الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

حكايات "الرصد الفرعوني" بقُرى التنقيب عن "المساخيط".. تصل حد التضحية بدماء الأبناء والتفريط في العِرض.. أستاذ آثار: بعض "المشعوذين" لديهم خلفية بعلوم الحفريات.. 5697 حالة حفر غير شرعي بعد ثورة يناير

تنقيب عن الاثار -صورة
تنقيب عن الاثار -صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مئات الضبطيات والقضايا يتم تحريرها سنويًا ضد عصابات التنقيب عن الآثار، ففي منتصف عام 2012، أعلنت وزارة الداخلية عن ضبط 5697 حالة حفر وتنقيب غير شرعي عن الآثار بعد ثورة يناير، بالإضافة إلى ضبط 1467 حالة اتجار غير مشروع في الآثار، و130 محاولة لتهريب الآثار للخارج، ومقتل ما لا يقل عن 35 شخصا في نزاعات تتعلق بالحفر غير الشرعي، بما في ذلك 10 قد دفنوا أحياء بعد انهيار المنطقة التي كانوا يحفرون فيها فوقهم.

وبعيدًا عن الأرقام والإحصاءات، فإن آلاف الأشخاص فى قُرى التنقيب عن الآثار يؤمنون بـ"الرصد الفرعوني" كون "فك" هذا الرصد عن طريق أحد الشيوخ المُتمكنين، يُتيح لهم الوصول إلى القطع الأثرية، أو ما يطلقون عليها "المساخيط"، المخبأة أسفل منازلهم أو أسفل المناطق الجبلية التى يقومون بالحفر فيها دون عناء، مُقابل الاستغناء عن بعض الأموال لجلب وشراء "البخور" وتقديم بعض التضحيات الأخرى.

فى البداية قال، محمد فكرى، ابن محافظة قنا وواحد من الشيوخ العاملين بفك الرصد الفرعوني: إن من يعملون بالتنقيب والبحث عن الآثار، ما هم إلا مجموعة مشعوذين يصل بهم استخدام الجن ومرافقته إلى حد الشرك بالله، فهو كان فى السابق واحدًا منهم، لكنه تعلم تلك المهنة (بالفهلوة) وحفظة لمجموعة من النصوص الواردة فى كتب السحر، وهو ما كان يعود عليه بالمال الكثير.

وأضاف صاحب الخمسين ربيعًا، أن السحر واستخدام الجن كان من القدرات المميزة لقدماء المصريين و(شغلانتهم)، وأن من يستطيع التعامل وفك الرصد الفرعونى عدد قليل من المشايخ، منوهًا إلى أن الرصد يكون عبارة عن (جني) يقوم الكاهن بتكليفه بحراسة المكان وما بداخله من أشياء، وأن (الخدمة) عبارة عن (جني) أيضًا ولكنه يرافق واحدًا من الإنس ويعملان معًا بطريقة خدمة مقابل خدمة.

ويُشير "فكري" إلى أن بعض الشيوخ تكون خدمتهم عبارة عن (جنى سفلي) لا يفيد مرافقه وتكون مطالبه أما التضحية برقبة أحد الأبناء أو المعاشرة الجنسية لواحدة من أهل بيت المُنقب عن الآثار، وآخرين تكون خدمتهم من قادة الجن وهو من يستطيع الكشف والوصف والتعامل مع حارس القطعة أو المكان وإنجاز المهمة وهو ما يتميز به الشيوخ المغاربة والسودانيين وأبناء القلعة بمركز قفط.. (يعنى فيه اللى يخدمك ويوصلك للى أنت عايزه، وفيه اللى يقدر يوصلك لباب المكان وميقدرش على حارسها، وفيه اللى نصاب من الأساس).

وينوّه "فكري" أن ما يقوم به خبراء وعلماء الآثار من اكتشافات فهو يندرج تحت ما ورد فى الآية القرآنية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)، فالجن يطيع أولى الأمر أيضًا المتمثلين فى العلماء والخبراء ومن لهم الحق فى فتح المقابر والوصول لما بداخلها.


فى ذات السياق، يقول أستاذ الآثار حجاج إبراهيم: إن قدماء المصريين وصلوا للكثير من العلوم والأشياء، قد يكون منها السحر، لكن ذلك لا يعنى أن ما يقولونه وما يفعلونه هؤلاء الدجالون صحيح، بدليل ما يكتشفه علماء وخبراء الآثار المصريون والأجانب.

ويُشير أستاذ الآثار إلى أن منهم من يكون لديه خلفية جيدة بعلوم الحفريات وكيفية التنقيب فى الأرض الرملية والصحراوية والزراعية، ويستخدم ذلك للتربح والحصول على الأموال الطائلة تحت ما يسمى شراء البخور وخلافه لفك الرصد، إضافة إلى أن أغلبهم من النصابين، يجمعون المال ويختفون.

ويُضيف "إبراهيم" أن بعضهم كان يستخدم فى السابق رسائل موبايل، يرسلونها بعشوائية، مفادها أنه وجد مقبرة فرعونية ويريد تصريف البضاعة، وهم فى الأصل يستخدمونها للتدليل النفسى عن الراغبين فى التنقيب عن الآثار، وأن جهل طبقة عريضة من المجتمع مع رغبة الطمع والثراء، هو ما يدفع الدجالين للشهرة والانتشار.


فيما أكد عُمر الحضرى، باحث أثري، أن الفرق بين التنقيب والحفر المنظم الذى يتم بأيدى علماء ومتخصصى البعثات وخبراء الحفائر وتحت إشراف وبأمر من وزارة الآثار، وبين التنقيب خلسة أو (النبش) الذى تقوم به عصابات منتشرة على مستوى الجمهورية، حيث إن الأخير يُلحق بالأثر أضرارًا جسيمة لأن من يقومون به لا يهمهم القيمة التاريخية بقدر ما تهمهم القيمة المادية.

وأشار "الحضري" إلى أن تزايد هوس التنقيب فى الصعيد عن غيره من أماكن أخرى، يرجع إلى الجهل بالحضارة المصرية التى امتدت بطول وعرض ربوع مصر، إضافة إلى الموروث الاجتماعى والفراغ وعدم الدراية بقيمة الأثر التاريخية، فحضارة ما قبل التاريخ كانت ترتكز فى صعيد مصر، ثم جاءت الأسرة 21 لينقسم الحكم بين الصعيد ووجه بحري، وحتى الأسرة 30 كانت قد تحولت عاصمة الحكم فى أماكن مختلفة بوجه بحري، فى الشرقية والبحيرة والإسكندرية فى عصر البطالمة وغيرها.