الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الموصل".. فرحة الانتصار ومشاهد الدمار

مستقبل المدينة القديمة.. بين الصراع الطائفي والتنافس الإقليمي

بعض من مشاهد الدمار
بعض من مشاهد الدمار في مدينة الموصل العراقية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
100 ألف مسلح خاضوا معركة تحرير المدينة المحتلة من خلافة البغدادي
مليون نازح عراقي خرجوا من الموصل بسبب المعارك الضارية التي استمرت لمدة تسعة أشهر دمرت فيها المدينة
22 ألف ضربة نفذها التحالف الدولي على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق
500 دينار عراقي يدفعها المواطنون نظير حصولهم على قطعة ثلج في مدينة مدمرة

بعد نحو ثلاث سنوات من إعلان زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي «أبو بكر البغدادي» عن إقامة ما تسمى بـ«دولة الخلافة»، واتخاذه مدينة الموصل مركزًا له بالعراق، أعلنت الحكومة العراقية الانتصار على التنظيم واستعادة المدينة بعد معارك ضارية استمرت لتسعة أشهر، دمرت فيها المدينة وشرد بسببها أكثر من مليون نازح عراقي.
وبقيت آثار الحرب شاهدة على همجية التنظيم الإرهابي، وعلى عداوته لكل ما هو إنساني وحضاري، وتدميره للآثار التاريخية بالمدينة، ودللت الحرب أيضًا على تربص الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها بالعراق، وأن الهدف الرئيسي من وراء غاراتهم الجوية على العراق وسوريا، ليس تحرير سكانهما من سطوة الإرهاب، إنما تدمير البلاد العربية وإخراجها من دائرة الفعل والقرار؛ حيث دمرت «مدينة الرماح» بمشاركة تنظيم «داعش» الإرهابي بالتوازي مع غارات التحالف الدولي الذى تقوده واشنطن، والتي لم تفرق بين المدنيين والإرهابيين في ضرباتها الجوية وفي تدمير معالم المدينة.
«البوابة» تفتح ملف مستقبل العراق بعد القضاء على «داعش» بالموصل، من خلال رصد معضلة «الحشد الشعبي» وولاء بعض فصائله لإيران، التي تشير إلى أزمة المكونات الطائفية بالبلاد وارتباطاتها بأطراف خارجية، إضافة إلى الصراع الإقليمي والدولي للسيطرة على العراق، خاصة بين واشنطن وطهران وأنقرة.
كما ترصد معاناة النازحين الذين تخطى عددهم المليون ويعيشون في المخيمات مع مستقبل مجهول وحياة مدمرة.

بعد أسبوعين من قرار الدول الأربع
من ليبيا إلى العراق.. هزيمة «داعش» تبدأ بمقاطعة قطر
انتصارات الجيشين وضعت حدًا لتمويل الدوحة للإرهاب والتطرف.. وضغوط الدول العربية دحرت بحر التنظيمات التكفيرية. 
سريعًا انعكست مقاطعة قطر من قبل الدول الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب (السعودية ومصر والإمارات والبحرين)، على محاصرة تنظيم داعش الإرهابي في العديد من مناطق تمركزه في المنطقة العربية، وكان خير شاهد على ذلك إعلان تحرير بن غازي في ليبيا من قبل المتطرفين وما تلاها من إعلان النصر في الموصل على تنظيم داعش الإرهابي أمس الأول؛ حيث كانت قطر تعتمد بشكل أساسي على العراق وليبيا لدعم التنظيمات الإرهابية لتنفيذ مخطاطاتها الشيطانية في الشرق الأوسط، عن طريق الإخوان المسلمين في ليبيا وأيضًا الفصائل الجهادية في العراق.
فخلال أقل من أسبوع تم الإعلان عن تحرير مدينتين كبيرتين، هما: الموصل في العراق، الذي كانت تعد أحد المعاقل الرئيسية لتنظيم داعش، وكذلك بني غازي الليبية من قبل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وبذلك جفت منابع الإرهاب التي كانت تعتمد عليها قطر بشكل كبير، خاصة في ليبيا؛ حيث كانت تساند التنظيمات الموجودة هناك، وكانت الدلائل على أن قطر هي الراعي الأول في الإرهاب، ما قاله الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الليبية، العقيد أحمد المسماري، بأن قطر هي الداعم الأول للإرهاب في ليبيا.
