الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«الاقتصاد المصري» فى غرفة عمليات «صندوق النقد»

الحرب الاقتصادية التى تخوضها مصر

عمرو الجارحي وابراهيم
عمرو الجارحي وابراهيم نوار وطارق عامر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإدارة المصرية ملتزمة بتنفيذ حزمة إجراءات مقابل المساعدات
النقود المكتنزة تلعب دورًا فى إشباع نهم أصحابها ولا تؤدى أى وظيفة فى النمو
البنك المركزى استخدم سلاح «رفع سعر الفائدة» 3 مرات منذ قرار «تعويم الجنيه» لتحقيق التوازن الاقتصادى


يخضع الاقتصاد المصرى حاليًا لأخطر عملية جراحية منذ بداية القرن الواحد والعشرين، تهدف إلى تعديل آليات ومسار متغيراته الرئيسية نحو الاستقرار وزيادة معدلات النمو وخلق الوظائف الجديدة الكافية لاستيعاب أعداد متزايدة من طالبى العمل كل سنة.
وتجرى هذه العملية الجراحية تحت إشراف صندوق النقد الدولى وبمقتضى برنامج وصف بأنه برنامج نابع محليا (homegrown program) وافق عليه الصندوق ووافق أيضا على مساعدة مصر فى تنفيذه وعلاج آثاره الجانبية.
وقد بدأ الإعداد لدخول الاقتصاد المصرى إلى غرفة العمليات بمفاوضات مع صندوق النقد الدولى بدأت فى عام 2011 وترددت مصر فيها كثيرا، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين وجرت الموافقة عليه بواسطة مجلس إدارة الصندوق فى 11 نوفمبر 2016.
وبمقتضى هذا الاتفاق التزمت الإدارة المصرية بتنفيذ حزمة متنوعة من الإجراءات مقابل التزام الصندوق بتقديم حزمة متنوعة من المساعدات على مدى ثلاث سنوات.
ويعتبر هذا الاتفاق الأول من نوعه منذ تسعينيات القرن الماضى.
التضخم قد ينتج عن زيادة الطلب بسرعة تتجاوز سرعة العرض، ولكنه قد ينتج عن زيادة تكلفة بعض مكونات الإنتاج بعيدا تماما عن الزيادة فى الطلب
ولسنا هنا بصدد دراسة الاتفاق الأخير بين مصر والصندوق، ولكننا بصدد دراسة بعض الانفجارات الاقتصادية التى نتجت عن الاتفاق، وتجاوزت قوتها وآثارها ما كان مقدرًا حسب الاتفاق بين الطرفين.
ومن أخطر تلك الانفجارات: انفجار التضخم، وانفجار الدين الخارجي، وانفجار الدين المحلي، وانفجار أسعار الفائدة، وانفجار أسعار الصرف.
وكان الاتفاق بين مصر والصندوق قد توقع حدوث آثار قوية لصدمة تغيير سعر صرف الجنيه، وصدمة رفع أسعار الفائدة، لكنه توقع أن تظل آثار هذه الصدمات داخل نطاق السيطرة.
وتشير متابعة تقديرات وتصريحات المسئولين عن السياستين المالية والنقدية فى مصر إلى خطأ فى التقديرات، قد يكون قد نتج إما عن خطأ أولى فى المعلومات أدى إلى التقليل من قوة آثار الصدمات، أو عن إفراط فى التفاؤل بقدرة الإدارة الاقتصادية على كبح هذه الآثار والسيطرة عليها.
ولبيان طبيعة الموقف الحالى بعد ثمانية أشهر من البدء فى تنفيذ الاتفاق ونهاية السنة المالية الأولى وبداية السنة المالية الثانية من عمر الاتفاق، فإننا سنحاول بيان العلاقة بين عدد من المتغيرات الرئيسية المرتبطة بصدمات الإصلاح، وبشكل خاص العلاقة بين صدمة رفع أسعار الفائدة وبين التضخم، والعلاقة بين صدمة رفع أسعار الفائدة وبين الدين العام، والعلاقة بين صدمة تخفيض سعر صرف الجنيه وبين التجارة الخارجية والاحتياطى النقدى من العملات الدولية، ثم تأثير الناتج النهائى لصدمات ما تم وصفه بأنه «برنامج الإصلاح الإقتصادى المحلي» على التوازن المالى والاقتصادى وعلى معدلات البطالة والنمو بشكل عام.

