الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«الجماعة» في عصر ناصر.. المسلسل ما له وما عليه «1-2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخطاء فادحة فى حلقات الثلث الأول من مسلسل «الجماعة» (الجزء الثانى)، تأليف وحيد حامد، وإخراج شريف البندارى.. لكن الأخطاء بدأت تقل، ابتداء من مقدمات وأجواء ما يعرف بأزمة مارس ١٩٥٤، ورصد القوى والعناصر المتحالفة فيها للتخلص من ثورة يوليو، ودور اللواء محمد نجيب فى خضم تحركات تلك القوى، ثم جريمة محاولة «جماعة الإخوان» اغتيال قائد الثورة جمال عبدالناصر أثناء إلقاء خطابه فى ميدان المنشية بالإسكندرية فى ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤... هنا بدأت تقل أخطاء الحلقات، ويزداد تدريجيًا صواب المواقف للمسلسل. نقول بهذا من منطلق الأمانة وباب الموضوعية.
«الجماعة ـ٢».. فى الميزان
الملاحظة الأولى:
يدعى وحيد حامد ـ وفى هذا تزييف للحقيقة ـ أن عبدالناصر كان قبل الثورة عضوًا فى جماعة الإخوان، وإن حاول أن يخفف من الادعاء بأن يشير إلى أن مواقفه كلها كانت محل تساؤل لدى الجماعة، وأنه طوال الوقت كان على مسافة بينه وبينهم.. (لا ندرى.. كيف: عضو.. وفى الوقت نفسه توجد مسافة واستفهام!!..). 
وطبعا.. كان حامد يكرر فى مشاهده تعبير (انقلاب) متعمدًا عما يعتزم عبدالناصر القيام به.. بل ويصرح عبدالناصر كثيرًا، لكثيرين، اعتزامه القيام بانقلاب.. وبطبيعة الحال، فإنه لو كان فعل مثل ذاك، لما نجح فى شىء على الإطلاق!!
الملاحظة الثانية:
فى ثلثه الأول، يبدو «الجماعة -٢».. «المسلسل المسخ».
وواضح أننا فى زمن المسخ.. «من كله!»... 
كدت أقول أمثلة.. إن المسلسل، يجلس، مثلا ناصر وزملاؤه فى مجلس الثورة أمام «سيد قطب».. كأنه مفكر استثنائى وأب روحى وزعيم كل الثوار... مع أنه كان كاتبًا عاديًا؛ ولم يكن علما «كطه حسين» وليس «كعزيز المصرى» الذى كان بحق أبًا روحيًا لعديدين!!
وكدت أقول مثلًا.. وبمناسبة «طه حسين»: إن من المعروف المشهور والثابت أنه أول من وصف حركة ٢٣ يوليو بأنها «ثورة».. وكتب أنها ثورة بكل ما تعنيه الكلمة والمصطلح من معان ودلالات.. كتب ذلك مبكرًا مفسرًا وتفصيلًا، فى مقال ذائع الصيت.
وكدت أقول مثلًا.. إن الملك فاروق بالتأكيد لم يكن كما أظهره المسلسل وصرح على لسانه، حريصًا على دم الضباط المصريين ليلة ٢٣ يوليو، فلم يطلب لهذا السبب، حتى يحافظ على عرشه، أى عون من الإنجليز أو الأمريكان، والثابت أنه طلب، وأنهم حسموا بأن امتنعوا..!! 
كدت.. أقول أمثلة، لكن وجدت أن أخطاء التزييف.. حتى فى الحلقة الواحدة، من حلقات الثلث الأول من المسلسل.. تكاد لا تحصى! ففى بعض الحلقات: فى كل مشهد مغالطة.. وفى كل لقطة غلطة..!!
ولا غرابة.. فقد اعتمد حامد على مراجع الكثير منها: إما إخوانية.. أو موقفها معاد عموما لثورة يوليو، بل ولجأ إلى شخص غير معروف يدعى «حمادة» ـ على ما نذكر! ـ واعتبره: مُراجعه التاريخى.. وهو شخص فيما يتضح ـ من كتابات له ـ مزيج من «هوى إخوانجى» وعداء أهوج مبتذل ضد ثورة يوليو، بل على نحو يدعو إلى الاستياء حتى المختلفين كثيرًا مع «٢٣ يوليو»...!!
