الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مبادرة الأزهر لمكافحة الكراهية تحظى باهتمام المثقفين

الإمام الأكبر الدكتور
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت مبادرة الأزهر الشريف التي أعلن عنها مؤخرا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في صورة "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين" اهتماما كبيرا بين المثقفين المصريين.
ويأتي مشروع القانون في سياق جهود الأزهر الشريف لمكافحة العنف والتطرف فيما يسعى لنشر الخطاب المستنير ويؤكد على قيم المواطنة والتسامح والتصدي لكل ما من شأنه إثارة الأحقاد والكراهية وتهديد العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد.
وأعرب وزير الثقافة الكاتب حلمي النمنم عن سعادته بإعلان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر عن إعداد مشروع قانون لمكافحة الكراهية. مؤكدا أن تجديد الخطاب الديني مسئولية المجتمع ككل وتتطلب مشاركة علماء الدين والاجتماع والمشرعين القانونيين.
وفي مقابلة تلفزيونية بثت مؤخرا، قال النمنم: إن نشر الأعمال الفنية والكتب الأدبية على نطاق واسع يشكل أحد سبل التجديد، لافتا إلى أن "عدم تجديد الخطاب الديني يدفع ثمنه المجتمع بأكمله".
إذا يؤكد الخطاب الرسمي المصري عبر مضامين متعددة أن أفكار وممارسات التطرف والإرهاب موجهة في الحقيقة ضد جوهر الدين الحنيف، فإن هذه الظاهرة تفرض قضايا ثقافية بالدرجة الأولى.
وتتفق جمهرة المثقفين في مصر على أن تجديد الخطاب الديني يعني التمسك بثوابت الدين مع مواجهة الأفكار الخاطئة والمفاهيم الغلوطة التي انتجها اشخاص في عصور مختلفة وباتت تشكل إسنادا لجماعات التطرف والإرهاب.
وهكذا يقول الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي إن "اركان الدين وأصوله ثابتة لا تتغير ولا تتحول من عصر إلى عصر آخر" وتجديد الخطاب الديني "لايعني إعادة النظر فيما نؤمن به من الأصول والأركان".
وأوضح حجازي أن "الخطاب الديني ليس كلاما في الدين وإنما كلام في الدنيا من وجهة نظر دينية وبما أن شئون الدنيا تتطور وتتغير ولأننا أعلم بشؤون دنيانا كما قال لنا الرسول في حديثه المشهور فالخطاب الديني لابد وأن يتجدد ويتطور بالرجوع إلى مقاصد الدين ومثله العليا".
ويتفق الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي مع الرأي الذي يؤكد أن "تجديد الخطاب الديني مسألة حياة أو موت". موضحا أن القضية تكتسب كل هذه الأهمية من ضرورتها في مواجهة الإرهاب والإرهابيين الذين يهددون الحياة.
وإذا كان الإرهاب يعبر عن ثقافة ظلامية فهناك حاجة لثقافة التنوير التي تتضمن تجديد الخطاب الديني وهى مسألة ترجع كما يقول أحمد عبدالمعطي حجازي إلى بداية النهضة الحديثة منذ قرنين حيث نادي مثقفون بتجديد الخطاب الديني.
ومن قبل لفت حجازي مرارا إلى أهمية "التمييز الحاسم بين الدين وبين الخطاب الديني" وليذهب إلى أن "الحوار الدائر حول الخطاب الديني لم يبدأ اليوم وإنما بدأ في اللحظة التي انتقلت فيها مصر من حال كانت تواصل فيه حياتها الموروثة من العصور الوسطى وتحتكم فيه لثقافة هذه العصور إلى حال أخرى تغيرت فيه حياتها تغيرا جوهريا وتغيرت ثقافتها".
وقال حجازي: "في الخطاب الديني الجديد نعود للأصل أي للجوهر الباقي، نستلهم مافي الإسلام من طاقات روحية لاتنفد ومثل عليا صالحة لكل زمان ومكان وإجابات عن أسئلة الحاضر أكثر بكثير من الاجابات التي قدمها لأسئلة الماضي وأقرب إلى روحه".
ونوه أن الأزهر مؤسسة علمية عريقة فيما تولى مشيخته علماء كبار جمعوا ما بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية من أمثال مصطفى المراغي وومصطفى عبدالرازق وأحمد الطيب وظهر فيه مثقفون يطالبون بالتجديد ويدافعون عن العقل وينحازون للديمقراطية من أمثال علي عبدالرازق وخالد محمد خالد. 
