الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

المستشار القانوني الأسبق لقناة السويس يكشف أسرارًا جديدة حول "التأميم".. محمد داوود: عبدالناصر طلب من محمود يونس وضع الخطة خلال 55 ساعة.. المصريون حملوا سيارة "عبدالناصر"على الأكتاف فور سماع القرار

المستشار القانوني
المستشار القانوني الاسبق لهيئة قناة السويس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في 26 يوليو من كل عام تحل علينا ذكرى تأميم قناة السويس والتي مضى على تأميمها أمس الأربعاء 61 عاما، حيث أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1956 تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، لكن هذا القرار كان يقف خلفه رجال مخلصون خططوا ونفذوا بكل دقه وحرفية.. واجهوا أقسى انواع التحديات لما بعد التأميم، وما زالت هناك أسرارحول هؤلاء الرجال نكشف في "البوابة " عن بعضها..


المستشار القانوني الاسبق لهيئة قناة السويس "محمد داوود" فتح لنا خزائن اسراره وكشف عن الوجه الاخر للتاريخ ليعطى المهندس "محمود يونس" رئيس هيئة قناة السويس الاسبق وصاحب خطه التأميم حقه في التكريم اللائق قبل وبعد مماته حيث اثر في منطقة القناة وفي مصركلها قبل وبعد التأميم.

قال المستشار داوود ان محمود يونس هو الرجل الذي وضع خطة التأميم ونفذها بكل دقه وحرفية هو ومن معه ليواجهوا اقسى انواع التحديات لما بعد التأميم

جمال عبدالناصر قرران يكلف يونس بوضع خطه تأميم قناة السويس وان يقوم بتنفيذها قبل اعلان قرار التأميم بـ 55 ساعه فقط.

مشيرا الى انه اثناء ذهاب الرئيس جمال عبد الناصر لفتح خط انابيب مسطرد يوم 23 يوليو 1956 كان في انتظاره محمود يونس المسئول عن تنفيذ هذا الخط وهناك اعلن جمال عبدالناصرعن فشل مباحثات البنك الدولي واقناع امريكا عن تمويل بناء السد العالي فساله الصحفيون وماذا سترد به على امريكا ابتسم وقال اسمعوني مساء يوم 26 يوليو 1956 في الاسكندرية ثم انصرف.

في ذلك الحين تساءلت كل وسائل الاعلام هل سيطرد السفير الامريكي ؟ هل سيقطع العلاقات ؟.. وهل وهل وتكهنت كل الدوائر الدبلوماسية بكل الردود الا ان احدا منهم لم يدر في باله تأميم قناة السويس.

وقال المستشار محمد داود انه عندما ذهب عبد الناصر لسيارته سلم على المهندس محمود يونس وقال له وهو يضغط على يده "حصلني على مجلس قيادة الثورة".


تشاور محمود يونس مع مساعده المهندس عبدالحميد ابو بكر الذي رد عليه بالانجليزية "دعنا ننتظر وسنرى" فقال له يونس "خلاص تعالى معايا نشوف الريس عايز ايه واتجها سويا الى مجلس قيادة الثورة الكائن عند كوبري قصر النيل حيث كانت الساعه الثانية عشر ظهرا وعند وصولهما انتظر عبد الحميد ابو بكر بمكتب السكرتارية ودخل محمود يونس لمقابلة الرئيس لم يدم الترحيب طويلا حتى بادر جمال عبد الناصر محمود يونس بسؤاله "تعرف ايه عن قناة السويس" وفوجئ يونس بالسؤال فقال انا طوال وجودي بالسويس اعرف ان فيه نادي جميل على القناة كنت اتناول الغذاء فيه.

ضحك جمال عبدالناصر وقال "شوف يا محمود انا قررت تأميم قناة السويس ردا على رفض البنك الدولي تمويل السد العالي".

لم يتمالك محمود يونس نفسه عند سماع هذه العبارة فهب واقفا واحتض عبد الناصر" الذي استكمل حديثه قائلا "قررت يامحمود انك انت اللي هتقوم بوضع خطه التأميم وتنفيذها".

