الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

العلاقات "القطرية - الإيرانية".. خطيئة الارتماء في أحضان طهران

هكذا حفرت الدوحة بئر الخيانة

إيران وقطر
إيران وقطر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دراسة: «دويلة الإرهاب» فتحت الباب لإيران للتدخل فى المنطقة عام 1992 
«حمد» زار طهران عام 2002 فى سابقة هى الأولى من نوعها ورفض وقف البرنامج النووى عام ٢٠٠٦ فى مجلس الأمن من بين ١٥ عضوا

فجر يوم 5 يونيو 2017 قررت كل من: السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر، البحرين، اليمن، ليبيا، جزر المالديف، جزر القمر، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، وفى يوم 6 يونيو 2017، أعلن الأردن عن تخفيض التمثيل الدبلوماسى مع قطر، وإلغاء تصريح مكتب قناة الجزيرة فى الأردن، كما أعلنت سلطات موريتانيا عن قطع علاقاتها الدبلوماسية رسميًا مع دولة قطر، وفى 7 يونيو أعلنت جيبوتى عن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر. 
ورغم أن الأسباب المعلنة لتلك القطيعة تضمنت اتهامات مختلفة، تراوحت من دعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية فى المنطقة إلى شق الصف الخليجي، ولكن الكثير من المحللين اعتبروا أن السبب الرئيسى يكمن فى العلاقات التى تربط الدوحة بالعاصمة الإيرانية طهران، وهى العلاقات التى أدى نموها وتطورها إلى إثارة المخاوف الخليجية المستفزة أصلا من امتداد النفوذ الإيرانى إلى عدة عواصم عربية.
فقطر وإيران ترتبطان بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة، وخلافا لأغلب دول مجلس التعاون الخليجى خصوصا السعودية والإمارات العربية المتحدة، تمتنع قطر عن انتقاد الأنشطة الداخلية والخارجية الإيرانية، بل وتتعاون معها منذ عقود رغم الحصار والمقاطعة الدولية التى كانت مفروضة على الجمهورية الإيرانية حتى توقيع الاتفاق النووى عام ٢٠١٥.

ترتبط قطر وإيران بعلاقات اقتصادية وثيقة، وخاصة فى صناعتى النفط والغاز، حيث يأتى جزء كبير من نفط قطر من حقل غاز الشمال المرتبط بإيران، والذى تصفه تقارير الوكالة الدولية للطاقة بأكبر حقل غاز فى العالم ويضم ٥٠.٩٧ تريليون متر مكعب من الغاز، وتبلغ مساحته نحو ٩.٧٠٠ كيلومتر مربع منها ٦.٠٠٠ فى مياه قطر الإقليمية و٣.٧٠٠ فى المياه الإيرانية، وتنتج قطر ٦٥٠٠ مليون متر مكعب من الغاز يوميًا من قسمها فى الحقل، وتنتج إيران ٤٣٠ مليون متر مكعب من الغاز من الحقل.
بالإضافة لذلك بلغ حجم التبادل التجارى بين قطر وإيران عام ٢٠١٥م ٥ مليارات دولار، وهناك مساعٍ متبادلة وجدية بين قطر وإيران من أجل رفع حصة التبادل التجارى بين الطرفين، خاصة بعد رفع العقوبات عن طهران، وعقب المقاطعة العربية الأخيرة لقطر من المرجح أن يزداد حجم التعاون التجارى، ويصل إلى مستويات غير مسبوقة، بعد أن أعلنت إيران عن استعدادها لتوفير سلع ومستلزمات لسد النقص لدى القطريين، وكان مساعد الشئون الاقتصادية لمحافظ بوشهر، سعيد زرين فر، قد أعلن أنه «نظرًا للمسافة القريبة بين بوشهر وقطر، سيتم تخصيص ميناء بوشهر كمركز للتبادل الاقتصادى بين إيران والدوحة بهدف تنمية الصادرات بين الجانبين».


