الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"سبوبة إعلانات الشحاتة".. الخير وسيلة لجني الأموال.. إنفاق مئات الملايين على الفضائيات.. القطاع الصحي في الصدارة والرقابة عليها "زيرو".. وخبراء: "وصمة عار وأكبر إساءة لسمعة مصر"

مستشفى 57357
مستشفى 57357
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"اتبرع ولو بجنيه.. اتبرع لعلاج الأطفال.. اتبرع لإنقاذ مرضى السرطان"، عبارات تقشعر لها الأبدان، تستعطف كل من يسمعها عبر الوسائل الإعلامية المسموعة أو المقروءة على صفحات الجرائد أو حتى المواقع الإلكترونية أو حتى يشاهد إعلاناتها الضخمة على أسطح الأبراج السكنية.
هذه الإعلانات مُولت عبر مؤسسات تعد فى الأصل خيرية، إلا أنها عملت فى الفترة الأخيرة على تحويل هدفها الخيرى إلى مجرد وسيلة لجلب الأموال من المصريين البسطاء، وهو ما رصدته التقارير البحثية التى رصدت إنفاق ملايين الجنيهات من قبل مؤسسات صحية وجمعيات خيرية، خاصة خلال شهر رمضان المنصرم على الإعلانات الإنسانية أو الخيرية، والتى اعتبرها خبراء الإعلام بأنها فقط إعلانات "شحاتة من أجل السبوبة".


بحسب الأرقام، فإن فى مصر توجد الجمعيات الخيرية التى قاربت من 24 ألف جمعية بحسب وزارة التضامن، بعض منها تحول إلى مؤسسات ربحية بشكل ملحوظ خلال الفترات الأخيرة، حيث تستغل المواسم الأكثر متابعة على الشاشة الصغيرة مثل شهر رمضان من أجل جنى المزيد من الأموال، التى تقول إنها تصرفها على الفقراء، فى الوقت الذى تدفع فيه الملايين لنجوم الفن والرياضة فى الإعلانات التليفزيونية التى تبث على مدار الساعة، وتدفع الجمعيات لمزاحمة المؤسسات التجارية وشركات الاتصالات على الإعلانات التى وصل سعر الباقة الإعلانية الواحدة فى إحدى القنوات الفضائية نحو 11 مليون جنيه مصري مساحة الإعلان الواحد 30 ثانية فقط، وتزاحم المشاهدين والمارة أيضا بدعاوى التبرع فى الوقت الذى تحتل فيه مصر رقم 112 من أصل 145 من حيث الإنفاق الخيرى.
والفوضى فى الإعلانات الخيرية، التى أصبحت ظاهرة تقريبا تزداد خلال شهر رمضان بشكل ملحوظ رصده أحد التقارير البحثية الصادر عن شركة «إيبسوس» للأبحاث التسويقية، الذى كشف عن إنفاق 28 مؤسسة صحية أكثر من 250 مليون جنيه فى 10 أيام فقط على الإعلانات الهادفة لجمع التبرعات، بينما كان حجم إنفاق شركات الاتصالات الثلاثة فودافون، أورنج واتصالات مجتمعين 151 مليون جنيه فقط فى الفترة المماثلة.
ولفت التقرير إلى أن أشهر المؤسسات الصحية أنفقت مبالغ طائلة على الإعلان، حيث تناول التقرير كلا من مستشفى 57357، مستشفى 500500، مستشفى بهية، ومؤسسة مجدى يعقوب للقلب، حيث كشف أن مستشفى 57357 تصدر قائمة الإنفاق فى القطاع الصحي، إذ يقدر حجم إنفاقه فى 10 أيام من شهر رمضان أكثر من 108 ملايين جنيه تقريبًا، (ما يمثل 43% من حجم إنفاق القطاع الصحى كله) بواقع ظهور إعلاناته حوالى 3692 مرة، بينما يقدر حجم إنفاق مستشفى 500500 أكثر من 56 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناته حوالى 3064 مرة، أما مؤسسة مجدى يعقوب فأكثر من 36 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناتها حوالى 1997 مرة، ومستشفى بهية فى المركز الرابع بأكثر من 21 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناته حوالى 1792 مرة.


وقال التقرير: إن مستشفى 57357 وزع إنفاقه على معظم القنوات بشكل متوازن، وجاءت فى الصدارة قناة النهار وDMC على التوالي، وهى نفس الاستراتيجية التي اتبعها مستشفى 500500، بينما جاءت فى صدارة إنفاقها قنوات: DMC وMBC MASR على التوالي، أما مؤسسة مجدى يعقوب فركزت أكثر من نصف إنفاقها على قنوات:2 MBC MASR، وDMC، وMBC MASR على التوالي، وعن مستشفى بهية فأنفقت نصف ميزانيته تقريبًا على قنوات: DMC، والنهار دراما، وON E على التوالي.
أين تذهب أموال التبرعات؟
أين تذهب أموال التبرعات؟ كان السؤال الذى أثار جدلا كبيرا فى البرلمان الشهر الماضي، بعد أن طرحه نواب لجنة التضامن الاجتماعي، حيث استنكرت الدكتورة هبة هجرس، عضو لجنة التضامن بمجلس النواب، غيباب دور وزارة التضامن مطالبة بوجود ضوابط تنظم هذه الإعلانات من قبل الوزارة، وإلزام القائمين فى هذه الحملات مراعاة الضوابط المهنية والإنسانية على حد سواء.
وقالت هجرس: إن بعض الجمعيات الخيرية تستغل المواطن المصرى فى شهر رمضان وتقوم بعمل حملات إعلانية للتبرع المادى، مشيرة إلى أن الإعلانات الخاصة بالتبرعات أصبحت كثيرة جدًا وبشكل عشوائى.
من جانبه، أعلن النائب يسرى الأسيوطى، عضو مجلس النواب، اعتزامه التقدم بطلب إحاطة للدكتور على عبدالعال، رئيس المجلس، موجهًا للدكتورة غادة والى، بشأن أموال الحملات الإعلانية للمؤسسات والجمعيات الخيرية، من أجل الوصول إلى رد عن وجه الاستفادة من أموال التبرعات وأين تنفق تحديدا؟
إعلانات الشحاتة
كل هذا دفعنا للبحث عن ماهية وأسباب الانتشار الملحوظ للإعلانات الخيرية أو "السبوبة" بمعناها الأدق، الأمر الذى أوضحه الخبير الإعلامى الدكتور حسن علي، رئيس جمعية حماية المشاهدين والمستمعين والقراء، وأستاذ الإعلام بجامعة السويس، حيث أكد أن "ظاهرة إعلانات الشحاتة" كما وصفها انتشرت بطريقة مبتذلة فى الفترات الأخيرة، وأكد أن الجمعية التى يرأسها حذرت من انتشار هذه الإعلانات فى تقرير لها قبل 3 سنوات، وهذا التقرير الذى قال إن الظاهرة حولت العمل الخيرى إلى "سبوبة للفنانين ومشاهير المسرح والرياضة".


وقال علي: إنه "عندما تعطي الجمعية أو المؤسسة الخيرية للممثل المشارك مليون أو أكثر في الإعلان الواحد فبهذا تخرج من الإطار الخيري إلى السبوبة، وفى ظل عدم وجود رقابة على الجمعيات والمؤسسات المعلنة والتفتيش من قبل قطاع الشئون الاجتماعية بوزارة التضامن".
وطالب الخبير الإعلامي بضرورة وضع ضوابط لعمل الجمعيات والمؤسسات الخيرية من قبل الجهات المعنية، من خلال الرقابة المستمرة على الأموال الواردة لهذه المؤسسات، والنفقات التي تنفقها هل هي فعلا على الخير أم على الممثلين والإعلانات".
فوضى وسبوبة
وجدد الدكتور حسن على تأكيده أن مثل هذه الإعلانات تسيء لصورة مصر فى الخارج، وتتعارض مع مسئوليات الدولة والحكومة فالصحة مسئولية الدولة وكذلك التعليم"، لذلك على المؤسسات التي تصنع إعلانات باهظة النفقات البحث عن السبل الصحيحة لإنفاق أموالها، بدلا من تحويل العاملين فيها إلى رعاة للسبوبة فالطبيب في مستشفى 57357 يحصل على 4 أضعاف نظيره العامل فى نفس التخصص بالمستشفيات الحكومية فالمسألة تحتاج لضوابط تحكمها".
وأوضح أن "كحكة الإعلانات فى مصر تتخطى حاجز الـ8 مليارات جنيه مصري، وينفق منها 25% فى رمضان و75% موزعة على 11 شهرا، الأمر الذي يحدث زخما إعلانيا في شهر رمضان المبارك، وبالنظر إلى الإنفاق الإعلاني العربي يتخطى حاجز الـ6 مليارات دولار تستأثر الإمارات والكويت والسعودية على 40% من الإنفاق الإعلاني العربي، ويبلغ نصيب مصر من هذا الإنفاق نحو نصف مليار دولار، الذي يوازي حوالي 8 أو 9 مليارات جنيه إلا أن الإعلان في مصر مليء بالفوضى.
وقال: إن جمعية حماية المشاهدين رصدت فى تقرير حديث سيصدر خلال أيام وجود فوضى فى سوق الإعلانات، خاصة فى مجال الإعلانات الدوائية والخدمية، فوجدنا إعلانات لمنتجات طبية أو غذائية لم تحصل على تصريح من وزارة الصحة ومعظمها تبث على قنوات من خارج مصر وتحتاج إلى مزيد من الرقابة من قبل الدولة.
رصد التجاوزات
كما رصد التقرير التناقض أيضا الذي يعد من أبرز ملامح السوق الإعلانية المصرية، حيث فى الوقت الذي نجد فيه إعلانات "الشحاتة" تغرق الشاشات نجد بجوارها إعلانات عن عقارات "فلل وكامبوند" تصل لـ20 مليون جنيه، الأمر الذي يعد استفزازا لمشاعر المصريين.
واستثنى الخبير الإعلاني ما وصفه ببعض النقاط المضيئة فى "الإعلانات الإنسانية أو الخيرية"، وهو إعلان مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق، حيث أكد أن الإعلان قدم مادة إعلانية محترمة بعيدا عن الابتذال الذي تروجه إعلانات "الشحاتة".