الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"محمد وزاني".. المدرسة الإسلامية الوحيدة لتحفيظ القرآن في إسبانيا.. تفتح أبوابها عقب صلاة الفجر.. يدرس بها 250 طالبًا.. تنشر صحيح الدين.. واهتمام خاص بمواجهة الأفكار المتطرفة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعتبر دور تحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية، واحدة من أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها المسلمون في التنشئة الصحيحة لأبنائهم منذ القدم.
والمدرسة الدينية هي إرث إسلامي قديم، حيث يفد إليها الأطفال منذ سن صغيرة لتعلم القراءة والكتابة، وتلاوة القرآن الكريم وحفظه وإدراك معانيه.
مدرسة "محمد وزاني"
وفي السطور التالية، نستعرض وضع المدارس الدينية الإسلامية في إسبانيا بصفة خاصة، والتي يبلغ عدد المسلمين بها حوالي 2 مليون، بما يمثل 4% من إجمالي عدد السكان- سوى مدرسة دينية واحدة فقط في بلدة "كونسي" بجزيرة "ميورقة"، وتسمى "محمد وزاني"، نسبة إلى مؤسسها.
وتهدف هذه الدار فضلًا عن محاربة مشاكل الهُوِيَّة للمجتمع الإسلامي المتنامي هناك إلى توضيح مخاطر التطرف، وأن الإسلام بعيدٌ كلَّ البعد عن صورة الإرهاب المقيتة.
وتقع المدرسة في عقار ضخم بعيد عن التكتلات السكانية والضوضاء بين خضرة الأشجار على أطراف البلدة، وتسمى "محمد وزاني" نسبة لمؤسسها.
احتياج حقيقي لفهم وتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم
وأوضح أحد العاملين في هذه المدرسة، ويُدعى "بشير سالبا"، أن "داعش" وأمثاله قد خرّبوا عقول العديد من الشباب بأفكارهم المتطرفة وأعمالهم التخريبية.
وذَكَرَ أنه قبل قدوم التنظيم إلى سوريا على سبيل المثال كانت واحة للسلام، ومن أفضل البلدان عالميًّا في تعلّم اللغة العربية ودراسة القرآن الكريم، وكان المسلمون يفدون إليها من أوساط أوروبا لتلقي العلوم الدينية.
جاء تأسيس هذه المدرسة تلبية لاحتياج حقيقي لفهم وتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم.
وقال "بشير": "إن أعداد المسلمين الكبيرة في فرنسا وإنجلترا مكّنتهم من وجود مدارس إسلامية ذات مناهج رسمية معتمدة عكس ما هو موجود في إسبانيا، ونطالب بتنفيذ مثل هذه المناهج هنا أيضًا.. المساجد تُستخدم كمراكز ثقافية فقط وليست تعليمية".
وأضاف أن المسلمين يتعرضون لبعض المشاكل أحيانًا، حيث هناك من يرفض اعتبارهم إسبانيين أو مَن يقول: إنهم غير قادرين على الاندماج والتعايش مع بقية أفراد المجتمع.
وذكر أن أول وفد قدم لهذه المدرسة كان من مدينتي "إشبيلية" و"غرناطة" من خلال مجموعة من الشباب في سن السادسةَ عشرَة كبدايةٍ لهذا المشروع التعليمي.
تأسيس المدرسة
تم تأسيس المدرسة عام 2000 وافتُتحت في العام ذاته تحت رعاية الشيخ "محمد وزاني" أحد أئمة مدينة "مليلية" لتصبح بذلك أول مدرسة دينية إسلامية في إسبانيا، وإحدى المدارس القليلة من هذا النوع في أوروبا ككل.
وقدم إلى هذه المدرسة إلى الآن حوالي 250 طالبًا طيلة عَقْدٍ ونصف أغلبهم من الأوروبيين والأمريكيين، وهناك مشروع لإنشاء مدرسة مشابهة في المكسيك على يد أحد خريجي هذه المدرسة وهو الشيخ "أحمد بيرميخو" المتخرج من هذه المدرسة ضمن الوافدين إليها من "غرناطة"؛ وذلك بهدف وقف تمدد التيار السلفي المتشدد في المكسيك.
وانبثقت فكرة إنشاء هذه المدرسة من الأساس لاسترجاع حفظ القرآن الكريم وترتيله بطريقة "وَرْش"؛ مّا يُقوّي طريقة العمل الجماعية لدعم روح الفريق في العمل.