الملاحظة الثالثة:
أقول.. مختلفًا حتى مع بعض الأصدقاء الأعزاء من الناصريين - وغيرهم.. حول حلقات مسلسل «الجماعة-٢» ابتداء من ثلثها الثانى: 
إن معظم ما ذكره المسلسل عن أزمة مارس ١٩٥٤ صحيح، وكل ما ذكره.. وليس فقط (معظمه) فى الحلقتين الجيدتين جدًا ١٦ /١٧ عن محاولة الإخوان اغتيال جمال عبدالناصر: هو.. صحيح.
ورغم التشويش والتزييف فى حلقات الثلث الأول: إلا أن التأثير مفيد وإيجابى للحلقات التى تتناول مؤامرات الإخوان ضد الثورة وقائدها عبدالناصر، والتى تصل إلى الذروة بجريمة محاولة اغتياله فى ١٩٥٤...
ولكى نعرف قيمة هذه الحلقات وتأثيرها شعبيًا؛ ينبغى أن نلتفت إلى الحقيقة المهمة التالية:
لقد كان جزءًا أساسيًا من مخططات الإخوان ومساعيهم ترسيخ أن محاولتهم اغتيال عبدالناصر، ما هى إلا أكذوبة كبرى لعبدالناصر ونظامه.. وأنها مجرد «لعبة» أو «تمثيلية» ناصرية لتكون ذريعة لأوسع تنكيل ممكن بالإخوان!!!.. ولصنع «مظلومية» كبرى مستمرة لصالحهم!!
وعلى امتداد ستة عقود؛ تتوارث وتردد أجيالهم هذا الزعم المنحط.. حتى لكأنهم صدقوا أنفسهم!.. بل ولا نخفى أن بعضًا من مواطنين عاديين، بعيدين عن الإخوان صدقوا.. أو على الأقل تأثروا بهذا الزعم والتزييف الواسع الدءوب السفيه للإخوان..!!
فإذا جاء اليوم مسلسل؛ يعرض على نطاق واسع، ولدينا معه عديد من الاختلافات المهمة الجلية.. لكنه يقول الحقيقة فى قضية محاولة الاغتيال بوضوح تام.. فعلينا أن نهتم بهذا.. ونؤكده.. ولا نكتفى بأن نؤكد رفضنا لما سبق أن رفضناه وما زلنا.. حول ما صوره المسلسل من علاقات فى البدايات بين عبدالناصر والإخوان.. أو بينه ومجلس قيادة الثورة وسيد قطب قبل تحوله إلى الإخوان، إلى آخر ما رفضناه من مواقف ومشاهد الثلث الأول من الحلقات..
بل إن حلقات أواسط المسلسل لم تكتف بإدانة الإخوان وفضح مواقفهم الدموية المستمرة؛ وتواطؤهم حتى مع المحتل البريطانى.. وإنما أكدت بوضوح أيضًا ضلوع اللواء محمد نجيب فى مؤامرة كبرى للإطاحة بالثورة... وأكثر من هذا أكدت حتى علمه بمحاولة اغتيال عبدالناصر.. وموافقته عليها ومباركته لها؛ بقوله الصريح.. الذى سمعناه ينفثه؛ فى اختتام «الحلقة ١٦»:
ـ «على بركة الله».
الملاحظة الرابعة:
بعد ذروة الحلقات عن مؤامرة وسط الخمسينيات بجريمة محاولة اغتيال جمال عبدالناصر (الحلقتين١٦ /١٧)، بدأ المسلسل بعد حوالى عشر حلقات (فى الحلقتين ٢٦ /٢٧) يقدم بقوة وبإقناع واستنادًا إلى حقائق وتحقيقات ووثائق، المؤامرة التخريبية الكبرى لجماعة الإخوان فى وسط الستينيات، والتى كان رمزها ومتزعمها ومتآمرها الأول سيد قطب.
وبدت رسالة واضحة، وتأكدت للمسلسل تدريجيًا، وبخاصة مع تقدمه فى الحلقات كاشفًا، مدينًا بقوة لطابع العنف والإرهاب المتأصل لدى جماعة الإخوان (منذ البذرة الفاسدة التى وضعها مؤسسها البنا، كما يأتى على لسان ناصر فى الحلقة ٢٧)، انطلاقًا من نظرة غلو تكفيرية، تصاعدت وبلغت مداها فى النصف الأول من الستينيات مع تنظيم سيد قطب وتنظيراته و«معالمه فى الطريق»...
وبعد، فى حديثنا عن المسلسل بين العيوب والمزايا.. نتوقف الآن أمام ما نعتبره العيب الأهم للمسلسل، بل أكبر حتى من كل ما سبق أن ذكرنا من عيوب.. وموعدنا بإذن الله استكمال الحديث الأربعاء المقبل.