الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف برعنا فى تسويق ثورات الخراب العربى بغباء!؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا نضيف اختراعا، ولا نصنع ابتكارا، حين نقول إن الكلمة مدفع أو بندقية، سيف أو سكين، صاروخ أو قذيفة. وإذا كانت الأسلحة والذخائر، ضمن تجهيزات عديدة أخرى، هى أدوات الجيوش لتنفيذ مجموعة محددة من خطط العمليات التكتيكية الميدانية وصولا لحزمة الأهداف الاستراتيجية السياسية والعسكرية، فإن هذه الجيوش بأسلحتها وعدتها ورجالها لا يمكن بحال من الأحوال، فى عصرنا الحديث هذا، أن تتحرك بدون قاعدة معلومات استخباراتية استطلاعية موثوق فى كفاءتها وصدقيتها. هذه المعلومات هى طعام القادة المنشود، يهضمونه ويحللونه، ويتصرفون على ضوء نتائج التحليلات، ومعها يحركون القوات فى اتجاه الأهداف المرصودة وهذه المعلومات هى شغل أجهزة المخابرات الحربية، والعامة، والمتخصصة، تصب جميعها، فى حزمة واحدة كاشفة، توضع تحت عين وعقل صانع القرار السياسي، الذى هو أيضا قرار عسكري. بطريقة أخرى، يمكن القول إن الجيوش هى الجسم، وإن أجهزة المعلومات هى المخ. وفى وقت أسود من تاريخ مصر، بعد مؤامرة الخامس والعشرين من يناير، فقدت البلاد العناصر المعلوماتية الفعالة فى جهاز الشرطة، وبقرار من عصابة الإخوان الحاكمة وقتها، لكى تصبح الشرطة عمياء، لا تعرف من أين تتلقى الطعنات، وتسقط فعاليتها فى نظر الشعب، وذلك كله تمهيدا لصنع جهاز شرطة إخوانى ميليشياتي. أجهزة المخابرات هى إذن من يمهد الأراضى للحرق أو الغزو أو السيطرة، ولها أذرع أمنية مدربة، كما أن لها قوة ناعمة، بالغة المهارة فى تسخير نتائج دراسات علم النفس، والقدرات والخصائص المميزة للأفراد والشعوب، بل ولها القدرة على النفاذ إلى المجتمعات لفرز وانتقاء العناصر الصالحة للفساد فالإفساد فالخيانة بالتخابر! من هنا كانت مدرسة صربيا، لجمع وفرز وتلقين المجموعات النوعية، من القابلين للتحول ضد الوطن الأم، كل فى منطقته، مستترين وراء دعاوى المجتمع المدني، والديمقراطية، والتغيير السلمي.
وفى هذه المدرسة العليا للمخابرات الغربية، تتم عادة صهر ونحت وسبك تعبيرات مثل الثورة البرتقالية، ومثل التعبير الشائع الفاضح الربيع العربي، ومثل مصطلح الدولة الفاشلة، والدولة المارقة. ولا يمكن بحال من أحوال التدبر العقلى العميق تغافل أن هذه التعبيرات تمت صياغتها والاتفاق عليها سلفا، وقبل أن تنقل إلى كوادر وقادة عمليات التغيير السلمي. على نحو أكثر سرعة، فإن المجموعات التى دعت إلى نزول الناس يوم الخامس والعشرين الأسود فى العام ٢٠١١، كانت لديها مدونة شعارات، مخابراتية، أطلقها صبى جوجل وائل غنيم، عبر صفحة التحريض على الدولة، صفحة سماها «كلنا خالد سعيد» ويمكنكم الرجوع إلى موقع علمى أكاديمى متميز اسمه» «TED»، كان قد استضاف صبيا صربيا ليشرح عملية تغيير مصر من الداخل بالفوضى. شهور تقريبا مضت قبيل يوم نزول الناس، ويوما بعد الآخر كانت الصفحة تتمدد وتكبر وتجتذب الساخطين على الفساد والمحبطين والعاطلين، والمهيجين والفوضويين، وفى الوقت ذاته كانت مجموعة الإعلام المدربة وقتها، كتيبة التبشير، أبرزهم مصطفى النجار والولد زياد العليمى قليل التربية الذى سب علنا المشير طنطاوى لأن أمه حرمته من نعمة التهذيب، تلقوا الشارات والشعارات، ثم المبربشة العفيفة فى وطنيتها التى فتحت ذراعيها وأعز ما تملك، عقلها يعني، للارتماء فى بحر الدموع هى والعميل!