وكما يصف المستشار داوود "نزلت هذه الكلمات على مسامع محمود يونس "كالدش البارد" فعاد الى مقعده وجلس متسائلا..انا..؟".

قال عبد الناصر ايوة يا محمود انت وقدامك من دلوقتي 55 ساعة للخطة والتنفيذ قبل ان اعلن قرارالتأميم يوم الخميس القادم من الاسكندريه الثامنة مساء من ميدان المنشيه، وقام عبد الناصر بتسليم محمود يونس بعض الكتب والملفات الكبيره قائلا اقرا كويس وحط خططك مع السرية المطلقة.

وقال يونس ممكن استعين بمساعدي عبد الحميد ابو بكر قال ناصر مفيش مانع وقال يونس ممكن استعين بمحمد عزت عادل رد ناصر مفيش مانع وبس كدة.

قال يونس" السفارة البريطانية عاملة حفلة اليوم بمناسبة 23 يوليو وعازمني وسوف اعتذر لهم عشان اتفرغ للخطة "،رد عبد الناصر لا تعتذر ولا تغيرشيء حتى لاتثير الشبهات".

وتابع داوود انه من بين الملفات التي سلمها عبد الناصر الى محمود يونس تقرير اعدته ادارة التعبئه بعنوان "مذكرة عن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية " ويقع التقرير في 55 صفحة وكتاب للدكتور مصطفى الحفناوي المحامي بعنوان قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة الجزء الرابع ويتكون من 728 صفحة.

وقف ناصر يودع يونس قائلا له "مسدسك فين يامحمود" قال سيبته في السيكرتاريه برة.. ابتسم ناصر وقال "ماتقلعوش تاني عشان اللي يعترضك اضربه بالنار وعلى مسئوليتي.. مع السلامة".

انصرف محمود يونس حاملا معه ملفات قناة السويس التي حصل عليها ومعه عبدالحميد ابو بكر ليتصلا بالمهندس محمد عزت عادل اليوزباشي بالقوات المسلحة ليتدارسوا خطة التأميم وبذلك يكون اول من عرف بقرار التأميم يونس وبكر وعادل وكلهم من رجال الهيئة العامة للبترول وخريجي هندسه القاهرة وكانوا من تلامذة محمود يونس في القوات المسلحة.

واضاف المستشار القانوني الاسبق "كانت الخطة ان يتم الاستعانة بعدد 29 فردا من الضباط والمدنيين للسيطرة على مرافق الشركة في مدن القناة الثلاث والقاهرة فوران ينطق عبد الناصر كلمة السر "دليسيبس" مساء يوم الخميس 26 يوليو 195""

مؤكدا انه "تم تحديد الاسماء دون اعلامهم بالمهمة السرية التي سيقومون بها وتحدد اللقاء في مكتب القائد العام للقوات المسلحة بكوبري القبة يوم الخميس 26 يوليو 1956 في الثانية ظهرا،حيث كان في استقبالهم الصاغ عباس رضوان وتوفيق عبد الفتاح وعبد المعطي العربي وهم مديرو مكتب القائد العام للقوات المسلحة.واستطرد: اعد محمود يونس الخطة بالكامل وكتبها بالقلم الرصاص وهي عبارة عن اسهم واسماء وخريطة وذهب ليعرضها على جمال عبد الناصر الذي وافق عليها قائلا "على بركة الله".

وتابع داود أن صورة الخطة موجودة الان في كتاب الاستاذه بدورابو السعود موظفه العلاقات العامة بالهيئة.

وفي يوم 26 يوليو اجتمع محمود يونس وبكر وعادل بالافراد المتفق عليهم حيث ابلغوهم بان" هناك مهمة سرية سيقومون بها في الصحراء الغربية وان امامهم ساعتين ونصف الساعه فقط للتحرك الى نقطة المقابلة التي سيلتقون فيها وكل واحد يعمل حسابة اننا سنغيب عن بيوتنا لمدة ثلاثة ايام على الاقل".

واستكمل داوود " قام محمود يونس بتسليم كل قائد مجموعه ظرفا مغلقا محددا به المكان الذي سيتوجهون اليه في الصحراء الغربية وطلب من كل مجموعه ان تتحرك في سيارة متباعده عن الاخرى حتى لايثيروا الشك، وكانت نقطه التجمع في جنوب القاهرة بالصحراء،حتى اعتقد افراد المجموعات ان المهمة السرية ستكون في الصعيد او الصحراء الغربية".

