الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

انتهاء أسطورة "مكامير الفحم".. مصائد الموت البطيء

تسبب أمراض الرئة والسرطان

مكامير الفحم
مكامير الفحم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«البيئة» توقف الظاهرة بأفران متطورة.. ومستشار الوزارة: غرامة عشرة أضعاف للمخالفين
وقرار وقف تصنيع الفحم بالطرق القديمة «سيادى»
مصر تحتل المركز الـ11 على مستوى العالم في تصدير الفحم النباتى 
محارق الأخشاب تتسبب فى بوار مئات الأفدنة بقرى القليوبية والدلتا
100 مليون دولار عائدات التصدير
500 مكمورة فى قرية أجهور الكبرى
11 مركز مصر فى تصدير الفحم النباتى
400 درجة الحرارة التى تضمن جودة الفحم
3 عدد العمال فى المكمورة الواحدة
بين حين وآخر، تطفو أزمة مكامير الفحم على السطح، تارة عن الأضرار الصحية الناتجة عنها أو بسبب عزوف أصحابها عن تقديم ملفات تقنين، وتارة أخرى كونها تُعد بمثابة دخل قومى لعدد من الأسر؛ حيث إن تصديرها لبعض الدول العربية والأوروبية يعود على مصر بالعملة الصعبة، وما بين هذا وذاك تظل أزمة المكامير فى محافظات مصر التى تقوم على هذه الصناعة واحدة من أكثر الأزمات التى تؤرق الجهات الحكومية المسئولة رغم أن عائد التصدير والاستخدام من إنتاج الفحم من المكامير يتراوح بين 100 مليون دولار، بما يعادل 730 مليون جنيه فى الشهر، ما يجعل المكامير مشروعًا قوميًا مهمًا يستدعى إعادة توطين وتطوير هذه الصناعة وعرض نماذج مطورة منها لتقييمها، واختيار الأقل ضررًا منها للحد من مخاطرها مع ضرورة دراسة الأحمال البيئية الناتجة عنها.
كثيرا ما شكلت مكامير الفحم بمحافظات مصر مشكلات عدة متعلقة بالصحة والزراعة؛ حيث إنها تعمل بطرق غير شرعية ومؤذية بدرجة كبيرة للعاملين بها والقاطنين حولها، ومع ذلك؛ فإنه لا غنى عنه فى الحياة العملية، حيث إن الفحم النباتى يستعمل فى الحرق المباشر للحصول على الطاقة، كما أنه يتم تصديره إلى عدة دول ما يجلب العملة الصعبة.
وسعت الدولة لتطوير مكامير الفحم لتصبح صديقة للبيئة؛ حيث اتخذ وزير البيئة «خالد فهمى» عدة إجراءات، منها: إيقاف تصدير الفحم، والغرامات لأصحاب المكامير التى تعمل بالنظام القديم الضار بالبيئة، ووصلت الغرامات إلى عشرة أضعاف الغرامة القديمة التى كانت تقدر بخمسة آلاف جنيه.
وتوجد مكامير فى عدة محافظات فى مصر؛ حيث تنتشر فى محافظات القليوبية والغربية والمنصورة والإسكندرية والبحيرة وعدة محافظات أخرى. وفى رحلة كشفية قامت بها «البوابة» بأحد مكامير الفحم بمحافظة القليوبية، وبالتحديد قرية أجهور الكبرى، التى تحتوى على أكثر من خمسمائة مكمور، وجدت أن معظم المكامير فى حالة ركود تام ومتوقفة عن العمل، وبعدها اتضح أن المكامير مغلقة عن طريق وزارة البيئة بسبب الضرر الكبير الناجم عنها؛ حيث إنها تعمل بالطرق التقليدية القديمة وهى جلب الأخشاب فى مكان واسع وحرقها بالقش فى العراء، ما يسبب الكثير من الفوضى والأدخنة السوداء المعبأة بالأمراض والغازات السامة، وتؤثر المكامير فى التربة الزراعية؛ حيث إنها تتسبب فى تبوير البقع الزراعية الموجودة عليها وتؤثر الغازات الناجمة عن الحريق على المزروعات.


استعمالات الفحم النباتى
يستعمل الفحم النباتى فى الحرق المباشر للحصول على الطاقة، وعادة ما يقتصر استعماله على الأغراض المنزلية كالتدفئة أو الطهو أو الشواء، أما البلاد التى يوجد فيها فائض من خشب الغابات، فيمكن تحويله إلى فحم نباتى ثم استعماله فى بعض المشاريع الكبيرة كتوليد الكهرباء.
ويستخدم أيضًا الفحم النباتى فى تنقية السوائل، كالماء فى أحواض السمك. فيمر ماء الحوض المتسخ فوق الفحم النباتى المنشّط لإزالة أوساخه، ثم يُعاد نقيًا إلى الحوض.. ويمكن وضعه فى الثلاجة إذا كانت بها روائح كريهة فتخلصك من الروائح الكريهة التى توجد بها.
الأضرار الصحية
وقال الدكتور أحمد عاشور، دكتور الصدر بمستشفى الشرقية العام، إنه ينجم الضرر الرئيسى على صحة الإنسان من استنشاقه للغازات المنبعثة من عملية الحرق. وتتسبب هذه الغازات فى أمراض تنفسية عدة، تختلف بحسب نوع الغاز المستنشق من هذا الدخان حيث تختلف حدة ونوع المرض بنوع الدخان وكميته.
وأضاف أن أكاسيد الكبريت تؤدى إلى تفاعلات التهابية فى القصبات الهوائية، فى حين تؤدى الغازات الهيدروكربونية، مثل تلك المنبعثة عن عوادم السيارات والمولدات، إلى أمراض سرطانية، وبالتالى؛ فإنه يؤدى إلى التسمم الحاد والصداع والدوخة والغثيان والفشل التنفسى. وفى حالة ارتفاع تركيز الغاز واستمرار تعرض الجسم له؛ فإنه يؤدى إلى عوارض مزمنة، كما أن هذا الغاز يتحول إلى حامض الكبريتيك عند ملامسته للسطوح الرطبة للأغشية المخاطية، وينجم عن ذلك التهابات وأمراض مزمنة فى الجهاز التنفسى.
كما تتسبب أكاسيد النيتروجين بتهييج للحويصلات الهوائية فى الرئتين، فى حين يمكن أن يؤدى تراكم الغبار فيهما إلى التليف والوفاة.
ويتضح مما تقدم أن المشكلة فى صناعة الفحم هى الآثار السلبية لها على الصحة العامة والبيئة؛ حيث تنبعث منها غازات كثيرة مثل أول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكبريت وبعض المخلفات الأخرى التى تؤثر فى الثروة الزراعية والمائية. وتكون أكثر خطورة إذا كانت مناطق إنتاج الفحم قريبة من التجمعات السكنية، حيث تؤثر هذه الغازات والأبخرة ليس على العاملين فى الإنتاج فقط بل وعلى سكان المنطقة بأسرها.
حجم تجارة الفحم فى مصر
تقدر تجارة الفحم فى مصر فى الفترات الأخيرة بحوالى ١١ مليون دولار قبل العمل بالخطة الجديدة المطورة، وذلك حسب إحصاءات وزارة البيئة ٢٠١٦، ومن المرجح أن تزداد هذه القيمة بعد ترخيص المكامير والعمل بالخطة المطورة، وطبقًا لآخر إحصائيات وزارة البيئة؛ فإن مصر تحتل المركز الـ١١ على مستوى العالم فى تصدير الفحم النباتى، وهكذا؛ فإن تجارة الفحم تعتبر تجارة مربحة وضخمة ولها مكان كبير فى الاقتصاد المصرى، لذا تعتبر فكرة التطوير فكرة ناجحة حيث إنها ستكون سببا كافيا لكف الأذى وتشغيل التروس.

الحیاة والعمل الیومى فیها
يبدأ يوم العمل فى مكامير الفحم منذ الساعة السابعة صباحا ويستمر لثمانى ساعات، يأتى العمال الشباب من القرية التى تتواجد بها المكامير ومن القرى المجاورة ليبدأوا عملهم؛ حيث يبدأ أحد العمال برفع الأشجار، ويبدأ ثان بقطعها بواسطة منشار حديدى مخصص لهذا العمل، ويبدأ ثالث بحمل الأجزاء على كتفيه ويعاونه زميل آخر فى رصها بشكل متواز، الصف عكس الآخر حتى يمنعها من السقوط، ثم تبدأ بعد ذلك عملية التفحيم من خلال حفرة يتم فيها رص الأخشاب بارتفاعات عالية، وتغطيتها بالقش المبلل بالماء، وكذلك تراب الفحم، ويوجد على جوانب هذه الحفرة مواسير للتغذية بالهواء والأكسجين اللازم للاشتعال، ومن ثم تترك لمدة واحد وعشرين يوما لتصبح فحما، وبعد ذلك يأتى عمال آخرون مخصصون لتعبئة الفحم فى أكياس مخصصة للفحم، وهناك نوعان من هذه الأكياس، النوع الأول وهو الأكياس المستخدمة للتصدير، وهى أكياس مغلقة بإحكام ولا يمكن أن تسرب أتربة الفحم من خلالها، كما أنها نظيفة جدا ومخصصة بحيث تحمى الفحم من عيوب النقل أو تسربات المياه، والأكياس الأخرى هى الأكياس المحلية التى توزع داخل مصر، وهى أكياس من نوع ردىء، بحيث يمكن أن يتسرب الفحم من خلالها، ويستند أصحاب المكامير فى ذلك إلى أنها لا تنقل لمسافات بعيدة، لذا فإنها لا يمكن أن تسرب بطريقة كبيرة خلال رحلتها القصيرة. 
الأخشاب المستخدمة في الصناعة
وتعتبر أكثر الأشجار استعمالا فى صناعة الفحم هى أشجار الكافور والجزوارين والبرتقال والليمون والجوافة، ولكن يفضل فى صناعة الفحم أشجار الموالح مثل البرتقال والليمون والجوافة والمانجو، لأن كمية الموالح فى الأخشاب تزيد من جودته، وهذا يرجع لمكونات السيليوز المكون الرئيسى للخشب، وتفاوت نسب امتصاصه لمكونات التربة، ومع ذلك فإن أى نوع من الأخشاب يصلح لعمل الفحم، ولكن تحدد جودة الفحم عن طريق الخشب المصنوع منه، ويجب أن تجفف الأخشاب جيدا قبل أن تحرق.
وكذلك فإن درجات الحرارة لها أهمية كبرى فى جودة الفحم المنتج، وكلما زادت درجات الحرارة عن ٤٠٠ درجة مئوية قلت جودة الفحم الناتج، حيث ينخفض الكربون وهو المكون الرئيسى للفحم الجيد، لذا يحرص صناع الفحم النباتى على ضبط درجات الحرارة ونسبة النيران على الفخم حتى لا تتسبب الحرارة الزائدة فى تقليل جودة الفحم، حيث إنه يوجد عمال مخصصون للإحراق، حيث إنه يتم تسخين الأخشاب فى الفرن وتمر بمراحل محددة فى طريقها للتحول إلى الفحم، وأهم هذه المراحل هى امتصاص الخشب للحرارة حتى يجف ويتخلص من رطوبته كما، تبقى درجات الحرارة عند ١٠٠ درجة مئوية حتى يتحول الخشب إلى التصلب، ويتم التخلص النهائى من المياه، ويبدأ الخشب فى التحلل، وينتج بعض أول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكربون وحامض الخليك والميثانول، وبعدها يبدأ الغلاف الخارجى للأخشاب بالانهيار ليتكون الفحم.
جیران المکامیر
وقال عبدالله أبو عيسى، معلم اللغة الإنجليزية و«أحد أعيان قرية أجهور الكبرى»: «إن مكامير الفحم كثيرا ما شكلت مخاطر علينا وعلى أبنائنا، حيث كانت تعمل باستمرار ما يسبب الاختناق والأمراض مثل الربو والحساسية وأمراض أخرى كثيرة، وقد كان حل وزارة البيئة بالنسبة لعمل المكامير حلا جزريا ومثاليا من عدة جهات، حيث إنه قد حدّ من الأمراض والمخاطر، كما أنه مكن أصحاب المكامير من العمل بمجرد تطوير المكامير إلى الطريقة الصحية الحديثة، مضيفا أن مكامير الفحم يعمل بها الكثير من سكان القرية.


تأثیر مکامیر الفحم على البقعة الزراعية
وبسؤال الفلاحين عن تأثير المكامير على الزراعة، قال الحاج محمد حسنين «فلاح من الغربية»: «إن مكامير الفحم تؤثر على التربة الزراعية بصورة مباشرة، حيث إنها تتسبب ببوار المنطقة التى توجد بها المكمورة، وكذلك تتسبب الغازات المتصاعدة من المكامير بتلف بعض المزروعات، خاصة المزروعات الصيفية، وتتسبب بخسائر فادحة، وكذلك فإن الفحم يؤثر على السكان»..
دور وزارة البیئة فى الحد من مخاطرها
فى هذا السياق، قالت «حنان موج، مستشار وزير البيئة»: «إنه تمت السيطرة على جميع مكامير الفحم على مستوى الجمهورية، حيث إنها كانت تشكل نسبة خطورة عالية جدا، موضحة أن أكثر المناطق تلوثا هى المناطق التى تتواجد بها مكامير الفحم، وخاصة قرية أجهور الكبرى بمحافظة القليوبية، حيث إنها الأصغر حجما والأكثر عددا بالمكامير على مستوى الجمهورية، وقد تمت السيطرة على مكامير الفحم على مستوى الجمهورية بمحافظات الإسكندرية والغربية والبحيرة والقليوبية والمنصورة، عن طريق إطفاء الفحم المشتعل بمياه الصرف الصحى حتى لا يصلح مرة أخرى، وعن طريق وقف التصدير لحين تحسين الأوضاع، وهو حل جزرى ومجد، حيث إنه بدون التصدير لا توجد فائدة من تصنيع الفحم، لأن أصحاب المكامير يعتمدون بشكل رئيسى على التصدير». 