وأضاف المسماري في التصريحات التي أطلقها، الثلاثاء الماضي، أن قطر جعلت ليبيا مسرحا للإرهاب، وكان هذا بالوثائق والأدلة والبراهين التى أظهرت هذا الأمر. 
 وأوضح أن قطر تدعم الجماعات الإرهابية والإخوان، وتعاونا سويا بهدف إدخال إرهابيين إلى ليبيا، وأن القطري العميد مبارك النعيمي جاء ليبيا لتثبيت القاعدة والإخوان في الحكم.
وفي السياق نفسه، كشفت تقارير عدة خلال الفترة الأخيرة دعم الدوحة للجماعات الجهادية والإرهابية في العراق وسوريا ومنها جبهة النصرة وتنظيم القاعدة.
وبحسب تقرير رصدته «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات البحثية» الأمريكية، فإنه خلال السنوات الثلاثة الماضية انتهج تميم بن حمد، أمير دولة قطر، نهج والده بإصراره على تمويل تنظيم القاعدة والجماعات المتطرف، وذلك رغم ضغوط مسئولين أمريكيين أن تشهد السياسة القطرية تغيرًا في هذا الإطار في عهد حكم الابن، وأن يفتح صفحة جديدة مغايرة لسياسة الوالد، إلا أنه لم يفعل ذلك، ولم يظهر تغيرا كبيرا في هذا الشأن بعد أكثر ٣ سنوات من حكم الابن.
فلقطر سجل طويل في تمويل الإرهاب، لا سيما فى ضوء تجربة تغيير «جبهة النصرة» لاسمها فى يوليو ٢٠١٦ إلى جبهة فتح الشام، والتي هدفت بالأساس إلى ألا يكون لها أي صلة أو علاقة مع أطراف أجنبية. ووفق مصادر استخباراتية نقل عنها تقرير «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»؛ فإن قطر قادت جهودا بدأت في العام ٢٠١٥ لدعم المعارضة السورية والجماعات الجهادية في العراق عن طريق إقناع جبهة النصرة، بأن تنأى بنفسها بعيدًا عن تنظيم القاعدة.
كما أنها سمحت لأشخاص قطريين أو مقيمين على أرضها ومفروض عليهم عقوبات بواسطة وزارة الخزانة الأمريكية في عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥، باستمرار تمويل الجماعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة.
وتاريخيًا، توصف قطر من قبل الولايات المتحدة بأنها إحدى القواعد الرئيسية للمومولين الخاصين لجماعات إرهابية أخرى بجانب «جبهة النصرة»؛ حيث تلقى مسئول كبير في القاعدة دعمًا من متبرعين قطريين، وهو ما حدث أيضًا فى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحركة الشباب، والقاعدة في شبه الجزيرة الهندية، وفي إيران والعراق.
وطبقًا لوزارة الخزانة الأمريكية؛ فإن أمير داعش تلقى ما يقارب من ٢ مليون دولار من أحد الوسطاء القطريين.

ترحيب دولي بتحريرها من قبضة التنظيم
مصر تؤكد مساندتها لبغداد و"الاتحاد الأوروبى" يتعهد باستمرار الدعم
سادت حالة من الارتياح على المستوى الإقليمي والدولي في أعقاب تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، وتوالت ردود الأفعال المرحبة والمهنئة للحكومة والشعب العراقي بهذا النصر الذي طال انتظاره.
فمن جانبها، عبرت مصر عن ترحيبها بتحقيق النصر على تنظيم «داعش» في العراق، وأكد المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن سامح شكري وزير الخارجية، أجرى اتصالا هاتفيا اليوم مع وزير خارجية العراق الدكتور إبراهيم الجعفري، تم خلاله مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين والأوضاع الإقليمية.
وقال أبو زيد -فى تصريحات صحفية أمس الأول: «إن شكري قدم، خلال الاتصال الهاتفي، التهنئة بمناسبة الانتصارات التي حققها الجانب العراقي في مواجهة تنظيم (داعش) في مدينة الموصل»، مؤكدًا التزام مصر الصارم بالوقوف إلى جانب العراق في معركته لدحر الإرهاب، كجزء من الجهود التي تقوم بها مصر لاقتلاع الإرهاب من كل أنحاء المنطقة.