وعندما تم اللقاء وفتح رؤساء المجموعات الاظرف وجدوا ان عليهم التوجه الى معسكر الجلاء في الاسماعيلية وعند نقطة التجمع في الصحراء الغربية جنوب القاهرة كانت هناك 6 سيارات تنتظرهم احداهما تحمل الاطعمة والمشروبات لعدد 40 فردا والسيارات الاخرى تحمل في حقائبها مدافع سريعه الطلقات ولم يكن احد يعلم بوجود هذه الاسلحة غير الابطال الثلاثة محمود يونس وعبد الحميد ابو بكر وعزت عادل.


في نفس الوقت كان رئيس الشئون الادارية الاميرالاي محمد فؤاد الطودي لديه تعليمات بتجهيز غرفه استقبال 30 فردا للاجتماع عنده في تمام الساعه 55 مساءا لامر مهم لايعرف ماهو وطلب منه ان يكلف البوليس الحربي بحراسه المكان.

وعلى دفعات وصل فريق التأميم الى معسكرالجلاء بالاسماعيلية وكان في استقبالهم الصاغ شوقي خلاف الذي استشهد بعد ذلك في حرب 1956 دفاعا عن الاسماعيلية،وصل الجميع لغرفه الاجتماع في تمام الساعه 5 مساءا وبحضور المهندس مشهور احمد مشهور من قوة معسكر الجلاء واغلق عليهم الباب وابلغهم بقرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس وان الموجودين في الغرفه هم الذين سيقومون بتنفيذ العملية واكد عليهم ان الهدف الاساسي هو استمرار الملاحة في القناة وضمان عدم تأثيرها باي عامل خارجي.

تم توزيع الادوار على كل فرد في المجموعات لتكون مجموعه في بورسعيد واخرى في السويس والباقي في الاسماعيلية وكل واحد عارف هيعمل ايه على ان تكون البداية هي السيطرة الفورية على اقسام التحركات والملاحة والتحفظ على كل المستندات والارشيف والخزائن والاموال واستدعاء المسئولين عن العمل في كل الاقسام..

وتابع المستشار داود ان كل مجموعه تسلمت ظرفا مغلقا به تفاصيل عمل المجموعه على الا يفتح الا عندما يعلن جمال عبد الناصر كلمة السر "دليسيبس" اثناء خطابه في المنشية بالاسكندريه..

وتحركت المجموعات الى مواقعها وجلست الى جوار الراديو لسماع الخطاب التاريخي في انتظار كلمة السر ليفتحوا المظاريف وينفذوا ما فيها من تعليمات.

واكد المستشار داود ان التعليمات كانت واضحه بالسريه المطلقة والهدوء وطمأنه العاملين بالشركة على وظائفهم واسرهم وسلامتهم ومطالبتهم بالاستمرار في العمل بطريقه عادية بشرط واحد ان يكون الاتصال مع الادارة المصرية وتلقي التعليمات منها وعدم الاتصال بادارة الشركة المؤممة في باريس ولا في مركزها في لندن او واشنطن..

في ذات التوقيت كان عبد الناصر قد فرغ من تناول طعام الغذاء مع الوزراء في استراحة اسكندرية لمنطقة استانلي وقبل ان يهم بالانصراف قال للحاضرين "انا قررت تأميم شركة قناة السويس" فصفق الجميع الا عبد الحكيم عامر الذي قال "انت هتفتح علينا جهنم" فرد الرئيس عبد الناصر" انا مسئول عن النتائج "،وهم بالانصراف واستقل سيارته المكشوفه متجها الى ميدان المنشية عن طريق الكورنيش حيث كانت الجماهير تقف لتحيته على طول الطريق الذي قطعه في اكثر من ساعتين


