الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الجبهة السلفية عن "الجهاد المصري": "كان تنظيم وفشل"

فى دراسة عن تاريخها الإرهابى

السلفيين فى مصر -صورة
السلفيين فى مصر -صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أصدر أحمد مولانا، عضو المكتب السياسى للجبهة السلفية، دراسة يؤرخ فيها لتاريخ تنظيم الجهاد المصري، بعنوان «الحركات الجهادية المصرية حدود الدور».. ويتناول «جماعة الجهاد المصرى خلال الفترة من عام ١٩٦٦ إلى ١٩٨٨، وألقى الضوء على أهدافها واستراتيجيتها للتغيير وبنيتها التنظيمية، وصولًا إلى تعثر مشروعها التغييري، وخلفيات اندماجها مع القاعدة وتحولها من قتال العدو القريب إلى قتال العدو البعيد. 
ولم تخل الدراسة من نظرة متحيزة لجماعة الجهاد، حيث استقى معظم معلوماته من كتابات كوادر التيار الجهادى أنفسهم دون غيرهم، مثل رفاعى سرور وأيمن الظواهري وعبدالمنعم منيب، فضلا عن ملف التحقيقات مع قياديى الجماعة «أحمد سلامة مبروك» و«أحمد النجار». 


الجبهة السلفية
لمع اسم الجبهة السلفية إعلاميا بعد ثورة ٢٥ يناير، وتسبب فى الخلط بينه وبين الدعوة السلفية، التى تنتشر فى جميع المحافظات بينما كانت الجبهة السلفية كيانا إعلاميا بدرجة كبيرة مقره مدينة المنصورة، التى ينتمى إليها معظم أعضائها، وعلى رأسهم زعيم الجبهة، أشرف عبدالمنعم، والمتحدث باسم الجبهة خالد سعيد، وكذلك سعد فياض، ويعتبر الشيخ هشام عقدة والشيخ رفاعى سرور، أحد منظرى التيار القطبي، وأهم مراجعهم. 
تكونت الجبهة السلفية من بعض التكتلات السلفية، التى كانت تعمل ضد مبارك أيام حكمه، والتى كانت لها خياراتها الثورية، التى كانت تختلف عن الدعوة السلفية فى الإسكندرية، وظهرت أكثر فى ميدان التحرير، وأسست بعدها كيانا سياسا باسم حزب الشعب.. لكن لم يكتمل تأسيسه. 


الدعوة السلفية
فيما نشأت الدعوة السلفية بالإسكندرية فى سبعينيات القرن الماضي، على يد الشيخ محمد إسماعيل المقدم، وانضم له الشيخ أحمد فريد، وسعيد عبدالعظيم، ومحمد عبدالفتاح أبوإدريس، وياسر برهامى وأحمد حطيبة، ومعظمهم طلبة فى كلية الطب بجامعة الإسكندرية، وبدأ انتشار الدعوة فى المحافظات، حتى بلغ الانتشار ذروته فى ٢٠٠٢، حيث تلقت ضربات أمنية حجمت من انتشارها. وبعد ٢٥ يناير أسست الدعوة السلفية حزب النور، الذى فاز تحالفه فى أول انتخابات بحوالى ربع مقاعد البرلمان، وكان مؤسسو الحزب هم أبناء الدعوة.
من جماعة الجهاد إلى مجموعات الجهاد
الدراسة تشير إلى أن نشأة التيار الجهادى، لم تكن على هيئة تنظيم موحد، بل كانت على شكل مجموعات متعددة، تأسست بداية من عام، وبمرور الوقت وتوالى الأحداث اندمجت بعض هذه المجموعات فى جماعة واحدة عام ١٩٦٥، تحت اسم «جماعة الجهاد المصرية». 
ونشأت أولى المجموعات الجهادية على أرضية الثأر لسيد قطب، بالتوازى مع التأثر بمنهج جماعة أنصار السنة المتمثل فى الاهتمام بعقيدة التوحيد، وبالتعامل المباشر مع النصوص الشرعية، وبالقراءة فى كتب الجهاد والسير فى الصحيحين، بالإضافة إلى الاعتناء بكتب ابن تيمية وابن القيم. 
وتشرح الدراسة كيف تشكلت المجموعات الجهادية من عدة شباب من طلبة الثانوية العامة، والذين سيصبحون قادة التنظيمات الإرهابية فيما بعد، ومن أبرزهم إسماعيل طنطاوي، رفاعى سرور، أيمن الظواهري، أمين الدميري، يحيى هاشم، نبيل البرعي، محمد عبدالرحيم الشرقاوي، وخالد الفقي. 