تعتمد قطر بشكل كبير على أدواتها الإعلامية ومؤسساتها الثقافية كنقاط للتأثير فى محيطها العربى والإقليمي، والنظر إلى الطريقة التى غطت بها قناة الجزيرة القطرية الانتخابات الإيرانية الأخيرة مثلا، يوضح التوجه القطرى نحو إظهار إيران كدولة ديمقراطية تتجاوز ديمقراطية الغرب، متناسية ديكتاتورية نظام الملالى وقمعه للشعوب وتدخلاته فى المنطقة، فمثلا خلال الانتخابات الأخيرة استضافت إيران نحو ٣٩ من مندوبين فى المؤسسات الإعلامية والبحثية القطرية، وأوفدت قناة «الجزيرة» فريقا يضم نخبة من المذيعين على رأسهم التونسى محمد كريشان، وعقب قرار الدول العربية الأخير بمقاطعة قطر، تغيرت لهجة الإعلام القطرى تجاه إيران وأذرعها، حيث استخدم موقع الجزيرة على الإنترنت مصطلح «الجيش العربى السوري» بدلًا من مصطلح «قوات النظام» الذى استخدمته منذ العام ٢٠١١م، وقامت الجزيرة أيضا بتغطية خطاب حسن نصرالله الذى هاجم فيه قمم الرياض الثلاث التى عقدت مؤخرا.
وحتى ثقافيًا، تعمقت العلاقات بين البلدين لدرجة قيام قطر بتمويل بعض الأفلام الإيرانية بشكل مباشر، إذ قامت «مؤسسة الدوحة للأفلام» التى تملكها «المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثانى» شقيقة أمير قطر بتمويل فيلم «البائع» الإيرانى الحاصل على أوسكار ٢٠١٧، وإثر ذلك تصاعدت احتجاجات داخل الأوساط الثقافية فى طهران، ونشر وقتها عدد من المقالات بالصحف الإيرانية تهاجم تمويل قطر لأفلام إيرانية، وذلك بسبب دعم قطر للإرهاب التكفيرى فى المنطقة، كما حذرت الدوائر السياسية المخرج الإيرانى «فرهادى» من التعامل مع قطر.

فى ٢٠ سبتمبر ١٩٦٩ تم إبرام اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وتقسيم الجرف القارى بين إيران وقطر، وفى عام ١٩٧١، حصلت قطر على استقلالها السياسي، وكانت علاقتها السياسية مع شاه إيران جيدة، مثلها مثل باقى الدول الخليجية.
ولكن بعد اندلاع الثورة فى إيران والإطاحة بالشاه وإقرار نظام الحكم الإسلامى فى إيران، عام ١٩٧٩، بدأت حالة من العداء الصريح بين إيران من جهة وحكام الخليج من جهة أخرى، واعتاد آية الله الخمينى انتقاد الحكام العرب ووصفهم بالخيانة والتآمر والخضوع لأمريكا.
وأثناء حرب الخليج الأولى (١٩٨٠-١٩٨٨)، وقفت قطر مع دول مجلس التعاون الخليجى فى موقفها المساند للجارة العربية، ودعمت العراق ووقفت فى صف رئيسه الأسبق صدام حسين فى حربه ضد إيران، وتُرجم ذلك الدعم فى تقديم الكثير من القروض والمنح للنظام العراقى.
ولكن بدأ التقارب بين قطر وإيران، عام ١٩٩٢، حين ساهم الخلاف الحدودى بين السعودية وقطر على منطقة الخفوس، فى تطبيع العلاقات الثنائية بين طهران والدوحة، بعدما استغل الرئيس الإيرانى الأسبق هاشمى رفسنجانى ذلك الخلاف، وأعلن مساندة إيران لقطر، ما حدا بالأمير القطرى خليفة بن حمد آل ثانى، جد الأمير الحالى، إلى إرسال رسالة شكر له لموقفه الداعم لقطر.
وفى نفس العام تم وضع خطط لنقل المياه العذبة بالأنابيب من نهر كارون فى إيران إلى قطر، ولكن بعد المقاومة المحلية فى إيران، تم التراجع عن هذه الخطة.
وفى بداية عام ١٩٩٩، قام الرئيس الإيرانى محمد خاتمى بزيارة إلى الدوحة شهدت «توقيع عدد من الاتفاقيات فى مجالات مختلفة، أهمها التفاهم حول عدد من القضايا السياسية الإقليمية والدولية، وإدانة الدولتين لظاهرة الإرهاب، وضرورة التمييز بين العمليات الإرهابية والمقاومة المشروعة».
وشهدت تلك الزيارة أيضا دعم إيران للدوحة لاستضافة مؤتمر القمة الإسلامية حينها، وكان أحد الآثار المهمة لتلك الزيارة، التنسيق بين الطرفين لدعم حركة حماس الفلسطينية، وهو الأمر الذى صار من أقوى نقاط التقارب بين الدولتين فى الفترة اللاحقة.
فى عام ٢٠٠٠، قام أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثانى، بزيارة إلى طهران، وكانت تلك الزيارة هى الأولى التى يقوم بها حاكم دولة خليجية إلى الجمهورية الإيرانية منذ اندلاع الثورة الإسلامية والإطاحة بحكم الشاه.
وفى عام ٢٠٠٦، قام الأمير القطرى بزيارة أخرى إلى العاصمة الإيرانية، وظهر أثر التقارب الناتج عنها فى يوليو من العام نفسه، عندما كانت قطر العضو الوحيد، من بين ١٥ عضوًا فى مجلس الأمن، الذى صوّت ضد قرار المجلس رقم ١٦٩٦ والذى طالب إيران بوقف العمل فى برنامجها النووى.
ودعت قطر آنذاك إلى حل جميع القضايا والخلافات بين الدول بالطرق السلمية، وقال مندوبها لدى مجلس الأمن إن من حق إيران امتلاك برنامج نووى سلمى، وفى الوقت نفسه من حق المنطقة أيضا أن تعيش فى أمن واستقرار.