كما هنأت الحكومة السورية على لسان مصدر مسئول في خارجيتها، العراق حكومة وشعبًا على انتصاره بدحر تنظيم «داعش» الإرهابي من مدينة الموصل، مؤكدة أنها في خندق واحد مع العراقيين الشجعان.
ومن جانبها، هنأت الحكومة الإيرانية، الشعب العراقي وحكومته وقواته المسلحة على النصر الكبير الذي تحقق في الموصل.
وكتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في تغريدة في صفحته على «تويتر»: «أهنئ الحكومة العراقية والشعب العراقي الشجاع بتحرير مدينة الموصل»، مضيفا أنه «كلما اتحد العراقيون كانت طموحاتهم وما يتطلعون لتحقيقه بلا حدود».
فيما رحبت جامعة الدول العربية بتحرير مدينة الموصل من عصابات «داعش» الإرهابية، مهنئة القوات المسلحة العراقية بهذا الإنجاز الهام والحاسم، ومشيدة باحترافية الجيش العراقى.
وقال المتحدث الرسمى باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية الوزير المفوض، محمود عفيفى، فى تصريحات صحفية، أن «أبو الغيط هنأ العراقيين جميعا بتحرير قطعة غالية من بلادهم، مؤكدًا أن تماسك الشعب خلف الجيش كان له أبلغ الأثر فى دحر عصابات الإرهاب، ومتمنيًا أن يمثل هذا الانتصار خطوة على طريق استقرار الوضع العراقي، وأن يكون عنصرًا من عناصر زيادة اللحمة والترابط بين مكونات المجتمع تحت راية الدولة الوطنية التي توفر الحقوق لكل المواطنين من دون تفرقة أو تمييز».
وعلى الصعيد الدولي، هنأ وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، رئيس الوزراء د. حيدر العبادي والقوات العراقية على شجاعتها العظيمة.
بينما عبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عبر موقع «تويتر»، عن تقدير فرنسا للعراقيين الشجعان ولجميع من أسهم في تحقيق هذا النصر.
ووصفت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم «داعش» بالخطوة «الحاسمة»، متعهدة باستمرار دعم الاتحاد الأوروبي للعراق.
وقالت موغيريني في بيان: إنه «ومن المهم جدًا بدء عملية العودة وإعادة بناء الثقة بين المجتمعات، وأن يكون جميع العراقيين قادرين على البدء ببناء المستقبل المشترك»، ومؤكدة أن «الاتحاد الأوروبي يتعهد باستمرار الدعم إلى العراق في المجال الإنساني والأمني وإعادة استقرار وتحديات المصالحة التي ما زالت تواجهه».

السنة يرفضون الحكومة
عراق ما بعد دولة الخلافة.. مستقبل غامض يواجه «بلاد الرافدين»
بعد تحرير الموصل نهائيًا من تنظيم داعش الإرهابي، نتيجة قتال عنيف استمر نحو تسعة أشهر، لا يزال العراق حائرا فى مستقبله ما بعد داعش، حيث رجح الكثير من المراقبين أن الصراع حول مستقبل العراق ما زال بعيدا عن النهاية، رغم سقوط التنظيم الإرهابى فى أحد أهم معاقله بالموصل.
فمع سقوط الموصل تتكشف الانقسامات العرقية والطائفية التى يعانى منها العراق منذ أكثر من عشر سنوات. إذ إن النصر ينطوى على خطر إثارة أعمال عنف جديدة بين العرب والأكراد بسبب أراضٍ متنازع عليها أو بين السنة والشيعة حول السيطرة على السلطة، وهى أمور زادت حدة مع وجود قوى خارجية رسمت مستقبل العراق منذ الغزو الذى قادته الولايات المتحدة فى ٢٠٠٣ وأطاح بحكم صدام حسين، وجعل الأغلبية الشيعية المدعومة من إيران تصل إلى السلطة.
وبالنسبة للعراق الذى باغته هجوم تنظيم داعش على الموصل فى ٢٠١٤ وانهيار جيشه، فإن هذا الانتصار قد يتحول فى نهاية الأمر إلى مشكلة لا تقل فى جسامتها عن الهزيمة. حيث إن انهيار النموذج الاتحادى الذى صيغ تحت الاحتلال البريطانى الأمريكي، وقام على أساس اتفاق لاقتسام السلطة بين السنة والشيعة والأكراد بات على المحك.
وبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن أحد التحديات هو مستقبل الموصل نفسها، حيث تتجاهل الحكومة الاتحادية وضع خطة محكمة لما بعد داعش فى الموصل. ويقول مسئولون غربيون وعراقيون وأكراد إنهم مندهشون لتجاهل السلطات العراقية إعداد خطة للحكم والأمن فى المرحلة المقبلة. وقالوا للصحيفة إن المنطقة الكردية وحكومة بغداد وقوى التحالف العسكرى الذى تقوده الولايات المتحدة شكلت لجنة على مستوى عالٍ لمساعدة زعماء الموصل على إعادة بناء المدينة، لكنها لم تجتمع قط.
وقال هوشيار زيباري - وهو شخصية تحظى باحترام على الصعيد الدولى وشغل من قبل منصبي وزيري المالية والخارجية: «رئيس الوزراء (حيدر) العبادى ظل يتباطأ، في كل مرة نثير هذه المسألة معه يقول: فلننتظر حتى تنتهى العمليات العسكرية».
 وأضاف «مدينة بالكامل تفنى. انظروا إلى مدى إسهام الحكومة، وكأن الأمر لا يعنيها»، وجاءت أول إشارة إلى احتمال نشوب صراع فى المستقبل عندما أعلن مسعود البرزاني رئيس منطقة كردستان العراق التى تتمتع بحكم ذاتى عن إجراء استفتاء فى ٢٥ سبتمبر على إقامة دولة مستقلة.
ومن بين النذر الأخرى حملة فصائل شيعية مدعومة من إيران تجمعت تحت لواء الحشد الشعبي الذي تديره الحكومة للانتشار بطول المناطق الكردية والتقدم صوب الحدود السورية مدفوعة برغبة إيران فى الانضمام إلى العراق وسوريا، وإقامة ممر من طهران إلى بيروت.
وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لا تنظر إلى سوريا والعراق إلا فى إطار الحملة العسكرية لتدمير «داعش»، فإن الجهاديين المحليين سيمتزجون ببساطة بالسكان، وقد يتجمعون من جديد لبدء تمرد جديد.
وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، يتفق إلى حد كبير الزعماء السنة والأكراد فى الموصل ومحيطها مع هذا التكهن المتشائم بعد أن تملكهم القلق من رفض العبادى حتى مناقشة مستقبل حكم الموصل، والشك فى أن إيران تحرك الأمور.
وتمتد الأراضى المتنازع عليها بمحاذاة شريط من الأرض يقطنه خليط عرقي، ويفصل المنطقة الكردية في شمال العراق عن الجزء الذي تقطنه أغلبية عربية في الجنوب، وهو أشبه بحقل ألغام أكثر من كونه مكانًا يجمع بين أعراق مختلفة، وذلك في وقت بدأت تتبدد فيه آمال الأكراد والعرب السنة فى حكم الشيعة فى بغداد.
ويعتقد بعض الزعماء السنة والأكراد أن أحد الحلول هو جعل الموصل منطقة تتمتع بحكم ذاتى مثل كردستان مع وحدات حكم ذاتى أصغر كى تتكيف مع العدد الكبير من الأقليات، وهو أمر يقولون إن الدستور يسمح به.

النازحون من «جحيم الموت»
مليون عراقي يحلمون بالعودة.. وسكان المخيمات يبحثون عن مدينتهم
بعد الانتصار على «داعش» الإرهابي في الموصل، بعد الحملات العسكرية التي شهدها العراق خلال التسعة أشهر الأخيرة لطرد التنظيم من المدينة، وما صاحب ذلك من مظاهر احتفال عمت أنحاء مختلفة من العراق، بقى قرابة مليون شخص نزحوا من المدينة جراء القتال في وضع لم يسمح لهم بالاحتفال.
فمبعث القلق الرئيسي في مخيم يؤوي بعض الفارين من العمليات العسكرية، هو كيفية العيش دون كهرباء في أجواء تتجاوز درجة حرارتها ٤٠ درجة مئوية.
