الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

هدى شعراوي.. تاريخ ناصع بالنضال.. أسود بالخصام

هدي شعراوي
هدي شعراوي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فتاة لم يكن الزواج هدفها، لكنها تتزوج قبل أن تكمل الثالثة عشر من عمرها، وتشترط على زوجها أن يطلق زوجته الأولى، فكانت تجد الزواج سجن يسلبها حريتها ويحرمها من هوايتها، فتقول: "لا أستطيع تدخين سيجارة لتهدئة أعصابي حتى لا يتسلل دخانها إلى حيث يجلس الرجال فيعرفون أنه دخان سيجارة السيدة حرمه، فإلى هذا الحد كانت التقاليد تحكم بالسجن على المرأة، وكنت لا أحتمل مثل هذا العذاب ولا أطيقه"... إنها هدى شعراوي.
فتاة عانت من تفضيل أخيها الصغير "خطاب" عليها في المعاملة، رافضة مبررات أهلها، أنه الولد الذي يحمل اسم أبيه، وامتداد للأسرة بعد وفاته، فتقول "كرهت أنوثتي في صغري بسبب حب والدتي الكبير لأخي الأصغر، كما أنني لم أتمكن من ممارسة الألعاب الرياضية كالذكور"، لكنها في الحقيقة ذاقت أشد المعاناة بعد وفاة هذا الأخ الذي كان وحده من يستطيع فهمها وإدراك اختلافها بعد وفاة والدتها وزوجها.
أصيبت بالاكتئاب مما اضطرها للسفر للاستشفاء في أوروبا، وهنا قد يكمن الخير في الموت، فتكون رحلة علاج هدى شعراوي للشفاء من حزنها على وفاة أخيها هو باب الحرية الذي فتح على مصراعيه أمامها، فتتحول تلك الفتاة إلى امرأة مناضلة ومدافعة بكل ما تملكه من قوة عن حقوق المرأة المصرية بعد انبهارها بالامتيازات اللاتى حصلت عليه النساء الأوروبيات، فتكون ذلك نقطة الانطلاقة الحقيقة لهذة السيدة لتصدر مجلة "الإيجيبسيان" باللغة الفرنسية.
"حذف نون النسوة من اللغة العربية، المساواة في الحقوق السياسية مع الرجل، الحد من سلطة الولي، تقييد حق الطلاق، وتقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء، والجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة والتعليم الابتدائي"، تلك كانت أهم متطلبات نضال تلك السيدة، وأهم النقاط التي دارت حولها حياتها، لكن في الحقيقة هي امرأة كغيرها من البشر لا يمحو تاريخها من الأخطاء والسقطات، فيكفى ما سعت إلى فعله عندما علمت بزواج ابنها "محمد شعراوي" من المطربة "فاطمة سري"، فحاولت الضغط على المطربة بما لديها من نفوذ وعلاقات، بالتهديد بتلفيق ملف في شرطة الآداب يتهمها بالدعارة، لكن المطربة تحدتهم بأن تطلق الرصاص على أي وزير داخلية يقوم بهذا التزوير.
ذلك الصوت النسائي وتلك المناضلة الشرسة التي كانت في استقبال الزعيم الراحل سعد زعلول وجموع المصريين، والتى تعلن رفع النقاب وصديقتها سيزا نبراوي، قائلة "ورفعنا النقاب وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه، وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافرًا لأول مرة بين الجموع، فلم نجد له تأثيرًا أبدا، لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد زعلول متشوقين إلى طلعته"، تقف في وجه امرأة مثلها، بل امرأة أشد ضعفا منها وفي أمس الحاجة لنصرتها.
فتثور "هدى شعراوي" فور علمها بحب ابنها لتلك المطربة التي أحيت حفلًا كبيرًا في "سرايتها"، فكيف له بحب تلك المطربة التي حرمها طليقها من أبنائها بسبب هذا الحب!، التى رفضت أية موال تدفع لها مقابل إنهاء تلك العلاقة، طالبة الزواج الشرعى بعد حملها من ابن "هدى شعراوي"، والذي يستعطفها بمهلة حتى ترضى والدته، فيحرر لها إقرارا بخط يدة يعترف بزواجه من "فاطمة سري" وبحملها منه وبحقوقها الشرعية والقانونية.
ذلك الشاب الذي رضخ لأمه في النهاية، فسافر من دولة لدولة طالبا من "فاطمة سرى" اللحاق به، فتلحق به لكنها لم تعثر عليه، فعادت المطربة إلى مصر ومعها طفلتها "ليلى"، ليعود بعد مدة فيسأل عنها وعن ابنته وعن الإقرار، فتعطيه له بعد أن كانت قد احتفظت بصور مطابقة منه، فيطمئنها بإعلان الزواج، ثم يقبلها ثم يخرج بلا عودة، فيتنصل منها ومن علاقتها، فما كان من تلك المرأة إلا أن تلجأ لمحررة المرأة "هدى شعراوي".
تطلب "فاطمة سري" من هدى شعراوي الإنصاف والعدل، قائلة: "إن اعتقادي بك وبعدلك، ودفاعك عن حق المرأة، يدفعني كل ذلك إلى التقدم إليك طالبة الإنصاف، وبذلك تقدمين للعالم برهانًا على صدق دفاعك عن حق المرأة، ويمكنك حقيقة أن تسيري على رأس النساء مطالبة بحقوقهن، ولو كان الأمر قاصرًا عليَّ لما أحرجت مركزك، لعل أنك أم تخافين على ولدك العزيز أن تلعب به أيدي النساء وتخافين على مستقبله من عشرتهن، وعلى سمعته من أن يقال أنَّه تزوَّج امرأة كانت فيما مضى من الزمان تغني على المسارح، ولك حق إن عجزتِ عن تقديم ذلك البرهان الصارم على نفسك، لأنَّه يصيب من عظمتك وجاهك وشرف عائلتك، كما تظنون يا معشر الأغنياء، ولكن هناك طفلة مسكينة هي ابنتي وحفيدتك".
وظلت فاطمة سري تستعطف المناضلة هدى شعراوي في رسالتها طالبة نسب ابنتها لابنها محمد شعراوي دون رغبتها في مال، والرد عليها خلال أسبوع قبل أن تضطر إلى المحاكم، قائلة "سنكون أنا وأنتم مضغة في الأفواه، وأنت أدرى بجونا المصري وتشنيعه، خصوصًا في مسألة كهذه، وهذا ما يضطرني إلى أن أرجع إليك قبل أن أبدأ أية خطوة قضائية ضده، وليس رجوعي هذا عن خوف أو عجز، فبرهاني قوي ومستنداتي لا تقبل الشك وكلها لصالحي، ولكن خوفًا على شرفكم وسمعتكم وسمعتي".
لم تلق تلك الرسالة صداها الإنسانى عند "هدى شعراوى"، بل توعدتها، لتشتعل الحرب بينهما لسنوات إلى أن حكمت المحكمة بأن "ليلى" هي ابنة "محمد شعراوي"، وهنا خضعت "هدى شعراوي" لحكم القضاء.
ويبدو أن ما تؤمن به هدى شعراوى يتنافى مع تلك الواقعة التي كانت تعتبر النقطة السوداء في حياة تلك المرأة، فتناست الإنصاف الذي تدعو إليه، وكانت أول الجائرين على حقوقها امرأة مثلها.