السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

هل تقطع الكويت علاقتها الدبلوماسية نهائيًا مع إيران؟

جرعة وقائية ضد فيروس توغل طهران

امير الكويت الشيخ
امير الكويت الشيخ صباح الاحمد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتوالى الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة بصورة سريعة الحركة، ما يجعل المراقبين السياسيين يرون مشقة فى تجميع المشاهد السياسية لاستنتاج حقائق مثبتة بالأدلة والقرائن. فالحديث عن الاتهامات الموجهة إلى النظام الإيرانى أصبح من أهم المجريات السياسية التى يعيشها العالم وبالتحديد منطقة الشرق الأوسط خلال الحقبة المعاصرة، وبين الشد والجذب وتأرجح العلاقات بين طهران والكويت، يبدو أن الأخيرة قد رأت حديثًا أنه لا فائدة من لعب دور الوسيط فى ظل الظروف المشتعلة التى تعيشها المنطقة، فما فائدة الوساطة فى حين أن إيران هى مثيرة الشغب الأولى فى أغلب الأزمات الإقليمية ولا تفتأ القوى الإقليمية والدولية توجه أصابع الاتهام نحوها وتدرجها فى القوائم السوداء، كدولة راعية للإرهاب وسبب فى زعزعة استقرار وأمن المنطقة، وهذا ما دفع الكويت أخيرًا أن تدرك بأن أضرار فيروس التوغل الإيرانى يستدعيها لتناول جرعة وقائية.
قرار الحكومة الكويتية بتقليص حجم العلاقات الدبلوماسية مع إيران، يبدو فى الظاهر لا علاقة له بالأزمة القطرية، لكن يصاحبه تساؤلات وتخمينات مثيرة للاهتمام ومن المحتمل وجود صلة له بالعقوبات العربية ضد الدوحة. 
ربط المسئولون الكويتيون القرار الذى أصدرته المحكمة الكويتية العليا يوم الخميس ٢٠ يوليو، والذى تضمن تخفيض عدد الدبلوماسيين العاملين فى السفارة الإيرانية بالكويت، وإغلاق المكاتب الفنية التابعة للسفارة وتجميد أى نشاطات فى إطار اللجان المشتركة بين الكويت وإيران، بملف جماعة تسمى «خلية عبدلى» وأن عددا من المتهمين فى هذه القضية حسب قولهم قد هربوا إلى إيران. لكن ما هى «خلية عبدلى»؟ 
فى ١٣ أغسطس ٢٠١٥م، أذاع التليفزيون الكويتى مقاطع فيديو تفيد بضبط كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر وأجهزة تنصت، ومعدات أخرى لها استخدامات عسكرية وتجسسية.. وقد وجدتها قوات الأمن الكويتية حسب إفادتهم، فى مزرعة تدعى «عبدلى» بالقرب من الحدود العراقية. 

وأعلنت وزارة الداخلية الكويتية أنها ضبطت بداخل هذه المزرعة ٦٠٥ قطع سلاح و٢٠٤ قنابل يدوية، وكميات ضخمة من الخراطيش و١٤٤ كيلو جراما مواد متفجرة ذات قوة مدمرة. 
الشرطة الكويتية اعتقلت صاحب المزرعة ويدعى «حسن حاجيه» وهو المتهم الأول فى القضية، واعتقلت أيضًا عددا من أفراد عائلته وأقاربه الذين كانوا يعيشون معه فى نفس المزرعة، وهم متهمون فى القضية كذلك. وانتشرت التقارير فى الكويت ودلت التحقيقات على أسلحة ومعدات وأجهزة اتصال فى ٣ مواقع أخرى بينها مخبأ محصن بالإسمنت المسلح تحت بيت أحد المتهمين. وقدرت وزارة الداخلية فى بيان وقتها كمية الأسلحة بعشرين طنًا تقريبًا، واعتقال عدد كبير من الأفراد ودخلوا جميعهم ملف القضية الذى تضمن ٢٤ متهما من بين هارب ومعتقل وعرفوا بـ«خلية عبدلى». 
صدرت عقوبة ضد المتهمين قبل ٣ أسابيع، وشهدت التحقيقات اعتراف المتهمين بأنهم حصلوا على هذه الأسلحة والذخائر من إيران عن طريق البحر، وأن عددا من جنود حزب الله اللبنانى قاموا بتدريبهم عسكريًا. 
وكان أحد المتهمين الهاربين، إيرانى الجنسية، يدعى عبد الرضا دهقانى، وهذا الأمر الذى جعل السفارة الإيرانية فى الكويت تصدر بيانًا تنكر فيه أى صلة لإيران بهؤلاء المتهمين، واعتبرت ما قالته الكويت مجرد دعاية إعلامية ضد العلاقات بين طهران والكويت، لكن نظرًا لسياسات إيران فى المنطقة، واعتقاد جزء كبير من العالم العربى بتدخل غير بناء من جانب إيران فى شئون بلادهم الداخلية، أثارت هذه الأفعال الإيرانية ضجة إعلامية كبرى على مستوى العالم.
مع بداية المحاكمة العلنية فى ٤ سبتمبر ٢٠١٥م، ادعى المتهمون جميعهم أنهم اعترفوا تحت وطأة التعذيب، وأنه لا توجد أى صلة بينهم وبين حزب الله اللبنانى ولا إيران. 

