الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"زكى أبو شادي": الألوهية فكرة غريزية في الإنسان

كتب رسالة بعنوان «لماذا أنا مؤمن؟»

 الطبيب المفكر أحمد
الطبيب المفكر أحمد زكى أبوشادى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى القرن الماضي، ألقى الطبيب المفكر أحمد زكى أبو شادى محاضرة بعنوان «عقيدة الألوهية» فى ندوة بنادى الثقافة بالإسكندرية، مساء الثلاثاء ٣ نوفمبر سنة ١٩٣٦، ونشرت ملحقة فى مجلة «أدبى» فى نفس العام، وهى المحاضرة التى انتهج فيها «أبو شادى» منهجا أدبيا وصوفيا جمع بين العقل والقلب والفطرة فى إثبات الألوهية.
حين قرأ دكتور إسماعيل أدهم هذه المحاضرة رد عليها بمقال «لماذا أنا ملحد؟» وهو المقال الذى رفض فيه قيام الكون الطبيعى والبشرى على قانون السببية، وعلاقة الأسباب بالمسببات، واضعا بدلا من ذلك «قانون الاحتمالات» رافضا وجود سبب أولى لما فى الوجود من أسباب.
فى مساء الثلاثاء ٢٣ من يوليو سنة ١٩٤٠، عثر على جثة الدكتور إسماعيل أحمد أدهم طافية بالقرب من شاطئ جليم بالإسكندرية، وقد أثبتت التحقيقات أنه مات منتحرا، وأنه خطّ رسالة ووضعها فى جيبه قبل انتحاره جاء فيها أنه «قتل نفسه بالغرق يأسًا من الدنيا وزهدًا فى العيش فيها، وأوصى بأن يُشرّح رأسه ويحرق جسده»، وقد دفن فى مقابر المسلمين ولم يلتفت أحد إلى وصيته.
ولمّا طالع إسماعيل أدهم محاضرة «عقيدة الألوهية» لأحمد زكى أبو شادى والتى نشرت عام ١٩٣٦، بادر بكتابة رسالته «لماذا أنا ملحد؟» باعتبارها ردًا فلسفيًا على كتابات «أبو شادي» من قبيل التناظر والسجال العلمي.
نقد «أدهم» قول «أبو شادي» بأن «التدين جبلة يفطر الإنسان عليها»، وراح يقلب فى صفحات ذكريات طفولته، ليدلل على أنه كان شكاكًا وملحدًا منذ نعومة أظفاره، وأنه كان يضيق من تعاليم الإسلام التى كان يتلقاها على يد زوج عمته قهرًا، وأن تعاليم المسيحية البروتستانتية وكتابات «إسبينوزا» فى نقد الكتب المقدسة وشكوك «هيوم» فى عقيدة الألوهية وآراء «داروين» و«سبنسر» و«أوجست كونت» فى تفسير الوجود وتطور المجتمع كانت أقرب إلى نفسه من القرآن وكتب السيرة المحمدية.
ويقول «إسماعيل أدهم» فى ذلك: «وكانت نتيجة هذه الحياة أنى خرجت عن الأديان وتخليت عن كل المعتقدات واستعنت بالعلم وحده وبالمنطق العلمي، وأشد ما كانت دهشتى وعجبى أنى وجدت نفسى أسعد حالًا وأكثر اطمئنانًا من حالتى حينما كنت أغالب نفسى للاحتفاظ بمعتقد ديني»، ثم يقول: «فأنا ملحد ونفسى ساكنة لهذا الإلحاد، ومرتاحة إليه، فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف فى إيمانه».
وحرص «أدهم» على توضيح نظرته فى «الإلحاد»، فبيّن أن إلحاده قد تجاوز درجة الشك فى الكتب المقدسة والغيبيات، كما هو الحال عند «إسبينوزا» و«هيوم» و«فولتير»، على الرغم من اتفاق «أدهم» معهم فى نقض الغيبيات باعتبارها خرافة يجب نبذها والشك فى الكتب المقدسة بوصفها كتبًا ملفقة، وأنه ليس هناك وجود برهان علمى أو عقلى يقطع بوجود إله على النحو الذى تحدثت عنه التوراة والإنجيل، فإنه يرفض اعتقادهم بوجود إله باعتباره حاجة إنسانية يمكن البرهنة عليها عن طريق الإحساس والشعور، فذهب معه إلى أن الإيمان بوجود إله يرجع إلى جهل الناس بحقيقة الطبيعة والإصغاء للكهنة الدجالين الذين ابتدعوا فكرة الله لخداع الناس وتضليلهم وابتزازهم.
لكن الدكتور أحمد زكى أبو شادى رد على «إسماعيل أدهم» فى رسالة أسماها «لماذا أنا مؤمن؟» بيّن فيها أن «إلحاد أدهم وسخطه على الأديان بعامة والدين الإسلامى بخاصة يتعارض مع الحرية والعقل والتقدم والنظرة العلمية للكون التى ينشدها أدهم، وأن حججه على إنكار وجود إله لا تخلو من المغالطة والتعصب الذى تأباه الروح العلمية التى يحتمى بها، ووضح أن فكرة الألوهية فكرة قبلية فى الإنسان أشبه بالغريزة، واستشهد فى ذلك برأى العلماء»، ويقول عن رسالته: «وقد تدبرت طويلًا، كما درست نظريات وتجارب شتى لطائفة من رجال الفلسفة والتاريخ والدين والعلم، فانتهيت إلى نظريتى التى حبذها الدكتور ريتشارد بل الأستاذ بجامعة إدنبرة ألا وهي: أن الإحساس بالألوهية إحساس (فطري) شبه غريزى وهو انجذاب الجزء نحو الكل».
وذهب الكاتب الإسلامى الراحل، محمد فريد وجدي، يستشهد بآراء العلماء الطبيعيين والرياضيين والفلاسفة الذين أكدوا وجود الله كحقيقة فلسفية وعلمية، ومنهم «هنرى بوانكاريه» العالم الرياضى الفرنسى الشهير الذى أكد أن كل ما نسميه بالحقائق العلمية الثابتة ما هو إلا مجرد افتراض لا يرقى إلى مرتبة اليقين، ومن ثم «لا يمكننا الفصل فى قضية عدم وجود الله استنادًا لأحكام نسبية وحقائق مؤقتة سرعان ما تكشف عن زيفها التجارب العلمية الحديثة».