الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الانتحار.. موت مع سبق الإصرار.. خبراء يفككون شفرة اللغز الغامض.. تراجع مؤشرات السعادة وراء انتشار الظاهرة.. والاضطرابات النفسية تدفع البعض للتخلص من حياتهم.. والانتحاريون ضحايا "غسيل الدماغ"

داعش -صورة ارشيفية
داعش -صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يظل الانتحار لغزًا محيرًا للكثيرين، خاصة عندما يقفون عاجزين عن تفسير كيفية إقدام شخص على التخلص من حياته، وهو الأمر الذي يخالف الغريزة الإنسانية التي تتشبث بالحياة رغم كل المنغصات، وتختلف دوافع الظاهرة ما بين هروب من الحياة أو حالة مرَضية أو عقيدة فاسدة لعناصر الجماعات المتطرفة. 


وتناقش "البوابة نيوز" سيكولوجية الظاهرة، حيث كشف خبراء عن الأسباب التى تدفع أشخاص إلى أن يتحولوا للوفاة المجانية، بل يكون بعضهم خطرًا يهدد السلم الاجتماعي، خاصة إذا كان انتحاريًّا لا يفضل أن يذهب للموت بمفرده.
تقول الدكتورة منال زكريا، أستاذة علم نفس بجامعة عين شمس: إن سيكولوجية المنتحر تنقسم إلى نوعين حسب الأسباب النفسية، وهم ينقسمون إلى الأشخاص الذين يعانون مرض الاكتئاب ولا يفكر في العواقب، وهو الأمر الذى يجعل الشخص لا يجد أمامه مفرًّا سوى الهروب من الحياة، وينتهز الفرص ليقوم بفعلته.
وأوضحت أن النوع الثاني هم أشخاص يعانون إضرابات نفسية وهسيتريا الانتحار، ومثل هذا الشخص يهدد دائمًا بأنه مقبل على الانتحار بسبب ضغوط نفسية أو انتهاز فرص لتحقيق مطالب أو مكاسب معينة لجذب الانتباه أو استعطاف الاهتمام، أما ما يجرى الآن فهو نوع جديد ترتفع معدلاته عالميًّا، وهو ما يسمى انتحارًا « وظيفيًّا أو أدائيًّا» لأنه ليس مريضًا نفسيًّا أو مكتئبًا أو شخصًا هيستيريًّا، لكنه يُقبل على تفجير نفسه لعدة أسباب، أخطرها الهروب من الحياة لعدم قدرته على الالتزام والوفاء بتكاليفها وأعبائها وضغوطها، وخاصة للأسرة التي يعولها، ويلجأ للانتحار كوسيلة للهروب مثل مَن يتعاطى المخدرات.
وأضافت أن الانتحاري الداعشي أو التكفيرى "هذا النوع له طبيعته الخاصة حيث إنه تعرّض لغسيل دماغ، وأصبح فاقد القدرة على استبصار الأمور أو التمييز بين الصواب والخطأ وتم برمجته حتى تحوَّل لآلة تفعل ما يُملى عليها".
وألمحت إلى أن الإرهاب يستمد قوة انتشاره واستقطابه لفئات كثيرة من تراجع معدلات السعادة، خاصة أنه أصبح من الملاحظ أن بين المتهمين في قضايا الإرهاب أطباء ومهندسين وحاصلين على درجات علمية عالية، لافتة إلى أن مؤشرات السعادة ليست مرتبطة بدخل مادى، فما يجرى هو حالة مرضية من فقدان المعنى للحياة في وعى البشر، ما جعلهم يبحثون عن المعنى في نواحٍ أخرى بدليل انتشار أعداد عبَدة الشيطان والإلحاد التي ارتفعت معدلاته عالميًّا وكأنهم يبحثون عن معنى للحياة الذين افتقدوا معناها.