وبحسب تقرير وكالة رويترز، فإن بعض النازحين الذين يعيشون فى مخيم «حسن شام» شرقي الموصل يبيعون حصصهم من المواد الغذائية كي يشتروا سلعة أثمن وهى الثلج، فكتلة صغيرة منه طولها ٣٠ سنتيمترا تقريبا تباع نظير ٥٠٠ دينار عراقي (٠.٤٣ دولار).
وقال بعض سكان المخيم فى تصريحات نقلتها رويترز، وهم واقفون في طابور لشراء الثلج إنه يسعدهم رحيل المتشددين الذين ذاقوا على أيديهم ألوان العنف والحرمان لثلاث سنوات لكنهم يتساءلون كيف سيبدأون حياة جديدة فى مدينة مدمرة، حيث إن معظمهم فقد سبل الرزق وكثير منهم فقد البيت والأقارب أيضا.
وقال محمد الحاج أحمد الذي وصل إلى المخيم قبل خمسة أيام من حى «سوق الشعارين»، فى الموصل، حيث تقاتل القوات العراقية لطرد فلول المتشددين «لا يوجد شيء لم يأخذوه منا»، وفقد الحاج أحمد، وهو تاجر ملابس، منزله وسيارته وتجارته و١٥ فردًا من عائلته الكبرى نتيجة سيطرة الدولة الإسلامية على الموصل، وقال: «إذا لم تحدث إعادة إعمار ولم يرجع الناس لبيوتهم ولم يستردوا ممتلكاتهم، فما معنى التحرير؟».
وبالنسبة للنازحين، ربما تنتهى المحنة سريعًا لكن المستقبل يظل غامضًا، وقال حسين (١٨ عاما) الذى فر من الموصل مرتين هذا العام: «لا عمل هنا (فى الموصل) والوضع لا يزال غير مستقر»، وأضاف «هنا أأمن من هناك».
وكثير من المقيمين فى مخيم «حسن شام» من أبناء الشطر الشرقى من المدينة، هذا على الرغم من استعادته فى يناير الماضى وعودة الحياة الطبيعية إليه نوعا ما، وقال عزيز أحمد (٤٣ عاما) إنه كان سيعود إلى الموصل لو كان ذلك باستطاعته، لكنه لا يمكنه تحمل تكاليف العودة، ناهيك عن استئجار مسكن بالمدينة، حيث ارتفعت الأسعار بسبب زيادة الطلب على المنازل.
أما يونس إدريس (٢٠ عاما) فقد فر من حى عدن قبل أربعة أشهر، خوفا من الخلايا النائمة التابعة للدولة الإسلامية ومن التفجيرات. وقال: «ما لم يتحسن الوضع فلن نعود.. ليس واضحا ما سيحدث».

الموالون لطهران شوكة في ظهرها
ميليشيات الحشد الشعبي.. الأزمة المقبلة
ما إن انتهت معركة الموصل، والتى حسمتها القوات العراقية المدعومة بميليشيات الحشد الشعبي وبغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، حتى اتجهت الأنظار إلى مستقبل الحشد في الساحة السياسية العراقية وتحالفاته المثيرة للجدل مع إيران، لا سيما في ظل سوابق للحشد تشير لدوره الطائفي في العراق.
وتكتسب ميليشيات الحشد الشعبي أهميتها من كونها تمثل الذراع العسكرية لشرائح واسعة من المرجعيات الدينية الشيعية فى العراق، ورغم ما تلعبه من دور محوري في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في البلاد، فإن وضعها يظل يكتنفه الغموض، كما ترى مجلة (ذى أتلانتيك) الشهرية الأمريكية.
وبحسب تقارير دولية، يقدر عدد المقاتلين المنضوين تحت رايات الحشد الشعبى بأكثر من ستين ألفًا، ٣٥ ألفًا منهم يشكلون قوام القوة البالغ عددها ١٠٠ ألف مسلح التى خاضت معركة تحرير الموصل أخيرا، وفى ٢٦ نوفمبر الماضى أجازت الحكومة العراقية قانونا يجعل من الحشد الشعبى مكونًا رسميًا من مكونات قوى الأمن فى البلاد خاضعًا للقانون العسكرى وبوضعية مساوية للجيش.
