الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الطاقة المتجددة في مصر.. لم ينجح أحد

بالرغم من تأكيد الرئيس أهميتها

الطاقة المتجددة-
الطاقة المتجددة- صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انسحاب 100 شركة استثمارية بسبب فشل الحكومة
الأسباب.. البيروقراطية وعدم النص على مبدأ التحكيم الدولي وتسعيرة الشراء
«الكهرباء»: مصر تمتلك مستقبلًا واعدًا في الطاقة النظيفة.. واستراتيجية عامة للوصول بحجم المنتج من المصادر المتجددة إلى %20

اتفق الرئيس السيسي خلال زيارته الخارجية الأخيرة، مع الجانب المجري، على إنشاء ٣ محطات فائقة الجودة للكهرباء، وإنشاء مصنع لإنتاج ريش توربينات محطات الرياح، بقيمة تتجاوز ١٠ مليارات يورو.
ويعدّ هذا إيذانًا بدخول مصر عصر الطاقة النظيفة التي تمتلك مصر فيها قدرات هائلة، بحسب الدراسات والخبراء، والتي إذا أمكَن استغلالها ستوفر مصر مليارات الدولارات.
وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن مستقبل الطاقة المتجددة في مصر، لا يزال مجهولًا، إذ خلال العامين الأخيرين انسحبت أكثر من ١٠٠ شركة أجنبية كانت تنوي الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة في مصر، بالإضافة إلى الفشل الحكومي في إجراء المناقصات وإنارة المباني الحكومية.
«البوابة» تفتح الملف الذي اقترب منه الكثيرون، ولكنهم تحاشوا الدخول إلى مشكلاته.

المستقبل لمصر في الطاقة النظيفة
تمتلك مصر إمكانيات ضخمة، بحسب ما أكدته المعاهد البحثية والخبراء في مجال الطاقة المتجددة، وهذا يفتح السُبل أمامها لبدء عصر جديد من عصور الطاقة النظيفة بديلًا من استخدامات الوقود الأحفوري الذي تمتلك الأجيال المقبلة الحق فيه.
وبحسب إحصائيات وزارة الكهرباء للعام ٢٠١٦، فإن منطقة خليج السويس تتمتع بسرعات رياح عالية جدًا، وتعدّ المناطق الواقعة غرب الخليج واعدة لإقامة مشروعات مزارع رياح كبرى؛ حيث تتوافر فيها مواقع ذات متوسط سرعات رياح عالية، تتراوح بين ٨ و١٠ متر/ثانية، بالإضافة إلى توافر المناطق الصحراوية غير المأهولة، فضلًا عن مناطق شرق وغرب وادي النيل بمحاذاة بني سويف والمنيا، وتتراوح سرعة الرياح فيها بين ٧ و٨ متر/ثانية.
فضلًا عن أن مصر إحدى دول الحزام الشمسي الأكثر مناسبة لتطبيقات الطاقة الشمسية؛ حيث تُظهر نتائج أطلس شمس مصر أن متوسط الإشعاع الشمسي العمودي ما بين ٢٠٠٠ و٣٢٠٠ كيلو وات ساعة/م٢/السنة، ويتراوح معدل سطوع الشمس بين ٩ و١١ ساعة/يوم، مما يتيح توافر فرص الاستثمار.
كما تهدف استراتيجية وزارة الكهرباء في الطاقة الجديدة والمتجددة، والصادرة في التقرير الختامي للعام ٢٠١٦، إلى زيادة نسبة الطاقة المُولدة من الطاقات المتجددة إلى ٢٠٪ من إجمالى الطاقة الكهربائية المُولدة خلال عام ٢٠٢٢، تسهم فيها طاقة المياه بحوالي ٦٪، و١٢٪ من طاقة الرياح، و٢٪ من مصادر الطاقات الأخرى على رأسها الطاقة الشمسية.
ومن جانبه، أكد خبير الطاقة الشمسية، المهندس وائل بشارة، أن مصر ما زالت في بداية الطريق لاستغلال الطاقة الشمسية، فخلال الأعوام الماضية لم يكن هناك مشروعات حقيقية تعمل على الاستفادة من الطاقة الشمسية، ولعل هذا كان سببًا فى العديد من المشكلات التي ظهرت في قطاع الطاقة خلال الفترة الماضية عقب ثورة ٢٥ يناير، متوقعًا بأن تظهر بوادر الاعتماد على مصادر الطاقة المُتجددة خلال الـ٥ أعوام المقبلة، وذلك في ظل توسعات الدولة في استغلال الطاقة الشمسية.
ويضيف، أن التوسع في إنشاء مشاريع الطاقة الشمسية يوفر على الدولة تكاليف استهلاك الوقود، وهو ما يمكن مصر من توفير دعم الكهرباء والمحروقات الذى كان يكلّف ١٠٠ مليار جنيه سنويًا، تكلفة دعم قطاع الكهرباء.
من جانبه، يقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية: «إن مصر تمتلك مصادر متجددة «الشمس- الرياح»، ومن الطبيعي أن تستغلها لتوليد الطاقة النظيفة، مثلما تفعل دول الخليج العربي، وخاصة السعودية التي تعدّ من الدول الأكبر عربيًا في توليد الطاقة النظيفة».
واستنكر الخبير الاقتصادي، انتظار مصر شراء الطاقة الشمسية من السعودية، في الوقت الذي تمتلك مصر من الموارد الطبيعية ما يؤهلها لكي تنتج الطاقة الشمسية، لافتًا إلى أن جميع الدول العربية في الخليج بدأت تتجه إلى موارد الطاقة المتجددة حتى تلك الدول التي لديها البترول.

شركات الطاقة المتجددة تعلن الفشل الحكومي
على الرغم مما تعلنه الحكومة من جديتها لجذب المستثمرين في قطاع الطاقة؛ فإن القطاع يشهد انسحاب عدد من الشركات العملاقة العاملة في مصر، لأسباب كثيرة، إذ بعد أن تقدمت ١٧٧ شركة للعمل بمشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمصر، تمت تصفيتها إلى ٧٦ فقط، بانخفاض يقارب الثلثين.
وأبرز تلك الشركات التي أعلنت انسحابها هي «إينل جرين باور» الإيطالية، وهي التي كانت تعاقدت مع الحكومة المصرية، وأغلقت مقرها في مصر بعد أن كانت هناك اتفاقيات على مشروع لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، ومشروعين آخرين لطاقة الرياح بقدرة ١٥٠ ميجا وات باستثمارات ٣٠٠ مليون دولار، وهذا بموجب نظام تعريفة التغذية المصري.
كما انسحبت شركة رجل الأعمال السعودي، عبداللطيف جميل، التي كان يُعَهد إليها تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية بنحو ٧٠٠ ميجا وات، وباستثمارات تُقدر بـ٧٠٠ مليون دولار، بالإضافة إلى ٥ شركات خليجية أخرى، أعلنت انسحابها أيضًا.
ولعل من ضمن الأسباب التى عددتها الشركات المنسحبة من السوق المصرية، هو ما عُرف بـ«تعريفة بيع الطاقة»، وهو قرار أصدره مجلس الوزراء عام ٢٠١٤ وتم تعديله ٢٠١٦، وهو في مضمونه يعدّ آلية لتشجيع إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة، بحيث تقوم شركات الكهرباء «شركات النقل والتوزيع بشراء الطاقة المُنتجة من منتجيها بسعر معلن مسبقًا يحقق عائدًا جاذبًا للاستثمار من خلال اتفاقيات شراء الطاقة طويلة الأجل، وتستمر حتى نهاية العمر الافتراضي لمشروعات الرياح ٢٠ سنة، و٢٥ سنة لمشروعات الطاقة الشمسية.

المهندس وائل نشار، خبير الطاقة الشمسية، يعلق حول أزمة انسحاب الشركات، بأن بعض بنود الاتفاقيات لم تكن تنص على مبدأ اللجوء للتحكيم الدولي، مشيرًا إلى أن السياسات الحكومية كانت سببًا في انسحاب الكثير من الشركات بالفعل، ولكن بعد ذلك قامت الدولة بالموافقة على بند التحكيم الدولي لكي تكسب الشركات والجهات التي ترغب في الاستثمار في مجال الطاقة بمصر.

ويلفت خبير الطاقة الشمسية، المهندس هاني بشارة، إلى أن البيروقراطية الحكومية وغياب وجود خطط بجانب التسعير وأزمة الدولار هي ما تعطل تنفيذ برامج الطاقة الشمسية داخل مصر، مشيرًا إلى أن مصر شهدت انسحاب الكثير من الشركات الأجنبية التي جاءت من أجل الاستثمار في الطاقة العام الماضي التي وصلت إلى ٢٥ شركة من أصل ٥٦ شركة، هذا بجانب خروج ٥ شركات خليجية، وتصفية أعمالها في مصر، وكل هذا بسبب سياسة التسعير التى فرضتها الحكومة على تلك الشركات؛ حيث وصلت تعريفة الكيلو وات إلى ٧.٩٦ دولار للكيلو وات/ساعة.
ويشير بشارة إلى أن ارتفاع هذه التعريفة الحكومية مقارنة بدول الجوار بالمنطقة يعدّ أمرًا «منفرًا»، وذلك ترتب عليه انسحاب تلك الشركات من البلاد لكي تهرب من الخسارة، فالدولار يلعب دورًا أساسيًا في الأزمة.
ويتابع، أن مصر لا تمتلك رؤية واضحة فيما يتعلق بمشروعات الطاقة الشمسية، ولا توجد تسهيلات تتعلق بتنفيذ مثل تلك المشاريع سواء في المناطق السكنية أو أسطح المباني المختلفة والمؤسسات، مضيفا «حينما تقوم بإرسال شكوى للمحافظ فلا تتوقع منه أن يساعدك أو يسهل عليك إجراءات التنفيذ، بل على نقيض هذا تجد أمامك العراقيل».
ومن ضمن العراقيل أيضًا، قرارات الحكومة التى حجّمت أي مشروع للطاقة المتجددة، بضرورة أن يكون أكثر من نصفه تمويلًا أجنبيًا؛ حيث حدد قرار مجلس الوزراء بأن يراعي في تمويل مشروعات طاقة الرياح أن تكون نسبة التمويل الأجنبي ٦٠٪. و٤٠٪ من مصادر تمويل محلية، وأن يكون تمويل مشروعات الطاقة الشمسية بنسبة ٧٠٪ من مصادر تمويل أجنبية، و٣٠٪ من مصادر تمويل محلية.

من جانبه قال الدكتور إبراهيم زهران، الخبير البترولي، إن طرح المناقصات لإضاءة هذه المباني بالطاقة الشمسية، فشلت ولم تؤد الدور المنوط بها والمطلوب منها، مضيفًا أن وزارة الكهرباء أعلنت عن موافقة مجلس الوزراء على إقامة محطات تعمل بالطاقة الشمسية على أسطح المباني الحكومية، وربطها بالشبكة القومية لأكثر من ١٠٠ مبنى، منها ٢٥ مبنى لكل وزارة في المرحلة الأولى، ولكن كلها «حبر على ورق».
ويشير زهران إلى فشل وزارتي الكهرباء والتنمية المحلية في إدارة المناقصات التي طُرحت لإضاءة أعمدة الإنارة والمباني الحكومية بالطاقة الشمسية، مطالبًا المسئولين الحكوميين بالاهتمام بملف الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية.
كما أن مستقبل الطاقة المتجددة في مصر مظلم، والسبب في ذلك أنها لا تزال غالية الثمن، فسعر الأمبير الواحد يتجاوز سعره دولارًا أمريكيًا، ويعود جزء من ذلك إلى ثقل وزنها، وما يمثل ذلك من كلفة إضافية للنقل والشحن، فمتوسط وزن الخلية الواحدة يزيد على ٣٠ كجم، بحسب زهران.

من جانبه، يقول عضو مجلس النواب، النائب عصام القاضى: «إن هناك مسئولين وأشخاصًا هدفهم إسقاط منظومة الطاقة المتجددة المصرية»، مشيرًا إلى أنهم ليس لهم أى دور، ووجودهم لا يتعدى مكاتبهم داخل إداراتهم.
ويشير إلى أن الفشل الحكومى سببه انعدام الرؤية وسوء التخطيط والدراسة والتحليل، بالإضافة إلى إسناد مهام لأشخاص غير مناسبين، وانعدام الكفاءة والخبرة لديهم، وأيضًا افتقارهم للتدريب والتطوير والابتكار والتحديث والاطلاع على كل ما هو جديد ومستحدث فى مجال الطاقة المتجددة، وبخاصة الطاقة الشمسية وغياب المراقبة والمحاسبة.

كما يلفت المهندس أسامة كمال، وزير البترول السابق، إلى أن حرق الغاز الطبيعى لتوليد الطاقة الكهربائية «مشكلة ضخمة»؛ حيث يعدّ الغاز الطبيعى مكونًا اقتصاديًا كبيرًا، ويدخل فى صناعات البتروكيماويات والأسمدة والأسمنت وصناعة الحديد والصلب، بمعنى أنه يدخل كمادة خام فى العملية الإنتاجية، وليس فقط كوقود للمصانع.
ويضيف، أنه يجب مراجعة القرارات الحكومية التى تتعلق باستخدامه فى توليد الطاقة الكهربائية، والنظر إلى جدواه الاقتصادية الأخرى، وقد حدد القرار الوزاري رقم ١١٦٢ الصادر عام ٢٠١٤، سعر بيع الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء بسعر ٣ دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وذلك مقارنة ببيع الغاز للمصانع التى وصلت إلى ٨ دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية.