الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الهجرة غير الشرعية.. "ادفع علشان تموت"

الهجرة غير الشرعية
الهجرة غير الشرعية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشرف على الملف: أشرف أمين
إعداد: أحمد سليمان ومحمد حميد ومروة أبوزاهر وريهام الشريف وأيمن عبدالعزيز وفاطمة جابر ومحمد الجندى وأحمد عبدالخالق وإسلام الخياط وأحمد مهنا ورامى القناوى وأحمد أبوالقاسم

محمد ابن العشرين عامًا، بعد أن ضاق به الرزق فى قريته الصغيرة بمحافظة كفر الشيخ، جلس مع أصدقائه يفكر فى الأمر، ليقترح عليه أحدهم أن يذهب لإحدي دول أوروبا، وبالتحديد إيطاليا، للعمل هناك. اقتنع محمد بالفكرة، وجمع مبلغا من المال واستدان هو وأسرته ليحقق حلمه ويتفق هو وأصدقاؤه مع أحد السماسرة الكبار فى بلدته، ليتمكن من الهروب عبر الدروب إلى ليبيا وبعد ذلك الانتقال إلى أوروبا.
وفى الموعد المحدد تحرك الجميع إلى الدروب بين الجبال وفى الصحراء الشاسعة، وانطلقوا فى محاولة للخروج من ضيق الرزق الذى أصابهم باليأس والكفر بالوطن.
وانطلق الشباب عبر أحد الأدلة من الأعراب، والذى اختفى بعد أن وصف لهم أحد الممرات لكى يسيروا فيها، وبعد أن ظلوا يمشون لمدة طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، أيقنوا أنهم أصبحوا تائهين، وأن الموت ينتظرهم جوعا وعطشا، وزملاؤه يتساقطون واحدا تلو الآخر أمواتًا بجواره ولا يستطيع أن يفعل لهم شيئا.
وتذكر محمد أسرته، ووالده الفلاح العجوز وهو يعمل فى الأرض، وشقيقته حبيبة التى ستتزوج بعد عدة شهور، ووالدته وهى تجلس تصنع الخبز لهم كل صباح.
ولكن الشمس الحارقة لم ترحمه، وتمكن الجوع والعطش منه، حتى صرخ بأعلى صوته، ليسقط وتغطيه الرمال والجثث من حوله، وظل يصرخ حتى لفظ أنفاسه الأخيرة مستسلمًا للموت فى الصحراء.

القانون عاجز عن مواجهة رحلات الموت
رغم موافقة مجلس النواب على قانون الهجرة غير الشرعية فى أكتوبر الماضي، لم تنته الظاهرة، برغم تشديد العقوبات فى القانون الجديد.
حيث نص القانون على أن يعاقب الجانى بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مائتى ألف جنيه، فى حالة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بواسطة جماعة إجرامية منظمة، أو تنفيذًا لغرض إرهابي، أو نتج عنها وفاة المهاجر أو إصابته بعاهة مستديمة، أو إذا قام الجانى باستخدام القوة أو العنف أو الأسلحة أو العقاقير، أو إذا كان من بين المهاجرين نساء أو أطفال، أو إذا استولى على وثائق سفر أو هوية المهاجر أو تدميرها.
ونص القانون على أن تكون العقوبة بالسجن المشدد وغرامة لا تقل عن ٢٠٠ ألف جنيه ولا تتجاوز ٥٠٠ ألف جنيه، إذا كان الجانى قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضمًا لها، أو إذا كان الجانى يحمل سلاحًا، أو موظفًا عامًا، أو تعدد الجناة، أو تم تهديد حياة أو صحة من يجرى تهريبهم أو يمثل معاملة غير إنسانية أو مهينة، أو تم استخدام امرأة أو طفل أو وثائق مزيفة.
وقدمت المادة الأولى للقانون تعريفًا للجريمة، بأنها جريمة تهريب المهاجرين غير الشرعيين التى ارتكبت فى أكثر من دولة، أو ارتكبت فى دولة واحدة وتم الإعداد أو التخطيط لها أو التوجيه أو الإشراف عليها أو تمويلها فى دولة أخرى أو بواسطتها، أو ارتكبت فى دولة واحدة عن طريق جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية فى أكثر من دولة، أو ارتكبت فى دولة واحدة، وكانت لها آثار فى دولة أخرى، كما عرفت المادة تهريب المهاجرين بأنه تدبير انتقال شخص أو أشخاص بطريقة غير مشروعة من أو إلى دولة من أجل الحصول بصورة مباشرة أو غير مباشرة على منفعة مادية أو معنوية.
تعاون قضائى دولي
ونظم الفصل الثالث من القانون، التعاون القضائى الدولى لمكافحة التهريب، حيث تلزم المادة ٢٠ الجهات القضائية والأمنية بمكافحة أنشطة وجرائم التهريب، كل فى حدود اختصاصه، مع نظيرتها الأجنبية من خلال تبادل المعلومات والمساعدات، وتجيز المادة ٢٢ للجهات القضائية المصرية المختصة أن تأمر بتنفيذ الأحكام الجنائية النهائية الصادرة من الجهات القضائية الأجنبية المختصة بضبط أو تجميد أو مصادرة أو استرداد الأموال المتحصلة من جرائم تهريب المهاجرين وعائداتها، وذلك وفق النصوص التى تتضمنها الاتفاقيات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف النافذة فى مصر.