أسعار الفائدة والتضخم
تعلمنا فى دراستنا للمالية العامة وعلوم النقود والبنوك أن «سعر الفائدة هو ثمن النقود»، لكن النقود قد تتجسد فى أكثر من صورة، فالنقود المكتنزة مثلا لا ثمن لها، إنها هناك قابعة «تحت البلاطة» أو فى «بطن مرتبة»، وهذه النقود المكتنزة تلعب دورا فى إشباع نهم صاحبها فقط للاكتناز ولا تؤدى أى وظيفة فى الاقتصاد، بل إنها تلعب دورا سلبيا يتمثل فى اقتطاع جزء من مكونات دورة الدخل من الدوران فى الاقتصاد، ومن ثم فإن سعر الفائدة فى هذه الحالة لا يكون ثمنا للنقود.
ولذلك فإنه يكون من الأدق أن نقول إن «سعر الفائدة هو ثمن السيولة النقدية»، فسعر الفائدة له علاقة مباشرة بالسيولة، يؤثر فيها ويتأثر بها، ومن ثم فإنه يرسم بقوة طبيعة العلاقة بين الاقتصاد النقدى والاقتصاد الحقيقى العيني.
وفى هذه العلاقة يكون للسيولة ثمن يرتفع أو ينخفض، فيتحرك الاقتصاد الحقيقى فى الاتجاه المقابل انخفاضا أو ارتفاعا، فإذا زاد الطلب على السيولة ارتفع سعر الفائدة، وإذا انخفض الطلب على السيولة انخفض، وإذا زاد عرض السيولة انخفض سعر الفائدة، وإذا قل العرض فإن سعر الفائدة الذى هو ثمن السيولة يرتفع.
ولذلك فإن سعر الفائدة أصبح هو الأداة الرئيسية فى صندوق الأدوات النقدية التى يستخدمها البنك المركزى من أجل تحقيق التوازن الاقتصادي.
ففى حالات تسارع نمو الاقتصاد (overheating economy) يلجأ البنك المركزى إلى رفع أسعار الفائدة بغرض كبح تسارع النمو ووقاية الاقتصاد من التعرض لخطر التضخم.
أما فى حالات تباطؤ النمو الاقتصادى (slowing economy)، فإن البنك المركزى يعمد إلى تخفيض ثمن السيولة (سعر الفائدة) بغرض تشجيع الطلب على الاستثمار والاستهلاك، ومن ثم رفع معدلات النمو الاقتصادي.
لكن الأمر ليس دائما بهذه السهولة، فكما فى الدين مذاهب تختلف فيما بينها، فى الاقتصاد أيضا مدارس تختلف فى تحديد الأولويات واختيار الأدوات. وفى حالتنا هذه فإن المدرسة النقدية (ميلتون فريدمان ورفاقه فى مدرسة شيكاجو للاقتصاد) تعتبر أن خطر التضخم هو الأسوأ على الإطلاق لأى اقتصاد، ومن ثم فإنها تتوسع فى استخدام سعر الفائدة للوقاية من خطر التضخم والحد منه.
وفى المقابل فإن أنصار المدرسة الكينزية (مثل أمارتيا سين وستيجليتز وكروجمان) يعتبرون أن خطر البطالة هو الأسوأ على الإطلاق، ومن ثم فإنهم يشجعون التوسع فى الإنفاق لغرض زيادة النمو الاقتصادى، وخلق فرص عمل كافية وذلك بتيسير سعر الفائدة بما يكفى لزيادة الاستثمار والاستهلاك بالقدر المطلوب.
وفى كلتا الحالتين، فإن الحبل لا يترك على الغارب، وإنما يتم استخدام سلاح سعر الفائدة وفق معايير الرشادة الاقتصادية، بما يحقق فى نهاية الأمر نموًا اقتصاديًا مستمرًا خاليًا من عوامل الاضطراب.
فى إطار هذه الرؤية لطبيعة سعر الفائدة والغرض من استخدامه، نستطيع أن نبدأ عملية تقييم للعلاقة بين سعر الفائدة والتضخم فى مصر على ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأ تطبيقه فى حقيقة الأمر منذ أول يوليو ٢٠١٤، ولكننا سنقتصر على النسخة الأخيرة منه التى تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، ومن ثم فإننا سنحاول الكشف عن حقيقة العلاقة بين أسعار الفائدة وبين التضخم خلال السنة المالية الأخيرة، وتوقعات مسار أو مسارات هذه العلاقة خلال السنة المالية الجديدة ٢٠١٧/٢٠١٨ ومقارنة المؤشرات الفعلية بالتوقعات أو المستهدفات فى برنامج الإصلاح نفسه.

