الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كرهت الله.. ملف خاص يرصد رحلات الإخوان والسلفيين من التكفير إلى الإلحاد

صديق فرج الله
صديق فرج الله
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أقصى اليمين المتطرف الذى يجنح إلى الإرهاب بحجة «نصرة دين الله» إلى الإلحاد وإنكار وجود الله، ما الذى يمكن أن يمر به إنسان ليقطع هذه الفجوة الفكرية الكبيرة فى سنوات معدودة؟ هذا ما تكشفه حوارات «البوابة» مع سلفيين وإخوان بعضهم مر على الجماعة والدعوة السلفية، مرور الكرام، وآخرون انخرطوا فى صفوف التنظيمين وتنظيمات أخرى مثل «التبليغ والدعوة»، ووصلوا إلى مناصب قيادية، وتولى مهام الإمامة فى بعض المساجد، أسباب عديدة يسوقها الملحدون الذين حاورناهم عن اتجاههم للإلحاد بعد سنوات من التشدد الذى وصل إلى درجة التطرف وتكفير الدولة وتحريم ما أحل الله من أمور الدنيا، فى غلو واضح، ومن أبرز الأسباب، التكنولوجيا الحديثة التى مكنت الشباب من توسيع دائرة الاطلاع والبحث، وظهور التنظيمات المتطرفة التى أعطت للعالم انطباعًا خطيرًا عن الإسلام، دفع كثيرين لإعادة التفكير فى الدين وأهمية الارتباط به من عدمه.


«البوابة» لا تفتح هنا ملف الإلحاد، وتنشر حوارات الملحدين، لإثارة نقاش فكرى حول معتقداتهم وأفكارهم، بل تستهدف فى المقام الأول معرفة منطلقاتهم والظروف التى قادتهم إلى ذلك الاتجاه، والأهم هو محاولة تفسير النقلة الرهيبة التى اجتازتها النماذج التى حاورناها من أقصى التشدد الدينى إلى عزم أكيد على عدم العودة إلى الأديان، باعتباره من المستحيلات.
إزاء ما يطرحه المتحاورون، من ملابسات وظروف إلحادهم وكيفية استقبال المجتمع لتلك الخطوة، ورغبتهم فى الاحتفاظ باختلافهم، على قاعدة المواطنة، لهم نفس حقوق الآخرين وعليهم نفس الواجبات، يجد كل المعنيين بمستقبل الوطن وشبابه أنفسهم أمام مسئولية تحليل وتفنيد هذه الظاهرة من جميع جوانبها، لعل ذلك يقود إلى حوار هادئ يذيب المخاوف المتعلقة لدى هؤلاء الملحدين من العنصرية التى يتصورونها فى المجتمع. 


الإخوانى السابق: «بن لادن» كان مثلى الأعلى.. و«11 سبتمبر» غيّر أفكارى 

تجربة ليست بالقصيرة، مر بها «صديق فرج الله»، مع جماعة الإخوان وبين صفوف التيار السلفي، عام 2000، لكنه سرعان ما خرج منها مباشرة إلى تجربة تطرف من نوع آخر هو «الإلحاد»، حتى أصبح أشهر الملحدين فى مصر والعالم العربى بعد جهره بالإلحاد.
ولع «صديق» بالتطرف، كان مبعثه إعجابه الشديد بشخصية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، لدرجة أنه رسم له «جرافيتي» على أحد جدران غرفته، وكتب عليه «زعيمى بن لادن»، وتمنى يومًا أن يكون من مقاتلى حزب الله اللبناني، لقتال الاحتلال الإسرائيلي، ورغم عداء الزعيم جمال عبدالناصر للإسلاميين، فإن ذلك لم يمنع «صديق» من الإعجاب به. 
عن أثر كل هذه الشخصيات وغيرها، وأسباب شيوع الإلحاد فى الوطن العربى بعد ثورات الربيع العربى، وعن اعتصام «رابعة» وآثاره التى تعانى منها مصر حتى اليوم، أدرنا حوارًا مع «صديق» وهذه تفاصيله. 
صديق فرج الله
■ كيف بدأت قصتك مع التشدد؟
- بدأت فى سن صغيرة، وانتهت فى سن صغيرة أيضا، لهذا أعتبر نفسى محظوظا، بدايات دخولى فى مرحلة أن أكون مسلما متشددا كانت وقتها سنى ١٥ سنة، وكانت نتيجة ضغوط سياسية، لا عقائدية فى البداية. أعنى بسبب وجود أحداث سياسية ضخمة مثل ما يحدث فى العراق وفلسطين، تلك الأحداث التى ولدت بداخلى شحنة من الغضب شجعتنى على التعرف على التشدد بهدف أننى كنت أبحث عن إجابات لأسئلتى، مثل كيف نسترد كرامتنا؟ وكيف نكون أقوياء؟ ولم أجد إجابات عن هذه الأسئلة إلا من خلال التشدد، ومن التناقضات فى شخصيتى المتشددة أننى كنت معجبًا بطريقة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رغم عدائه للإسلاميين والمتشددين.