تدابير الحماية
ونظم الفصل الخامس تدابير الحماية والمساعدة للمهاجرين غير الشرعيين، حيث تلزم المادة ٢٥ الدولة بـتوفير التدابير المناسبة لحماية حقوق المهاجرين المهربين كحقهم فى الحياة والمعاملة الإنسانية والرعاية الصحية والسلامة الجسدية والمعنوية والنفسية والحفاظ على حرمتهم الشخصية وتبصيرهم بحقوقهم فى المساعدة القانونية، مع إيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال وتلزم المادة ٢٧ وزارة الخارجية بالتنسيق مع السلطات الأجنبية لتسهيل الإعادة الآمنة للمهاجرين المهربين إلى بلادهم، فيما تمنح المادة ٢٦ المهاجر غير الشرعى طلب الاتصال بالممثل الدبلوماسى أو القنصلى لدولته وإعلامه بوضعه لتلقى المساعدات الممكنة.
قال اللواء حسن محمد السيد، عضو مجلس النواب، إن ما يحدث فى ملف الهجرة غير الشرعية مأساة يندى لها الجبين، مشيرا إلى أن صور الجثث التى وجدت فى صحراء ليبيا فظيعة، مضيفا أن الآباء الذين يرون أبناءهم غير قادرين على العثور على فرصة عمل، يسعون لدى «تجار بشر» كما يسميهم، ويعطونهم أموالًا لإخراج الأبناء بطريقة غير مشروعة من البلاد فى مراكب خردة، وهم يدركون فى قرارة أنفسهم أن هؤلاء الأبناء ربما ينتهون إلى الغرق فى مياه البحر بنسبة كبيرة.
وأكد عدد من أعضاء مجلس النواب، أن قانون الهجرة غير الشرعية، الذى تقدمت به الحكومة للبرلمان وتم إقراره فى شهر أكتوبر الماضي، عجز عن مواجهة الأزمة التى ارتفعت معدلاتها خلال الفترة الماضية، مؤكدين أن الحكومة هى المسئولة عن ارتفاع تلك المعدلات بسبب عدم تفعيل القانون بالشكل الأمثل. 
وقالت النائبة مارجريت عازر، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن الحكومة هى المسئولة عن عدم تفعيل القوانين التى يقرها البرلمان ويصدق عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي، موضحة أن البرلمان ينتهى دوره عقب إقرار القانون ودوره يتمثل فى متابعة طريقة تفعيله.
وأضافت عازر، لـ«البوابة»، أن أعضاء مجلس النواب يقومون باستخدام أدواتهم الرقابية من استجوابات وطلبات إحاطة وبيانات عاجلة، لمحاسبة الحكومة فى وجود أى تقصير من جانبهم، مؤكدة أن هناك إجراءات احترازية لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التى ارتفعت معدلاتها خلال السنوات الماضية بشكل غير مسبوق.

فيما قال النائب محمد الغول، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن التشريع ليس عبارة عن مجموعة كلمات تترجم إلى قانون، مؤكدا أن تفعيل القانون أهم من وجوده نفسه، لافتًا إلى أن اللجنة تلقت عدة بلاغات بالاختفاء القسرى متهمين وزارة الداخلية باختفائهم، ولكن سرعان ما نجد المبلغ عنهم ضمن الجماعات الإرهابية والتكفيرية فى عدد من الدول المجاورة، والذين خرجوا بطرق غير شرعية ليتم استقطابهم من قبل تلك الجماعات.
وأضاف الغول، أن الوزارات المعنية لديها إحصائية بالقرى والمحافظات والنجوع التى بها ارتفاع واضح لنسبة المهاجرين بالطرق غير الشرعية، مؤكدًا على ضرورة إيجاد حلول بديلة للسيطرة على تلك الظاهرة فى أقرب وقت.

بينما أكد النائب أمين مسعود، عضو مجلس النواب، أن قانون الهجرة غير الشرعية يساهم فى مواجهة تلك الأزمة بشكل كبير، لما يتضمنه من عقوبات قاسية لكل من يتورط فى تلك الجرائم، لافتًا إلى أن القانون يقف فى صف المهاجر ولا يتضمن عقوبة واحدة له فى حاله القبض عليه. 
وأضاف مسعود، أنه إذا طبق هذا القانون بشكل فعال، فإنه سيقضى على سماسرة الهجرة فى وقت قريب، ولكنه لن يقضى على وجود تلك الظاهرة، مشددًا على ضرورة فتح حوار مجتمعى لعرض خطورة الأمر على المواطنين.

فيما قال اللواء أحمد العوضي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، إن قانون الهجرة غير الشرعية الذى وافق عليه المجلس لم يمنع الناس من اللجوء للهجرة إلى خارج حدود البلاد عبر الطرق غير الشرعية، والذين للأسف يبحثون عن مصدر الرزق والأحلام الوردية والغناء الفاحش، وفى النهاية يموتون غرقا.
ولفت عضو لجنة الأمن القومي، إلى أن القوانين الدولية الموقعة بشأن الهجرة غير الشرعية لا تفرض عقوبات على المهاجر نفسه، ما يؤدى إلى تشجيع الراغبين فى السفر على محاولة الهجرة بطريقة غير شرعية، مشدّدًا على أهمية أن تؤدى وزارة الخارجية دورها وتطالب بتوقيع عقوبة على المهاجر أيضا.
ودعا العوضي الدول الأوروبية للتعاون مع مصر تحديدا فى مجال التنمية لمكافحة الهجرة غير الشرعية عبر خلق فرص عمل تؤمن حياة لأولئك الشباب، وكذلك الدول الإفريقية التى تعانى من الفقر وانعدام فرص العمل وتكون مصر بالنسبة لها دولة معبر وبالتالى تمنعهم من اللجوء للبحر.
وفى السياق ذاته قالت النائبة غادة عجمي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، إن البرلمان قام بدوره وأصدر قانون الهجرة غير الشرعية، والآن جاء دور الحكومة فى تنفيذ القانون، مؤكدة أن هناك العديد من الوزارات التي تقع عليها المسئولية الكاملة فى تطبيقه مثل وزارة الخارجية، ووزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، ووزارة الداخلية، والإدارة العامة لجرائم الأموال العامة، وهى الجهات المعنية بجرائم عصابات الهجرة غير الشرعية.
وأكدت عجمي، أنه يجب على الدولة أن تقوم بتوفير منظومة متكاملة للشباب للسيطرة على ظاهرة الهجرة غير الشرعية سواء عن طريق توفير القروض، أو وظائف بمرتبات مجزية، أو مساندتهم فى المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، مضيفة أن الظروف الاقتصادية هى السبب فى ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية. 
بينما أكد النائب كمال أحمد، أن قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية ضرورى، لكنه ليس كافيا بمفرده لوقف الظاهرة، لافتًا إلى أن سبب الهجرة غير الشرعية هو الإهمال الذى يعانيه المواطن فى الريف والمناطق البعيدة عن القاهرة، والدليل على ذلك أن معظم المهاجرين من محافظات ومدن ريفية.
وأضاف كمال، أن من مزايا وجود القانون أنه حمل الدولة مسئولية الهجرة غير الشرعية، كونها هى المنوط بها مراقبة الحدود ومعالجة الأسباب الطاردة لأبنائنا، مضيفًا أن من عيوب القانون أنه أغفل النص على عقوبة ولى أمر «القاصر» إذا ثبت ضلوعه فى تسهيل الهجرة غير الشرعية للطفل المهرب.

460 ألفًا تسللوا إلى أوروبا خلال 10 أعوام 
قدرت إحصائية وزارة القوى العاملة والهجرة، حجم الشباب المصرى الذى تسلل لأوروبا عبر الهجرة غير الشرعية، وتمكن من دخول الدول الأوروبية خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو ٤٦٠ ألف شاب، منهم ٩٠ ألفًا فى إيطاليا بشكل غير شرعي.
إحصائيات دولية
وكشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة، أنه منذ يناير الماضى وحتى أوائل يوليو الحالي، وصل أكثر من ٨٥ ألف مهاجر إلى إيطاليا، ووصل ٩٢٩٠ إلى اليونان و٦٥٠٠ إلى إسبانيا. 
وقدر تقرير صادر عن البنك الدولى خلال عام ٢٠١٦، حجم المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا إلى دول الاتحاد الأوروبى بنحو مليون ونصف المليون شخص، كما أن أكثر من ١١ ألفًا و٤١١ مهاجرًا غير شرعى ماتوا على سواحل أوروبا، منهم ٨٧٠ فُقدوا فى البحر، و٧ آلاف و٥٤١ مهاجرًا ماتوا على رمال الشواطئ الإسبانية، خلال الـ ١٠ سنوات الأخيرة وفقا لإحصاءات البنك الدولي. 
وبحسب البنك الدولي، فإن المهاجرين أرسلوا لذويهم فى بلدانهم الأصلية ما مجموعه ٦٠٠ مليار دولار، بينها ٤٤١ مليار دولار كانت من نصيب الدول النامية، كما أكد التقرير أن المهربين من إفريقيا إلى أوروبا يجنون نحو ٦.٨ مليار دولار سنويًا نظير عمليات التهريب. 
ولفت التقرير إلى أن ألمانيا تحتل صدارة الدول الجاذبة للهجرة، لأنها تمتلك وظائف شاغرة بمعدل ٢.٩٪ من الوظائف الإجمالية، وفقًا لأحدث أرقام الاتحاد الأوروبى وتأتى المملكة المتحدة فى المرتبة الثانية بين الاقتصاديات الكبرى فى الاتحاد الأوروبى بمعدل وظائف شاغرة تبلغ ٢.٤٪، وتأتى بعدها إيطاليا بمعدل ٠.٧٪ ثم فرنسا بمعدل ٠.٦٪.
قانون ورقابة
وقد عمدت الحكومة المصرية خلال العامين الأخيرين إلى مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية من خلال سن بعض القوانين وإحكام الرقابة على المطارات والموانئ، حيث تم سن مشروع قانون لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب اللاجئين، ويعّد القانون بعد إقراره من مجلس النواب الأداة التشريعية الرادعة للمجرمين الذين يتاجرون بأرواح الشباب من خلال الهجرة غير الشرعية أن يُعاقب بالسجن أو بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه، كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط فى ذلك.
فضلًا عن عقوبة السجن المُشدد وغرامة لا تقل عن مائتى ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه.
من جانبها، قالت السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار فى البشر: إن اللجنة قامت بحملات توعية لمواجهة الهجرة غير الشرعية والتعريف بالحلول البديلة التى تُمكّن الشباب المصرى من عيش حياة كريمة، وأضافت أن اللجنة وقعت بروتوكول تعاون مع بريطانيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية، يشمل تدريب العاملين بوزارات «العدل ـ التضامن ـ الداخلية» ومنظمات حقوق الإنسان علي طرق مواجهة الهجرة غير الشرعية.

تعديلات قانونية لتغليظ عقوبة تهريب الشباب خارج مصر
تفاقمت الهجرة غير الشرعية خلال السنوات الأخيرة، مخلفةً وراءها كمًا هائلًا من الضحايا، لا سيما من الفئات الشبابية، وما بين ضيق ذات اليد وتناقص الوعى المجتمعى، وعجز الأجهزة المعنية عن إيجاد حلول جذرية لها، يخاطر الشباب بالسفر علي مراكب الموت بحثا عن لقمة العيش حال نجاحه فى الوصول إلى الشاطئ الآخر.
خبراء القانون أكدوا أن القانون وحده لا يكفى للحد من الهجرة غير الشرعية، وإن كان عاملًا مهمًا، وأشاروا إلى ضرورة العمل على توفير فرص عمل للشباب وزيادة الوعى المجتمعى لدى الشباب بخطورة المغامرة بالسفر عبر الطرق غير الشرعية.
باستطلاع رأى المحامى شوكت عزالدين، أفاد بأنه قبل البحث عن حلول للحد من الهجرة غير الشرعية، ينبغى قبل كل شىء البحث عن دافع الشباب للهجرة، والتى عادةً ما تتمثل فى البحث عن الرزق والعمل. ويضيف قائلًا إنه على الجهة التشريعية سن قوانين رادعة لمنع تكرار تلك الظاهرة، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة توفير فرص العمل المناسبة للشباب لسد حاجتهم المادية والمعيشية داخل بلادهم، بدلًا من التفكير فى الهجرة بطريقة غير شرعية ومخالفة للقوانين.
بدوره انتقد المحامى إسماعيل بركة، ما أسماه بالردع القانونى الضعيف تجاه تلك الظاهرة، قائلًا إن القانون لم يوفر ردعًا للمخالفين بالشكل الكافى، كما أن الجريمة فى تلك الحالة تقع على عاتق المجنى عليه، وتنقضى فى حالة وفاته، وإذا ما تعرض لعاهة تصبح مسئولية الدولة.
وطالب «بركة» بضرورة إدخال تعديلات دستورية وقانونية، للتغليظ من عقوبة الشروع فى الهجرة غير الشرعية، قائلًا إن التصدى لتلك الظاهرة يبدأ من التأمين المحكم لحدود البلاد، إلى جانب وسائل الإعلام التى يقع على عاتقها نشر الوعى بين فئات المجتمع بخطورة تلك الظاهرة، خصوصًا بين الشباب الذى يعرض حياته للخطر.
واتفق معه فى الرأى المحامى طاهر أبوالنصر، الذى أشار إلى ضرورة الرجوع إلى خبراء لتحليل تلك الظاهرة وأسبابها ووضع طرق لعلاجها، مؤكدا أن الأمر لا يقتصر فقط على التشريع وسن القوانين، ولكن يمتد إلى دور الدولة فى حماية الشباب وتوعيتهم بالشكل الأمثل.

«مكرم»: خطة استراتيجية للتوعية بالمخاطر
قالت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين فى الخارج، إن قضية الهجرة غير الشرعية تأتى على رأس أولويات الوزارة، وهناك خطة استراتيجية طويلة المدى تم وضعها للتصدى لهذه القضية ومحاصرة تداعياتها، من خلال حملة كبرى لنشر التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية خاصة بين الشباب.
وأوضحت مكرم، أن الوزارة أطلقت حملة قومية كبرى لمكافحة هذه الظاهرة ومواجهة آثارها السلبية التى تهدد المجتمع ومخاطرها على الاقتصاد الوطنى تحت شعار «قبل ما تهاجر.. فكر وشاور»، وتعتمد على جميع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا»، بالإضافة إلى لقاءات التوعية المباشرة فى القرى الأكثر تصديرا للهجرة إلى خارج الوطن، وكتيبات التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وسبل الهجرة الآمنة، فضلا عن سلسلة من الإعلانات التليفزيونية والبرامج الإذاعية التى تكشف الوجه الخفى لتجار الموت تجار الهجرة غير الشرعية وعلاقتهم بشبكات الإرهاب وتجارة المخدرات والسلاح. 
وأضافت مكرم، أن الوزارة تعمل على أرض الواقع، وبدأت بالفعل تجنى بعض ثمار جهودها فى مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأوضحت أن الوزارة دربت ٤٠٠ شاب (٢٠٠ بمحافظة الفيوم و٢٠٠ بمحافظة الغربية)، وتم تكريمهم فى حفل كبير ومنحهم شهادات تقدير والأدوات التى يحتاجونها فى الأعمال التى تدربوا عليها، مشيرة إلى أن منهم من يعمل الآن، بما يعنى أننا نوفر لهم فرص العمل أيضًا وليس التدريب فقط.

البحيرة.. «رشيد» و«مغيزل».. رأس الحربة فى تصدير المصريين لأوروبا
اشتهرت محافظة البحيرة برحلات الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا، نظرًا لبعدها عن أنظار الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى موقعها ‏الجغرافى المتميز على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقربها من الدول الأوروبية وفى مقدمتها إيطاليا.
وتزايد سفر الشباب لدول أوروبا عن طريق السياحة و«كسر الفيزا» والعمل هناك فى مزارع العنب والمزارع السمكية، وكذلك فى مجال المعمار، حيث لجأ الشباب للطرق غير الشرعية بالهجرة عن طريق البحر فى بداية عام ٢٠٠٠ وبالاتفاق مع سماسرة الهجرة لتسفيرهم مقابل الحصول على مبلغ مالى يصل إلى ٣٠ ألف جنيه يقوم الشاب بدفع جزء منه، والتوقيع على إيصالات أمانة ويقوم بتسديدها فور وصوله إلى دول أوروبا. 
وتعد مدينتا رشيد وإدكو من أهم الأماكن التى استخدمها سماسرة الهجرة غير الشرعية فى تسفير المهاجرين عبر ساحل البحر المتوسط بعيدا عن أعين رجال حرس الحدود، عن طريق تخزين المهاجرين بالقرى والمناطق المجاورة للبحر انتظارا لميعاد الرحلة ووصول المركب لنقل المهاجرين علي مسافة ١٠ كيلومترات فى عرض البحر.
وتعد قرية برج رشيد بمحافظة البحيرة، إحدي أهم المناطق لانطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية فى السنوات الماضية، نظرا لوجودها على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة لعمل جميع مواطنيها بمهنة الصيد وقربها من بوغاز رشيد.
وكذلك برج مغيزل والجزيرة الخضراء بمحافظة كفر الشيخ، وهما من أهم القرى التى يسافر شبابها فى رحلات هجرة غير شرعية، حيث يتم تخزين المهاجرين بالمناطق والمزارع القريبة من ساحل البحر الأبيض المتوسط لتسهيل انتقالهم عبر مراكب الصيد الصغيرة للوصول إلى المركب المخصص للرحلة فى عرض البحر عن طريق نقلهم على مراحل متتالية حتى لا يلاحقهم رجال حرس الحدود. 
وتعد قرى العيون بمركز إيتاى البارود وكوم زمران بمركز الدلنجات وشابور وكفر مجاهد بمركز كوم حمادة، من أشهر القرى بمحافظة البحيرة المصدرة لأبنائها للهجرة غير الشرعية لدول إيطاليا واليونان لتحقيق الثراء السريع.
واكتسبت قرية كوم زمران التابعة لمركز الدلنجات، شهرة واسعة على مستوى محافظة البحيرة بل ذاع صيتها على مستوى المحافظات المعروف عنها سفر أبنائها بطرق غير شرعية.