ثلاث صدمات لأسعار الفائدة
لجأ البنك المركزى المصرى إلى استخدام سلاح أسعار الفائدة ثلاث مرات منذ أعلن البنك تعويم سعر الصرف للعملة المحلية فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦.
فى المرة الأولى التى ترافقت مع قرار التعويم تم رفع سعر الفائدة بنسبة ٣٪ مرة واحدة، ليرتفع سعر العمليات الرئيسية للبنك إلى ١٥.٢٥٪ مقارنة بـ ١٢.٢٥٪. وكان سعر الفائدة الرئيسى قد استقر حول معدل ١٢.٢٥٪ طوال السنة المالية ٢٠١٥/٢٠١٦ التى انتهت فى آخر يونيو ٢٠١٦.
لكن يلاحظ أن البنك المركزى كان قد لجأ إلى استخدام سلاح سعر الفائدة بصورة ملحوظة بالزيادة أو النقصان منذ السنة المالية ٢٠١١/٢٠١٢ عندما رفع سعر الفائدة فى المتوسط بمقدار ١٪ خلال تلك السنة (إلى ٩.٥٪ مقابل ٨.٥٪ فى ٢٠١٠/٢٠١١)، ثم اضطربت سياسة البنك فى السنوات التالية بين رفع لسعر الفائدة وتخفيض حتى نهاية السنة المالية ٢٠١٥/٢٠١٦.
وأسفرت الصدمات الثلاث (نوفمبر ٢٠١٦ ومايو ٢٠١٧ ويوليو ٢٠١٧) عن رفع سعر الفائدة الرئيسى لعمليات البنك المركزى بنسبة ٥٧.١٪ ليصل إلى ١٩.٢٥٪ بعد قرار ٦ يوليو ٢٠١٧.
وقد لفت نظرى فى قرار لجنة السياسة النقدية للبنك المركزى الصادر فى ٦ يوليو ٢٠١٧ ثلاث نقاط، الأولى أن قرار رفع سعر الفائدة طبقا لتقدير اللجنة لم يتخذ بسبب ارتفاع معدل التضخم، ولكن لتحجيم الآثار المتوقعة لزيادة التضخم بعد الزيادات التى استقرت عليها الحكومة فى أسعار الوقود والكهرباء والكثير من الرسوم والخدمات.
والثانية أن رفع سعر الفائدة هو قرار مؤقت، ولست أدرى على وجه اليقين ماذا تعنى اللجنة بوصف القرار بأنه مؤقت؟ ومن غير المألوف أن تندرج هذه العبارة فى بيان للجنة مختصة بالسياسات النقدية، لأن ذلك يطلق العنان لتأثيرات حالة عدم اليقين أو يخلق حالة عدم يقين بشأن قرارات اللجنة فى المستقبل المنظور.
أما الملاحظة الثالثة فإنها تتعلق بما جاء فى البيان بشأن التزام البنك المركزى باتخاذ كل القرارات التى تدخل ضمن سلطاته القانونية لتحقيق السيطرة على التضخم، وتخفيض معدل التضخم فى نهاية العام ٢٠١٨ إلى ١٣.٣٪. وأستطيع أن أستنتج أن هذه الملاحظة الأخيرة هى المفتاح الذى يفسر قرار لجنة السياسة النقدية برفع سعر الفائدة دفعة واحدة بنسبة ٢٪ بعد أقل من شهرين من قرارها برفع السعر بنسبة مماثلة فى ٢١ مايو ٢٠١٧.
صدر بيان لجنة السياسة النقدية بعنوان «استهدافًا لتحجيم التضخم والحفاظ على القيمة الشرائية للجنيه المصري، رفع سعر الفائدة ٢٪ لفترة مؤقتة». وجاء فى نهاية البيان «يؤكد البنك المركزى أنه سيتخذ من القرارات التى تمكنه وبحكم صلاحياته القانونية من تخفيض التضخم إلى ١٣٪ فى الربع الأخير من العام القادم».