تمت عملية الاقتحام للشركة العالمية لقناة السويس في مدن القناة الثلاثة والقاهرة بنجاح تام ودخل محمود يونس الى مكتب مسيو بيرمينيسيه مدير الشركة الفرنسي وجلس فيه وبدأ يعطي تعليماته الى مدير الشركة،وفي نفس الوقت دخل عبد الحميد ابو بكر ومعه عزت عادل وقاسم سلطان الى مكتب الملاحه الرئيسي الذي يتحكم في الملاحة في قناة السويس ويسيطر على جميع التحركات بالقناة،وكان في مكتب التحركات وردية ليل وكان اعضاؤها من الاجانب فيما عدا موظف صغير اسمه فوزي حليم، فأبلغهم عبد الحميد ابو بكر بقرار التأميم وطمأنهم على حقوقهم اذا استمروا في عملهم كما كانوا من قبل وابلغهم ان قاسم سلطان سيتولى قيادة العمل وفي حاله اي مخالفه للتعليمات سيتم اتخاذ اجراءات عنيفه ضد المخالف.

امر محمود يونس المهندس قاسم سلطان ان يرسل اشارة لاسلكية الى محطات الاسلكي على طول القناة بان الادارة المصرية تولت من الان تسيير العمل بالقناة.

عاد محمود يونس الى مكتبه الذي كان يشغله المدير الفرنسي مسيو بيرمينيسية واعطى تعليمات بجرد الملفات ومحتويات المستندات الخاصة بالشركة.

وفي تمام العاشرة مساء اي بعد ساعتين من اقتحام الشركة كان محافظ القناة السيد محمد رياض يستقبل مديري الشركات الاجانب ويطلعهم على قرار التأميم.

ومما رفع معنويات رجال التأميم ان اهالي منطقة القناة في الاسماعيلية والسويس وبورسعيد بمجرد سماعهم لخطاب الرئيس عبد الناصر خرجو الى الشوارع في اتجاه مكاتب الشركة في مدن القناة وخرجوا يهتفون بحياة جمال عبد الناصر.

واستكمل المستشار داود انه بعد انتهاء عبد الناصر من خطابه في ميدان المنشيه نزل الى الشارع واستقل سيارته المكشوفه والتف حوله اهل الاسكندرية وحملوا سيارته على اكتافهم وساروا بها قليلا، وخرجت صحف العالم بنبأ التأميم وشككت معظمها في قدرة المصريين على تحمل مسئولية ادارة القناة والملاحة وطالب البعض بفرض حماية دولية للقناة، وطالب البعض الاخر بضرورة تأديب جمال عبد الناصر وطرح خبراء القانون سؤالا مهما هل كان تأميم قناة السويس عام 1956 ضروريا رغم ان الامتياز كان سينتهي خلال 12 سنة وتعود القناة لمصر والارادة المصرية ؟.

أضاف داوود ان "جمال عبد الناصر لخص وجهه نظره في ان الشركة حصلت على حق الامتياز لادارة القناة لمدة 99 سنة تنتهي في نوفمبر 1967 وعلى الرغم من ذلك فقد بادرت الشركة التي كانت تتشكل من جنسيات مختلفة ومقرها باريس بالمطالبه بمد حق الامتياز بعد انتهاء الامتياز في 1967 الا ان الشعب المصري رفض حفاظا على كرامة الدولة".

واشار المستشار داود ان المهندس محمود يونس كان تحت يده دراسات تؤكد ان الشركة الفرنسية لم تكن تنوي تسليم القناة لمصر في موعد انتهاء الامتياز بدليل محاولاتها العديدة لمد الامتياز وكان الشعب المصري يرفض تماما بل ان بعض الكتاب مثل فكري اباظه في مجلة المصور طالب بتأميم الشركة قبل الميعاد كما ان الدكتور مصطفى الحفناوي طالب بالتأميم بعد حصوله على الدكتوراه من باريس عن قناة السويس، كما ان بعض الافلام الوطنية طالبت بتأميم الشركة فكان ذلك سندا شعبيا لجمال عبد الناصر في اتخاذ قرار التأميم بكل جرأة بالاضافة للعديد من الاسباب السياسية والاقتصادية التي كانت معلنة من قبل مثل امتناع الدول الغربية وعلى رأسها امريكا مد مصر بالسلاح لمواجهه اعتداءات اسرائيل المتكررة في الوقت الذي كانت تمدها بأحدث انواع الاسلحة المتطورة وبالمعونات المتعددة بكل سخاء ورفض الدول الغربيه وامريكا تمويل مشروع بناء السد العالي وحرضت البنك الدولي على عدم التمويل