بلغ التعاون بين الدولتين ذروته فى ديسمبر ٢٠٠٧، عندما قامت قطر بتوجيه دعوة رسمية للرئيس الإيرانى المنتخب محمود أحمدى نجاد، لحضور مؤتمر قمة الخليج الثامنة والعشرين فى الدوحة كضيف شرف، وكان نجاد أول رئيس دولة أجنبية يحضر تلك القمة، ما أثار دهشة بعض الدول الخليجية واستهجانها.
بالتوازى مع تطور العلاقات السياسية بين البلدين، بدأت العلاقة فى المجال العسكرى تتطور وتظهر أكثر فأكثر، ففى عام ٢٠١٠، زار حمد بن جاسم أمير قطر السابق طهران، والتقى المرشد خامنئى، وخلال الزيارة وقع البلدان اتفاقية أمنية بين ممثلين عن الحرس الثورى وقيادات عسكرية قطرية، وفى العام نفسه بدأ تبادل للزيارات بين البلدين، حيث زار وزير الدفاع الإيرانى العميد أحمد وحيدى قطر، ووقع مع قائد أركان القوات المسلحة القطرية اللواء حمد بن على العطية على وثيقة التعاون الدفاعى بين البلدين. وفى عام ٢٠١٣ تم الكشف عن لجوء الدوحة إلى القوات الإيرانية، لتدريب خفر السواحل القطرية فى مجال مكافحة المخدرات، فضلا عن قيام الدولتين بمناورات مشتركة بين قوات خفر السواحل الإيرانية ونظيرتها القطرية، تم الإعلان عنها على هامش انعقاد الاجتماع الـ١١ للتعاون بين خفر السواحل إيران وقطر فى جزيرة كيش جنوب إيران.


