الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

بالوثائق.. مجلس قيادة الثورة يتهم الملك فاروق بالكفر

الملك فاروق
الملك فاروق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تختلف قراءة الأحداث التاريخية المفصلية من مؤرخ إلى آخر، حسب توجهاته وإيديولوجيته وانتماءاته، غير أن قراءة التاريخ عبر الوثائق لها طعم آخر.. لأنها لا تخضع للأهواء، ولا مجال فيها للشبهات التى يمكن أن تطال الكثير من المذكرات، التى يطل أصحابها علينا بالكثير من الشطحات والأمور، التى تثير الجدل بين الحين والآخر.
ومن أضخم الأحداث التى غيرت شكل التاريخ المصرى الحديث، تأتى ثورة 23 يوليو، والتى نستعرض خلال السطور المقبلة، أهم الوثائق التى حصلنا عليها، وتوثق لأهم الأحداث التى مرت بالثورة.
إعلان دستورى
وكان أولها وثيقة بعنوان: «إعلان دستورى من القائد العام للقوات المسلحة وقائد ثورة الجيش»، وجاء فى ديباجة الوثيقة: أن هذا الإعلان يأتى رغبة فى تثبيت قواعد الحكم أثناء فترة الانتقال وتنظيم الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، لكى تنعم البلاد باستقرار شامل يتيح لها الإنتاج المثمر والنهوض الذى نرجوه لها جميعا.
وتضمن الإعلان الدستورى 11 مادة، ضمن عناوين عريضة، حددت لكل الجهات المسئولة بالدولة ما لها وما عليها، ومن أهم المبادئ العامة التى شدد عليها الإعلان الدستورى أن الأمة مصدر جميع السلطات، وأن المصريين أمام القانون سواء فيما لهم أو عليهم، وأن الحرية الشخصية وحرية الرأى مكفولتان فى حدود القانون وللملكية والمنازل حرمة وفق أحكام القانون، كما شدد الإعلان على استقلال القضاء، وأن يتولى قائد الثورة أعمال السيادة العليا، وبخاصة التدابير التى يراها ضرورية لحماية الثورة والنظام القائم عليها لتحقيق أهدافها، وله حق تعيين الوزراء وحق عزلهم، وجاء ذلك بتوقيع اللواء محمد نجيب بتاريخ 10 فبراير عام 1953.
الوثيقة السابقة يمكننا أن نستخلص منها أن الضباط الأحرار، ومن الأيام الأولى لقيامهم بالثورة، أطلقوا عليها «ثورة الجيش»، وأنهم قد وضعوا أهدافهم فى هذا الإعلان الدستورى، الذى لا يقل ما جاء به من مبادئ، عن فلسفة الأهداف التى وضعتها الثورة الفرنسية باعتبارها من أرقى الثورات التى اندلعت فى الغرب.
إلغاء النظام الملكي
ومن أهم الوثائق الخاصة التى أفرج عنها مؤخرا يأتى الإعلان الدستورى، والذى تم بموجبه «إلغاء النظام الملكى وإعلان الجمهورية»، يوم 18 يونيه 1953، عبر ثلاثة بنود، أولها: إلغاء النظام الملكى وحكم أسرة محمد على، مع إلغاء الألقاب من أفراد هذه الأسرة.
وبموجب البند الثانى تولى القائد محمد نجيب، قائد الثورة، رئاسة الجمهورية مع الاحتفاظ بسلطاته فى الإعلان الدستوري.
ونص البند الثالث على أن يستمر هذا النظام طوال فترة الانتقال، على أن يكون للشعب الكلمة النهائية فى تحديد نوع الجمهورية واختيار شخص رئيس الجمهورية عند إقرار الدستور الجديد.
وقد جاءت حيثيات هذا الإعلان الدستورى الجديد، فى شكل قطعة أدبية تليق بالحدث الجلل؛ حيث وصف مجلس الثورة الملك فاروق بأنه حجر العثرة الذى يستند إليه الاستعمار، وذهب المجلس إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أن تاريخ أسرة محمد على ما هو إلا سلسلة من الخيانات المتتالية التى ارتكبت فى حق هذا الشعب، وكان من أولى هذه الخيانات: إغراق الخديو إسماعيل فى ملذاته، وإغراق البلاد بالتالى فى ديون عرضت سمعتها وماليتها للخراب، حتى كان ذلك سببا تعللت به الدول الاستعمارية للنفوذ إلى أرض هذا الوادى الأمين، ثم جاء توفيق فأتم هذه الصورة من الخيانة السافرة فى سبيل محافظته على عرشه، فدخلت جيوش الاحتلال أرض مصر لتحمى الغريب الجالس على العرش، الذى استنجد بأعداء البلاد على أهلها، وبذلك أصبح المستعمر والعرش فى شركة تتبادل النفع، فهذا يعطى القوة لذاك، فى نظير هذه المنفعة المتبادلة، فاستذل كل منهما باسم الآخر هذا الشعب، وأصبح العرش هو الستار الذى يعمل من ورائه المستعمر ليستنزف أقوات الشعب ومقدراته، ويقضى على كيانه ومعنوياته وحرياته، وقد فاق فاروق كل من سبقوه من هذه الشجرة فأثرى وفجر، وطغى وتجبر وكفر، فخط بنفسه نهايته ومصيره، وأشار المحضر إلى أن قيادة الثورة طالبت الملك فاروق بالتنازل عن العرش فى 26 يوليو 1952.
أمر بتعيين رئيس الجمهورية
فى فترة استمرت أشهر عدة، مهد قيادة الثورة خلالها لإنهاء حكم الملكية لمصر، والذى انتهى بشكل نهائى يوم 27 فبراير عام 1954، بتعيين اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية، وقد جاءت هذه الوثيقة بعنوان: «أمر بتعيين رئيس لجمهورية مصر البرلمانية»، وكان اللافت فى الوثيقة توقيع الزعيم جمال عبدالناصر باعتباره رئيس مجلس قيادة الثورة، رغم أن هذا اللقب كان من نصيب اللواء محمد نجيب خلال الوثائق السابقة.
تكليف عبدالناصر
ولم يدم بقاء اللواء محمد نجيب طويلا على رأس الدولة المصرية، فقد جاءت نهاية حكمه أسرع مما تخيل البعض، ففى يوم 17 إبريل من العام نفسه، الذى تولى فيه الحكم، إذا به يتخلى عن الحكم بينما يقرر مجلس قيادة الثورة قبول تخليه عن الحكم، على أن يكلف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بتكليف الحكومة الجديدة، وبهذا تبدأ فترة حكم عبدالناصر التى شهدت أقوى فترة فى تاريخ مصر الحديث منذ اندلاع ثورة يوليو.
هذه الوثائق وغيرها تستحق الدراسة بجدية، لأنها تمثل التاريخ الذى لا يقبل الجدال أو التغيير، كما تعد فرصة لدار الوثائق القومية للإفراج عن آلاف الوثائق التى تكتنزها حبيسة مخازنها دون أن يستفيد منها الجمهور أو الباحثون الذين يدوخون السبع دوخات للحصول على صور لهذه الوثائق النادرة، خاصة مع الاتجاه الذى يغزو العالم بأن حفظ الوثائق يكمن فى نشرها وليس فى حبسها.