وكما ذكرت فإن هذه العبارة الختامية تقدم لنا المفتاح لفهم الموقف المتعلق بالقرار بأكمله. لماذا؟ ببساطة لأن البنك المركزى بذلك يكون قد وضع نفسه فى موضع المساءلة إذا هو فشل فى تحقيق المعدل المستهدف للتضخم خلال فترة مقبلة لا تتجاوز ١٨ شهرا.
أما لماذا وضع البنك نفسه داخل هذا الإطار الضيق؟ الإجابة نجدها فى الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولى الذى يحدد بوضوح شروط المراجعات المرتبطة بالإفراج عن شرائح قرض الصندوق إلى مصر. وينص أحد الشروط على أن السلطات النقدية والمالية يجب أن تتخذ من السياسات والإجراءات ما يضمن تخفيض معدل التضخم إلى ١٣.٣٪ فى ديسمبر ٢٠١٨ على أقصى تقدير.
وقد أوقف مجلس إدارة صندوق النقد الدولى مؤقتا الإفراج عن الشريحة الثانية من قرض الصندوق إلى مصر (١.٢٥ مليار دولار) حتى إجراء مناقشة أكثر جدية لتقرير المراجعة الأولى للقرض، والذى كان قد تأخر عن موعده المقرر (ديسمبر ٢٠١٦) بسبب تباطؤ الحكومة المصرية فى تنفيذ إجراءات كان متفقا عليها بين الطرفين. وقد تم الانتهاء بالفعل من المراجعة الأولى فى ١٢ مايو ٢٠١٧ وأصدرت بعثة الصندوق بيانا بهذا الخصوص.
وكانت التوقعات فى كل من البنك المركزى ووزارة المالية أنه سيتم الإفراج عن الشريحة الثانية من القرض بعد أسبوعين من سفر بعثة الصندوق إلى واشنطن.
وقد تضمن اتفاق المراجعة أن يقوم البنك المركزى برفع سعر الفائدة بسبب زيادة معدل التضخم عن التوقعات السابقة. وقد قام البنك المركزى بالفعل بعد سفر البعثة برفع سعر الفائدة بنسبة ٢٪ فى ٢١ مايو ٢٠١٧. لكن إعادة مناقشة تقرير البعثة فى واشنطن كشف عن عدد من الثغرات ونواحى القصور، مما أدى إلى تأخير سداد الشريحة الثانية.
وبعد القرار الأخير برفع سعر الفائدة مرة ثانية منذ سفر بعثة الصندوق تتوقع وزارة المالية الإفراج عن الشريحة الثانية من القرض فى منتصف شهر يوليو الحالي.
ومن الواضح أن البنك المركزى يأمل أن يؤدى القرار الأخير للجنة السياسة النقدية إلى كبح جماح التضخم، وتوفير أرضية صحية لتحقيق نمو اقتصادى يتوافق مع التوقعات الواردة فى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وسوف تكون مؤشرات الأداء فى الربع الأول من السنة المالية (يوليو ـ سبتمبر ٢٠١٧) حاسمة فى بيان ما إذا كان البنك المركزى قد تمكن فعلا من احتواء التضخم وإخضاعه داخل نطاق السيطرة، وهو ما يسمح بعد ذلك باستخدام حزمة من الأدوات النقدية والمالية لتخفيض التضخم إلى ١٣٪ حسبما تعهد البنك المركزى فى بيانه.
أما إذا أثبت التضخم قدرته على العناد ومواجهة السياسة النقدية المتشددة، فإن البنك المركزى سيجد نفسه لا محالة أمام رفع أسعار الفائدة من جديد، فوق ٢٠٪ بغرض محاربة التضخم.
ولا شك فى أن إدارة صندوق النقد الدولى هى الأخرى تضع نصب عينيها على مؤشرات الأداء الاقتصادى بشكل عام ومؤشرات التوازن المالى بشكل خاص، من أجل ضمان نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى فى تحقيق أهدافه، وضمان قدرة الخزانة العامة فى مصر على سداد التزاماتها تجاه الدائنين ومنهم الصندوق نفسه.

أسعار الفائدة على أذون الخزانة
وينعكس سعر الفائدة لدى البنك المركزى على أسعار الفائدة المصرفية بشكل عام. وتقوم البنوك فى العادة بتعديل أسعار التمويل (الإيداع والاقتراض) طبقا لسعر العمليات الرئيسية لدى البنك المركزي.