وإذا يشيد بدور ورموز الأزهر الشريف وينطلق من مفهوم يربط بين الخطابين الديني والثقافي وفحواه أن "قضية تجديد الخطاب الديني تحتاج إلى مناخ ثقافي وفكري يعيد للثقافة المصرية قيمتها ودورها التاريخي"، يرى الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة أن تجديد الخطاب الديني "جزء من قضية أهم وأخطر وهى واقع الثقافة المصرية " معتبرا أن هذا الواقع الثقافي "عانى من التراجع وغياب القضية وفقدان الهدف والهوية".
وفيما يؤكد "خطأ الفصل التعسفي" بين قضايا الخطاب الديني والثقافة يعيد جويدة للأذهان دور ثلة من المثقفين المصريين في خدمة القضايا الدينية استنارة واجتهادا معددا بعض الأسماء مثل عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد "صاحب العبقريات والدراسات عن شخصيات ورموز اسلامية عظيمة" والتي كانت في جوهرها حوارات في الفكر والتاريخ والقيمة" وكذلك كتابات عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والمفكر خالد محمد خالد والأديب عبد الرحمن الشرقاوي فضلا عن العالم الأزهري والأديب امين الخولي والدكتورة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ".
ولم يكن من الغريب أن تكون الثقافة المحمدية الأصيلة برؤاها الثرية وابعادها المتراكبة نبع الهام لكثير من المبدعين والمفكرين في العالم ومن بينهم في مصر على سبيل المثال أمير الشعراء احمد شوقي صاحب قصيدة "ولد الهدى فالكائنات ضياء"، ناهيك عن المفكر العملاق عباس محمود العقاد وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فضلا عن آباء ثقافيين مثل الدكتور محمد حسين هيكل وعبد الحميد جودة السحار.
وأوضح الشاعر والكاتب في جريدة الأهرام فاروق جويدة أن "هؤلاء جميعا كانوا يناقشون القضايا الدينية كقضايا فكر وانسان ولهذا كانت افكارهم أكثر سماحة وأوسع أفقا من هؤلاء الذين انحصرت افكارهم في خنادق فكرية مغلقة ومظلمة" فيما يعتبر أن الثقافة المصرية في واقعها الراهن وبعد رحيل هذه النخبة من الرموز الثقافية "افتقدت هذه الرؤى الشاملة في قضايا الدين".
ومع ذلك رأى جويدة ان الثقافة المصرية التي تقوم على ثوابت تاريخية يمكن أن ننطلق منها إلى واقع ثقافي أفضل "فهناك مكتبات عريقة وجامعات صنعت التاريخ وهناك مبدعون كبار لابد أن نحملهم بعيدا عن ساحات التهميش والتجاهل وهناك نماذج رفيعة في أنشطة ثقافية مضيئة وناجحة". مؤكدا أهمية تفعيل دور قصور الثقافة الجماهيرية والاهتمام بأنشطتها.
وفي سياق التعليق على مبادرة الأزهر ومشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، اعتبر مثقف مصري آخر هو الدكتور أسامة الغزالي حرب أن "المشكلة الجوهرية التي تواجه مجتمعنا والعالم كله هى مشكلة الإرهاب الأسود باسم الإسلام"، وهى مشكلة تعطي دفعة قوية للدعوة إلى تجديد الخطاب الديني والتي اهتم بها مثقفون مثل الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل.
وفي سياق قضايا تجديد الخطاب الديني، يلفت الكاتب الدكتور عمرو عبد السميع إلى أهمية كتاب جديد لعالم الاجتماع الدكتور أحمد زايد صدر مؤخرا بعنوان "صوت الأمام..الخطاب الديني من السياق الى التلقي".
وقد يتفق بعض ماورد في هذا الكتاب الجديد مع المفهوم الذي طرحه الكاتب والشاعر فاروق جويدة حول الارتباط الوثيق بين الخطابين الديني والثقافي حيث يخلص الدكتور أحمد زايد إلى أهمية "تجديد العقل والثقافة كوسيلة لتجديد الخطاب الديني".
وفيما وصف الدكتور عمرو عبدالسميع هذا الكتاب الجديد "بالمهم للغاية والذي يضع ايادينا على الفهم الصحيح لتجديد الخطاب الديني"، كان مثقف مصري أحر هو الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق وصاحب كتاب "التنوير والدولة المدنية" قد نوه بأن العديد من اعلام الأزهر هم تنويريون بالمعنى الذي يقرن التنوير بأعمال العقل كما يقول الأمام محمد عبده مؤكدا أن أعمال العقل لايتناقض مع النص الديني.