لافتا الى ضأله ماكانت تحصل عليه مصر من عائدات شركة قناة السويس السنوية حيث كانت الشركة تحقق ارباحا تجاوز 100 مليون دولار وكان نصيب مصر لا يتجاوز 3 ملايين دولار هذا بالاضافه الى عدم سماح الشركة بتعيين المصريين في الوظائف الرئيسية والهامة وتركت لهم الوظائف المتدنية مثل السعاة والكتبه وصغار الفنيين واعتبرت الشركة انها دولة داخل الدولة المصريه فلم تحترم السيادة المصرية على كامل اراضيها وكان من المتوقع ان تترك الشركة القناة عند انتهاء الامتياز خرابا مدمرة لا تصلح للاستخدام حتى تثبت عجز المصريين في ادارة قناتهم. مؤامرة انسحاب المرشدين


وعن مواجهه المهندس محمود يونس لمؤامرة انسحاب المرشدين الاجانب من قناة السويس اكد المستشار محمد داود انه "تم مواجهه المؤامرة بخطة محكمة حيث كان التأميم في فصل الصيف وتقليد الشركة كان اعطاء كافة المرشدين تذاكر مجانية للسفر الى اي دولة لقضاء عطلة الصيف.

ولاحظ محمود يونس خلال هذه الفترة سفر المرشدين الاجانب وعدم عودتهم كما انهم باعوا مقتنياتهم، ومن خلال هذه التحريات ايقن محمود يونس المؤامرة، ولذلك اعلن في جميع صحف العالم لطلب وظيفه مرشد بقناة السويس، لكن المرشدين الاجانب انسحبوا جميعا ماعدا اليونانين، وتحسبا لهذا الموقف طلب محمود يونس مرشدين اجانب للعمل بهيئة قناة السويس، لكنه واجه مشكلة ضرورة تدريب المرشدين الجدد لمدة لاتقل عن سنتين لتمكينهم من الصعود على السفن وارشادها في قناة السويس ولذلك اعتمد محمود يونس على المرشدين المصريين واليونانين لتدريب المرشدين الجدد في اقل فترة ممكنة.

وفي يوم 14 سبتمبر اتفق المرشدون الاجانب على الانسحاب في وقت واحد وتجمعوا في نادي الشراع بالاسماعيلية استعدادا للرحيل وعندما علم محمود يونس بما يحدث طلب ان يعزف لهم النشيد الفرنسي لتوديعهم.

اتفق المرشدون الاجانب مع شركات الملاحة على ارسال 50 سفينة في اليوم بدلا من 35 سفينة لاثبات عجز المصريين عن ادارة قناة السويس وفشل عملية التأميم وبعد وصول السفن سمح محمود يونس لهم بدخول المجرى الملاحي لقناة السويس واعطى تعليمات بارشادهم وكان المعتاد ان يرشد كل سفينة 4 ربابنه لكن في هذه الحاله تحدى مرشدي هيئة قناة السويس اي ظروف واستطاعوا ان يثبتوا قدرتهم وارادتهم في تحقيق المستحيل حيث استطاع المرشد الواحد في ذلك الوقت ارشاد سفينتين خلال رحلتهم بالمجرى الملاحي لقناة السويس رغم صعوبة الطقس في هذه الفترة والتي كان يلزم اغلاق الملاحة ومنع دخول السفن، لكن محمود يونس اصر على تحدي الصعاب وكان محمود يونس في ذلك اليوم يسير على قدمية بطول المجرى الملاحي وينادي في مكبر الصوت على اسم كل قبطان سفينة لتشجيعه وتحفيزه ويقول لهم "الهمة يارجاله" وبالفعل استطاع المرشدون المصريين واليونانيين ان يتخطوا المؤامرة التي صنعتها الشركات الاجنبية لاجهاد قناة السويس والادارة المصرية لاثبات فشل التأميم وعودة قناة السويس تحت الادارة الفرنسية.

