الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سحر القادة وخلاص الشعوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لن يكتب التاريخ سطرًا دون معنى، عن أشخاص وضعهم القدر، ليقرروا قيمة أوطانهم، التى صنعت مجدها من أسماء هؤلاء الأفذاذ، الذين تمكنوا ليكونوا قرناء أسماء أوطانهم، حين ولدهم القدر فى لحظات أحوج ما تكون إليها الشعوب، وفى أوقات عصيبة وولادات قيصرية، وإذا كانت التحديات تفرض قوانين تلك الولادات، فإنها أيضًا تفرض نظامًا بديلًا للسائد بهدف تغييره، سلبًا أم إيجابًا، وفى تلك اللحظات تمتحن وطنية الشعوب والأفراد، وتوضع كل الأناشيد الوطنية والأهازيج الشعبية والمارشات فى امتحان، معانيها ومغزى مفرداتها فيكون الجو ملبدًا بغيوم تلويح الفجيعة أو النصر المؤزر بالتضحيات الجسام، التى تُبرز وجه زعيمها وقائد مركبها الذى يرسو بها إلى شاطئ الأمان، وينقذ الأمة من ذلك الامتحان الكوني، فى صراع الإرادات، كما فعل الرئيس الراحل عبدالناصر إبان حرب السويس، ولوى عنق العدوان الثلاثى على مصر ليصيغ مجدها من جديد، بتضافر شعبى قل نظيره، فكان المنتصر الشعب وقائده معًا اللذين تخطيا الأزمة، وبروز وجه زعيم شاب صاغ تاريخًا مجيدا، ليصنع معجزة أخرى لمصر، وليس لعبدالناصر الزعيم فحسب الذى فتح قريحة الشعب ليغنى ويهزج على أكتاف الموت، وليحول ذلك التحدى إلى نصر تفخر به الأمة. 
إن القادة لا يولدون بالكلمات، بل بلحظات التاريخ التى تكلل بالنصر، وبتقبل التحديات والتعامل معها، ولى عنق التآمر الدولى الذى يستهدف دوما تركيع إرادة الشعب، وتقليل قيمة الزعيم، باللعب بأوراق الداخل، وإنشاء الطابور الخامس، الذى يأكل من جرف اللحمة الوطنية، ويسعى إلى النيل من رمزية الزعيم ومؤسساته الوطنية.
هذا التصارع المستمر لم يقتصر على دولة أو مكان بعينه من بقع العالم، فهو دائم ومستمر ويحتاج إلى أن يفهم الناس معنى أن يُحطم قادتهم وتشوه صورهم الناصعة بفعل عملاء مأجورين أخساء، وضعوا قيود وأغلال الأجنبى فى أعناقهم، من أجل استهداف دولهم، وتنكروا لحليب مرضعاتهم، وهم كثر فى هذا الزمن الصعب، الذى اختلطت فيه الأوراق إلى الحد الذى باتت فيه الوطنية وجهة نظر لدى البعض من الموتورين الخونة، والتبعية فكرة قابلة للتداول، نتيجة الاختراقات الأمنية، ووضع الكثيرون بيضهم فى سلال الأعداء وليس الخصوم فحسب.
لكن التأريخ الذى تُكشف له كل الحقائق والدلالات يعلن بقوة انحيازه للوطنيين الأبرار الذين دافعوا عن أوطانهم كما يدافعون عن عيونهم، وبنوها وكانوا سياج تلك الأوطان بصدور جنودها الشجعان الذين ما إن يستشهد واحد ليهب آخر ليمسك بندقيته، إنها ملحمة الوجود الوطنى ومسيرة يرسمها القادة والجنود معًا، الذين يزاوجون بين جهاد البنادق لحماية الحدود ودرئها ورحلة البناء لتذليل صعوبات العيش، ورسم خارطة المستقبل الذى يشع من أعين قادة البلدان المحاربين والمحبين والمضحين فى سبيلها، إنها ملحمة الأوطان العظيمة القادرة أن تنجب كل حين قادة تلتمع عيونهم بالنصر، وتزدهى شعوبهم بالمنجزات وتفخر بالعلم والمعرفة والبناء والعطاء، بسحر تاريخها وقادتها الذين يولدون من أرحام طاهرة ولحظات صعبة. 
لقد ظلت شعوب كثيرة تعانى من موت قادتها الملحميين، الذين يلهمون الشعوب بمعانى التضحية والبذل، وإن جاءت إدارات، ورحلت أخرى لتسّير الدول لكنها لم تكن ذات معنى قيمي، وكأنها حقب مشطوبة من رحلة تاريخها المجيد.
فظلت بغداد لقرون بعد سقوطها على يد المغول عام ١٢٥٨ وانتهاء الدولة العباسية دون معنى تؤرخ له، لغياب سحر الرشيد والمأمون وغيرهما من قادتها، رغم مجىء وتعاقب الأجانب عليها، وتكرر المشهد بعد سقوطها ٢٠٠٣، لا تشعر أن مجدا يكتب لها، إلا ما يصنعه الجيش الوطنى دون سواه.
إنها دورة التاريخ ومعانيه التى تؤطر دوما بصناع نهضتها ومغزى وجودها. 
إن القادة هبة الله للشعوب حين يدافعون بضراوة عن أوطانهم، فالأوطان تُبنى بأخلاقيات وأفكار قادتها العظام، ولا معنى آخر أو خيار للخلاص برؤية وطنية دون تلاحم الشعب وقيادته.