وبينما يصف الموالون لهذه الميليشيات بأنها حركة تحرير وطنية أو حملة دينية ضد الشر، يراها الإعلام العالمى على أنها «تحالف من المجموعات الشيعية المدعومة فى أغلبها من إيران» بالكاد تخضع لسيطرة الدولة. إلا أن خطره الأكبر فى العراق أنه كمؤسسة له تبعات هائلة على العراق، فبالنسبة للعديد من أعضائه فإنه يستمد مشروعية «نضاله» من فتوى الجهاد الكفائي التى أصدرها المرجع الدينى الشيعى الأعلى فى العراق آية الله على السيستاني، فإذا سحبها وتم تسريح الوحدات الخاضعة لسلطته، فإن هذه الميليشيات ستقتصر على عدد من وكلاء إيران وجماعات سياسية تتبع رسميًا للدولة، لكنها لن تكون تحت إشرافها بحسب صحيفة (الجارديان) البريطانية.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن مستشار الأمن الوطنى فالح الفياض، الذى وصفته بأنه قائد تلك الميليشيات من الناحيتين الفنية والواقعية، يرى أن العراق مشغول بحربه ضد «الجهاد العالمي»، كما تسميه، بينما يذكى أطراف خارجيون أوار الطائفية.
بيد أن ما لم يقله الفياض أن خمسًا من أكبر الوحدات فى الحشد الشعبى تتلقى الأموال والدعم والتوجيه من إيران، فكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق كانتا تنشطان بالوكالة عن إيران إبان احتلال التحالف الدولى للعراق، وكلاهما الآن من الوحدات الرئيسية فى قوات الحشد الشعبي، وهناك كتائب سيد الشهداء التى خاضت القتال فى سوريا إلى جانب قوات نظام بشار الأسد.
أما منظمة بدر التى تعتقد (ذى أتلانتيك) أنها ربما تكون الأبرز من بين وكلاء إيران، فيقودها هادى العامرى الذى «حارب لصالح إيران فى حربها ضد العراق»، كما أنه من الأصدقاء المقربين لقاسم سليمانى قائد قوة القدس التابعة للحرس الثورى الإيراني.
وعلى الرغم من مخططات إيران، فإن العراق يمارس قدرًا من السيطرة على قوات الحشد الشعبى التى «يمكن احتواؤها إن لم يكن السيطرة عليها»، وفقًا لما نقلت المجلة عن لاهور طالبانى رئيس جهاز مكافحة الإرهاب فى حكومة إقليم كردستان العراق، وأشارت المجلة إلى أن ضباط المخابرات البريطانية والعراقية تخالجهم حاليًا مخاوف من أن مصلحة إيران فى تلعفر بمحافظة نينوى شمالى العراق، لا تكمن فى المدينة بحد ذاتها بل فى الطريق السريع المتجه غربا صوب الحدود السورية، حيث يجوب مقاتلو منظمة بدر والميليشيات الأخرى الخاضعة لإمرة طهران مناطق واسعة فى العراق من محافظة ديالى وعبرها إلى محافظات صلاح الدين وكركوك ونينوى ثم إلى الطريق المؤدية إلى سوريا.
من جهته، يقول توم هاردى فروسيث الرئيس السابق للجنة حماية المنشآت الحيوية بحلف الناتو، والمستشار الحالى لحكومة كردستان العراق، إن «ما تريده إيران من تلك الوحدات أشياء محدودة، فهمّها الرئيسى هو سوريا، ولقادة الوحدات دوافعهم الخاصة».
ويتفق معه مسئول كبير فى الخارجية الأمريكية ذكر لـ(ذى أتلانتيك) قائلا إن مصالح إيران الأساسية اقتصادية الطابع، ذلك أنها تريد أن تضمن أن العراق لن يصبح قويا بما يكفى ليشكل تهديدا عليها كما كان الحال فى عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
وتمضى المجلة الأمريكية إلى القول إن إيران ليست السلطة الوحيدة التى لها نفوذ داخل الحشد الشعبي، فالمرجعيات الدينية العراقية «التى يتحكم فيها السيستاني» أنشأت ثلاثًا من أفضل الوحدات تدريبًا وتجهيزًا هى كتائب الإمام على ولواء على الأكبر وفرقة عباس.