ووسط النيران والحرائق والسرقات والشعارات والفوضى، ومع أول طلعة تخريب تحت راية العملاء من الصربيين الإبريليين والبرادعية (كلهم سبيكة واحدة معادية للوطن مصنوعة بولاء غربى) والإخوان، وبإشارة بدء من المخابرات المركزية فى محطة إسطنبول إلى محمد مرسى المعزول، أشار اليها بالتوثيق والفضح، الدكتور عبدالرحيم علي، فى عز عز الخيانة والخراب، فى لقاءات مع عكاشة وغيره، وعلى الهواء،لكن أحدا وقتها لم تكن لديه شجاعة الإصغاء والانتباه، فقد انطلقت روح القطيع، وغاب العقل وحلت عقيدة الدهماء والساخطين والرافضين والأناركيين (الثوريين الاشتراكيين)، وفق مخطط الفوضى الخلاقة.
واحترق الوطن من أقصاه إلى أقصاه.
وسط هذا كله ألم يلفت النظر والبصر قط نزول شعار ثورات الربيع العربي، منذ انتحار الشاب بوعزيزى كافرا فى تونس، فنحر معه المنطقة، ثم حريق ليبيا، ثم التركيز عليه فى مصر؟! ألم نلحظ إصرار إدارة أوباما وهيلاري، على ترديد التعبير، وتكراره، طول الوقت فى وسائل الإعلام كافة؟. لو تأملنا التعبير سنجده يحمل مضمونا مغريا، فالثورة عمل شعبى شامل يؤسس لدولة جديدة من أجل أهداف ترفع شأن الأمة، غابت بالاستبداد أو الجهل أو الإفساد عن النظام السابق الذى كان يقوم على شئونها. وفى وقت الرئيس الأسبق مبارك، كان لدى أجهزة المعلومات تقارير مؤكدة عن سخط شعبى جارف يتجمع، ومع ذلك، فإن أقصى ما توقعه رئيس المخابرات اللواء الراحل عمر سليمان هو ألا يبيت المتظاهرون فى ميدان التحرير، وأن المخابرات والداخلية فوجئت بضخامة الأعداد. تلك رواية سمعتها بنفسى من أسد المخابرات المصرية فى آخر لقاء مع رؤساء التحرير فى قصر الاتحادية ومبارك بعد فى السلطة.
من يومها وتعبير ثورات الربيع العربى المعمول فى رحم المخابرات الغربية لايزال يتردد بجهل وحمق وببغائية، على ألسنة إعلاميين سطحيين، ومسئولين لا يتدبرون ما يرددون. ولأن الإعلام الآن هو من يقود الساسة، فإنه يصك لهم ما تم صكه له!
وبذلك تتم عملية تسويق ناجحة دءوبة لمصطلحات فاسدة مطعمة بفيروسات تدمير الدولة.
من الناس من انتبه إلى أن التعبير الحق هو ثورات الربيع العبري، أى أن ما يجرى من خراب هو ازدهار لشجرة الدولة الإسرائيلية على حساب العرب.
معاقبة الحكام بإطلاق شرور الدهماء، تقودهم نخبة عميلة، ليس فقط لطرد الحكام موضع السخط، بل لإسقاط جغرافيا المكان ذاته وحدوده، أى الدولة، كان هو المخطط، ولا يزال.
مصطلح الفوبيا والدولة الفاشلة: الأبعاد والعلاج.. مقالنا التالي.