السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مؤمن سمير يكتب: أيها الناقد النجم.. وداعًا

مؤمن سمير
مؤمن سمير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لفتراتٍ زمنيةٍ طويلة كان السائد والمعتاد في مصر أن معيار نجاح العمل الأدبي والمؤشر الأخطر والأكثر صدقية على تميزه وتجاوزه للسائد وعلى إبداع كاتبه هو تقدير النقاد للعمل وكتابتهم عنه. 
فبمقالة من ناقد كبير تصبح مبدعًا حقيقيًّا حاصلًا على صك الاعتراف والقبول في الوسط الأدبي، كواحدٍ من أهل الدار ولست من العابرين الدخلاء، حيث سيتبارى نقاد آخرون ثقةً في الناقد وتقديرًا كذلك للفته الانتباه لهذا العمل، في الثناء على إبداعك الاستثنائي وفي الدعوة لانتظار تجديد الأدب العربي على يديك!.. وعلى العكس من ذلك يمكن بتجاهل متعمد من النقاد– نابع من موقف أيديولوجي ربما وليس نقديًّا وأدبيًّا بالضرورة- أن تُنسَى ويُنسَى إبداعك وتتوه في الزحام.. حتى جاء السبعينيون بقصيدتهم الغاضبة والانقلابية فأفرزوا بكتابتهم عن تجارب بعضهم البعض حركةً نقدية تخصهم إما يأسًا من قدرة الذائقة الاعتيادية على التعاطي مع نصهم وربما كجزء مكمل ولازم لطرح ملامح ورؤى وأيديولوجيا جيل يتخلق.. ومن ساعتها تزحزحت مكانة الناقد واهتز بريقها وانتقل من مرحلة العارف والمبصر الأوحد والمرجو والهدف الواضح والمستتر في نفس المبدع، إلى مجرد قارئ يملك بعض الامتياز... ثم جاءت مرحلة تَقعَّر النقد فيها وأصبح النقاد يتسابقون في صنع قراءات للأعمال الأدبية تعج بالمصطلحات الملغزة والمبنية بطريقة هي أبعد ما تكون عن السلاسة والتفاعل مع النص وأقرب لمناقشة نظرية بحتة فإذا حذفت العمل المقروء،مثلًا، ووضعت غيره لن يختلف الأمر كثيرًا! هذه المرحلة تسيدت فيها مجلة "فصول" المشهد وتحوَّل الناقد معها إلى شخص غامض متعال لا يحتاج نصَّك بالذات وإنما أي نص سيؤدي الغرض، المهم هو عرض النظرية الحديثة والمنهج الجديد، بغض النظر عن مدى مناسبته لاتجاهات الكتابة أو مدى الإضافة التي يضيفها هذا الذي يعرض ويعرض ويعرض...أصبح الناقد مسلحًا بعلم يمكن أن يُنزله على العمل، نظرية جاهزة ممكن أن يملأ كل الفراغات عن طريقها، متخليًا عن أي شخصية وتوجه يخصّانه للتفريق والتمييز بين هذا وذاك.. ثم هلّت مرحلة التسعينيات وتساوق مع ظهور الجيل المبدع المرتبط بالتفاصيل وكتابة الجسد ونفي الأيديولوجيا.. إلخ، جيلٌ من النقاد الشباب كانوا أكثر مرونة وأكثر قربًا والتصاقًا بروح النص وأقلّ جفافًا وتقعرًا، وعاد الناقد والمبدع يمشيان في الأسواق متأبطين ذراعَيْ بعضهم البعض ومتفاعلين بصداقة تقوم على الندية وتقدير كل طرف لطبيعة وحركية دور الطرف الآخر.. والآن وبعد الثورة المعرفية التي تغطي السماء والأرض والتي لا تحتاج إلى شخص مسلّح بدراسة أكاديمية بالذات وفقط، كي يتمكن من الإحاطة بأحدث نظريات تشريح وقراءة وتلقّي العمل الأدبي، صارت القراءات النقدية تملأ الدوريات بأقلام الجميع، المثقف والمبدع والأكاديمي، وأحيانًا لا تستطيع التفرقة بينهم فالمعيار هو أن يحب قارئٌ ما– أيًّا كان-عملًا ما، فيبدأ باقتراح بعض المفاتيح التي قد تنجح أو لا تنجح في التعاطي والتواصل.. لقد قتلت النظريات والفلسفات الجديدة فكرة اليقين وفكرة استئثار جهة ما أو شخص ما بالمعرفة وأزالت بالأحرى فكرة أن تفسيرًا بالذات هو الصالح الوحيد أو الصحيح والمعتبر.