الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السلطة وليس الإسلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يستطيع أحد أن يُخرج مسلمًا من دينه بشكل مطلق، ومن الإسلام على وجه الخصوص، لو قال لنا اليوم السيد رجب طيب أردوغان، إن السيد فتح الله جولن مناوئه السياسي، ليس مسلمًا، لما صدقه أحد لديه عقل راجح! هو مسلم معارض، وأيضًا له أتباع الآن بعشرات الآلاف فى السجون التركية، مسلمون معارضون. ومنذ نهاية الخلافة العثمانية والبعض من المسلمين يرون إعادتها بشكل ما، معلن أو حتى خفي، واجبًا مقدسًا. كان الملك فاروق ملك مصر يطمح لأن يكون «خليفة المسلمين»! ولم يتحقق له ذلك، كما أراد «الإخوان المسلمون» فى مصر أن يحققوا «الخلافة»، ولم يكن التاريخ ولا الواقع الاجتماعى والسياسى يسمح لهم بذلك، الفكرة العامة استخدام «الإسلام» فى تحقيق الوصول إلى السلطة، ليس جديدًا، لا على تاريخ المسلمين، ولا على تاريخ المنطقة، مثل تلك المحاولات، إلا أن العالم قد تغير دون رجعة.
الأزمة القطرية مع الدول الأربع: المملكة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، هى أزمة كاشفة. فقد مررنا جميعًا بما سمى «الصحوة»، كما مررنا أيضًا بحكم «الإخوان» لفترة وجيزة فى مصر، وحتى غيرها من بلادنا العربية، بل مررنا فى هذا الجيل بصراع دموى بين سلطة عبدالناصر من جهة و«الإخوان» من جهة أخرى، عنوان كل ذلك «السلطة». الأزمة الحالية، فى جزء منها، ولا أدعى فى كل الأجزاء، هى ذلك الوهم الذى قررت جماعة منا أن تحمله على كاهلها بالعرض دون تبصر، إقامة الخلافة، من خلال تنظيم حديدي، وغير ديمقراطي، حتى فى داخله له طابع «السمع والطاعة المطلقة» للمرشد، على ما يعتريه من مفارقة للواقع والتاريخ، ومسيرة الإنسانية، من حق كل جماعة أن تحمل «الوهم» الذى تريد، ولكن ليس من حقها أن تفرضه على الآخرين، بادعاء الوكالة عن «الإسلام»، وليس من حقها أن تلصق ذلك الوهم بالدين الإسلامي، فذلك ما يعترض عليه العاقل الرشيد بشدة، لا لسبب إلا لأنه يدخل المجتمعات فى صراع عبثي، والمجتمعات العربية لا تنقصها حتى الساعة صراعات طويلة ونازفة للطاقة ومشتتة للجهد وكاشفة للضعف. أن تكون أنت مسلمًا وتُخرج الآخرين من الإسلام، لأنهم لا يوافقون على خطك السياسي، فذلك أمر أقل ما يقال فيه إنه خطيئة، تقود إلى تدهور المجتمعات وتفتتها، وشرذمة الصف الوطنى وتعريض الوطن إلى مخاطر. اختلف فى السياسة كما تريد، ولكن لا تُلبس ذلك بالعقيدة.
كان يمكن أن تمر مثل تلك الأطروحات فى أوقات تاريخية سابقة، لم تعرف فيها الإنسانية الطائرة والقطارات السريعة والإنترنت والتليفونات الذكية، والاطلاع فى التو واللحظة على ما يجرى فى العالم من شرقه إلى غربه، من مخترعات وانتصارات علمية وتنموية. العصر لا يستطيع أن يحمل تلك الأوهام حتى لو اعتقد البعض ذلك. 
الاختصار الذى يجب أن يرسخ، هو أن ما تسعى إليه الجماعات المنظمة تحت ما عرف بالإسلام السياسى هو «السلطة»، وتستعين بذلك بأى قوى أخرى، أو حتى دول، من أجل تحقيق أهدافها، وتلك الدول ليست بعيدة عن شهوة تلك الجماعات فى الاستيلاء على السلطة عندهم، حتى لو أظهرت المسكنة. وهنا يحق أن نستدعى تصريح المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز، الذي قال فى تصريح رسمي: «لقد عضوا اليد التى امتدت إليهم بالإحسان» فى نوفمبر ٢٠٠٢. الانقلاب على الحليف مبرمج زمنيًا، لا يوقفه إحسان ولا يؤخره تحالف! ومن يعتقد أنه خارج «شهوة التنظيم إلى السلطة» فعليه أن يراجع نفسه. 
بعد هذا كله، لا بد من الحديث عن ثلاث نقاط مهمة؛ الأولى أن الأزمة الخليجية يجب أن يتصدى لحلها الرجال الشجعان، وفى البيت الخليجى لا غير؛ لأن أى سيناريو غير ذلك هو «كإدخال ثور هائج فى دكان خزف»، وسوف تكون الخسارة فادحة؛ لأن كل هذه الإنجازات فى الخليج سوف تتعرض لخلل دائم، ثانيًا لا بد من العمل الجاد للتسريع فى إيجاد منافذ سياسية مدنية حديثة لاستيعاب طاقة الشباب، الذين يختلفون عن آبائهم، فقد تعلموا وأصبحت طموحاتهم مختلفة، من أجل استيعابهم فى العمل السياسى الحديث والمنظم، وتقديم خيارات أخرى لهم مدنية، حتى لا يقعوا فى شبكات «المتاجرين بالدين»، حيث لا يوجد غيرها أمامهم. أما الثالثة والأخطر، فهى السعى لتمكين مصفوفة فقهية حديثة ومناسبة للعصر، فترك هذا الدين العظيم للهواة، وربما لتجار الفتوى والجهلة، هو أقصر الطرق قربًا للكارثة.
نقلًا عن «الشرق الأوسط»