التعاون العسكرى بين الدولتين بلغ ذروته عام ٢٠١٥، وشهد هذا العام توقيع اتفاقية أمنية وعسكرية بين الجانبين تحت مسمى «مكافحة الإرهاب والتصدى للعناصر المخلة بالأمن فى المنطقة»، وفى أكتوبر ٢٠١٥ التقى قائد حرس الحدود الإيرانى قاسم رضائى بمدير أمن السواحل والحدود فى قطر على أحمد سيف البديد، وانتهى اللقاء إلى توقيع اتفاقية تعاون لـ«حماية الحدود المشتركة» بين البلدين، وتعزيز التعاون الأمنى لأول مرة بين «الحرس الثورى والجيش القطرى».
لم تعلن الدوحة عن كل بنود هذه الاتفاقية، ولكن ظهر عقب ذلك أن الاتفاقية تعطى «حق تدريب قوات قطر البحرية للقوات البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى فى المنطقة الحرة بجزيرة قشم جنوب إيران»، ومن هنا بدأت الدوحة فى تدريب قواتها البحرية قليلة العدد على يد الحرس الثورى، فضلا عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع الحرس الثورى أيضًا، وسعت الدوحة وقتها لتمرير موافقة مجلس التعاون على فكرة اقترحتها طهران لإنشاء «منظومة دفاعية أمنية إقليمية» لكن مساعيها باءت بالفشل مع تصاعد النفوذ الإيرانى، وارتفاع حجم المخاوف من تحركاتها.
انعكست العلاقات العسكرية بين البلدين على التنسيق والتعاون بين وكلائهما فى الإقليم، وظهر هذا جليًا عقب ثورات الربيع العربي ٢٠١١، وما تلاها من أحداث انخرط فيها الوكلاء الإقليميون للدولتين، فرغم الاختلاف الاستراتيجى بين رؤى قطر وإيران بخصوص مستقبل الصراع فى سوريا وفى اليمن، إلا أنهما استطاعا الحفاظ على حد أدنى من التنسيق، ولم ينجرا إلى الدخول فى صراع مباشر.
وما تقوم به اليوم قطر فى سوريا، يؤكد التناغم بين الدوحة وطهران، خاصة فى الصفقات التى ترعاها قطر بين جبهة النصرة ونظام الأسد والميليشيات الإيرانية فى تبادل المناطق وتهجير السكان على أساس طائفى، كما حدث فيما سمى اتفاق المدن الأربع الذى هجر بموجبه سكان مدينتى مضايا والزبدانى، مقابل ترحيل سكان قريتى الفوعة وكفرية اللتين تقعان تحت يد قوات تابعة لإيران، وتزامن هذا الاتفاق مع زيارة وزير خارجية قطر إلى بغداد ولقائه مع قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى.


العلاقة بين جماعة الحوثيين اليمنية ظهرت للعلن أول مرة أثناء مواجهات صعدة الرابعة والتى حدثت فى الفترة بين (يناير ـ يونيو) ٢٠٠٨، وبدأت فى ٢٨ يناير ٢٠٠٧ عندما اشتبكت عناصر من الحوثيين مع القوات اليمنية وقتلت ٦ جنود وأصابت ٢٠ آخرين، وبعدها حدثت مواجهات أخرى خلفت عشرة قتلى وأكثر من عشرين جريحا، وفى شهر فبراير، شنت القوات اليمنية حملة على صعدة قتل خلالها ما يزيد على ١٦٠ من الحوثيين، وتقدمت نحو منطقة مطرة الجبلية، آخر معاقل المتمردين شمال محافظة صعدة.
ولكن تدخلت قطر بالوساطة، وتم الاتفاق على هدنة فى ١٦ يونيو تقضى بوقف تقدم الجيش اليمنى نحو منطقة مطرة، والإفراج عن مساجين حوثيين فى السجون اليمنية، مقابل تسليم سلاح المتمردين، وأن يتم إبعاد عبدالملك الحوثى وعدد من القيادات الأخرى إلى الدوحة، على أن تتولى قطر دفع مساعدات وتعويضات وإعادة الإعمار. واعتبرت قيادات الجيش اليمنى وقتها أن الوساطة القطرية أنقذت الحوثيين من الهزيمة والقضاء عليهم، واتهمت الرئيس المخلوع على عبدالله صالح الذى كان حاكمًا فى تلك الفترة، بالاستسلام للإغراءات وعقد صفقة مع قطر التى تعهدت أيضًا بتقديم مبالغ مالية كبيرة كمساعدات مقابل إيقاف الحرب، لكن الحوثيين بمجرد إعادة ترتيب أوراقهم، أشعلوا مواجهات جديدة فى العام التالى، وتنصلوا من كل الاتفاقيات.
فحدثت مواجهات أخرى عام ٢٠٠٨، ومرة أخرى فى عام ٢٠٠٩ وهى الحرب التى تدخلت فيها السعودية بآلياتها ومعداتها العسكرية لدعم الجيش اليمنى، قبل أن تتدخل قطر لترعى توقيع اتفاقية الدوحة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين فى ٢١ يونيو ٢٠١٠، وهو الاتفاق الذى فرض وجود الحوثيين كجزء من معادلة النظام فى اليمن، وخلال كل هذه المراحل كانت الدولة القطرية بأدواتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية داعمة للتمرد الحوثى بشكل علنى أحيانا، وبطريق غير مباشر فى أحايين أخرى.


لا يمكن نسيان كلمة رئيس البرلمان اللبنانى الحليف الأبرز لجماعة «حزب الله» نبيه برى فى عام ٢٠٠٨ بعد اتفاق الدوحة الذى توصلت إليه الفصائل اللبنانية لإنهاء ١٨ شهرًا من الأزمة السياسية فى لبنان شهدت بعض الفترات منها أحداثًا دامية.
كان واضحًا خلال الدعم القطرى لحزب الله وحلفائه (فريق الثامن من آذار) مقابل تيار المستقبل وحلفائه (فريق الرابع عشر من آذار)، ولكن حينها لم يكن هناك سبيل سوى الاتفاق؛ إذ إن الأزمة كانت قد أصابت حياة المواطن اللبنانى بالشلل بعد أن قامت ميليشيات حزب الله بإغلاق أهم مراكز بيروت الاقتصادية والسياسية.
وبعد الاتفاق توجه نبيه برى بالشكر لأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى قائلا: «أول الغيث قطرة.. فكيف إذا كان قطر؟».
وبعدها كانت المحطة الأبرز التى جعلت حزب الله يستقوى على سائر الفرقاء اللبنانيين هى الزيارة التى قام بها أمير قطر السابق للبنان عام ٢٠١٠، حيث حلّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى ضيفًا على جنوب لبنان معقل حزب الله، وقام بجولة على القرى التى أسهمت قطر فى إعمارها بعد الحرب مع إسرائيل فى عام ٢٠٠٦.
وقد استقبل أمير قطر وقتها بترحاب كبير فى البلدات التى مر فيها، وامتلأت الشوارع اللبنانية المختلفة بإعلانات تحمل عبارة «شكرًا قطر»، كما نظّم له «حزب الله» استقبالًا شعبيًا مشهودًا فى «بنت جبيل» معقل الحزب، وخلال الزيارة، التى صاحبه فيها أيضًا الرئيس السابق ميشال سليمان والرئيس سعد الحريرى، سجّل «حزب الله» حضورًا لافتًا من خلال عدد من قيادييه، بينهم مسئول الحزب فى الجنوب حينها الشيخ نبيل قاووق، وعدد كبير من أعضاء مجلس النواب اللبنانى عن الحزب.
أعطت زيارة أمير قطر للجنوب اللبنانى ـ فى ذلك الوقت ـ دفعًا كبيرًا للدعاية الإعلامية التى يتبناها «حزب الله» وحلفاؤه، والقائمة على أساس أن سوريا وإيران، مضافًا إليهما قطر، باتت تشكل محورًا إقليميًا فى مواجهة محور «الاعتدال» العربى، ما من شأنه تغيير وجه المنطقة، بما فى ذلك لبنان.