وتعارض تلك المرجعيات بشدة التدخل الأجنبى فى العراق ولا تتورع من انتقاد إيران، وهناك خلافات دينية ذات شأن بين تلك المرجعيات والملالى فى إيران بشأن قضية دولة الفقيه، حيث يرى السيستانى أن يظل علماء الدين فى موقع من يسدى النصح للحكام بدلًا من أن يكونوا قادة سياسيين.
أما الآن فإن الخلاف الأكبر بين المرجعيات الدينية والحكومة العراقية هو ذلك الذى يتعلق بمستقبل قوات الحشد الشعبي، فإذا أقدم السيستانى على تسريح وحدات المرجعيات فى تلك القوات، فإن ميزان القوة بداخل الأخيرة سيميل نحو الوحدات التى لا تخضع لسيطرة الحكومة، وإذا ما استمر وكلاء إيران فى حربهم بسوريا وبقيت ميليشيات الحشد مكونًا رئيسيًا لقوات الأمن العراقية، فإن من شأن ذلك أن يتسبب فى معضلة لسياسة حكومة بغداد الخارجية، وذلك وفق تقرير مطول لمركز «كارنيجي» الأمريكية.
وذكر المركز أن قوات الحشد تتعامل ليس على اعتبار أنها جزء من القوات العراقية، بل باعتبارها جزءًا من نضال من أجل النفوذ الذى سيقرر مستقبل العراق خلال الأيام المقبلة.

مدينة الرماح التي دمرها الإرهاب.. «داعش» مر من هنا
حطام المباني والجثث المتحللة والطرقات المهدمة.. أبرز معالم المدينة بعد خروج التنظيم.. وأكبر الخسائر تدمير المئذنة الحدباء وجامع النوري الكبير
أكوام من الحطام ودماء أغرقت المبانى، وجثث متحللة فى الطرقات، وآثار مدمرة، وطرقات مهدمة، هنا الموصل بعد ثلاثة أعوام من سيطرة «داعش» الإرهابي عليها، وهذه المشاهد كثيرة، لا سيما فى أجزاء المدينة القديمة التى قام فيها تنظيم «داعش» الإرهابى بآخر محاولة للمقاومة فى الموصل.
ووفق لقطات الفيديو والصور التى بثتها الشبكات والصحف الدولية بعد دحر التنظيم الإرهابي، تعثرت أقدام الجنود في الحجارة وحديد التسليح وشرائح الألومنيوم، وهم يمرون عبر الحارات الضيقة والمنازل المهجورة فى الحى القديم أثناء تفقدهم أحدث مكاسب الجيش فى حين واصل زملاؤهم القتال فى مكان قريب، وتمددت جثث القتلى المحترقة وسط الأنقاض وأغلبها مغطى ببطاطين، تظهر يد رجل من تحت الغطاء وتخرج قدمان مغبرتان لجثة أخرى من تحت غطاء آخر، كان واضحا أن بعض الجثث لمقاتلين والبعض الآخر كان فيما يبدو لمدنيين ومنهم امرأة وطفل.
ومع نهاية الهجوم الذى بدأ قبل نحو تسعة أشهر لاستعادة الموصل، كانت المدينة القديمة من أكثر المناطق التى تضررت من حرب ضروس من منزل إلى آخر مدعومة بضربات جوية ونيران مدفعية وأسلحة ثقيلة لإخراج الإرهابيين الذين يقاومون بهجمات انتحارية وتفجير قنابل.
وكان الحى المطل على النهر الذى يرجع تاريخ مساجده وكنائسه وأسواقه إلى العصور الوسطى، وربما ما قبلها يعاني الإهمال قبل أن يسيطر عليه «داعش» الإرهابي عام ٢٠١٤؛ حيث فجر المتشددون العديد من معالمه، ومن أشهرها المئذنة الحدباء وجامع النوري الكبير الذي أعلن منه أبوبكر البغدادي، زعيم التنظيم المتشدد، «دولة خلافة» مزعومة قبل ثلاث سنوات.
وقبل لحظات من وصول العبادى إلى الموصل، الأحد الماضى، استهدف نحو ست ضربات جوية آخر جيب تجمع فيه الإرهابيون فى المدينة. وتسببت الانفجارات فى تطاير شظايا كل شيء بما فى ذلك راية الدولة الإسلامية على ما يبدو، واستمرت أصوات التفجيرات المختلطة بدوي إطلاق النار المتقطع اليوم الاثنين فى حين كان العبادى مجتمعا مع المسئولين.
