الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"الحجاب" ليس غطاء لشعر المرأة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
• سوف نضرب اليوم فى مقالنا هذا مثالًا عن كيفية فهم معنى «لفظ» فى التنزيل الحكيم، وعن كيفية الوصول إلى معناه فى المقصود والاستخدام الإلهى وليس المقصود والاستخدام البشري.
• وسوف نأخذ لفظة «الحجاب» التى وردت فى كتاب الله كمثال لفهمنا للفظ فى كتاب الله.
• أولًا لنقم «بترتيل» الآيات التى ورد بها اللفظ من المصحف وجعلها «رتلا» أى (طابورًا) وعندها فقط سنجد لفظة «الحجاب» وردت فى التنزيل الحكيم ثمانى مرات حصرا، ولم تمت فى كل مرة من المرات الثماني إلى لباس المرأة من قريب أو بعيد أبدا، ولم تعنِ أبدا فى أى مرة من المرات الثماني «غطاء الشعر» ولم تتصل بغطاء الرأس بأى صلة نهائيا، بينما تؤكد جماعة الإخوان أن لفظة «الحجاب» فى كتاب الله معناها غطاء الرأس للمرأة وأنه فرض دينى كالصلاة والصوم تضيفه إلى فروض الرسالة، بينما لفظة الحجاب فى المقصود الإلهى تعنى المانع أو الساتر أو الحاجز، الذى لا يمنع الرؤية ولا الصوت أحيانا، بل يفصل فقط بين فريقين وأحيانا يمنع الرؤية والصوت معا، أو يمنع الرؤية فقط تاركًا الصوت ويعنى أيضا تلاشى الرؤية، لبعد المراد رؤيته كما يعنى أن ينزوى الإنسان بعيدا عن الأنظار. 
• وإذا نظرنا للتنزيل الحكيم وجدنا أن كلمة حجاب وردت ٨ مرات فى السور التالية:
١ – الأعراف ٧/٤٦
٢ – الأحزاب ٣٣/٥٣
٣ – ص ٣٨/٣٢
٤ – فصلت ٤١/٥
٥ – الشورى ٤٢/٥١
٦ – الإسراء ١٧/٤٥
٧ – مريم ١٩/١٧
٨ – المطففين ٨٣/١٥ 
• أولًا: الحجاب بمعنى الحاجز الذى لا يمنع الرؤية ولا يمنع الصوت 
١ – {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)} وتليها الآية ٤٥ فى وصف الظالمين… إلى أن يستهل الآية ٤٦ بقوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًاّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)} الأعراف.
ونفهم من السياق السابق أن الحجاب هو بين أهل الجنة والنار ونفهم أن هذا الحجاب، الحاجز لا يمنع الرؤية ولا الصوت، وإلا فكيف يستقيم قوله تعالى فى الآية ٥٠ من نفس السورة {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين}، إذن الحجاب هنا هو حاجز لا يمنع الرؤية أو الصوت. 
• ثانيًا: الحجاب بمعنى الساتر الذى يمنع الرؤية فقط والآية هنا من التاريخى. 
٢ – {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} نقول: قوله تعالى {فاسألوهن من وراء حجاب} الأحزاب أمر بسدل الستر على زوجات النبى وعدم التحدث مع الناس إلا من خلف ساتر والساتر هنا مانع للرؤية فقط لكنه ليس مانعًا للصوت. 
• ثالثًا: الحجاب بمعنى البعد المكانى للشىء المراد رؤيته بدرجه تحول وتمنع الرؤية.
٣ – {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (٣٢) ص.
والتوارى بالحجاب فى الآية هو (غياب الرؤية بالعين) كناية عن البعد المكانى للشىء المراد النظر إليه. (حتى توارت بالحجاب) والآية من القصص القرآنى أى من التاريخى فى كتاب الله.
• رابعًا: الحجاب بمعنى الإعراض.
٤ – {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فصلت، والمعنى هنا هو عدم الالتفات إلى كلامك والإعراض عنه وعدم الاهتمام به والآية هنا من قصة محمد وقومه، أى من التاريخى فى الكتاب. 
• خامسًا: الحجاب كمانع للرؤية دون صوت الوحى
٥ – {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الشورى ٥١.
والمعنى هنا أن يكلمه الله دون أن يرى الله، والحجاب هنا لا يمنع صوتا، ولكن يحجب رؤية فقط.
والآية هنا من آيات القرآن. 
• سادسًا: الحجاب بمعنى الفصل.
٦ – {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا} الإسراء ٤٥.
وهنا بمعنى فصلنا بينك وبين الكافرين أى بمعنى الفصل. 
• سابعًا: الحجاب بمعنى المواراة والمداراة والابتعاد عن رؤية الناس وأعينهم لك والانزواء بعيدا عن أعين الناس. 
٧ – {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧)} مريم.
والمعنى هنا هو الحجاب المانع للرؤية والصوت والإدراك أيضًا والآية هنا من القصص القرآنى التاريخى فى الكتاب. 
• ثامنًا: 
٨ – {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} المطففين ١٥. أى بينهم وبين الله مانع ما.
• أخيرًا: وبناء على ترتيل الآيات أى جعلها رتلًا، والتى ورد بها اللفظ المراد معرفة معناه فى المقصد الإلهى، واستخدامه والنظر إلى السياق والنظم الذى يفصل فى المعنى، نستطيع أن نصل إلى معنى اللفظ فى الكتاب دون أن نحمله ما لا يحتمل، ودون أن نفرض آراءنا الخاصة على كتاب الله ودون أن نحرفه عن مقاصده أو نتقول على الله أو ننحرف بالمعانى والمقاصد والغايات.
• فلفظة «الحجاب» فى كتاب الله ليست لها علاقة بلباس المرأة نهائيا وليست لها علاقة بغطاء الشعر نهائيا كما ادعى البعض ويدعون، وكما حاول البعض اختزال الدين كله فى غطاء الرأس للمرأة، فالكتاب دقيق ومعجز وجاء على اللفظ واللاترادف، بمعنى أن لكل لفظ معناه وأن كل لفظ مختلف تمامًا عن الآخر، وهو ما لم تنتبه إليه التفاسير القديمة التى تعاملت مع التنزيل الحكيم وفق الترادف ووفق لسان العرب ومقاصدهم واستخدامهم للغة، فوقعت فى المحظور وذهبت بالمقاصد إلى مناحٍ عجيبة انحرفت بالدين وفرضت عليه ثقافة العرب ولسانهم وتقاليدهم، فحولت النص المقدس العالمى إلى نص محلى خاص بالعرب وحدهم بينما الكتاب عالمى وجاء لكل أهل الأرض. 
• بقى أن نؤكد أن المرات الثماني التى ورد بها لفظ «الحجاب»، جاءت ضمن سياق آيات من خارج الرسالة المحمدية وأحكامها وشرائعها وشعائرها وأخلاقها والتى تمثل الإيمان بالرسول وجاءت من خارج الفرقان (الصراط المستقيم ومحرماته العشرة)، الذى هو الإسلام حيث إنها جاءت ضمن آيات القرآن وضمن آيات ما نطلق عليه قصة سيدنا محمد وقومه وهو الجانب التاريخى فى كتاب الله.