وقال حسن حاجية، المتهم الأول فى القضية، إنه حصل على هذه الأسلحة قبل ٢٥ عامًا، حينما كانت الكويت مُحتلة من العراق، حيث أعطاها له الشيخ عذبى، ابن شقيق الأمير الكويتى، بعد الحرب حسبما ادعى، ووضعها تحت ناظره بطلب من هذا الأمير. وبعد قيام المحكمة بالتحقيق فى هذا الأمر، أصدرت فى النهاية يوم ١٣ يناير ٢٠١٦م، أى بعد ١١ يوما من اقتحام السفارة والقنصلية السعودية فى طهران ومشهد، فى تلك الآونة التى اضطربت فيها العلاقات بين إيران والسعودية وحلفائها من الدول العربية، بإصدار حكم الإعدام على حسن حاجيه وعبد الرضا دهقانى. وتباينت أحكام المتهمين الآخرين بين السجن من ٦ سنوات إلى مؤبد، ومنهم من حصل على براءة. 
وأوضحت وسائل الإعلام الكويتية أن «دهقاني» هو إيرانى متزوج من كويتية وله أملاك وعقارات فى الكويت ودول أخرى. وعلى الرغم من أنه لم تظهر أى أدلة وثيقة على صلة هذا الشخص بالمؤسسات العسكرية أو الاستخباراتية الإيرانية فإن النظرة الفاحصة على الموضوع ترمى إلى سياسة التدخل والنفوذ الإيرانى المعهود. 
وكانت الكويت قد كشفت عام ٢٠١٠م، شبكة تجسس إيرانية أعقبها أحكام بالسجن المؤبد على ٤ أشخاص، وجرى الحديث حينها عن أنها شبكة من ٨ شبكات تجسس، عملت بإشراف الحرس الثورى الإيرانى لكن ما بادر به النظام الكويتى هو الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران، وهونت من شأن تلك الخلية. غير أن «خلية عبدلي» وما كشفت عنه من أسلحة ضخمة وبالإضافة إلى تورط شيعة كويتيين، أحرج الحكومة، خصوصًا فى ظل تدهور العلاقات السعودية - الإيرانية. وردت حكومة الكويت على ما جرى من تعرض للسفارة السعودية باستدعاء سفيرها من طهران.
أما على الصعيد الإيرانى، ورد فعله حيال هذه الاتهامات، نرى تكرار فى ديناميكية الجهاز الدبلوماسى لهذه الدولة، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي» عصر الخميس ٢٠ يوليو، خبر استدعاء القائم بالأعمال الكويتية فى طهران، فلاح الحجرف، إلى وزارة الخارجية، فقال نصًا: عقب توجيه الاتهامات الواهية من قبل مسئول فى وزارة الخارجية الكويتية ضد إيران بشأن الملف المعروف بـ«العبدلي»، تم استدعاء القائم بالأعمال الكويتى فى طهران إلى الخارجية الإيرانية وإبلاغه احتجاج إيران الشديد فى هذا الصدد. 
وتعد هذه هى النبرة المتكررة التى طالما استخدمتها الخارجية الإيرانية فى معرض رد فعلها على قرارات الوقاية الدبلوماسية التى بدأت دول الخليج العربى فى اتباعها منذ فترات قريبة بالتدريج. 
مثل هذه الأعمال العدائية التى تدعمها إيران وميليشيات الحرس الثورى عسكريًا وفكريًا انتشرت على نطاق واسع إقليميًا ودوليًا؛ فتكتشف دول الخليج باستمرار خلايا إرهابية مدعومة من إيران فى البحرين والسعودية والإمارات. حتى الكويت عانت مرارًا منها، لكن الآن دخلت العلاقة فى مرحلة حرجة، ولأول مرة تتخذ الكويت هذا المستوى من الإجراءات مع إنها لم تصل لدرجة قطع العلاقات.
لكن ما الدافع الذى يجعل الكويت وسيطًا مفضلًا من الأساس بين القوى الإقليمية وإيران، وللإجابة عن هذا السؤال يجب الانتباه إلى موقعها الجيوسياسى بين ثلاث دول كبرى، السعودية وهى تمثل الشقيق الأكبر والعمق الإستراتيجى للكويت، والعراق الذى يمثل شقيقًا آخر يعانى من الاضطراب وعدم الاستقرار، وإيران دولة جوار لديها مطامع وأفكار توسعية حاولت الكويت احتواءها كثيرًا. 

يقول أستاذ العلوم السياسية الكويتى د. عبدالله الشايجى، إن الكويت تلعب دور «التوازن الصعب» الذى يتمثل بعلاقة طبيعية مع إيران، واحتواء مع العراق، وعلاقة وطيدة مع السعودية. وسعت الكويت أن تكون حلقة الوصل، التى تمثل دول مجلس التعاون الخليجى وتعلب دور الوساطة مع إيران. لكن الأزمة الحالية تكشف المعضلة الأمنية التى تواجهها مع إيران، وتثبت الخلية الإرهابية صعوبة ذلك.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل من المحتمل أن تقطع الكويت علاقتها الدبلوماسية نهائيًا مع إيران؟ على الرغم من مرور العلاقات بين البلدين بفترات صعود وهبوط حادة، ومعاناة الكويت من مساعى إيران التخريبية، إلا أنها لا تريد قطع أواصر الصلة نهائيًا لأنها مفوضة من قبل دول مجلس التعاونى الخليجى بفتح حوار مع إيران لمحاولة بناء أرضية مشتركة تقوم على مبادئ احترام حسن الجوار وعدم التدخل بشئون الآخرين، وعلاقات تقوم على المصالح المشتركة تعود بالخير على دول المنطقة. فحتى فى أحلك الأوقات التى كانت فيه التصرفات الإيرانية أسوأ مما هى عليه الآن، مثل الاعتداء على موكب أمير الكويت ومحاولة اغتياله عام ١٩٨٥، لم تأخذ الأمور مستوى القطيعة الكاملة. 
مرورًا على أحداث بضع سنوات ماضية، وحتى الآن، لا نرى مسمى «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» إلا وبجانبه الحديث عن أسلحة وجنود ومتعصبين مذهبيين وعمليات تهريب، ما يلخص كيف تكون شاكلة «الدولة الإرهابية»، وإذا ربطنا الأحداث من حيث قصر المدة خلال الآونة الماضية، وقرارات قطع العلاقات بين دول المنطقة والعالم مع إيران، ربما نجد صلة بين قرار محكمة الكويت وحصار دول الخليج لقطر وعقوبات الولايات المتحدة الأمريكية، ربما أدركت القوى العالمية أخيرًا مدى خطورة النظام الثيوقراطى الإيرانى، وترغب فى تطهير شعب هذه الدولة العريقة تاريخيًا، وبدأت الدول المتضررة من تصرفات هذا النظام بالتوجه نحو خطوات أكثر حسمًا فى إطار مقررات السلام الدولية، لعل هذه الجهود تسفر عن وقفة فعلية ومؤثرة أمام الإرهاب والتطرف.