مطروح.. 45 معبرًا للتسلل إلى ليبيا أشهرها «عقرب» وأخطرها «النصرانى» 
عندما تغلق أبواب الرزق وتضيق سبل البحث عن لقمة العيش، يضطر البعض إلى البحث عنها بكل السبل، ولو كان المقابل الحياة ذاتها، فى ما يشبه «الانتحار» أو البحث عن الحياة فى دروب الموت، فإما حياة وإما موت، ولا ثالث لهما.
الأمر يفسره ما تشهده الحدود المصرية الليبية فى الفترة الراهنة، من تزايد معدلات الهجرة «غير الشرعية» من خلالها بصورة كبيرة، رغم تدهور الأوضاع الأمنية بالأراضى الليبية، بحثا عن فرصة عمل بأجر مرتفع، تعويضا لما دفعوه من مبالغ مالية لسماسرة الهجرة غير الشرعية.
٣ قطاعات لتأمين الحدود الغربية
يحدث ذلك رغم قيام قواتنا المسلحة بتأمين حدودنا الغربية مع ليبيا، وهى مهمة تتولاها قيادة المنطقتين الغربية والجنوبية العسكريتين؛ حيث يبلغ طول الحدود الغربية نحو ١٠٥٠ كيلو مترًا من الشمال على ساحل البحر المتوسط غربى مدينة السلوم وحتى الحدود المصرية السودانية، عند التقاء خط طول ٢٥ شرقًا مع دائرة عرض ٢٢ شمالًا بمنطقة جبل العوينات، وتنقسم تقسيم عملية التأمين إلى ٣ قطاعات، الأول يمتد من ساحل البحر المتوسط وحتى منطقة واحة الجغبوب الليبية بطول ٢٠٠ كيلو متر، والثانى من الجغبوب إلى واحة سيوة المصرية بطول ٦٥ كيلو مترا، والثالث من سيوة حتى نقطة جبل العوينات بطول ٧٨٥ كيلو مترا، وهو القسم الأكثر صعوبة فى تأمينه بسبب طوله وحاجته إلى طائرات استطلاعية وتفتيشية بصورة متكررة، مما يشكل عبئا كبيرا على القوات المسلحة، خاصة فى الجزء المعروف بـ«المثلث الحدودى» بين مصر وليبيا والسودان.
وعادة ما تشهد تلك الحدود تشديدات واستنفارًا أمنيًا، خاصة مع وجود تهديدات من جانب الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، ويتركز التشديد الأمنى فى مدينة السلوم خاصة عند المنفذ البرى ومن ناحيتى الهضبة البحرية والقبلية من الهضبة التى تطل عليها المدينة.
٤٥ مسلكًا للوصول إلى ليبيا
ورغم تلك التشديد والإجراءات الأمنية؛ فإن المهربين وراغبى الهجرة غير الشرعية لا يعدمون الحلول، فهناك مساران عبر الحدود بين البلدين، الأول عن طريق البر من خلال الدروب الصحراوية والجبلية المنتشرة على طول الحدود الغربية، حيث يوجد نحو ٤٥ دربًا ومدقًا وواديًا صحراويًا على الحدود، تمتد من البحر المتوسط وحتى جنوب واحة سيوة بمسافة حوالى ٢٦٥ كيلو مترا، أبرزها اودية «رأس الجدى والقرن»، وعبرهما يتسلل المئات من الجانب المصرى إلى الجانب الليبى، بمساعدة بعض المتخصصين من البدو ممن لديهم خبرة كافية بتلك المسالك والدروب؛ حيث يتولون مهمة إرشاد هؤلاء المهاجرين نظير مبالغ مالية، أما الثانى فهو عن طريق البحر، وهو طريق يصعب التحكم فيه؛ لأنه يحتاج إلى متابعة من القوات البحرية بصفة مستديمة، خاصة منطقة «البردى» التى شهدت الكثير من حوادث الغرق.
«عقرب» أشهر الطرق.. و«النصرانى» أخطرها
أهم تلك الدروب والمدقات الجبلية والصحراوية التى يسلكها المهاجرون أو غيرهم من تجار المخدرات والسلاح تقع جنوب المنفذ البرى؛ حيث العديد من الأودية الجافة ذات الطبيعة الصخرية شبه الممهدة، مما يسهل حركة السير خلالها، ويقترب عددها من ١٠، أشهرها فى عمليات التسلل ٣ أودية هى: وادى الرمل، ووادى الماسورة، ومدق وادى عقرب وهو الأكثر استخداما من قبل هؤلاء، وتوجد أودية أخرى تنتشر جنوبى المنفذ لا تحمل أسماء، لكن يعرفها البعض ويحفظ مسالكها ذهابا وإيابا؛ حيث الوديان تنتشر أعلى هضبة السلوم الشاسعة المساحة، والتى ترتفع عن سطح الأرض نحو ٢٠٠ متر، ويسير فوقها خط الحدود الفاصل بين مصر وليبيا، كما يوجد مدقات أخرى جنوبى المنفذ شمال نقطة واعر على خط الحدود بين البلدين. إلى جانب ذلك، هناك فى الجانب الشرقى للمنفذ، أرض فضاء شاسعة يطلق عليها ملعب كرة القدم، تقع بالقرب من الحدود الليبية، إضافة إلى أودية كثيرة أكثرها شهرة: «نجاة، ميراد، الحطية، النصرانى»، التى تتميز بوعورة أرضيتها، وهذه الأودية يتراوح طولها بين ١٠ و١٥ كيلو مترا حتى حدود ليبيا.
«السلكاوى» خطر على أمن مصر القومى
من أخطر تلك الأودية المستخدمة فى التهريب وعبور المهاجرين غير الشرعيين وادى «السلكاوى»، وسمى كذلك نسبة إلى قيام المهرب أو المتسلل بقطع الأسلاك الشائكة المقامة على الحدود الغربية واجتيازها ودخول الأراضى الليبية، وعادة ما تستخدمه الجماعات الإرهابية هو وغيره من المدقات والدروب لتهريب شحنات السلاح الثقيل والخفيف والمخدرات.. إلخ، حيث شهدت مصر فى أعقاب الثورة الليبية دخول كميات كبيرة من الأسلحة خاصة الثقيلة والمدافع المضادة للطائرات من هذا المدق.
أخطار تهدد المهاجرين
أما المخاطر التى تواجه كل من يستخدم تلك الأودية والمدقات والدروب فهى متعددة، منها حقول الألغام التى زرعتها القوات المسلحة المصرية على حدودها مع ليبيا، لتأمين الخط الحدودى الفاصل بين البلدين من محاولات التسلل، أو التعرض لهجمات عدائية من الأراضى الليبية، خاصة بعد أن تم إعلان مدينة درنة إمارة إسلامية، مما يجعل تنظيم داعش يقترب منا، وتختلف أحجام وأشكال الألغام المزروعة على طول الخط الحدودى وتمتد بمسافة تقدر بنحو ١٥٠ مترا عرضيا، والخطر الثانى فى الجهه المقابلة؛ فإذا نجا المتسلل من الألغام المصرية، وقع فى فخ الألغام التى زرعتها قوات ومنتسبو حرس الحدود الليبى لتأمين حدودهم مع مصر، وتعد هذه المنطقة أشد خطورة من الألغام المصرية، حيث تم زرعها على أعماق مختلفة شمال وجنوب منفذ مساعد الليبى على مساحة تقدر بنحو ٧٠٠ متر، أى ٥ أمثال المساحة التى تشغلها الألغام المصرية، مما يؤدى إلى صعوبة اجتيازها. 
الخطر الثالث يتمثل فى تمكن قوات حرس الحدود بالمنطقة الغربية العسكرية من ضبط المتسللين أو تجار السلاح والمخدرات، والخطر الرابع وقوعهم فى أيدى قوات حرس الحدود الليبيى، خاصة الكتيبة ٧١ ه، حيث تقوم بتجميعهم بمنطقة الإيواء فى طبرق، تمهيدا لترحيلهم إلى السلطات المصرية بمنفذ السلوم، والخطر الخامس والأخير هو أن يلقوا مصرعهم فى الصحراء نتيجة قيام السماسرة بتركهم فى الصحراء بحجة تضليل قوات حرس الحدود الليبى، وقد حدث وأن فُقد حوالى ١٠٠ شخص مصرى فى الصحراء ونجوا جميعا إلا ٧ منهم لقوا مصرعهم جوعا وعطشا، وبالأمس القريب فقدنا نحو ٢٠ شخصًا من أبناء الوطن وما زال نحو ٢٩ فى عداد الموتى بينهم ٣ أطفال وامرأتان.