وشدد عصفور على أن الأزهر الشريف "أنتج الحركة الأولى للثقافة والتنوير"، منوها بأن الأزهر يرأسه "شيخ جليل واسع الأفق لايكف عن أداء دوره التنويري الذي يؤكد القيم العقلانية للفكر الإسلامي ويمضي في السنة الحميدة التي تواصل فتح ابواب الاجتهاد".
وأشار إلى أن الاختلاف في الرأي "لازمة من لوازم فتح أبواب الاجتهاد"، فيما أكد أن "جموع المثقفين ترى في الأزهر حصنا أمينا للأسلام الوسطي المستنير". 
وإذا كانت إشكاليات مواجهة الفكر المتطرف والمجافي للوسطية الإسلامية كما تجلت في رسالة الحبيب المصطفى للعالمين ليست وليدة اليوم فلعلنا بحاجة لقراءة جديدة في تراث مضيء لأعلام الدعاة وكوكبة من علماء الأزهر الشريف وفي طليعتهم الإمام الدكتور عبد الحليم محمود والشيخ محمد متولي الشعراوي والإمام جاد الحق علي جاد الحق والدكتور أحمد حسن الباقوري.
وإذ يطالب الكثير من المثقفين المصريين "بتحديث الخطاب الديني وإعلاء قيم التنوير والاجتهاد الحر" متفقين على أننا بحاجة إلى "ثورة فكرية لمواجهة الإرهاب الذي يبدأ بدوره من الأفكار" فان جمهرة المثقفين يدركون أيضا أن الأزهر الشريف بمقدوره القيام بتلك المهمة اتساقا مع دوره العظيم كمنارة إيمانية لها مكانة سامية في قلوب المصريين وعلى مستوى العالم الإسلامي ككل.
وقد يقع جانب كبير من تلك المهمة على عاتق التلفزيون الوطني بإعادة بث هذا التراث العزيز على الشاشة التي يتابعها ملايين المشاهدين وهم في سوادهم الأعظم يتشوقون لأحاديث وشروح تلك الكوكبة المضيئة من العلماء والمفكرين والآباء الثقافيين ورموز الوسطية من دعاة استوعبوا رسالة خاتم الأنبياء والرحمة المهداة لكل البشر.
ومن هنا يرى العديد من المثقفين أن على التلفزيون بحكم تمتعه بقاعدة كبيرة وعريضة من المتلقين الإمساك بزمام المبادرة بين وسائل الإعلام المختلفة وإعداد باقة من البرامج التي تحقق الاستفادة المثلى من تراث تركه لنا علماء ودعاة كبار كان بمقدورهم التعامل مع اعقد القضايا الفكرية والانتصار لصحيح الإسلام وجوهر رسالة الحبيب المصطفى.
ومشروع كهذا هو في الواقع مشروع إعلامي-ثقافي يخدم القاعدة العريضة من الجماهير في مصر والعالم العربي بقدر مايكشف شطط وانحراف جماعات التطرف وتنظيمات الإرهاب التي تتخفى وراء شعارات دينية فيما تروع الأمة بممارساتها الباغية وتخدم أعداءها وأجندات قوى الشر الرامية لمزيد من تمزيق العالم العربي والإسلامي.
وفيما أعاد الكاتب والشاعر الكبير للأذهان كتابات الدكتور نظمي لوقا عن رسول الإسلام، حق لهذا المثقف المصري أن يتحدث عن ظاهرة غريبة ومريبة مثل مايسمى "بتنظيم داعش" وان يقول:"ولم يكن غريبا أن تستدعي داعش كل التاريخ الدموي في الذاكرة العربية والإسلامية ابتداء بتاريخ الخوارج" فيما رأى أن هناك ترتيبات تجرى في الخفاء منذ سنوات لإشعال الفتن.
وثمة طروحات عديدة لمثقفين مصريين توضح أن الحرب على الإرهاب تثير الكثير من القضايا الفكرية والثقافية والحضارية التي تتجاوز جوانبها الأمنية فيما تدرج تلك القضايا إجمالا تحت عنوان"التنوير والنهضة"..والآن يؤيد هؤلاء المثقفون المبادرة الجديدة للأزهر الشريف ويقف الجميع في جبهة واحدة دفاعا عن صحيح الدين وانتصارا للتنوير والنهضة..أنها حرب تقودها مصر لدحر هجوم الفجيعة والظلام.