الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأزمة القطرية باقية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يعد هناك شك فى أن الأزمة القطرية باقية معنا، وليست وشيكة الحسم، كما كان البعض يسوق لذلك، أو يظن آخرون متمنين أن تكون سحابة صيف قصيرة. وبفشل كل زيارات وزراء الخارجية، ووساطات رؤساء الدول، من أنحاء العالم، كله يبرهن على أن الدول الأربع ماضية فى مطالبها.
أما لماذا نتوقع أن تطول؟ فلأنها مشكلة قديمة وتراكمية. فقد بدأت الشكوى من قطر منذ زمن طويل، عشرين عاما تقريبا.
ورغم تكرر الخلاف فإن بيان الدول الأربع فى مطلع يونيو الماضى يمثل تطورا جديدا وهى المواجهة الأولى، الأكثر جدية وخطورة، عبر عن ذلك البيان الأول، قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، ومنع المرور والعبور والمتاجرة وغيرها. ومنذ ذلك اليوم، وإلى الآن، المواجهة تحتد من الطرفين، وكانت كلمة أمير قطر المذاعة قبل أيام تعبر عن تصعيد لا تجسير، وبالتالى فالأزمة قاعدة بيننا إلى أشهر طويلة.
من خسر ومن كسب حتى الآن فى الجولة الماضية؟ فى رأيي، أن دولا مثل مصر والسعودية معتادة على الهجوم والحملات الإعلامية المعادية لها، وتستطيع التعايش معها. أما قطر فهى دولة عاشت مترفة ومحصنة، لم تهاجمها التنظيمات المتطرفة مثل «القاعدة» إلا مرة واحدة فى التسعينيات، ولا تملك كثافة سكانية كبيرة، أو ذات تنوع ثقافى ودينى يهدد استقرارها مثل البحرين، وتنام على وسادة وثيرة فى ظل حماية قاعدتين أمريكيتين من الغزاة. ولقطر صورتان، حقيقية لا تزيد كثيرا على الدولة العربية المعروفة سلبيا، وصورة إعلامية مزيفة، دولة حديثة وإيجابية وشبابية وذات سياسة معتدلة، وأنها بلد الحريات، والمستقل عن الضغوط والتبعية الأجنبية. وقليل من الناس كان يدرى أن صورة قطر مزورة، أو على الأقل فيها مبالغة مفرطة.
فى الأزمة الحالية هبط التراشق إلى أدنى مستوياته، والمتضرر بشكل أساسى هو الدوحة؛ لأن الطرف الآخر معتاد ومتعايش مع التشويه والاستهداف الإعلامي. لأول مرة يرفق اسم قطر بالإرهاب والفكر المتطرف، ومهما حاولت الحكومة هناك استئجار مزيد من شركات العلاقات العامة فى واشنطن لإصلاح صورتها فلن تستطيع، لأن الضرر قد وقع، ولأن الطرف الآخر لا يزال يملك الذخيرة لإيصال رسالته. أما بالنسبة للجهود الإعلامية القطرية فإنها عمليا ذات رسائل مستهلكة ومكررة والحكومات معتادة على أن تتهم بها.
وفى المنطقة العربية فإن تكتيك الماكينة الدعائية القطرية قام على الأساليب القديمة مثل محاولة استغلال القضية الفلسطينية وربطها بمشكلتها، ولم تفلح. تحاول استعطاف مواطنى هذه الدول بأن حكوماتهم متحاملة وكاذبة، وهى لن تجد من التعاطف إلا القليل نتيجة قيام الحكومات الأربع بتعطيل الجماعات «المحسوبة» على قطر من معلقين ودعاة وأكاديميين كانت قد استأجرتهم فى السابق. وبالتالى أفسدت رقابة الدول الأربع على الحكومة القطرية استثمارها فى هذه الأصوات بعد أن تم إسكاتها. والمسألة ليست حرية تعبير بقدر ما هى جماعات ضغط «لوبي» وعلاقات عامة مستأجرة بطريقة غير مشروعة من قبل حكومة أجنبية، الأمر الذى تمنعه معظم الأنظمة فى العالم، أى تتلقى أموالا من حكومات أجنبية لقاء استئجار نشاطات سياسية.
الخلاف مع قطر سيصل إلى نهاية فى آخر المطاف، ولا نستطيع أن نقول متى ولا كيف؟، ربما فى العام المقبل.
وقطر هى التى تحت الضغط السياسى فى المنطقة وستصل إلى طريق مسدود، لأنه لم يعد ممكنا لهذه الدول الصبر، وكذلك معظم دول المنطقة تشترك مع الدول الأربع فى الشكوى من سلوك الحكومة القطرية وأذاها. معظم دول المنطقة تعتبر أن حكومة الدوحة تستهدف استقرارها، وبالتالى تعتبر الرد باستهداف قطر عملا مشروعا وضروريا. فهل الدوحة قادرة على تحمل مخاطر وتبعات سياساتها؟
استمرار الأزمة، ورفض الوساطات والضغوط، هدفه إرسال رسالة إلى الجارة والشقيقة قطر بأنها تلعب لعبة خطرة جدا، وعليها أن تقرر أمرا من اثنين التخلى تماما عن سياستها أو المغامرة بوجودها.
نقلًا عن «الشرق الأوسط»