إلى ذلك، مر الجنود الذين يمشطون الأنقاض من حفرة فى جدار مبنى كشفت عن غرفة معيشة سليمة نسبيا بها مقاعد عليها وسائد وأريكة يغطيها التراب.
 وكانت غرفة أخرى صغيرة تضم حشايا من الفلين وبقايا أطعمة متناثرة مما يعنى أن متشددين متقهقرين أو جنودا متقدمين كانوا يسكنونها حديثا أو ربما سكنها هؤلاء وأولئك فى تتابع سريع.
ومر الجنود على مدرسة ابتدائية محترقة وملعب مفتوح لكرة السلة؛ حيث كتب على أحد الجدران «النظافة من الإيمان»، وكانت جرافة تزيل الأنقاض بالفعل من مكان قريب، وفى جزء آخر من المدينة القديمة يضم شوارع أوسع ومبانى أعلى انتشر أفراد الشرطة الاتحادية تحت سماء مقمرة.
وتناثرت البضائع أمام واجهات المتاجر، وانهار مجمع تجارى من ستة طوابق وانفصل مبنى سكنى عن أساساته ومال على جانبه.
وعرضت الشرطة سترات ناسفة عثرت عليها بجوار متشددين قالت إنهم من أصول آسيوية.
وقالت إنه ما زال يتعين عليها تطهير أنفاق تحت المدينة القديمة لضمان ألا يكون مقاتلو الدولة الإسلامية مختبئين بداخلها.
وتقول الأمم المتحدة إن بعض أحياء الموصل لم يتضرر بشدة من المعركة، لكن نحو ثلث المنطقة الغربية لحق به أضرار ضخمة، وتفيد تقديراتها بأن مجرد إصلاح الخدمات الأساسية بالمدينة بأكملها قد يحتاج إلى أكثر من مليار دولار ويستغرق ما يزيد على عام، ولكن على أرض الواقع يقول مسئولون عسكريون إن التنظيم المتشدد شكل خلايا نائمة فى مختلف أرجاء المدينة، وإنهم يعملون لمنع موجة جديدة من الهجمات مع تحول التنظيم للعمل السرى.

جماعات المراقبة تقدر العدد بالآلاف
603 قتلى مدنيين في 22 ألف ضربة لـ«التحالف» بالعراق وسوريا
يقدر عدد المقاتلين المنضوين تحت رايات الحشد الشعبي بأكثر من ستين ألفًا، 35 ألفًا منهم يشكلون قوام القوة البالغ عددها 100 ألف مسلح التى خاضت معركة تحرير الموصل أخيرا
فى أحدث تقارير للتحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الجمعة الماضية بشأن القتلى المدنيين فى سوريا والعراق بسبب غارات التحالف، ذكر أن ما لا يقل عن ٦٠٠ مدنى قتلوا فى ضربات للتحالف بالعراق وسوريا منذ بداية الحملة فى ٢٠١٤.
والتقدير الذى جاء فى تقرير شهري، قال إن ضربات التحالف قتلت دون قصد ما لا يقل عن ٦٠٣ مدنيين فى الفترة من أغسطس ٢٠١٤ إلى مايو ٢٠١٧. وهذه التقديرات أقل كثيرا عن أرقام جماعات المراقبة، حيث تقول جماعة «أيرورز» للمراقبة إن الضربات الجوية للتحالف قتلت إجمالا ما لا يقل عن ٤٣٥٤ مدنيًا.
وشمل تقرير التحالف الجديد واقعة جرت يوم ١٧ أبريل قرب مدينة البوكمال السورية قتل فيها ٢٥ مدنيا وأصيب ٤٠ آخرون خلال ضربة على مقر لتنظيم داعش الإرهابي سبب انفجارًا ثانويًا فى مبنى مجاور. 
وقال التقرير إن التحالف نفذ نحو ٢٢ ألف ضربة منذ بداية الحملة على داعش الإرهابى وتلقى ٧٢٧ تقريرًا عن احتمال سقوط قتلى من المدنيين.
ويقول التحالف، الذى يقاتل من أجل هزيمة داعش فى العراق وسوريا، إنه يبذل أقصى جهد لتجنب إسقاط قتلى من المدنيين.