ومن المنتظر أن تقوم المصارف فى مصر برفع أسعار الفائدة لعملائها حتى تتمكن من جذب السيولة اللازمة لمواصلة الاكتتاب فى عطاءات أذون الخزانة العامة التى تمثل الآن النشاط المصرفى الرئيسى فى مصر.
وتحقق المصارف من الاكتتاب فى عطاءات الخزانة أرباحا إضافية كانت تبلغ فى المتوسط ٢.٢٥٪ فوق سعر العمليات الرئيسية للبنك المركزى حتى أكتوبر ٢٠١٦ لكن هامش الربح الذى تحصل عليه المصارف من الاكتتاب فى سندات الخزانة التى يطرحها البنك المركزى لصالح وزارة المالية راح يتسع تدريجيا حتى تجاوز ٤٪ فى مارس ٢٠١٧ وهو ما مهد الطريق لرفع سعر الخصم فى مايو ٢٠١٧. وبسبب زيادة الطلب الحكومى على السيولة المحلية اتسع هامش الربح الذى تحصل عليه البنوك من وزارة المالية إلى نحو ٤٪ من جديد فى يوليو ٢٠١٧ ليتجاوز العائد على أذون الخزانة حاجز ٢١٪ قبل صدور قرار البنك المركزى فى ٦ يوليو برفع سعر الخصم إلى ١٩.٢٥٪.
ومن الواضح أن هناك علاقة طردية قوية بين زيادة طلب الحكومة على السيولة المحلية وبين أسعار الفائدة. ويلعب معدل العائد على أذون الخزانة دورًا محوريًا فى رسم الطريق نحو زيادة أسعار الفائدة أو انخفاضها؛ فكلما زاد الطلب الحكومى على التمويل بالاقتراض من البنوك، زادت قوة دفع أسعار الفائدة إلى أعلى عبر عطاءات أذون الخزانة العامة. وليس لدينا شك على الإطلاق فى أن الطلب الحكومى على السيولة هو المحرك الرئيسى لارتفاع أسعار الفائدة فى مصر.
وتظهر أرقام الأشهر التالية حتى نهاية السنة المالية أن العائد على أذون الخزانة استمرار ارتفاع العائد على أذون الخزانة. وفى بداية السنة المالية الحالية (٢٠١٧/٢٠١٨) قفز العائد فوق معدل ٢١٪ حتى جاء قرار رفع سعر الفائدة الأساسى بواسطة البنك المركزى إلى ١٩.٢٥٪. وبلغ سعر تمويل أذون الخزانة لأجل ٩١ يومًا بعد رفع سعر الفائدة الأخير (٦ يوليو) ٢٢.٥٪ أى أن الهامش الذى تحصل عليه البنوك من وزارة المالية يبلغ ٣.٢٥٪ فوق سعر الفائدة الأساسي. وهذا يعنى من الناحية العملية استمرار الضغوط على السيولة المحلية نتيجة الطلب الحكومى القوي، وهو ما يعزز احتمالات رفع أسعار الفائدة مرة أخرى قبل نهاية الربع الأول من السنة المالية أو فى أوائل الربع الثاني.

علاقة الطلب الحكومى بالتضخم
من الضرورى عند إجراء تحليل اقتصادى أن نحترس من خطورة أخذ القيم الكلية للمتغيرات على حالها، واختبار العلاقات بين المتغيرات مباشرة على هذا الأساس؛ فكل المتغيرات الحية الاقتصادية وغيرها تتكون من متغيرات أصغر من أنساق أدنى أو أعلى. وعلى سبيل المثال فإن التضخم قد ينتج عن زيادة الطلب بسرعة تتجاوز سرعة العرض، ولكنه قد ينتج عن زيادة تكلفة بعض مكونات الإنتاج بعيدا تماما عن الزيادة فى الطلب، بل إن التضخم نفسه قد يستمر مصاحبا لظاهرة ركود اقتصادى، وهو ما تعرضت له الدول الصناعية الغربية بعد الصدمة النفطية الأولى وهو ما أطلق عليه الاقتصاديون ظاهرة «الركود التضخمي» (stagflation) كذلك فإن تخفيض أسعار الفائدة على سبيل المثال، وهو الذى كان يقود تقليديا إلى زيادة الاستثمار قد لا يحدث هذا الأثر، وهو ما أنتج الظاهرة التى تعيشها الدول الصناعية الغربية منذ أكثر من عقدين من الزمان واتسمت بانخفاض معدلات النمو على الرغم من أن أسعار الفائدة هبطت تقريبا إلى الصفر.