قام محمود يونس بابلاغ عبد الناصر بنجاح التصدي لانسحاب المرشدين وفي اليوم التالي كان عبد الناصر يشهد حفل تخرج طلبة كلية الطيران وخلال الحفل تحدث عن مؤامرة انسحاب المرشدين، واشاد بالدور البطولي الذي قام به محمود يونس ورجاله وامر بمنح جميع المرشدين والقائمين على الملاحة في قناة السويس وسام الاستحقاق من الطبقة الاولى وكان يصادف في هذا الوقت قيام احد المرشدين المصريين بارشاد احدى السفن الالمانيه اثناء عبورها قناة السويس،وعقب صعوده على السفينة تعامل معه قبطان السفينة بسوء،وقال له ان قناة السويس ترسل تلامذه لارشاد السفن انها فضيحة كبرى ولم يتحمل المرشد المصري هذه المهانة، لكنه بدأ بمهام عمله في توجيه وارشاد السفينه، كان في هذه اللحظة محمود يونس يستمع لخطاب الرئيس وامرغرفه الملاحة ابلاغ جميع المرشدين بقرار رئيس الجمهورية وطلب من ربابنة السفن ابلاغ المرشدين الموجودين على متن السفن وتلقى قائد السفينة الالمانيه البرقية وذهب بنفسه ليذف الخبر الى المرشد المصري واعتذرله بشده عما بدر منه وكان هذا بمثابه تكريم ووسام وضع على صدر جميع العاملين بهيئة قناة السويس بفضل فكر محمود يونس.

من هو البطل "محمود يونس "؟

كما قال المستشار داوود فان محمود يونس مهندس عملية تأميم قناة السويس ولد في عام 1912 في حي السيدة ذينب،الحقه والده بمدرسة محمد على الابتدائية فكان زميلا لكل من احمد حسين زعيم مصر الفتاه فيما بعد وفتحي رضوان المحامي والمناضل واول وزير للثقافة في مصر بعد الثورة.

حصل محمود يونس على الشهادة الابتدائية فالتحق بمدرسة الخديوي اسماعيل الثانوية المعروفه باسم الخديوية وتقع في شارع الخليج المصري "بورسعيد" حاليا وحصل منها على شهادة البكالوريا في عام 1930

جده يونس الحكيم كان طبيبا فأراد والد محمود الحاقه بالطب لكنه لم يقتنع بدراسة الطب لميله الشديد لدراسة الهندسة فرسب في السنة الاولى ورفض دخول امتحان الدور الثاني حتى اقتنع ابوه بأن يحقق له امنيته في دراسه الهندسة فألحقه بمدرسة الهندسة الملكية سنة 1931 والتي اصبحت بعد عامين كلية الهندسة جامعه القاهرة.

وكان يونس من زعماء الطلبة الذين قادوا المظاهرات سنة 1935 ضد الانجليز التي اجبرت المحتل على التفاوض مع مصر من اجل الجلاء فاسفرت عن معاهدة سنة 1936 واستمر نضال محمود يونس حتى تخرج من كلية الهندسة جامعه القاهرة عام 1937، ثم التحق عام 1938 بالقوات المسلحة طالبا بكلية اركان حرب وعند تخرجه اختير مدرسا فيها لتدريس مادة الادارة والتحركات ويتصادف ان يكون من بين طلابه الضابط "جمال عبد الناصر"، الذي اختير ايضا مدرسا بنفس الكلية لتدريس مادة الشئون الادارية فيصبح زميلا لاستاذه محمود يونس وتجمعهما غرفه واحدة في الكلية.

وفي كلية اركان حرب توطدت الصداقه بينهما ولاحظ عبد الناصر عن قرب قوة شخصية محمود يونس وحسمه وانضباطه والتزامه فأختاره بعد قيام ثورة يوليو ليكون مديرا للمكتب الفني لمجلس قيادة الثورة ويشركه في اللجنة الوزارية لمجلس الانتاج ويعينه عضوا في المجلس الدائم لتنمية الانتاج القومي واخيرا اختاره عبد الناصر عضوا منتدبا لمعمل تكرير البترول بالسويس ورئيسا للجمعية التعاونية للبترول ومستشاروزارة التجارة والصناعه.