الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الداء والدواء بين الموت والشفاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وتمضى بنا الأيام وتعود الذاكرة إلى أيام زمان وأفلام الأبيض والأسود ومتعة المشاهدة.. هل تذكرون فيلم «حياة أو موت» من إخراج كمال الشيخ؟.. يدور حول رجل يُصاب بأزمة قلبية فيرسل ابنته للحصول على العلاج ولكن الصيدلى يكتشف أنه أخطأ فى تركيب الدواء، فيحاول بمساعدة الشرطة البحث عن الرجل وإنقاذه، وتقطع الإذاعة برامجها لتذيع النداء الشهير: «الدواء به سمٌ قاتل.. الدواء به سمٌ قاتل».
بالصدفة البحتة، كانت إحدى القنوات تعرض الفيلم، بينما أطالع أمامى كمًا من مانشيتات الصحف التى تحاول تبرير قرارات رفع أسعار البنزين والسولار، وكان من بينها عنوان: «الدواء مر ولكن فيه الشفاء».. وقس على ذلك عناوين كثيرة وتصريحات غزيرة تلف وتدور حول المعنى ذاته، كما لو كان روشتة القرار صحيحة والدواء يشفى الجسد الاقتصادى العليل، وتناسوا جميعهم «مع سبق الإصرار والترصد» أن الوصفة الخاطئة تؤدى إلى الدمار والموت والعياذ بالله.
من قال لكم إن دواء الصندوق صحيح؟.. «خلى» بالك من نفسك.. أنت محاصر من كل جانب.. تصريحات وردية تزيف لك الواقع وتبشرك بوهم آتِ بعد سنوات، وأسعار فلكية تقضى بين غمضة عين وانتباهتها على «شوية» اللحاليح اللى تسلمتها أول الشهر ليطيروا فى اليوم الخامس منه، وإعلاميون ينافقون ويزينون الباطل، وموجة حر لا مثيل لها تجعلك فى حالة غليان يفوق غليان السوق الذى يكاد يصل إلى حد الانفجار.
تعلمنا منذ الصغر أن «واحد» زائد واحد يساوى «اتنين»، لكن رئيس الوزراء ووزراءه وبعض الوجوه الإعلامية على شاشات الفضائيات وعلى صفحات الصحف، يصرون على غير ذلك، ولا تدرى من أين جاءت لهم الجرأة ليعلن كثيرٌ منهم أن قرارات رفع الأسعار لصالح المواطن الفقير.. ولأول مرة نسمع تفسيرات «مقلوبة» لأمور واضحة وضوح الشمس فى عز الظهر.
الناس لم تعد تحتمل هذه الضغوط غير المسبوقة، ولم تعد تطيق تحميل أعباء سد عجز الموازنة، لجيوب الفقراء ومحدودى الدخل ومهدودى الحيل، حتى إنك تستطيع أن تقول بوضوح أن السياسة الاقتصادية تقوم على أن الفقراء يدعمون الأغنياء ويسددون الفاتورة كاملةً.
نعم الفقراء يدعمون الأغنياء.. فالقرار تضمن رفع سعر الغاز الطبيعى على المنازل وعلى السيارات التى تمثل وسيلة المواصلات الأساسية، كما تضمن زيادة سعر البنزين ٨٠ والسولار بنسبة ٥٥٪، أما نسبة الزيادة فى سعر البنزين ٩٥ فكانت ٦٪ فقط.. ونستطيع أن نقول إن انحيازات القرار واضحة لا لبس فيها، وهناك إصرار لا يلين على الالتزام حرفيًا بأجندة صندوق النقد الدولى، وارحمونا من حكاية إن «ده برنامج مصرى خالص»، وارجعوا إلى تصريحات الخواجات بتوع الصندوق التى تشيد بالقرار وتنطلق من المثل المصرى المعروف: «مين يشهد للعروسة؟».
ويتعمد مسئولونا وبعض الإعلاميين رمى الكرة فى ملعب التجار وسائقى الميكروباص، ونسمع عن «إرشادات» للمواطنين عما يجب فعله فى مواجهة رفع تعريفة الميكروباص، وغلاء السلع فى الأسواق، لكننا لم نسمع أحدًا منهم يرشدنا عما يجب فعله لوقف سيل قرارات رفع الأسعار وتقليص الدعم التى تتوالى على دماغ الناس بلا أى إحساس من أى مسئول مهما تزينت كلماته التى تقترت من وضع السم فى العسل، وكانت سببًا فى موجة جديدة من الغلاء قضت على الزيادات الأخيرة فى المرتبات والمعاشات.
نعم الدواء مر وفيه الشفاء عندما يكون موصوفًا بدقة، ويكون الطبيب «عينيه فعلًا على الإنسان المصرى البسيط اللى ظروفه صعبة».. لكن ما يحدث هو العكس تمامًا فالإنسان المصرى البسيط هو الضحية الأولى، والوعود السابقة بعدم تصعيد أسعار السلع الأساسية تبخرت فى أول طلعة شمس حارقة. نحن أمام دواء قاتل.. وإذا سألت عن البديل فهو موجود ويشفى كل عليل، لكن المشكلة فى الاختيار السياسى لأهل الحل والعقد.. البديل ينقذ الوطن من الغرق بفعل سياسات منحازة وتسير وفق هوى كريستين لاجارد وشلتها فى المقر العامر للصندوق بالعاصمة الأمريكية «واشنطن». 
نحن لا نخترع الذرة.. خبراء كثيرون درسوا وكتبوا وصرخوا وسطروا عصارة جهدهم وفكرهم فى أبحاث عديدة، تضمنت الكثير من الدواء الناجع الشافى.. تعالوا نتفق على أن نقطة البداية تنطلق من حل معضلة الاقتصاد المصرى القائم على مصادر غير إنتاجية، الأمر الذى يتطلب على وجه السرعة حل مشكلة المصانع المتوقفة والمتعثرة والسعى نحو زيادة إنتاجنا الصناعى وخلق موارد حقيقية تزيد من دخل الناتج المحلى الإجمالى.. هذا إذا كنا جادين فعلًا فى حل نهائى بعيدًا عن جيوب الناس.
تعالوا ندعو إلى الالتزام بالدستور ووضع نظام ضريبى عادل ومتكامل وتطبيق الضرائب التصاعدية بدلًا من إرهاق محدودى الدخل فقط بينما يتم غض البصر تمامًا عن كبار أصحاب المال والأعمال، ثم نصرخ «مفيش بديل».
تعالوا نتساءل: هل ظروفنا تستدعى كل هذا الكم من الوزراء، وما يستتبعه من أعباء مالية ترهق الميزانية؟
وبالمناسبة.. وزراؤنا ليسوا الأكفأ بين الخبرات المصرية فى كل المجالات، ومعظمهم موظفون تكنوقراط مخلصون لما يُطلَب منهم، بينما مصر تذخر بكفاءات لا مثيل لها ولدى الكثيرين منهم أفكار من ذهب تنقذ البلاد وتحقق ما يتوق إليه الشعب المصرى من عدل غائب وكفة مائلة لغير صالح الغالبية.. وسلامًا على الصابرين.