الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"ماسبيرو" الفرص الضائعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تُملى المبادئ التسويقية فى مجال إنتاج المحتوى الإعلامى فى مجتمع اليوم منطقها، حين تقول إنه وفى ظل النمو الضخم فى ميزانيات إنتاج المضامين سيكون من الضرورى أن تصنع مجالًا تسويقيًا موازيًا لها وفق طبيعة كل منها وارتباطًا بخصائص جمهورها، وأن ذلك ليس طرفًا بل ضرورة ومقوم نجاح واستمرار، مخاصما تماما عشوائية إنتظار تلك التفاحة التى تسقط من أعلى الشجرة نحو فمك لتقول وجدتها، بل سعيًا وقراءة للتجارب المشابهة فى الكون، فهكذا تتشكل خرائط النجاحات الفردية والمؤسسية فى العالم.
هذا الفكر التسويقى الملازم لكل انتاج، هو فى الحقيقة ضرورة لتوفير مدخلات فى ظل محدودية الموارد التقليدية وتقلصها فى مجال إعلام الدولة، وسيكون ذلك لازمًا لكل مؤسسة أعلامية، صحيفة أو قناة تلفزيونية أو إذاعة، وسيكون مهما تمامًا لتحديد مواصفات المحتوى الإعلامى الذى تضطلع به إنتاجًا ومهنة ودورًا، معبرا عن هويتك وأهدافك، وأيضًا عن مكانة المؤسسة وقدراتها وفرص نموها، وبحيث يتزامن مع كل خطط إنتاج وبث ونشر معرفة دقيقة بخصائص السوق ونمط وعادات الاستخدام بل ومدى احتياج الجمهور للمحتوى من الأساس، ذلك أنه من العبث تمامًا أن تستمر فى إنتاج وتمويل محتوى إعلامى وفقًا لظنك أنه سيلقى قبولًا أو اهتمامًا أو تأسيسًا على ذاتية صرفة ترى أنه مما ينفع الناس بينما الواقع يؤكد انصراف الجمهور عنه، فالإعلام ليس كتاب أفكار ذاتية بل هو منتج يتحقق هدفه بالوصول إلى أوسع نطاق من الجمهور.
تبدو الأزمة عندما تفلت فرص للنمو والاستثمار فى محتوى إعلامى هو بطبيعته جذاب ومؤثر، كما أنك كمؤسسة تنفرد به، ثم الأهم أن يثبت لديك من خلال تجارب قائمة أنه موضع متابعة واهتمام وربما مجالًا لبناء موارد مالية تحتاجها، فضلًا عن كونه مضمونًا إعلاميًا لا يحتاج إنفاقًا جديدًا بل فقط نفقات بثه والتسويق الجماهيرى له، ثم تضيع وتفلت فرصة استثمار ذلك كله، وليتحول إلى عبء جديد هو توفير نفقات التشغيل.
هنا تبرز مشكلة ماسيبرو بصفة عامة وتظهر جلية فى مجال قناة ماسبيرو زمان، تلك التى تحمل وتقدم مضمونًا تلفزيونيًا قديمًا، كان جزءًا تاريخيًا وسباقًا من إنتاج التلفزيون المصرى ومنذ نشأته، وحينما كان منفردا أو مايشبه ذلك عربيا فى مجال الإنتاج البرامجى والدرامى، باعتباره شاشة كل العرب، تم نسيان كل هذا التراث سنوات طويلة لتنفرد قناة روتانا كلاسيك باجتذاب ومتابعة شرائح ضخمة من الجمهور، تداعب مخيلتهم بمحتوى درامى وغنائى مصرى فى عناصر إنتاجه وهويته، تقدمه بدأب ودعم لفكرة الارتباط باهتمامات الجمهور، عبر خريطة برامجية أجادت طرح مواعيد الأفلام القديمة والأغانى وفق نمط يعرف طبيعة المشاهدين واهتماماتهم ومواعيدهم المفضلة للمشاهدة النوعية للمضامين المختلفة.