وأضافت «موج»: «إن الوزارة لا تعادى أصحاب المكامير، ولكنها تحافظ على المواطنين وعلى أصحاب المكامير ذاتهم، وقد عرضت الوزارة على أصحاب المكامير العمل بطرق شرعية عن طريق فكرة أفران الفحم غير المضرة بالبيئة، وتكمن بإحراق الأخشاب داخل أفران ضخمة وتنقية الدخان عن طريق أجهزة معينة وإخراجه هواء نقيا غير مضر بالبيئة، وقد ساعدت الوزارة بـ٢٠٪ من ثمن هذه الأجهزة دون رد، كما سمحت لهم بقروض مريحة، لأنه بلا شك تصدير الفحم يجلب العملة الصعبة التى تحتاجها مصر فى الوقت الحالى، وأن الوزارة لن تعارض أى صاحب مكمورة يعمل بالنموذج الذى قدمته الوزارة للحفاظ على البيئة أو أى نموذج مماثل ومتطور ومطابق للمواصفات الآمنة.
كما قالت الدكتورة «آمال طه، رئيس الإدارة المركزية للإعلام والتوعية البيئية بوزارة البيئة»: «إن الوزارة قامت بعمل اللازم لحماية المواطنين من أضرار المكامير، ولم يكن ذلك من قبل وزارة البيئة فقط بل كان بالتعاون مع مجلس الوزراء والمحافظين، حيث شكل مجلس الوزراء ضغطا على أصحاب المكامير، بحيث أصدر قرارا بإيقاف التصدير لحين تعديل الأوضاع».
ومن جهة أخرى، قام المحافظون بمتابعة المشكلة عن كثب، حيث كانوا يتخذون إجراءات فورية ضد المكامير التى تعمل بالطريقة القديمة، ومن جهة أخرى، فإن إيقاف التصدير من قبل مجلس الوزراء كان حلا جزريا وسريعا لإيقاف التصنيع، حيث إنه كان يشكل ضغطا على أصحاب المكامير. 
أول مکمورة فحم صدیقة للبیئة
وقال تاجر الفحم ورجل الأعمال «قاسم الزهيري»: «إن قرار وقف تصنيع الفحم بالطرق القديمة هو قرار سيادى لا علاقة له بشكاوى المواطنين، وهو قرار سليم لا يضر بأصحاب المكامير، حيث إنه حسب الاتفاقيات الدولية ووزارة البحث العلمى فإنه لا بد من تطوير جميع المشاريع لما فيه صالح الدولة والمجتمع، والدولة تتقبل أى فكرة وأى نموذج صديق للبيئة، حيث إننى توجهت إلى وزارة البحث العلمى، وقابلت هناك الدكتور هيثم الشرقاوى، حيث إنه صاحب براءة اختراع الفرن الذى أعمل به الآن، وهو مكون من الفايبر الحرارى والبلاستيك الثقيل بجانب الشفاطات وأجهزة تنقية الدخان وإخراجه كهواء نقيا». 
وتابع «الزهيرى»: «الحكومة تسهل عمليات التطوير بدرجة كبيرة، حيث إنه يمكنك أن تدفع جزء من مبلغ التطوير، كما أن ترخيص المكمورة بعد تطويرها يكون سهلا جدا، مثل تطوير محل، كما أنه يسمح للمكمورة المطورة بالتصدير بنسبة ١٠٠٪، ويتم التصدير إلى الدول الأوروبية، مثل إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، وقد قلت نسبة الأدخنة والضرر بعد تطوير المكمورة الخاصة بى بنسبة ١٠٠٪، كما أن المكمورة الجديدة لا تحتاج إلى عدد كبير من العمال، حيث يمكن أن يعمل بها فردان أو ثلاثة على الأكثر، أما بالنسبة لخطة التصدير فإنها تتم عن طريق تحميل السيارات النقل التى تحمل الحاويات، ومن ثم تنتقل إلى ميناء دمياط أو الإسكندرية، حيث تنقل هذه الحاويات من على السيارة النقل إلى السفينة الذاهبة إلى إنجلترا أو إلى الدولة المصدر لها، حيث إنى أتعامل مع مستوردين بإنجلترا منذ اثنى عشر عاما، وهم يتهافتون على الفحم المصرى جيد الصنع.