الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما بعد داعش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان الرئيس باراك أوباما يرى أنّ مشكلات «داعش» و«القاعدة» في سوريا والعراق، ستستمر لثلاثين عامًا أو أكثر، وهذه إساءة تقدير كبيرة من جانب الدولة الأعظم بأجهزتها الفائقة الدقة والفعالية! فالأجهزة الفائقة هذه ما استطاعت تأمين الانتخابات الرئاسية في مواجهة القرصنة الروسية، وقبل ذلك فى مواجهة ويكليكس وملحقاتها. وقبل هذا وذاك فى مسألة غزو أفغانستان والعراق، فقد فشل الغزوان بمنظور التأمين وإعادة بناء الدولة، والآن تتواصل «طالبان» مع إيران وروسيا لزيادة حظوظها فى إعادة السيطرة على البلاد. أما فى العراق فإنّ «التمرد السنى»، بالتعبير الأمريكى، والذى بدأ عام ٢٠٠٤، لا تزال أشكاله تتعدد وتتفاقم وفى وجه ثلاثة تحديات: الأمريكى والإيرانى والشيعية الحاكمة بالعراق.
وعلى أية حال، فإن الفشل الأمريكى لا يزوّدنا بأية تعزية، لأن بلداننا هى مسارح وساحات النجاح أو الفشل الأمريكى. «داعش» يوشك أن ينتهى فى العراق وسوريا قبل نهاية عام ٢٠١٧ وليس بعد ثلاثين عامًا. وقد تبقى هناك بعض العمليات الإرهابية، لكن أسطورة «الدولة» انتهت أو أوشكت. وإذا قلنا إن الدور الرئيسى فى إنهاء «داعش» و«القاعدة»، كان ولا يزال للولايات المتحدة، فإن الشركاء على الأرض ما كانوا ولن يكونوا الشعوب المُصابة، بل الروس والإيرانيون والأتراك والإسرائيليون.. وأخيرًا العرب دولًا، والعرب مجموعات ومجتمعات محلية مصابة ومهجَّرة ومدمرة تحت رحمة الميليشيات الإيرانية والحرس الثورى والحكومات الطائفية فى سوريا والعراق.
ما الذى يحصل الآن للتفكير فى المستقبل القريب بعد «داعش» و«القاعدة»؟ الطريف أنه بالنسبة لسوريا ليس هناك شىء فى هذا الاتجاه يستحق الذكر. بدليل أنه حتى الدستور السورى العتيد تجرى مناقشته فى أستانا، بينما الذى كان مفروضًا أن يجرى ذلك في المفاوضات السياسية فى جنيف، بينما تكون أستانا للمسائل العسكرية والأمنية والتفكير فى الوقف التدريجى لإطلاق النار!
كيف سيدار البلد بعد نهاية الحرب، والتى ستنتهى هذا العام؟ فى العراق يقولون إنّ عندهم دستورًا وبرلمانًا، وقضاءً مستقلًا، وحكومةً معترفًا بها. لكن ثلث العراق مخرَّب، وهناك خمسة ملايين مهجر، فمن سينتخب فى العراق عام ٢٠١٨؟ إنما قبل ذلك، ماذا سيحدث بعد الاستفتاء الكردى؟ لقد حقق «داعش» والإيرانيون إنجازًا هائلًا لصالح إلغاء الدور الوطنى للعرب السنة. بيد أنّ توازن الرعب بين تركيا وإيران والحماية الأمريكية، حفظ الأكراد، ويشجعهم على الانفصال بدولةٍ مستقلة، وهكذا فالمشكلة الكردية، وتوترات الحدود مع تركيا، كُلُّ ذلك يجعل من «الحل الوطنى» ضعيفًا أو مستحيلًا. ويوشك نورى المالكى أن يعلن مثل نتنياهو فى فلسطين: ليس لنا شريك يمكن التفاوض معه!
والوضع فى سوريا أصعب، فالمتدخلون أكثر، وهم على تعددهم ليس بينهم فريق قوى يمثل شريحةً واسعةً من العرب السنة الذين هم أكثر الشعب السورى! فى العراق هناك فريق سنى مشرذم وضعيف لكنه ضمن النظام وفى البرلمان والحكومة والمؤسسات. أما فى سوريا؛ فهناك حالة إلغاء كامل بالداخل، ويتجه الروس إلى سحب الاعتراف بالهيئة العليا للمفاوضات التى تمثل المعارضة السياسية السورية. عند الروس والنظام السورى والإيرانيين تصور إعادة الوضع إلى ما كان عليه عام ٢٠١٠، والأسد هو الرئيس، بيد أنّ الروس والميليشيات الإيرانية هى المسيطرة على الأرض. وإذا كانت هناك فكرة لانتخابات في سوريا عام ٢٠١٩، فنصف الشعب السورى سيكونون غائبين. والغائبون (كما فى حالة إسرائيل مع الفلسطينيين) لا حقوق لهم!
والوضع فى ليبيا أفضل بسبب وجود شرعيتين وليس شرعيةً واحدة: واحدة دولية فى المجلس الرئاسى، وأُخرى فى الشرق بحكم وجود البرلمان المنتخب. وهكذا يمكن التفكير في حل إذا تعاون العرب من أنصار الشرعيتين أو إحداهما من أجل التوفيق. وقد يكون تعيين غسّان سلامة مبعوثًا أمميًا، وهو المعروف بخبرته فى الأزمات والمفاوضات، وسيلة معينة على الحل.
والوضع في اليمن قد يكون أفضل حتى من الوضع في ليبيا، وذلك لوجود خريطة مستقرة للحل واستعادة الشرعية، فالانقلاب تضاءلت حظوظه، وإذا أمكن سد أبواب الإمدادات من ميناء الحديدة عنه، لا يبقى ما يمكن له الاستناد إليه. إنما الخشية أنّ الانفصاليين الجنوبيين لا يريدون حتى الانتظار لحين سقوط الانقلاب. وهذه شرذمةٌ وسط الجوع والكوليرا وخراب الدولة وانقسام الجيش!
الصعوبات كثيرة فى دول الاضطراب، وقد تبعث على اليأس، لكنّ الذين نجوا منا من حروب إيران وتركيا والروس والأمريكان، يمكن أن يشاركوا إخوانهم المصابين فى التفكير بما بعد الاضطراب.
نقلا عن «الاتحاد» الإماراتية