■ كيف دخلت إلى عالم التشدد وانطلقت فى خفاياه؟
- القراءة كانت مفتاح الدخول لهذا العالم؛ حيث قرأت العديد من الكتب الإسلامية لكبار المشايخ مثل ابن تيمية، هذا بجانب الشيوخ الذين كنت أسمعهم على شرائط الكاسيت.
وتجربتى مع التشدد بدأت فى الإخوان؛ حيث انضممت لها من خلال أحد الأصدقاء الذى كان منتميًا للجماعة، وحاول تجنيدى أكثر من مرة من خلال إهدائى شرائط كاسيت، ثم فى مكالمات تليفونية كان يقنعنى بالفكرة، وكانت اللقاءات بعد المدرسة مع الأسرة الإخوانية، وبعد فترة قصيرة توقفت عن التبعية للإخوان ورفضت أن أكون عضوا رسميا بالجماعة بعد أن وجدت تضييقات كبرى منها على أنصارها ومؤيديها، وبخاصة التضييقات الفكرية، فأنا طوال عمرى فضولى أحب القراءة والمعرفة، ولا أقبل بتقييدى فكريا، ولهذا بدأت أبحث عن تيار آخر، فجلست مع السلفيين، وكنت أسير فى ركابهم قبل أن يكونوا تنظيما وأصلى معهم الفجر بشكل يوم حتى فى عز البرد، وقد اعترض أهلى على هذا الأمر وأبعدونى عنهم خوفا أن أتحول إلى جهادى تكفيرى.
■ هل السلفيون والإخوان فقط من تأثرت بهم؟
- تخلصت من الفكر الإخوانى والسلفى عام ٢٠٠٠، وبدأت أعجب بفصيل كنت أعتبره مخلص الإسلام والمسلمين وهو «حزب الله» الذى شارك فى المقاومة المسلحة ضد إسرائيل فى حرب لبنان، ووصل إعجابى بهذا الفصيل المسلح إلى حد رغبتى فى الانضمام إليه والمشاركة فى حربه على إسرائيل، ولكن سرعان ما ضاعت هذه الرغبة وانتهت بعدما اكتشفت شخصية أهم من هذا الكيان وهو أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وبخاصة بعد أحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ التى شدتنى جدا، وجعلتنى كنت معجبا جدا بـ«بن لادن»، بل اعتبرته مثلى الأعلى كونه ترك الثراء الفاحش الذى كان يملكه للعيش فى الجبال نصرة لدين الله، وكنت راسم جرافيتى فى غرفتى لـ «بن لادن» وكتبت عليه «بن لادن زعيمي»، أستغرب طريقة تفكيرى فى تلك الفترة ولكننى عذرت نفسى لعدم وجود إنترنت وقتها.
■ كيف تحولت من التشدد إلى الإلحاد؟
- ١١ سبتمبر حدث غيرنى تمامًا، فبعدما تم تفجير البرجين الأمريكيين، احترت فى تحديد موقفى من الحادث الذى راح ضحيته أبرياء كثر، وبعد صراع طويل مع نفسي، رفضت الهجوم، وكان أكبر نقاط التحول فى حياتي، وبدأت أقرأ أكثر فى الفكر المتشدد وقرأت لكل من أبى الأعلى المودودى وسيد قطب وابن تيمية وابن عبدالوهاب، وبسبب هذه القراءات حدثت لى هزة نفسية، وبخاصة بعدما وجدت فى التاريخ الإسلامى عنفًا لم أكن أتخيله على الإطلاق، ومع زيادة القراءة وزيادة الإنتاج الفكري، قررت الإلحاد وترك الدين وكنت وقتها فى اليونان، وكان أصدقائى المقربون ٤، ٢ من سلوفينيا، وواحد من روسيا، وواحد من كرواتيا، كنا جيران ونعمل فى الشركة نفسها، كان منهم ٢ مسلمين، وآخر تحول إلى الإسلام، والثنائى الآخر لا دينيين منهم أنا، وأصدقائى المسلمين كانوا دواعش بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولو كان داعش موجودًا فى هذه الفترة لانضموا إليه.
■ وكيف تعامل هؤلاء المتشددون معك لما علموا بأنك لاديني؟
- لم أخبرهم بأفكارى لدجة أنى كنت بصلى بهم جماعة فى أوقات كثيرة، ورغم أنى ملحد لم أكن أكرههم فى الإسلام، كنت أحاول أبرز لهم الأجزاء التى تجعلهم بنى آدمين أفضل من خلال الإسلام، كنت مرشدا روحيا ولم أكن مسلما.
■ وما مصير هؤلاء الآن؟
- من تحول إلى الإسلام تحول عليه وعاد إلى الإلحاد مرة أخرى، والثنائى الآخر تركوا التشدد وأصبحوا مسلمين عاديين كباقى المسلمين فى العالم.
■ لماذا لم تحاول استمالتهم للخروج من الدين مثلك؟ 
- ليست قضية حياتى أن أبشر باللادينية، هدفى هو علمانية الدولة المصرية وإنقاذ مصر من خطر الأديان، وبخاصة النسخة السلفية من الإسلام، لهذا لم أكن أكترث بدينهم ولا بعبادتهم بقدر اكتراثى بإنسانيتهم وأخلاقهم.
■ ألم تتردد فى الجهر بإلحادك.. وما رد فعل أسرتك؟
- الجهر بالإلحاد قرار شخصي، واتخذته حتى أجعل الناس يتوقفون عن الخوف من إعلان ما يؤمنون به. ووالدتى علمت بالأمر، ولم تكن هناك مشكلة، فأنا حر فى اختيارى ولم أعد صغيرا حتى يلومنى أحد على قرار أتخذه يتعلق بإيمانى ومعتقداتى.
■ من وجهة نظرك لماذا انتشر الإلحاد فى العالم العربى وفى مصر تحديدا؟
- انتشار الإلحاد سببه انتشار مناخ الحرية فى العالم العربى، وبخاصة بعد ثورات الربيع العربي، فبعدها أصبح لا أحد يخاف من شيء، وأصبح كل ملحد من السهل أن يعبر عن قناعاته دون خوف من شيء أو أحد بعد أن انكسر حاجز الخوف. 
وبعد ثورة ٢٥ يناير المجيدة، حكم الإخوان مصر، وكانت أسوأ فترة فى تاريخ مصر، ولكنها كانت سببا فى انتشار الإلحاد فى مصر بصورة مكثفة بعد أن تعرف على المتشددين ولفظهم بعد فتاوى هدم الأهرام وتغطية أبو الهول وغيرها، هذا بجانب انتشار القنوات السلفية التى لعبت دورا كبيرا بفتاويها فى انتشار الإلحاد فى مصر أكثر وأكثر.
■ كيف ترى ثورة ٣٠ يونيو؟
- ٣٠ يونيو كانت ثورة لا بد منها، فوجود الإسلاميين على سدة الحكم فى مصر تهديد وجودى للدولة المصرية أعتبره أخطر وأكبر وأقوى من أى احتلال أجنبى لمصر، لذلك كنت أؤيد الثورة أيًا كان من سيقوم بها ما دام هدفه هو الإطاحة بهذه الفئة الضالة المتطرفة من حكم مصر.
■ وكيف تابعت تجمع الإخوان وأنصارهم فى اعتصام «رابعة» الإخواني؟
- كنت أتمنى من الدولة ألا تخرج واحدا فقط من هؤلاء الإرهابيين من الاعتصام دون القبض عليه على أقل تقدير، خاصة أن هذه البؤرة الإجرامية تعانى منها مصر حتى الآن كون كل العمليات الإرهابية التى ضربت مصر مؤخرا كان مجرموها حاضرين فى هذا الاعتصام، بل وتم تجنيدهم لإشعال مصر من خلال مشاركتهم فى «رابعة».