النظام التعليمي للمدرسة
أما عن نظام عمل المدرسة اليومي فيبدأ بعد صلاة الفجر تتخلله بعض الدروس والواجبات والراحات وتناول الطعام حتى غروب الشمس.
ولا يقتصر اليوم الدراسي على تلقي العلم فقط بل هناك عدد من الأنشطة والواجبات التي يُكلّف بها الأولاد من أجل إنجازها كالأعمال المنزلية والطبخ والاهتمام بالحديقة وجمع الثمار وغير ذلك من الأنشطة الجانبية، كما أن الطلاب يعيشون في حالة اتصال مستمر مع الطبيعة لإدراك كمال خلق الله.
وعن النظام التعليمي للمدرسة، يتم تخصيص الأشهر الثلاثة الأولى لتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية؛ لأن أغلب من يفدون إلى المدرسة لا يعرفونها، ثم يتم تقريبهم إلى تعلم القرآن الكريم، حيث يقوم المعلم بإملاء عدد من الآيات على الطلاب بشكل منفصل على ألواح خشبية، وبعد ذلك يردد الأطفال هذه الآيات المكتوبة على الألواح في غرفهم حتى يصلوا إلى درجة حفظها بإتقان دون أخطاء، ومن ثم يمحونها من على هذه الألواح ويكتبون آياتٍ أخرى جديدة لهم من أجل استذكارها.
لا يأتي الكثير من الوافدين بغرض التعلم فقط، بل ينزع أغلبهم إلى اتخاذ نظام المبيت هدفًا لاكتساب خبرة التعايش والاندماج مع الآخر دون أي اعتبار للمدى الزمني الذي يقضيه، وفي الغالب لا يستمر ذلك فوق ثلاثة أشهر، بينما يأمُل البعض الآخر منهم أن يصبح أئمة.
 قراءة القرآن الكريم بـ"التجويد"
هنا يتدارس الطلاب خلال فترة وجودهم بالمدرسة قراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة وَفقًا لأحكام التجويد، وكذلك تفسيره ومعرفة شرائعه وأحكامه الفقهية.
كما تُدرّس اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى العربية والمعتبرة لغة أساسية، وكذلك يتم تعليم الإسبانية لغير الإسبان من الوافدين من بلدان أوروبية أخرى أو من أمريكا.
ومن المهارات الأخرى التي يتم تعليمها للطلاب معرفة أنواع النباتات وتعلم ركوب الخيل ومعرفة الدول الرئيسة ذات الطاقة المتجددة وغيرها من بعض المعارف العامة.
وتنتهى الدورة المنعقدة في المدرسة من خلال جولة تستمر لمدة أسبوع يقوم فيها الشباب بالتعرّف على الطبيعة في جوٍّ من الصداقة والتعايش بين مختلِف الأفراد الذين يمثلون مختلف الثقافات.
وتُعتبر مثل هذه المشروعات والمبادرات التعليمية الدينية مهمة للغاية ليس فقط على المستوى التعليمي، لكن على المستوى الأمني أيضًا، حيث تُسهم في إخراج جيل من الشباب المسلم الناشئ على القيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة السمحة من خلال نصوص وتعاليم القرآن الكريم والبعيدة كل البعد عن الأفكار المتطرفة والتضليل المنهجي، الأمر الذي يمكن أن يحدث في بعض البلدان الأخرى.
استقاء المعلومات الدينية الصحيحة
ويرى "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" أنه يجب أن تسعى السلطات المحلية إلى إدراج المناهج التعليمية لهذه المدرسة تحت المناهج الرسمية المعتمدة.
وبات من الواضح النشاط الجيد الذي تقوم به والذي يؤدى- بلا شك- مهمة رئيسة في مكافحة خطاب التطرف والكراهية، وتقوم هذه المدرسة بدور عظيم في توجيه فكر الشباب الذين أصبح الكثيرون منهم بعيدين عن التعاليم الإسلامية الصحيحة، ويستقون معلوماتِهم الدينيةَ عن طريق الإنترنت وهو أمرٌ في غاية الخطورة؛ لأنهم بذلك يصبحون صيدًا سهلًا لأصحاب النيات السيئة والفكر المضلل.