أقول هذا لكى أنبه إلى أن رفع أسعار الفائدة قد لا يقود بالضرورة إلى تخفيض التضخم. فالتضخم فى مصر قفز قفزة كبيرة نتيجة تعرضه لصدمتين شديدتين فى وقت واحد، كانت واحدة منهما فقط كافية لإشعاله، صدمة تخفيض الجنيه وتعويم سعر الصرف، وصدمة رفع أسعار الفائدة معًا فى نوفمبر ٢٠١٦.
يبين جدول (٢) أن معدل التضخم ظل تقريبا داخل نطاق السيطرة حتى نهاية السنة المالية ٢٠١٢/٢٠١٣ ثم قفز فجأة بنسبة كبيرة (٣.٢٪) فى السنة المالية التالية أى أنه زاد عمليا بنسبة ٤٦.٣٪ خلال سنة واحدة. وهى أعلى زيادة سجلها معدل التضخم خلال فترة المقارنة حتى نهاية السنة المالية ٢٠١٥/٢٠١٦. وفى السنة المالية التالية قفز معدل التضخم قفزة هائلة متأثرا بصدمتى تعويم سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة ليبلغ ٣٣٪ تقريبًا فى إبريل ٢٠١٧ أى أكثر من ثلاثة أمثال ما كان عليه فى السنة المالية ٢٠١٣/٢٠١٤. وهذا يشير إلى حقيقة مهمة وهى أن الاقتصاد المصرى ظل يقاوم الضغوط التضخمية بنجاح حتى عام ٢٠١٤ ثم فلت التضخم من الزمام بسرعة كما تبين الأرقام ربع السنوية لوزارة المالية ليرتفع بسرعة من ١٠.٦٪ فى الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر٢٠١٥ حتى وصل إلى ١٨.٨٪ فى الربع الأخير من العام ٢٠١٦ مدفوعا فى نوفمبر برفع أسعار الفائدة وتخفيض الجنيه وتعويمه ليبغ ٣١.٤٪ فى المتوسط خلال الربع الأول من العام ٢٠١٧ (يناير ـ مارس) ثم إلى ٣١.٩٪ فى الربع الثانى من العام نفسه مهددًا بذلك برنامج الإصلاح الاقتصادى بأكمله.
ولا يوجد دليل واحد يربط زيادة التضخم بقوة اندفاع سابقة للاستهلاك الخاص، لكن هناك أدلة قوية على العلاقة الطردية بين زيادة الاستهلاك الحكومى غير المعزز بموارد حقيقية وبين زيادة معدل التضخم. كما توجد كذلك علاقة قوية بين زيادة التضخم وبين تعويم سعر الصرف وتخفيض قيمة الجنيه. وتؤكد المؤشرات فى نهاية السنة المالية أن معدل التضخم قفز إلى نحو ثلاثة أمثال ما كان عليه فى نهاية يونيو ٢٠١٤، وأن العائد على أذون الخزانة يعادل أكثر من ضعف ما كان عليه وأن سعر صرف الجنيه مقابل الدولار يعادل أقل مما كان عليه بنسبة ٢٥٨٪ تقريبًا. وهذا فى حقيقة الأمر يلقى بالمسئولية على الحكومة فى خلق الأزمة الاقتصادية الحالية بسبب التوسع فى الاقتراض المحلى والأجنبي. وهذا يعنى أيضا أن الاستمرار فى الطريق نفسه، سيفرز نتائج أشد فظاعة ولن يسفر أبدا عن نتائج أفضل من تلك التى نتجت عن السياسات الاقتصادية المتبعة حاليا وخصوصا السياسة المالية والنقدية.
وسوف يكون من تداعيات إعادة إنتاج الفشل تعقيد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؛ فالحكومة تستطيع أن تقدم حججًا واهية إلى الرأى العام وإلى البرلمان، وهى تستطيع أيضا أن تقدم بيانات كاذبة، لكنها لن تستطيع أن تفعل ذلك مع الدائنين الذين يمثلهم نادى باريس ومع صندوق النقد الدولى الذى يستطيع أن يمنح أو يمنع شهادة بالثقة للاقتصاد المصرى تساعده على المضى قدمًا.