الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما الذى ينبغي أن تفعله الدولة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدكتور صباح الناهى 
أمام تحديات ملحة كارتفاع معدلات الفقر وأزمة البطالة، وتوسع دوائر الفساد الإدارى والمجتمعي، وقضية تداول السلطة، والحكم، وانقلابات الأحزاب وصدامها، وتكريس الكانتونية، واللبننة، وصراع الطوائف وتحلل الإثنيات، وتقاتل الساسة على المال والسلطة، وتحويل الدول إلى منافع فردية وطبقية، فى بعض الأماكن من عالمنا، ليكون الحل الفردى منطق الأفراد، وكأنهم خاضعون لدول تحكمها المافيا، فإن كل ذلك يدعو إلى وقفة أكثر من جادة لقادة ومفكرى بلداننا وعلمائهم، ومثقفيهم وأكاديمييهم، ليعرفوا العوامل التى كانت وراء كل هذا الميل بالأوطان، لتؤول نحو السقوط المروع الوشيك، أو الدخول فى جو الاحتراب، والانقسام والتشرذم، وهذا واقع ممكن وغير مستحيل، ولنا بأمثلة عدة وقريبة خلال العشرين سنة، التى خلت، فى سوريا والعراق والسودان وليبيا والجزائر سابقًا، والأزمة الخليجية الحالية، وخيبات مرت وأخرى فى الطريق، لا نعرف إلى أين تقاد الأمور فى عالمنا الذى حلمنا أن يتوحد فانقسم، وتوقعنا وحدته الاقتصادية فصارت بعيدة المنال، وأن نقلل خسائرنا مع الجيران فصرنا نتقاتل معهم وننزف دمًا بسبب جوارهم، وتوقعنا أن نتفاهم مع الكبار فصرنا ضحايا إحجامهم وقوتهم، وأن ننهى أزمة اغتصاب فلسطين فوجدنا أنفسنا أمام دول أخرى وحدود أخرى تغتصب، ونرى بعض جيوشنا تتراجع وتحل الميليشيات محلها، وتستعاض تجارب الأمة بتجارب الثورات، ونماذج الأنظمة الكولينالية والثيوقراطية.
إنها فوضى تقود حتمًا إلى أن نخسر فى المحصلات، ونُبدد ثرواتنا وقدراتنا على حروب عبثية توقف التنمية والتطور، وتحد من قدرتنا على العطاء والمساهمة فى الثراء البشرى علميًا وثقافيًا، ولا نتحدث عن الابتكار والإبداع، بل نحن فى مسعى دومًا لترميم جراحاتنا، وتشييع أبنائنا الذين اغتالهم الإرهاب، والقصف الدولى، والتفجيرات، من أطراف عدة.
إن الأزمة الداخلية هى السبب الجوهرى فى هذا التراجع، وهى ليست محصورة بالمتغير الدولى وحده الضاغط علينا، ففى وقت تنامى الوعى العربى، وتصاعد وتيرة المطالبات المجتمعية بالحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة؛ فإن بعض الإدارات السائدة، تتلقى هذا التطور الطبيعى فى وعى الجماهير على أنه خلل فى الشراكة بين مطالب الشعب ومتطلبات بقاء الدولة، وأمنها واستمرار النظام الحاكم فيها، وهنا تبرز مسألة غاية فى الأهمية، وهى قضية إدارة الدولة التى هى كيان معنوى ومادى لتوفير مستلزمات العيش وكفاءته للمجتمعات، بوتائر وآليات سياسية، وإدارية.
الدولة كمفهوم معاصر هى الكيان المطلق لحدود المواطنة بغض النظر عن مرجعية المواطن وامتداداته العرقية والإثنية والطائفية، هى عقد ملزم لذلك الفرد - المواطن، أن يؤمن حتمًا بأنها الكيان المعنوى الذى يمارس حياته الآمنة المستقرة فيها، التى توفر له الخدمات والتعليم والصحة، وتداول السلطة والحكم، والعيش بكرامة، وهى التى تدافع عنه، وتحميه أينما حلّ وارتحلّ، وهذا العقد المقدس بينها وبينه يتطلب تنظيم العلاقة بين الطرفين بالتراضى المطلق، لكى يعرف الجميع حدوده فيها، بمعنى أن حقوقك تنتهى حيث تبدأ حقوق الآخرين، وعليك واجبات حماية كيان الدول من أى تهديد خارجى أو تخريب داخلى، وهذه ليست مجرد لعبة تمارسها حيث شئت وتعزف عنها حين تريد، أبدًا، إنها عقد المواطنة الدائم، وإلا تكون فى موضع المساءلة، فى كل مكان من العالم، هذه مسلمات الحياة المعاصرة، التى اتضحت بقوة بعد أن أصبحت ضرورة فى عالم أضحى شاشة، كل فيها مرئى وما عادت المسافات والأبعاد والأزمان تحد من رؤية أفعال الأفراد - المواطنين.
