الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الطائفية تضرب أمريكا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أيام قليلة حضرت مؤتمرًا فى مونتريال، وسألنى رجل كندي، يحاول استيعاب ما يحدث لأمريكا: «ما أكثر شيء تخشاه هذه الأيام؟».
قلت: «أخشى أننا نشهد الآن نهاية الحقيقة، لدرجة أننا لم نعد قادرين على الاتفاق حول الحقائق الأساسية. وأخشى أن نتحول إلى سنة وشيعة فى أمريكا، أى ديمقراطيين وجمهوريين.. فالطائفية التى دمرت دولًا وطنية فى الشرق الأوسط، تنتقل عدواها إلينا الآن».
كان معتادًا أن يسمع المرء أن أناسًا لا يريدون لابنتهم الزواج بشخص من دين آخر أو عرق مختلف، وهو أمر سيئ للغاية، لكن ما يحدث الآن أننا عندما نسمع كلمة «آخر» فإننا نفهم أن المقصود هو شخص منتمٍ لحزب آخر.
لذلك عندما عدت إلى دارى بعد انتهاء المؤتمر، اتصلت بمعلمى وصديقى «دوف سيدمان»، مؤلف كتاب «كيف؟» والرئيس التنفيذى لشركة LRN
التى تساعد الشركات والزعماء على بناء ثقافات أخلاقية، وسألته: كيف ترى ما يحدث لنا؟ فرد قائلا: «إن ما نعانيه حاليًا هو اعتداء على الركائز التى يقوم عليها مجتمعنا وديمقراطيتنا، وتحديدًا ركيزتى الحقيقة والثقة». ثم أضاف: «ما يجعلنا أمريكيين هو اتفاقنا على الارتباط بالمثل التى هى أعظم منا، وبالحقائق الواضحة كليًا. وجميع ذلك يشكل أساس رحلتنا المشتركة نحو أمة أكثر كمالًا، المصدر الوحيد للسلطة الشرعية فيها تجسده عبارة نحن الشعب». وأضاف سيدمان: «لكن عندما لا يكون هناك (النحن) لأننا لم نعد نتقاسم الحقائق الأساسية، فمعنى ذلك أنه لم تعد هناك سلطة شرعية ولا أساس موحد لمشاركتنا الدائمة».
كانت لدينا انهيارات للحقيقة وللثقة فى تاريخنا، لكن ما يجعل المرء يشعر أن الانهيار الحالى على قدر كبير من الخطورة، هو وجود عوامل أخرى تفاقم منه، تتمثل فى التقنية وطبيعة الإدارة الأمريكية الحالية. فشبكات التواصل الاجتماعي، والقرصنة الإلكترونية، تساعدان المتطرفين على نشر سمومهم، كما تساعدان على نشر الحقائق الزائفة.
وبعد أن جرى الحط من قدر الحقيقة المشتركة، وتضاؤل الثقة فى القادة بتنا فى أمريكا نواجه «أزمة كاملة فى السلطة ذاتها»، على حد وصف سيدمان الذى يفرق بين «السلطة الرسمية» و«السلطة الأخلاقية». وفى حين أن نظامنا الأمريكى غير قادر على العمل دون قادة مزودين بسلطة رسمية، فما يجعله يعمل بالفعل هو «أن يتمتع مثل هؤلاء القادة فى مجال السياسة، ومجال الأعمال، ومجال التعليم، والرياضة.. بسلطة أخلاقية. فالقادة الذين يتمتعون بسلطة أخلاقية يعرفون ما الذى يمكنهم طلبه من الآخرين، وما الذى يجب أن يبثوه من إلهام، كما يفهمون أن السلطة الرسمية يمكن كسبها، لكن السلطة المعنوية يجب اكتسابها يوميًا من خلال الطريقة التى يقودون بها».
والحقيقة أنه بات لدينا عدد قليل للغاية من هذا الصنف من القادة لدرجة أننا نسينا كيف يبدون. والقادة أصحاب السلطة الأخلاقية يشتركون، كما يقول سيدمان، فى بعض الصفات: «فهؤلاء القادة يثقون فى الناس من خلال إمدادهم بالحقيقة، سواء كانت مشرقة أم قاتمة، ويتحركون انطلاقًا من قيم (خصوصا قيمة التواضع) ومن خلال مبادئ مثل الاستقامة، تمكنهم من عمل الأشياء الصائبة، وخصوصًا عندما تكون هذه الأشياء صعبة وغير مرغوبة، كما يجندون الناس من أجل قضايا نبيلة». ويضيف سيدمان: «هناك حكمة تقول: أطلب أمانتى وسوف أعطيك ولائى وأطلب ولائى وسوف أعطيك أمانتي. لكن ترامب لم يكن مهتمًا بأمانة، وإنما كان مهتمًا بولائه، إذ اعتقد أن لديه سلطة رسمية تخول له طلب هذا الولاء». لكن الولاء الحقيقي، كما يؤكد سيدمان، «لا يمكن نيله من خلال الأوامر وإنما يمكن الإيحاء به فحسب».
الجانب الإيجابى فى المنصة السياسية التكنولوجية لعالم اليوم، هو أن القادة يمكن أن يبرزوا من أى مكان وبسرعة. وما علينا سوى النظر إلى الرئيس الجديد فى فرنسا كى ندرك هذا الأمر.
وفى المدى الطويل، فالشيء الوحيد الذى سينقذنا هو أن يتمكن المزيد من الناس، بصرف النظر عن أعمارهم وألوانهم وجنسياتهم وأديانهم، من بناء سلطة أخلاقية، كل فى مجاله، واستخدامها لعمل أشياء مفيدة.. وبذلك فإنهم قد يتمكنون من مساعدتنا على وضع الـ«نحن» مرة أخرى فى صيغتها التى عرفناها دائمًا، وهى «نحن الشعب».
الترجمة نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية