السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المعارضة المصرية.. عندما تتجسد قلة «الرباية» السياسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بداية، جماعة الإخوان الإرهابية، والنشطاء الممولون ليهتفوا بسقوط الدولة ليسوا من المخاطبين بهذه السطور.

المعنيون إذًا المعارضون غير المحسوبين على الإسلام السياسى أو مواخير حقوق الإنسان، لكن أغلبهم للأسف وبسبب قصورهم العقلى لا يزالون يعتبرون جماعة الإخوان فصيلا سياسيا وطنيا يمكن التفاوض معه وربما التحالف أيضا، وما بقى منهم يناصب الجماعة العداء بسبب أفكارها وجرائمها، لكنه كما الأغلبية يردد بلا وعى المواقف التى يروجها إعلاميو جماعة الإخوان، سواء عبر الفضائيات المدعومة قطريا أو تركيًا، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعى بشأن قضايانا المصرية.

ولا فرق فى ذلك بين ناصرى أو ماركسى أو حتى ليبرالى، لدرجة أن هذا الأخير يعارض برنامج الإصلاح الاقتصادى، والتى تتماشى مع توجهاته، وإذا سألته أو حاولت مناقشته تهرب أو تعلل بعدم ملاءمة توقيت عملية الإصلاح.

متابعة ما تلوكه ألسنة رموز هذه المعارضة بألوانها السياسية المختلفة لأهم ثلاث قضايا على الساحة المصرية (اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، مقاطعة قطر، تحريك أسعار المحروقات)، تكشف أن تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى وتصريحاتهم ومقالاتهم فى الصحف تردد أكاذيب جماعة الإخوان بشأن تلك القضايا.

وأراهن أن نعثر بعد رحلة بحث على رمز واحد منهم تدبر ما ينشره من مقولات سبق تجهيزها وتعبئتها فى مطابخ الإخوان باستديوهات الدوحة وأنقرة.

فكل الأكاذيب التى قيلت حول جزيرتى تيران وصنافير رددها هؤلاء المعارضون وكأنها حقائق مسلَّمٌ بها، رغم أنهم جميعا ليسوا من المتخصصين فى أى من المجالات التى تسمح لهم بالحكم على مدى صحة الاتفاقية وهم أيضا من تبنوا نظرية الحوار مع قطر بدلا من مقاطعتها، بل إن بعضهم رفض اتهام أميرها تميم بتمويل الإرهاب.

الأطرف من ذلك أن نشطاءهم شاركوا فى ترويج شائعات رفع أسعار بعض السلع التى روجتها صفحات الإخوان إثر قرار تحريك سعر المحروقات، ورغم اختلاف إيديولوجية الجماعة الإرهابية مع ما يؤمن به الناصريون والماركسيون من أفكار اشتراكية، إلا أنها صاغت موقفا رافضا لمجمل برنامج الإصلاح الاقتصادى على أرضية التجربة الناصرية ليردد كبار وصغار المعارضين من هذا التيار، الكلام الفارغ نفسه بذات العبارات المسمومة التى وضعتها الجماعة، ليبدو خطاب الجماعة مماثلا ومطابقا لخطاب المعارضة الوطنية، فتظهر معه كجزء من جسد واحد لا يعارض السلطة وإنما يسعى لإسقاطها ونشر الفوضى.

الحقيقة أن هذه القوى تشاركت مع جماعة الإخوان فى الانحدار بالحياة السياسية المصرية، وبالمستوى الفكرى والثقافى عند المصريين، وكانت سببا فى انهيار منظومة الأخلاق والقيم فى المجتمع وأسهمت فى تنشئة جيل لا يقدر قيم المعرفة وإعمال العقل والاحتكام إلى الضمير

والسبب أن رموز هذه المعارضة يعانون قلة الرباية السياسية والمعرفية؛ فمنذ نعومة أظافرهم بنوا معارضتهم للرئيس السادات وكذلك مبارك على شعارات الحقبة الناصرية، ورغم أن معظمهم صحفيون، فإنهم لم يتربوا على تكوين مواقفهم تأسيسا على قاعدة معلوماتية يتم تحليل بياناتها فى إطار منهج علمى ومن ثم يمكن تقديم موقف معارض لسياسات النظام يستطيع إقناع قطاع كبير من الجماهير لاستثارة مشاعرهم، وفى المقابل استند الإسلاميون إلى تفسيراتهم الخرافية للقرآن والسنة فى معارضة أنظمة الحكم؛ أى أن الجميع قدموا على طول تاريخهم خطابا سياسيا يلعب فى منطقة الغرائز لا العقل، شأنهم فى ذلك شأن منتجى أفلام البورنو.

تجاربهم الصحفية فى زمن مبارك تؤكد أنهم لم يمارسوا سوى الدعارة السياسية والإعلامية؛ وهذا ما يقدمونه لنا الآن، وقد كان لذلك المنهج الغوغائى أثره فى المجتمع الذى لم يجد نخبة تعلمه كيف يبنى مواقفه على أسس معرفية تمكنه من فهم وتحليل ما يحدث حوله فى الداخل والخارج ولا تقوده الشائعات والأكاذيب.

لقد بات علينا التخلص من هذه النخبة التى تنهق بكل ما هو أجوف لتنافق مشاعر الجمهور، وأن نمضى لصياغة خطاب سياسى وإعلامى يطرح القضايا العامة للنقاش، مصحوبة بكل ما يتصل بها من معلومات ووثائق ومواد علمية، ليس لإقناع جمهورنا بموقف معين، وإنما لتدريبه على تحليل المعلومات لتكوين آرائه ومواقفه تحت شعار «اعمل عقلك يا ولدى فقد مضى زمن الحنجورية».