كشفت مؤخرا صحيفة «الوطن» البحرينية، جانبًا من تفاصيل التدخل القطرى فى الشئون الداخلية البحرينية خلال أزمة ٢٠١١، وهى الأزمة التى اندلعت عقب احتجاجات شعبية، دفعت المملكة البحرينية إلى طلب الاستعانة بقوات «درع الجزيرة»، وقالت الحكومة وقتها إن القوات جاءت لتأمين المنشآت الاستراتيجية، فيما اعتبرتها إيران غزوًا للبحرين.
وبيّنت المعلومات التى كشفت عنها الصحيفة، طبيعة الاتصالات التى تمت بين الدوحة وطهران مع جمعية «الوفاق» الشيعية، حيث أسهمت تلك الاتصالات فى التحضير لإطلاق المبادرة القطرية للأزمة وأبرز محاورها تشكيل حكومة انتقالية فى البحرين والطلب الرسمى لانسحاب قوات «درع الجزيرة» من المنامة.
وأشارت التفاصيل إلى قيام رئيس الوزراء القطرى السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثانى، فى مارس ٢٠١١، باتصالات مكثفة مع أمين عام جمعية «الوفاق» على سلمان، قبل دخول قوات «درع الجزيرة» بفترة بسيطة إلى البحرين، وقدم فى اتصالاته تلك مجموعة من الأفكار واعتبرها لاحقًا مبادرة قطرية للمنامة.
خلال اتصالات الشيخ حمد مع جمعية «الوفاق»، طلب منها «ضرورة التنسيق بينها وبين الجمعيات المتحالفة معها لضمان استمرار المحتجين فى دوار مجلس التعاون، بحيث تقوم قطر بالضغط على حكومة البحرين من أجل أن تفتح الجهات الأمنية جميع الطرق للجمهور، وإيقاف الحراسات الأهلية، وكذلك نقاط التفتيش الشعبية». كذلك قدم رئيس الوزراء القطرى تصورًا لجمعية الوفاق من أجل «إطلاق حوار وطنى فى أقرب فرصة من أجل مناقشة مطالبها السياسية، على ألا يتم انسحاب المتظاهرين من دوار مجلس التعاون إلا بعد شهر من بدء الحوار». وخلال المباحثات القطرية الوفاقية طلب الوسطاء البحرينيون مجموعة من المطالب، وقدموها للشيخ حمد الذى وعدهم بالعمل عليها ووصفها بـ«الأفكار الإيجابية والمهمة». وفى ضوء تلك الاتصالات بلور رئيس الوزراء القطرى وثيقة «المبادرة القطرية» التى تطلب من حكومة البحرين تنفيذ ٤ خطوات أساسية، هى: ضمان حق التظاهر لجميع المواطنين، وإيقاف تليفزيون البحرين، والإفراج عن جميع الموقوفين فى الأحداث، وتشكيل حكومة انتقالية خلال شهرين.
كما طرح رئيس الوزراء القطرى على جمعية الوفاق، انسحاب قوات درع الجزيرة، ونالت تلك الأفكار قبول الأمانة العامة لجمعية الوفاق، خاصة بعد أن أكد حمد بن جاسم أن الدوحة ستكون الراعى الرئيسى لهذه المبادرة، وأكدت الوفاق ضرورة إشراكها فى الحكومة الانتقالية فوافق على هذا الطلب. طرحت الحكومة القطرية هذه الأفكار على حكومة البحرين التى رفضتها بشكل كامل، لأنها كانت تعتبرها تدخلًا فى الشئون الداخلية المحلية.


الآن، وعقب المستجدات الأخيرة وإصرار الدول الخليجية على معاقبة قطر، وإصرار الدوحة على دعم جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات المسلحة المعادية للدول الخليجية، فمن المتوقع أن يحدث تقارب أكثر علنية بين قطر وإيران، وهو ما سينعكس بالطبع على العلاقات بين دول الخليج.
عقب الأزمة العربية مع قطر، والتى بدأت فى ٢٣ مايو عقب نشر تصريحات صحفية بوكالة الأنباء القطرية على لسان أمير قطر، أعرب فيها عن تأييده لإيران، وحماس، وحزب الله.
تلقى أمير قطر فى ٢٧ مايو اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الإيرانى حسن روحانى، أكد فيه روحانى أن بلاده تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع دول الجوار وبخاصة قطر، موضحا وجود أجواء مناسبة للتعاون على الصعيدين السياسى والاقتصادى بين طهران والدوحة، فى المقابل قال أمير قطر إن علاقة بلاده مع إيران عريقة وتاريخية وراسخة، ودعا إلى تعزيز وتوسيع هذه العلاقات، مضيفا أنه سيصدر الأوامر إلى الجهات المعنية فى بلاده وحثها على المزيد من الجهود لتعزيز التعاون بين طهران والدوحة.
وبعد تصريحات أمير قطر، تغيير النهج الإعلامي الإيراني تجاه قطر، والذى كان دائمًا ما يشن هجومًا عليها ويصفها بالدولة الراعية للإرهاب، وبدأت وسائل الإعلام الإيرانية الترويج بأن قطر ضحية مؤامرات سعودية وأمريكية فى المنطقة.