أسيوط.. شباب «موشا وأبنوب» يتصدرون القوائم 
دوما كانت محافظات الصعيد خاصة «أسيوط» تحتل المراكز المتقدمة، فى تقديم أبنائها قربانا على مذابح الهجرة غير الشرعية، ممن هربوا من حياة الضنك والفقر التى تعشش على الصعيد، حالمين بحياة كريمة تحترم آدميتهم، وتحقق المتطلبات الأدنى لأسرهم. 
وهؤلاء ينتمون إلى جميع مراكز وقرى أسيوط خاصة «أبنوب وقرية موشا». ففيهما النسب الأعلى من ضحايا الهجرة غير الشرعية، تبعد حوالى ١٠ كيلومترات عن مدينة أسيوط، ويصل عدد سكانها تقريبا إلى حوالى ١٠٠ ألف نسمة، نسبة كبيرة منهم من الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين ١٥ إلى ٣٥ عاما وغالبيتهم بدون عمل، كما تصل نسبة الأقباط بها إلى حوالى ٢٠٪ من السكان.
الشباب المتعطل عن العمل لا يجدون مخرجا سوى محاولة السفر للخارج، أسوة بأقارب لهم نجحوا فى الهجرة غير الشرعية لدول أوروبية مثل «إيطاليا واليونان وفرنسا»، وفى تلك الدول فقط يوجد ما يقرب من ٩٠٠ فرد من أهالى «موشا» ممن نجحوا فى الهجرة إليها بطرق غير شرعية، فضلا عن دول أخرى مثل النمسا وهولندا، وهناك استقروا فى العمل فى مزارع العنب وأعمال البناء والمطاعم والفنادق ومحلات الجزارة ومعارض السيارات.. إلخ.
الموقف ذاته فى مركز «أبنوب» ويقال إن ٣٠ ألفًا من أبنائه على الأقل نجحوا فى الهجرة غير الشرعية خلال العقد الأخير فقط، عن طريق عصابات التهريب والتى لها سماسرة هنا، حيث يتقاضى هؤلاء ما يقارب من ٤٠ أو ٥٠ ألف جنيه من الفرد، مقابل ذلك كما يقول محمد عبدالجيد وهو من أبناء المركز ممن هاجروا بشكل غير شرعى وجاء فى إجازة، مضيفا بالقول: «٩٠٪ من المصريين فى إيطاليا هم مهاجرون غير شرعيين، ليست لديهم تأشيرات أو إقامات لكن البعض يمكنه استخراجها بعد سنوات نظير مبالغ مالية، لافتا إلى أنه مع تغير اللوائح والقوانين الخاصة بالإقامة، فإن المهاجرين يجدون صعوبات بالغة فى استخراج الإقامات، وغالبا ما يتعرضون لمصاعب شديدة ليحصلوا عليها».
ويقع البعض منهم ضحايا لعمليات تبشير، أو بيع أعضاء الجسد مقابل مبالغ مالية، أو العمل فى الدعارة وتجارة الجنس، مضيفا أن غالبية المصريين عادة ما يعملون فى مجال بيع الورود وتوزيع الإعلانات للمحال التجارية لعدم توافر اللغة لديهم.