هكذا ارتبط الجمهور المصرى بمتابعة تلفزيونية يومية لحفلات الأغانى القديمة وتابع كثيرا من أفلامه الكلاسيكية المحببة، والتى كانت موضع متابعة سابقا عبر شاشاته المصرية عقودا طويلة، ثم شاء البعض لكثير من هذا التراث –بعد قصير تفكير- أن يرحل، من دون نظرة مستقبلية تعرف وتقيم هذه الكنوز الفنية، ثم اكتفوا فقط بفكرة إدانة المنتجين المصريين الذين قرروا بيع أرشيفهم السينمائى إلى تلك القناة وفق عروض مالية مرتفعة، وبعد تعبهم من عقود من التوظيف التلفزيونى المحلى لها بأسعار متواضعة رغم تكرار عرضها المكثف على عدة قنوات.
طبعا أفلتت الفرصة من واقع تضاؤل الرؤية الاقتصادية وتعثرها بفكرة بيروقراطية مفادها أن ذلك ثمنا مرتفعا للشراء، ثم الدهشة وعدم التصديق بأنه كيف يتحقق ذلك بينما كانت فى أدراجنا بسعر شبه مجانى، دون قراءة واقعية لما سيحدث، وهكذا انفردت شاشة روتانا بكم كبير ومتنوع من هذا التراث الفنى المصرى، بينما لم يقم ماسبيرو بفكرة إبداعية فورية مواجهة تتأسس على فرز وانتقاء وتوظيف كل نتاجه الحصرى القديم من البرامج والدراما وغيرها، ظل ماسبيرو يشاهد نمو روتانا كلاسيك من دون أن يتدخل، فاقدا فرص التفرد والمنافسة والعائد الإعلانى وبناء شرائح جمهور على المستوى العربى.
وبعد سنوات طويلة حققت فيها روتانا كلاسيك نجاحها، وكالمعتاد جاء التفكير متأخرا فى إنشاء ماسبيرو زمان، فماذا حدث؟ استبشرنا بالفكرة التى كانت فى حوزتنا ثم عدنا لتقليدها، واعتبرناها – تشجيعا- خطوة مهمة وفق مقولة: "وماله كويس إنهم افتكروا"، لكن وبعد قليل سرعان ما انتقلت بيروقراطية التسيير والاختيار والعرض لتفرض رؤيتها، فكان أن تم إذاعة كل شيء، فما دام قديما فقد اكتسب فرصته فى أن يحضر على شاشة الزمان، ثم رويدا لم يعد بعض ما يذاع يخص القديم بالمعنى المفهوم فعلا، من دون أن نعرف هل تمت عملية قراءة وفهم لاحتياجات الجمهور، وهل ما يذاع ضمن خريطة برامجية تتأسس على كامل قراءة المحتوى الموجود فى حوزة ماسبيرو وتصنيفه وبحيث لا يحدث تكرار دورى لبرنامج أو حلقة ما أو تنهمر فجأة مضامين ذات طبيعة متشابهة؟
وبينما تبحث عن القدرات التسويقية الموازية لهذا المحتوى إعلانيا فلا تجد شيئا، فالإعلانات غائبة كأنها تخاصمهم تحديدا، فى وقت تتواصل ولازالت فواصل الإعلانات على برامج قناة روتانا كلاسيك، وبينما تقوم قناة ماسبيرو زمان بوضع محتواها من البرامج والأفلام والأغانى والمسرحيات والحوارات على قناة خاصة بها على شبكة اليوتيوب، تتأنى ناظرا لتبحث عن عدد المشاهدات فيدهشك ألما كونها أرقاما قليلة بالمئات وفى أحسن الأحوال عدة الآف محدودة، فلا تستطيع لذلك فهما أو صبرا، بينما أغنية واحدة هى ذاتها يضعها بعض الهواة على اليوتيوب فيتابعها مئات الآلاف والملايين، وهكذا يتم إهدار فرص إعلانية أخرى على اليوتيوب .
ماسبيرو زمان مليء بأشياء جميلة جديرة بإعادة النظر، ولكن وكما يقول العارفون هو النظر الذى يكون تأملا مبدعا، يعيد فهم القدرات ومساحات الإمكانيات ويحدد طرائق توظيفها ويمكنه أن يبنى خطط وآليات حقيقية لتسويق كل هذا المضمون الذى ينفرد به ماسبيرو، فليس بالتنويهات والأصوات الجزلة وحدها تحيا القنوات.