كم أنت قاسٍ أيها الموت حين تأخذ منا أنبل مَن فينا! ها قد رحل عنا طبيب الغلابة، المهموم بوطنه، الذي عرفناه دومًا نصيرا للفقراء مؤازرًا لهم، وأحد أبرز فرسان النضال الوطنى، بعد تاريخ طويل من العمل السياسي قضاه دفاعًا عن حق محدودي الدخل في العلاج والرعاية الصحية، فلم يكلّ أو يملّ في السعي لإصلاح المنظومة الصحية في مصر.
كان دائم الانحياز لمن لا صوتَ له، سخر حياته لخدمة البسطاء، من خلال مؤلفاته العظيمة، وأبرزها الكتاب المرجعي لكل باحث أو مهتم بالنهوض بالمنظومة الصحية "الصحة في مصر.. الواقع وسيناريوهات المستقبل حتى عام 2020" الذي يتضمن تشريحا دقيقا للوضع الصحي وكيفية الانتفاع بالخدمات الصحية ومرتكزات النظام الصحي المستقبلي.
طبيب الفقراء الذي كرس حياته للنهوض بالمنظومة الصحية من الممرض إلى الطبيب، وهو مؤسس لعلم الإدارة الصحية بالممارسة فهو مؤسس لمعهد ناصر، ومدير لمستشفى مبرة مصر القديمة بالملك الصالح، وهو الذي حولها من مستشفى عادية، إلى مؤسسة علاجية متطورة بها أقسام عديدة.
وما لا يعلمه الكثيرون أن الدكتور "فياض" هو مؤسس لفكرة التأمين الصحي الشامل لعلاج كل الأمراض والفئات سواء كانوا موظفين أو عمالا أو فلاحين أو باعة جائلين، وكانت آخر إسهاماته الوطنية وضع المسودة الأخيرة لقانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل الذي لم يخرج للنور حتى الآن.
أما عن سمير فياض المناضل فحَدِّثْ ولا حرجَ، فتراه دائما في أول الصفوف بالشارع متظاهرا ومطالبا بغد أفضل للشعب المصري؛ فلم يَغِبْ عن أي حِراك بالشارع مهما كان حجمه صغيرًا أو كبيراً دون أن يأخذه الغرور، وكان يردد هتافنا بـ"علو الصوت" ويرفع لافتاتنا مثل أي شاب في العشرينيات من عمره. لم يغادر الشوارع في زمن مبارك الصعب، واستطاع بقلبه الكبير وروحه الجسورة أن يُمهّد مع رفاق الدرب طريقنا نحو التغيير.