كفر الشيخ.. الشباب يغامرون بحياتهم بحثا عن الرزق
لم تكن واقعة العثور على جثث العشرات من الشباب المصريين من مختلف محافظات الجمهورية، من بينهم ٣ شباب على الأقل من محافظة كفر الشيخ، موتى فى صحراء ليبيا، أثناء محاولة هجرة غير شرعية، هى الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فما بين البحر والصحراء، حيث يغامر مئات الشباب المصريين بأرواحهم، بحثًا عن مصدر رزق وطريقة سريعة للثراء خارج القطر المصري، الذى تقلصت فرص العمل فيه بشكل كبير، نتيجة حالة التكدس والركود خاصة فى قطاع السياحة والصيد.
طريق مختصر
ويقول أحمد نصار، نقيب الصيادين بكفر الشيخ، إن سبب لجوء سماسرة الرحلة غير الشرعية والمغامرين بحياتهم لاختيار محافظة كفر الشيخ للسفر خاصة، فى منطقتى مطوبس والبرلس، يرجع لتعامد شواطئ كفر الشيخ مع الدول الأوروبية بصورة عمودية مباشرة وصغر مسافة الإبحار وطول شواطئ المحافظة الذى يصل إلى ١١٨ كيلومترا. ويضيف أن الدولة المصرية وقعت اتفاقية دولية لمكافحة الهجرة غير الشرعية سواء مع دول البحر المتوسط أو مع الأمم المتحدة للحفاظ على حياة المغامرين وعلى حدود الدول المتضررة من رحلات الموت.
تشديد الرقابة
ويؤكد مصطفى القصيف، مدير مركز وطن لحقوق الإنسان وأحد أبناء البرلس، أن مصر على مدار الخمس سنوات الماضية بدأت تشدد من مراقبة شواطئها بواسطة قوات حرس الحدود، والتى تمكنت من القبض على بضعة آلاف خلال هذه السنوات الخمس، بخلاف من لقوا حتفهم فى عرض البحر، مما جعلهم يلجأون للسفر لدول مثل ليبيا عن طريق البحر بحثًا عن الرزق، ولكن أصبح السفر هناك أيضًا له مخاطره، بسبب وجود ميليشيات عسكرية ولجوء الشباب لسماسرة يقومون بنقلهم عبر ممرات ودروب صحراوية غاية فى الخطورة، والنتيجة أننا فقدنا قرابة الـ٤٠ شابا ماتوا فى الصحراء بعد أن تركهم الدليل المصرى والليبى لسبب ما لم نعرفه وماتوا من الجوع والعطش.
مخاطرة كبيرة
ويقول على المهدى، شاب: سبق أن سافرت لليبيا منذ سنتين عن طريق أحد الدروب الصحراوية نظير دفع ٥ آلاف جنيه، حتى تمكنت من الوصول لبنغازى وحصلت على عقد عمل موثق أستطيع السفر والعودة بشكل قانونى من خلاله، حيث يقوم السماسرة بتجميع الشباب على مراحل ونقلهم لمرسى مطروح كمحطة قبل الأخيرة، ثم يقومون بتسليمهم للوسطاء الليبيين عن طريق مدقات فى الحدود الصحراوية غير المراقبة.

الغربية.. الخارج مولود والعائد مفقود
تعتبر محافظة الغربية من أشهر المحافظات التى تصدر العمالة للخارج، وخاصة عن طريق الهجرة غير المشروعة، وهناك ٥ قرى هاجر أكثر من ٦٥٪ من أهلها بين إيطاليا وفرنسا وجنوب إفريقيا، واعتاد أهلها على السفر للخارج من خلال الطرق غير الشرعية وخاصة عبر البحر، وفى كل حالات غرق المراكب غير المشروعة يكون لها نصيب الأسد، فقرى «كفر كلا الباب، وشبرا ملس بزفتي، وميت بدر حلاوة، وبنا أبوصير، وميت حبيب بسمنود» من أكثر مصادر تسفير الشباب عن طريق الهجرة غير الشرعية.
«البوابة» رصدت القرى المصدرة للهجرة غير الشرعية من مراكز محافظة الغربية، ورغم التحذيرات والمخاطر الشديدة لها، فإن مراكب الموت ما زالت تقل الراغبين فى الثراء السريع‏ الطامحين إلى الارتقاء بمستواهم المادى وتحسين معيشتهم.
ميت بدر حلاوة، قرية مصرية على الطراز الفرنسي، تابعة لدائرة مركز سمنود، بمجرد أن يقع نظرك عليها يخيل لك بأنك داخل إحدى المدن الأوروبية، للإبداع والتحف الفنية التى صممت بها المبانى والمنازل فيها، فهى تشبه القصور والفيلات.
ونقل أهالى القرية التابعة لمركز سمنود بمحافظة الغربية، الثقافة الأوروبية، والأهالى يتحدثون الفرنسية بطلاقة بسبب هجرة ما بين ٥٠ إلى ٩٠٪ من شباب القرية إلى مدينة الأحلام باريس، وأهالى القرية لا يعرفون الفقر وجميع أبنائها فى فرنسا وإيطاليا.
رياض المحمدي، من أهالى قرية ميت بدر حلاوة، أكد أن من أسباب سفر الشباب ولجوئهم إلى الهجرة غير الشرعية، هو عدم توافر فرص العمل، قائلا «مش عارفين نعيش ولا نعمل حاجة لبكرة، ده اللى دفعنا للهجرة غير الشرعية، «عشان أقدر أوفر لنفسى ولأهلى عيشة كويسة، لأننا مش مرتاحين فى العيشة».
وقال سامى ريان، من كفر كلا الباب: «غالبا معظم اللى بيسافروا بيكونوا من مناطق ريفية مستوى الوعى والتعليم فيها ضعيف جدا.
مؤكدا أن السفر إلى أوروبا رفع أسعار الأراضي، وأن أهالى القرى أصبحوا يزوجون بناتهم لمن يدفع أكثر، لذلك فإن معظم الشباب يلجأ للسفر وهجر التعليم.
يذكر أن محافظة الغربية فقدت الكثير من أبنائها فى رحلات الهجرة غير الشرعية، ومنها فى ميت بدر كانت هناك مأساة أخرى، حيث فقدت عدة شباب من أبنائها هما صابر على سعد ١٧ سنة، وإيهاب شوكت بدوى ١٥ سنة، وهما قد خرجا سويا أملا فى أن يحققا مثل ما حقق باقى أهالى القرية، وأن يعودا فيقيما قصورا شاهقة ويشتريا أراضى زراعية مع أحلام طويلة للثراء، لكن القدر لم يمهل الضحيتين ليحققا أول أحلامهما وهو الوصول لبر الأمان فى إيطاليا.