وفى السياق نفسه يقول أستاذ علم الاجتماع "محمد خضر": أن العالم يفتقد البهجة التي سُلبت منه، بدليل تراجع نسب الأفلام الكوميدية أو المسرح والمرح والفكاهة والميل للدعابة أصبح غير موجود، وتراجعت نسبه عالميًّا وكأن العنف والاقتتال والحروب والدراما هي اللغة السائدة، فضلًا عن التركيز على الحياة المادية، ليبدأ الإنسان يفكر بشكل مادى، فمثلًا طبيب يجد نفسه لا يملك شراء سيارة غالية أو شقة فلا يملك معايير البهجة بالشكل المادي، الأمر الذى يسبب إحباطات اجتماعية كبيرة جدًّا يتعرض لها نتيجة افتقاد ذلك.
ويواصل "خضر": من هنا يتسلل فكر الدواعش والمتطرفين من خلال اللعب على وتر فكرة السعادة، ولكن في الآخرة، والعبث في المعتقدات الدينية غير الحقيقة وترك متع الحياة، هكذا يبثون الأفكار المسمومة في عقولهم، ما يجعل الأشخاص لقمة سائغة بين أيديهم لتنفيذ كل ما تمليه عليهم قياداتهم لأنهم يدّعون امتلاك « السعادة» وهى غاية الإنسان في الأرض وعلى رأس هرم الاحتياجات النفسية، ومن هنا يأمرونهم بتفجير أنفسهم أو تنفيذ تعاليم الإلحاد أو طقوس عبدة الشيطان.

وأكد الدكتور سعيد صبحى، أستاذ علم النفس، أننا نحتاج بشدة أن نعيد للحياة بهجتها المسلوبة وتكثيف العمل لكل المؤسسات على الجوانب الروحية والنفسية في البشر، بمعنى آخر تركيز جرعات النصوص الدنيا في كل الأديان ما يدعو ويحض على السعادة الحقيقية، ناهيك عن الاهتمام بالمراكز الثقافية والمسرح وعدم الابتعاد عن أماكننا الثقافية والأماكن المهجورة دون أن نوصل رسالتها وفحواها للأجيال الجديدة.
ودلل على قوله: بأنه أثناء زيارة لمعرض زهور، عندما تسأل عن تأثير ذلك، تجد الإجابة "أنهم يخرجون بمشاعر ويعودون بأخرى وكأنهم يلقون بكل المشاعر السلبية التي بداخلهم ويستبدلونها بالإيجابية. ووصف« تدافع الناس على الأماكن والمنتزهات» بأنه بحث عن السعادة. 


وبالرجوع للدكتورة منال زكريا قالت: إن الحرب التي تشن على الأزهر بشأن تجديد الخطاب الدينى، بها نوع من المبالغة، وإن لزم تجديد الخطاب الدينى في كل الأديان، خاصة أن الأزهر جزء في منظومة كبيرة، فأين دور وزارة الثقافة والجرعات الثقافية عبر المناهج الدراسية أو الاهتمام بالأنشطة المدرسية من غرفة الموسيقى والأنشطة والمراكز الثقافية وزيارات المتاحف والنشاط الدراسي وربط الأطفال بتاريخ أجدادهم.
وأضافت: لا بد أن تعمل كل المنظومة في إطار التكامل والتكاتف حتى نخرج بأطفالنا من الفكر الداعشي والمتطرف، وعلى الأزهر أن يجدد مناهجه ويطور خطابه ويراعى الفكر التأملي، والكنيسة أيضًا عليها أن تحتاج للتكاتف لأن القادم أخطر ولا بد أن نحفظ أولادنا ونعيد البهجة للحياة التي نُزعت منها.
وشددت على أن تجديد الخطاب الدينى للأزهر والكنيسة من خلال بث قيم التنمية والسعادة والتحديث، من خلال تحليل الخطاب الذي يحمل 80% منه الحديث عن الآخرة وعذاب القبر، و20% فقط عن الدنيا، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن صلاح أمور الدنيا ستنعكس على الآخرة والقيم الأخروية، فالمقدمات تعطى وتؤدى للنتائج لا محالة، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم، وقال: أنا آكل وأشرب وأتزوج النساء» صدق رسول الله، فكان يبتهج بالحياة، والمسيح أيضًا كان يبتهج بالحياة، ويدعو لذلك فلا يوجد دين من الأديان السماوية يدعو للاكتئاب والحزن مثلما يفعل أغلب رجال الدين الحاليين، لدرجة أن البعض منهم يدعون كذبًا بأن« متعة الحياة فسادها» ما يدفع الناس لترديد جمل «عذاب دنيا وآخرة» فيفسدوا في الأرض وترتفع معدلات الإلحاد عالميًّا، فنحتاج لأن نعرف أن نعيش دنيانا ونبحث عن تحقيق السعادة التي أصبحت شيئًا غريبًا في مجتمعنا الحالي ما يرفع كل المعدلات السلبية التي يرفضها المجتمع من الانتحار والانحراف والجريمة.