الإيمان»، قصة انتقاله من الشك والإلحاد فى وجود الله تعالى إلى اليقين التام بوجوده والإقرار به، أتى به لينفى تهمة الإلحاد، التى طاردته منذ بداية مشروعه الفكرى بإصدار كتابه الأول «الله والإنسان» عام ١٩٥٧، ضمن «سلسلة كتب للجميع»، وأثناء معاناته من مشكلات فكرية نابعة من إمكانية وجود تعارض بين العلم المادي، الذى كان يدرسه بكلية الطب، وبين وجود الله.


رحلة «مصطفى محمود» بدأت بالشك عندما كان طالبًا فى كلية الطب، واختلاطه بالعديد من الأطباء الغربيين، إذ تحدث معهم الإنجليزية بطلاقة، وبدأت أفكاره تناقش أفكارهم، وأعُجب كثيرًا بعقله الذى بدأ يتفتح، حيث بدأ حديثه فى الكتاب قائلًا: «فى سن المراهقة، يطالعنا مصطفى محمود، عن فكره».. «تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من موجد، فلتقولوا لى إذن من خلق الله، أم أنه جاء بذاته»، وحينما كان «محمود» غلاما فى سن المراهقة تراوده تلك الأفكار ويخبر بها الأشخاص تصفر الوجوه من حوله، وتنطلق الألسن تمطره باللعنات، فيما يستغفر له أصحاب القلوب التقية ويطلبون له الهدى، ويتبرأ منه المتزمتون».
احتاج العائد بفكره المتخبط، للعودة إلى اليقين وإلى الله تعالى، إلى أكثر من ثلاثين عامًا من البحث فى الكتب والخلوة والتأمل والحوار الدائم مع النفس، وإعادة النظر وتقليب الفكر على كل وجه لقطع الطرق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت إلى ما كتبه من كلمات على درب اليقين.
تلك الرحلة لم تكن بالسهلة على رجل وهب كل وقته للعلم وتفرغ له، وطرح العديد من الأسئلة التى كانت طافية فى تلك الفترة، ولكنه بعد تبلور تلك الأفكار يؤكد أنه لو كان أصغى إلى صوت الفطرة، وترك البداهة تقوده لأعفى نفسه عناء الجدل، وقادته الفطرة إلى الله، دون البحث المرهق الذى استغرق من وقته ليالى كثيرة وسنين من عمره فى معرفة الحقيقة، معللًا ذلك بأنه جاء فى زمن تعقد فيه كل شيء وضعف صوت الفطرة حتى صار همسًا، وارتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغرورًا واعتدادًا، فتصور نفسه القادر على كل شيء وزج نفسه فى كل شيء، وأقام نفسه حاكمًا على ما يعلم وما لا يعلم.
«العلم الحق لم يكن يومًا مناقضًا للدين»، هكذا اعترف العائد إلى اليقين بعد عناء البحث، بل إن نصف العلم هو الذى يوقع العقل فى الشبهة والشك، وخاصة أن العائد كان مزهوًا لدرجة كبيرة بعقله وبنفسه، معتمدًا على عقلانيته، التى يرى فيها أنها إذا دارت أى معركة فكرية فالعقل يتصور أنه كل شيء فى ذلك الوقت.
وفى كتاب «ما هو الإسلام»، يقول الدكتور مصطفى محمود: إن «الحب والهوى والغرام، خداع ألوان، وما نراه فى المحبوبة مثلما نراه فى قوس قزح، وإذا غابت الشمس وجف المطر اختفت الألوان وذهب الجمال، والمحبوبة جمالها يتجلى عليها من خالقها، فإذا انقطع عنها التجلى شاخت ومرضت وذبلت وعادت قبحا لا جاذبية فيه، وحتى السجايا الحلوة والنفوس العذبة والخلال الكريمة هى بعض ما يتجلى فينا من أسماء خالقنا الكريم الحليم الودود الرؤوف الغفور الرحيم».
ويتابع: «إن مذهب العارفين ليس مجرد معرفة، ولكنه همة واقتدار وكدح ومغالبة، والنفس لا تستطيع أن تعشق إلا ما ترى، ولا أن تتعلق إلا بما تشهد بصرا وسمعا وحواسا، وأدركوا أن هذا أمر لا يمكن الوصول إليه إلا ركوعا وسجودا وابتهالا وعبادة وطاعة وخضوعا وخشوعا وتذللا وتجردا، وكل هذا منزلة رفيعة لا مدخل إليها إلا بالإخلاص وسلامة القلب وطهارة اليد والقدم والعين والأذن ولا سبيل إليها إلا بخلع النعلين».