لكن الثابت أن الدول المعاصرة أضحت دولا بخصوصيتين، فرضها التطور وتراكم مفاهيم الحقوق الإنسانية، أولها: مفهوم فصل السلطات التى تكفل ضمان توافق الحقوق والواجبات، ومحاسبة التفرد بالقرار، والثانى اللامركزية الإدارية لضمان تحقيق جودة الخدمات، التى تقدم لشرائح المجتمع كافة.
وهذان المفهومان باتا قاعدة لتطور الدول وارتقائها من جهة ومجال حيوى لممارسة الحكم وتداوله بكفاءة، وضمان تنقية تلك السلطات المستمر من مخالفات قانونية، والحؤول دون فسادها، أو تغول الأفراد حين تغريهم ممارسة السلطة على التمادى والدكتاتورية، إن المهمة الأعظم التى تقع على عاتق السلطة تتلخص فى إدارة موارد الدولة الاقتصادية والاجتماعية، بهدف تنمية المجتمع وتطوره، وضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة، بل التأسيس المستمر لذلك، وهنا يبرز دور القيادة الكفؤة المقتدرة التى تدرك أنها خادمة للشعب، الذى أولاها مهمة الزعامة للمشروع الوطنى عبر اختياره لها كى تستجيب لاحتياجاته وتعزيز قدراته، وصولًا إلى التنمية الشاملة، التى لا تقتصر على القطاع العام الذى تقوده الدولة، بل فتح منافذ العمل لتحسين الإنتاج، وترسيخ إنتاجية الشعب كى ينمو ويتطور وينافس فى إنتاجيته الآخرين، ليحقق ريعًا للدولة يصعد ويعظّم مواردها، من مجمل الجهد الذى يبذل وطنيًا.
إن البناء الديمقراطى لا يخيف الأنظمة، بل يعزز من وجودها فى بناء الإنسان وتحقيق فكرة التداول للسلطة وتوزيع الأدوار وتعددها، وزيادة حيوية المجتمع فى المشاركة الفاعلة، مع ضمان التنوع فى الإدارات، للنهوض بفاعلية وكفاءة الدولة عموما بتفعيل القانون، والرقابة، وتكريس اللامركزية الإدارية، للمحافظات والأقاليم، ومحاربة الفساد، والتوسع فى تقديم الخدمات، وتنامى نظم المعلومات التى تعطى صاحب القرار الرؤية الواضحة لمسارات ما تم التوصل إليه فى مختلف النواحي، والقدرة المتواصلة على الإصلاح ووقف الهدر المادى والجهد البشري، كى تكفل الدولة ضمان التطور المضطرد.
يظل العامل الأهم هو البيئة التى تعمل من خلالها الدولة، ومدى تفاعلها معها، من حيث أولويات الضمان الكفؤ بأن تكون بيئة غير معادية، كى لا تظل الدولة مستنفرة تهدر الموارد وتنفق على درء حدودها من خلال عقد تفاهمات مع دول الإقليم المحيطة بها والقريبة منها، وبصورة مستمرة يؤمنه جهاز وطنى كفؤ يطور المنافع والمصالح معها لضمان العلاقات الطبيعية، كذلك حسن تدبر العلاقات الدولية مع الدول العظمى والكبرى، والمنظمات الدولية، ومحاولة إيجاد مقاربات معها ومع معايرها، كى لا تخضع للنقد ومحاولات تشويه السمعة فى المحافل الدولية.
تظل الدول كيانات حية، تراكم خبرتها مع الآخرين، وقبل ذلك مع مواطنيها بإيجاد نظام كفؤ لتوزيع الأدوار حسب قدراتهم وإمكاناتهم.