اندماج وتقييم تجربة الجهاد
خرج تقييم الجبهة ينتقد أفكار التنظيم الداخلية والخارجية، فتقول الدراسة «من خلال السرد التاريخى السابق، يمكن تقييم تجربة التيار الجهادى فى بواكير نشأته وبالأخص جماعة الجهاد، من حيث خلفيات التأسيس والظرف العالمى والإقليمى والمحلي، الذى ظهرت خلاله، وحقيقة امتلاكها لمشروع متكامل للتغيير ومدى ارتباطها بجماعة الإخوان، ومستوى تجانسها الداخلي، ونظرتها للدولة وعلاقتها بالمجتمع، وطبيعة أطروحاتها، والسمات العامة لعناصرها، وحجم نجاحاتها وإخفاقاتها فى النقاط التالية:
أولًا: نشأت التجربة الجهادية الأولى فى ظل نظام إقليمى متماسك، ودول قومية قوية تحكم قبضتها على حدودها وشعوبها وتتمتع بمظلة حماية من الدول الكبرى، فحظى النظام الحاكم فى مصر بمشروعية قانونية أمام الجماهير، واعتبر معظم المواطنين الجهاديين بمثابة متطرفين خارجين على الشرعية، كما نددت معظم الجماعات الإسلامية بأعمال العنف، وقدمت تنظيرات مناهضة له، مما مثل عائقا أمام انتشار أفكار الجهاديين وأدى لافتقادهم إلى حاضنة شعبية قوية تقدم لهم الدعم المالى والبشرى الذى يكفل الاستمرار.
غياب مشروع للتغيير
ثانيًا: تأسست المجموعات الجهادية الأولى على قاعدة الثأر من النظام الحاكم دون امتلاكها لمشروع تغييرى ذى ملامح واضحة، إذ تمثل هدفها الاستراتيجى فى إسقاط النظام بالقوة، مع فكرة غائمة لإقامة الخلافة دون أى خطة متكاملة واقعية، وتركز النظام عندهم فى شخص الحاكم، وأدى غياب التماسك التنظيمى لتلك المجموعات بالتوازى مع ضعف التجانس بين عناصرها إلى تشظّيها السريع فى وقت قصير، بينما أدت فترات السجن القصيرة إلى تمازج بعض الأفراد وتكوينهم عقب خروجهم من السجون بؤر عمل جديدة أكثر رسوخًا.
الإخوان عقبة
ثالثًا: تمايز التيار الجهادى عن جماعة الإخوان الإرهابية وارتباطه بما حدث لها، إذ نشأت الحالة الجهادية وتطورت كحركة صدامية تتبنى حتمية المواجهة، وتنبذ منهج جماعة الإخوان المتخاذل وتعتبر قيادات جماعة الإخوان بمثابة عقبة أمام تطور المشروع الجهادى لاختلاف المناهج والممارسات وأطروحات التغيير. 
رفض الديمقراطية
رابعًا: رفضت جماعة الجهاد العملية الديموقراطية شكلًا ومضمونًا، واعتبرت أنظمة الحكم القائمة أنظمة ردة تفتقد للمشروعية، لأنها تحكم بالقوانين الوضعية، وترعى مصالح الغرب على حساب مصالح شعوبها، ودعت للإطاحة بها، دون أن تقدم بديلا للنظام، سواء على المستوى النظرى أو التطبيق الواقعي، واستمدت تصورها العام لدولتها المنشودة من نموذج الخلافة الراشدة التى تسودها أحكام الشريعة، وتقام فيها الشورى، ويمتلك المسلمون فيها حرية اختيار من يحكمهم.
تنظيم نخبوى
خامسًا: ترى دراسة الجبهة السلفية أن تنظيم الجهاد نخبوى الطرح، إذ قدم التيار الجهادى طرحًا يتمركز حول أولوية قتال العدو القريب، ووجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام الظاهرة، ونبذ المشاركة السياسية ضمن مجموعة قضايا يصعب تفهم قطاعات واسعة من الناس لها، مما حصر المجموعات الجهادية فى نخب ثورية متقاربة سنيًا تكثر بينها النقاشات الفكرية والشرعية ومن ثم الانشقاقات والنزاعات.
تشدد عقائدى
سادسًا: التشدد العقائدى والمرونة الواقعية، فرغم تبنى جماعة الجهاد للمفاصلة العقائدية مع الأنظمة العلمانية والمنحرفة عن الإسلام، إلا أن هذا لم يمنعها من التواصل مع إيران وليبيا للتنسيق ضد النظام المصرى الذى مثل لهم خصمًا مشتركًا.


فشل جماعة الجهاد
وأخيرا لم تنجح جماعة الجهاد فى تصور الجبهة السلفية فى تحقيق استراتيجيتها للتغيير فى مصر، لمحدودية إمكانات المناورة والتدريب المتاحة أمامها بسبب الطبيعة الجغرافية، وتمركز السكان فى وادى النيل المنبسط، ومركزية الدولة، وسيطرتها القوية على المدن الكبرى والوادي، فضلا عن ضعف التمويل لافتقاد الجماعة لمصادر دعم خارجية قوية أو واجهات مالية تمولها، مما قلص من حجم أنشطتها، وجعلها غير قادرة على تغطية احتياجاتها فضلا عن احتياجات المعتقلين وأسرهم.
كما أدى افتقاد الجماعة لهياكل تنظيمية وتعبوية قوية، إلى ضعف قدرتها على تعويض خسائرها وتجنيد عناصر جديدة. وساهمت الخبرة الواسعة لأجهزة الأمن المصرية فى تفكيك وتصفية مجموعات الجماعة داخل مصر.
وهكذا تظهر التنظيمات الإرهابية كل فترة بأطروحات وتصورات تدعم بعضها بعضًا، فى شكل تكاملى وكأنها تعمل فى خطوط متوازية لإقامة مشروعهم الوهمى الذى ما إن يتركوا أبوابه إلا ويخيب ظنهم فيه، فيحملون مشروعا فاشلا آخر فى متوالية عددية قد تستمر حتى يدحرهم المجتمع والناس.