الدقهلية.. الأولى فى الهروب إلى إيطاليا
تعددت الأسباب والموت واحد، رغم تلك الكلمات التى تحمل الكثير من المعاني، ورغم المخاطر الشديدة التى يتعرض لها الشباب جراء الهجرة غير الشرعية، ورغم ما خلفتها من مئات الضحايا جراء تلك الرحلات الكارثية، إلا أن حلم السفر ما زال يراود الكثير رغم التحذيرات المتكررة منها.
فمحافظة الدقهلية، تعد أحد أهم المحافظات المصدرة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وتحول عدد كبير من قراها إلى ما يشبه السفارات للدول الأوروبية، أبرزها فرنسا والتى اتخذها شباب قرية «ميت الكرما» التابعة لمركز طلخا، القبلة الوحيدة لتحقيق أهدافهم نحو الثراء، لدرجة أن بعض المناطق أصبحت مصدرا لأبناء تلك القرى فى إيطاليا.
«البوابة» التقت عددا من الشباب الذين حاولوا الهجرة وتحقيق حلم الثراء، مؤكدين أن حلمهم يبدأ من السمسار الذى يحصل على ٧٠ ألف جنيه تبدأ بدفع مقدم المبلغ، ثم يقوم بتوزيعهم على طرق الهجرة غير الشرعية، حسب مقدرتهم المادية، فلكل طريق سعره حسب كم المخاطر الموجودة، والأقل سعرا هو رشيد؛ لأن نسبة نجاحها لا تتجاوز ٢٥٪، ولهذا فسعرها منخفض ولا يتجاوز ٣٠ ألف جنيه؛ حيث يمكث هناك الشخص لحين ترتيب الإجراءات وتجهيز المركب وقبل السفر يقوم بدفع باقى المبلغ.
محمد علي، أحد الشباب الذين حاولوا السفر إلى إيطاليا، يقول: «كنت أعلم جيدا بمخاطر الرحلة إلى إيطاليا، ورغم ذلك كنت أصمم على تحقيق حلمى بالسفر والعمل فى أوروبا، مثلما خرج الكثير من أبناء القرية وأصبحوا من الأثرياء، وأرغمت والدى على بيع جزء من أرضه لكى أسافر، وبعد أن دفعت مبلغ السفر والمقدر بـ٤٠ ألف جنيه، نزلت إلى إحدى مراكب الصيد، والتى خرجت من رشيد حتى وصلت إلى عرض البحر، ومنها وجدنا عددا من القوارب الصغيرة كانت فى انتظارنا وأخدنا نتجمع بها، وكنا أكثر من ٢٥ شخصا فى القارب الواحد الذى لا يتجاوز المترين ونصف المتر، وبدأ القارب فى التحرك، ولكن عند حلول الليل حدثت بعض التقلبات الجوية أدت الى انقلاب القارب وسقطنا جميعا فى المياه، ولولا أننى أجيد السباحة لكنت فى عداد الموتى مثل بعض من كان معى خلال الرحلة، وجاءت قوات من خفر السواحل اليونانى وقامت بإنقاذنا، ومن ثم تم ترحيلنا إلى مصر مرة أخرى ليتبخر الحلم».
خالد وفا، أحد أبناء الدقهلية، والمقيم فى إيطاليا منذ ٢٦ سنة، أكد أن هناك الكثير من الأطفال الذين يبلغون من العمر من ١٣ حتى ١٧ عاما، قد تمكنوا من السفر وهم من استفادوا؛ حيث إن الصليب الأحمر يعتبرهم أطفالا ويقوم بعمل أوراق لهم ويعطيهم مصاريف، وبعد عام يحصلون على الجنسية الإيطالية، لأن القانون هناك يعتبر كل من هو أقل من ١٨ سنة طفلا ويكون تحت رعاية وحماية الدولة أيا كانت جنسيته، وهذا ما يشير إلى أن معظم المهاجرين غير الشرعيين من الأطفال.
وأضاف أن هذه المزايا بالنسبة للأطفال دفعت أسرا بأكملها للهجرة، على أمل الوصول بأطفالهم وحصولهم على الجنسية بعد عام، وهو ما جعل أسرا كثيرة تغرق فى الرحلة الأخيرة أمام سواحل رشيد، والتى راح ضحيتها قرابة ٢٠٠ شخص.
محمد السعيد، أحد المصريين المقيمين بإيطاليا منذ ٧ سنوات، قال إنهم ظلوا عدة أيام فى البحر يشاهدون الموت حتى وجدوا أنفسهم يسقطون فى المياه بعد غرق المركب، ولكنهم فوجئوا بأنهم وصلوا وتم أخذهم عن طريق الصليب الأحمر، وتم توفير الرعاية له وإعطاؤه مصروفا أسبوعيا جعله ينسى أوجاع السفر.