السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

هنا "شق الثعبان" الأرض بتتكلم صيني.. مستثمرون أجانب يستغلون دعم الحكومة باستئجار المصانع من الباطن.. والعمالة المصرية بين "التسريح" وغياب التأمينات

العاملون بمنطقة شق
العاملون بمنطقة شق التعبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على الرغم من أهمية منطقة "شق الثعبان"، والتي تعتبر من أهم مناطق صناعة الرخام في العالم، إلا أنها إلى الآن لم تحظ باهتمام الحكومة، ماجعلها فريسة للمستثمرين الصينيين، وضياع فرصة استغلال خبرة العاملين بها، وتطوير العدد الكبير من المصانع المهملة.

كانت منطقة "شق الثعبان" تحتل المرتبة الرابعة عالميًا بعد إيطاليا وتركيا في إنتاج الرخام والجرانيت، إلا أنها وصلت للدرجة كبيرة من الإهمال، خاصة في ظل غياب موقف أدمى يخدم أكثر من 2000 مصنع، فضلا عن عدم وجود أي تأمينات اجتماعية للعاملين رغم خطورة ووعورة الأعمال التي يقومون بها من خلال عمليات التقطيع لأجزاء الرخام، وصولا لاعتماد المنطقة على آلات مستوردة من الصين التي أوشكت على غزوها اقتصاديا وشراء المصانع من المصريين في الباطن، وسرقة ما تبقى من دعم الدولة، حتى أوشكنا أن نقول «شق الثعبان» بتتكلم بالصيني.
يجرى بها العمل على قدم وساق وسط أصوات صاخبة متداخلة، والغبار يخترق الرئات المتهالكة البالية، حسبما قالوا لنا وأضافوا: العمل هنا عبارة عن الموت بالبطيء، تضيع صحتنا باستمرار، ونعانى من الأمراض، ومشكلات مزمنة في التنفس وربو، ولكن ما باليد حيلة، لقمة العيش صعبة وأسرنا الذى نرعاها أمانة في رقبتنا أما الله.
يجرى العمل في نحو 1200 مصنع في تقطيع الأحجار والرخام بأنواعها المختلفة مثل الجلالة والملكة، وتضاف لها بعض المواد للتلوين، وإكسابها ألوانًا مختلفة حتى تصل للمرحلة الأخيرة وتسمى بـ«الشطف أو التلميع».
الغريب أن نحو أكثر من 1200 مصنع غير مخصص لها موقف آدمى أو أتوبيسات ووسائل نقل مخصصة لهم تساعدهم على التنقل يوميًا، حيث يعانى آلاف العمال الأمرين كل يوم في الانتفال من منازلهم حتى مكان العمل، كما أن المرور يعمل على ملاحقة السيارات التى تقل العاملين وتساعده على الوصول لاماكن عملهم، وتتمثل المضايقات إما بسحب الرخص، أو عمل مخالفات، أو دفع الغرامات.

وتمتد المظاهر غير الآدمية إلى عدم وجود أي خطوط مياه شرب فالعمال يشربون من "تانكات" بلاستيك تخزن المياه بها لأكثر من أسبوعين ما يسبب مئات الأمراض والأوبئة، ويضاف لجملة الجرائم التى ترتكب في حق المصريين عدم وجود أي تأمينات صحية أو اجتماعية أو حتى تبعية هؤلاء العمال ضمن مكتب عمل يضمن حقوق هؤلاء العمالة رغم تصنيف هذه المنطقة أنها ضمن أكثر مناطق الخطورة الداهمة، والتلوث أيضًا، وتعرضهم للإصابة بحالات الربو فى سن مبكر.
يقف "عوض فؤاد" بجوار معرضه، يعانى من الملل وأوشك أن يحدث نفسه، حتى اقتربنا منه لنحاوره فقال لنا: نعانى من وقف الحال حيث توجد حالة ركود في البيع والشراء وهذا ليس حالى فقط، بل كل العاملين يشكو نفس الشكوى حيث تأتى السيارات محملة بالمواد الخام دون أى عمليات بيع تذكر.
وقال "عبده السيد" صاحب عربة نقل، اعتاد كل يوم أن يحملها بأنواع الحجارة المختلفة التى تدخل في صناعات معينة، إن اليوم يمر وأوشك على الانتهاء، وعلل سبب الركود لأسباب قد تتعلق بمكر ودهاء أصحاب المصانع، وربما تكون أزمة البلاد الاقتصادية هي التي تسيطر على المشهد.
الواقع أن صراعا قائمًا بين أصحاب المصانع والمحاجر، حيث يسعى أصحاب المصانع الكبرى لاحتكار المادة الخام الجيدة ليبيعوا فقط البلوكات المتوسطة والرديئة بأسعار مبالغ فيها، الأمر الذى دفع أصحاب المصانع لتأجير محاجر خاصة بهم ما أدى لانخفاض جودة المنتج لتشتيت الجهود.
ويطالب ياسر جمعة صاحب عربة نقل، بتخفيض الرسوم التي تدفعها العربات النقل والتى تصل إلى 1800 جنيه على النقلة الواحدة بعد أن كان يتم دفع 275جنيها فقط، ثم وصلت لـ800 جنيه لكن المحافظة كانت تأخذ نسبة عالية.

ويقول سيد فؤاد "مدير إنتاج بكايروستون" منطقة شق الثعبان سقطت من حسابات الحكومة ما أدى للسماح للغزو الصينى وجعل هناك أكثر من 70 مصنعا صينيا بعمالة صينية يصنعون بلوكات الرخام، ويصدرونها لجميع دول العالم، وبذلك يتحايلون على الحكومة المصرية التى لا تسطيع فرض رسوم على الصادرات باعتبارها صادرات مصرية رغم أنها مصانع مؤجرة من المصريين للصينين الذين أخذوا 75% من الجبل بل يسرقون دعم الدولة.
ويضيف بأن قام صاحب مصنع مصرى بتأجير مصنعه للصينين الذين شردوا العمالة المصرية لصالح العمالة الصينية، بل ويأخذون الأحجار" الجلالة والسماحة" وهذه الأنواع خصوصا لأنها تقبل التلوين عليها ولديها قابلية لامتصاص المواد الكيميائية ليقوموا بتلوينها وإعادة بيعها بالدولار، والسؤال الذى يتبادر للأذهان من يسمح بخروج المادة الخام من مصر دون تصنيعها؟
ويضيف "مصطفى السيد" أن الصينين قاموا بضرب السوق المصرية عن طريق إدخال ماكينات لتقطيع الحجر لشرائح والقدرة على استقطاب الزبون لأنهم الأرخص فى السعر، فكان لدينا فى المصنع 5ماكينات طاولات بواقع 5عمال لكل طاولة وبعد الغزو الصيني قمنا ببيع الماكينات خردة وتشريد العمال. 
أما الغزو الصيني للمصانع.. فيتم تأجير المصانع من الباطن ويحصل على المادة الخام ويصنعها داخل مصر مستغلا دعم الحكومة بل ويصدرها للخارج، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل الأغرب تسريح العمال المصريين من داخل المصانع الصينية واستقطاب عمالة صينية. 

ووصف خبير الصخور المصري "طارق حسان" الوضع في شق الثعبان بالكارثى، والذي يهدد بتدمير الصناعة بها بعد 4 سنوات بسبب إهمال الحكومة لصالح المستثمر الصيني بعد اكتمال شبه سيطرته عليها، بخلاف تحايل الصينين بتأجير المصانع من المصريين، ويسرقون دعم الدولة من الطاقة والكهرباء، والنتيجة التى نراها سواء من طرق غير ممهدة وإهمال ماهي إلا نتيجة لفساد الأجهزة التنفيذية والمحلية. 
ويضيف "حسان" أن الكارثة تكمن فى غياب الرؤية الشاملة لقطاع التعدين، وانسحاب الحكومة من دعم البحث العلمي والاكتفاء بتحصيل الإتاوات وانحسر دورها فى دور البلطجي الذى يحصل إتاوات، وعلاوة على ذلك غياب الوعى الصناعي والتعديني. 
وأضاف، أتحدى رئيس الوزراء أن يصدر قرارًا بوقف استيراد مستلزمات إنتاج الرخام والجرانيت وإلا سيتم غلق كل مصانع شق الثعبان فى 30 يوما، لأننا لا ننتج أي مستلزمات إنتاج ونعتمد على الاستيراد، واعتبر أن كلمة السر هي غياب الرؤية الشاملة والبحث العلمى وأى كلام عن المنافسة العالمية "محض وهم" وتتوقف منافستنا فقط على المادة الخام وهى هبة من الله لمصر.
ونوه "حسان" أنه بعد ثورة 25 يناير، زاد بسط ونفوذ العرب على الأراضي بشق الثعبان، وذلك نتيجة لأن الحكومة تسعى لحرمان أهالى العرب من إرثهم وميراثهم فى الأرض وتجاهل وسياسة التفاوض التى كان معمولا بها فى السابق وقت اللواء/منير شاش محافظ شمال سيناء سابقًا، والذى كان يسعى بسياسة التفاوض معهم ويكسبهم فى صالح الدولة، إلا أن السياسات الحالية تجعلهم أكثر عداء للدولة.

ورصدنا مطالب العمال والتى تتلخص فى ضرورة البدء فى مكتب عمل للمطالبة بحقوق العمال المهضومين، وتقنين بيع المادة الخام ودخول الشريك الأجنبي وخصوصا بعد الغزو الصيني، وتشريد العمالة المصرية، كما تطالب بعمل منظومة متكاملة تخدم العمال من " مكتب عمل وتأمينات اجتماعية وتأمين صحى " وضرورة إدخال التكنولوجيا الحديثة والقدرة على التلوين للقدرة على على المنافسة فى السوق.
وأخيرا، على الدولة أن تعيد النظر فى منطقة شق الثعبان، وأن تسخر طاقتها لإعادة إحياء هذه المنطقة الصناعية، وتذليل العقبات أمام المستثمرين بها، ووضع القوانين الضابطة لمنع تصدير المادة الخام قبل تصنيعها على أرض مصر، ووضع الضوابط لكيفية دخول الشريك الأجنبي لمنع دخول أى مستثمر أجنبي فى غطاء مصري.