الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحياة التي على الشاشات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما سيكون من الضرورى أن يصاحب كل عمل درامى جديد تنويه يحدد الآثار الجانبية للمشاهدة، ثم يضاف إليه جملة أخرى تفيد بأن ما يقدم ليس أبدا قصة حياتكم التى تثقون من تفاصيلها، كما أنه أيضا ليس حكاية صديق أو صديقة تعرفها، كما أنها ليست وقائع مستوحاة من حياة تلك الممثلة التى اعتدتم أن تلوكوا شيئا من تفاصيلها المتجددة على العشاء كل مساء.
وهكذا سيتخطى الأمر جملة تاريخية محفوظة فى أرشيف عقول بدايات سينما الأكشن والرعب تنادى بابتعاد أصحاب القلوب الضعيفة، ولا تقف عند حدود وضع تصنيف للمشاهدة بحسب العمر، والذى سيعنى ضمنا، إثارة الخيال بمشاهدة تغرى الجميع بالمتابعة «من سن تسعة إلى سن تسعة وتسعين»، ولنا فى أفلام حملت لافتة للكبار فى تاريخ السينما المصرية ذكرى باقية.
يكون ذلك لازما وتفاديا لجمهور تفرغ للدراما متابعة ومحاسبة، وانتبه تمامًا للتفاصيل وبما يفوق انشغاله بما تجود به الحياة اليومية من «حاجات ومحتاجات» وتحدث بثقة وهو ممسك بمسطرة العقاب المدرسى، وسيكون تفاديا أيضا لبعض من أصبحوا نقادًا يمتلكون «فلكة» عريضة متسعة تتخذ من الصفحات والبرامج مساحة تأنيب وتهذيب، وهكذا ومن خلال خبراتهم الواسعة - «عرض البحرين إذ يلتقيان - سيلغون كل وأى فارق بين نص مصنوع هو من مقتضيات فن المخايلة وبين وقائع حياة تجرى لحما وشوكا، سيكون تحديد الأثر الجانبى مصدًا، يواجه نتائج طول تمرس الجمهور بالحياة التى على الشاشات، وقد صار يصيب العائشين على إيقاع زمن الدراما باعتبارها تقريرا عن حقائق العالم، هروبا أو تجملا أو بعضا مختلطا منهما.
يقتنص الجمهور خطأ فى تسلسل درامى أغفل منطقا يظنه لازمًا، أو تجاوز تفصيلة بدت عنده ضرورية الحضور، وسيصبح أمرًا أكثر خطورة عندما يناقش أحدهم سلوك شخصية درامية، ثم يناديها باسمها الذى فى الدراما، داخلا مباشرة إلى «جوه» التتر، وناقلا قراءة وتحليل الدراما من الشاشة باحثا عنها فى الحياة، كما لم يحدث أبدا فى عقل كاتب أو مر بذهن سيناريست، وسيكون الفنان يوسف وهبى - الذى مثل دور الشيطان- قد أفلت من محاسبات هذه الأيام حينما دخل فيلمه إنسيًا وخرج منه كذلك، ولم يطلب أحدهم منه أن يتحمل ذنوب من أغواهم منذ نشأة الكون.
يواصل المشاهدون فرجتهم بكل الخبرة التى تراكمت واختزنوها، لينطلقوا بعد عميق المتابعة نحو مهاجمة شخصيات الشر، ولن يستطيعوا فى مرحلة ما أن يستمعوا لتوسلات الممثل «الشرير» بأنه دور كتبه خيال أحدهم ليتوازى الخير والشر فى الدراما، لن يتاح لكتاب الدراما وفريق بناء أدوار وسمات الشخصيات على الشاشات أن يردوا كثيرا، فالمشاهد الطيب صار يبحث عن اكتمال شخصيته المفضلة، ولن يتسامح مع حل درامى أتيح لكاتب تعجلا أو تسرعا أو «هوا كده وخلاص»، لن يجرؤ كُتاب الدراما على القول بأن الحياة ليست منهجا فى الديناميكا تنتج، فيه الحركة عن فعل ورد فعل مؤكد، وأن وجودكم ذاته فى الحياة هو محض مصادفة جمعت بين غريبين؟! ويكشف كل ذلك شيئا دالًا عن معدل الثقافة المتخصص السائد.
ظل تفاعل ومشاركة المشاهد مع الدراما متواجدا، لكنه كان مؤقتًا، تنغلق صفحته بانتهاء ساعة الدراما أو زمن الفيلم، وقد تنتهى بتصفيق جمهور الترسو لوحش الشاشة وقد حقق المراد، ساعة أو تزيد ثم يليها فاصل يمتد ٢٣ ساعة من الحياة الواقعية، وبحيث يتاح للفرد أن يواجه كل خير العالم وشره «لايف» فيعتاد على منازلته ويمضى معه.
مضت متابعة الدراما تاريخيا تتماشى توازيًا خافتًا مع الحياة المزدحمة بالتفاصيل والنبض والمعايش، حتى قرر البشر وشاءت لهم الحياة أن يصنعوا بدائل وحدتهم فى هذا العالم، وبحيث إنه ومع الوقت كان العبء الأكبر لتعاطى الحياة معيشة وتفاعلا ونزالًا يقع على عاتق دراما الشاشات أو الحياة التى يعيشونها عليها، لينتصر قانون جديد يقول: فلنحاسب الدراما و«الدراميين» على ما فعلوه بنا.