الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في ذكرى أيام لا تُنسى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


في هذا التاريخ من كل عام، 30 يونيو، يطلب مني أبنائي وزملائي وأصدقائي أن أرويَ لهم بعضًا من أسرار ما حدث فى تلك الثورة العظيمة ولم يروَ بعد، والحقيقة أنه دائمًا ما تختلط عليَّ الذكريات ولا أعرف من أين أبدأ. 

 

هل يصح أن أبدأ منذ أن سمعت فى الراديو صوت المستشار فاروق سلطان رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية، وهو يعلن فوز محمد مرسي العياط بمنصب رئيس الجمهورية، وكنت فى طريقى إلى فندق جي دبليو ماريوت لأعلن فى مؤتمر صحفى أُعد لهذا الغرض فوز الفريق أحمد شفيق بالمنصب؟ أم أبدأ منذ حصولى على أوراق من أحد الأجهزة الأمنية فى اليوم الثانى لثورة يناير السادس والعشرين من يناير 2011 تفيد بتجسس مرسى العياط مع الأمريكان عبر رفيق دربه، ومدير مكتبه بعد ذلك، أحمد عبدالعاطى، وتسجيل ذلك الجهاز لمكالمات تليفونية تربو على الخمس ساعات لمرسي العياط مع ضابط الاستخبارات الأمريكى الذى يتولى محطة تركيا، حيث كان يقطن أحمد عبدالعاطى؟ أم أن البداية الصحيحة تكون منذ يوم 2012-12-12 عندما تقدمت ببلاغ للنائب العام الذى سبق أن عيّنه مرسى العياط بعد أن أطاح بالمستشار عبدالمجيد محمود أتهم فيه رئيس الجمهورية آنذاك بأنه جاسوس؟

 

ساعتها دخل عليّ المحامى العام لاستئناف القاهرة الذى أوكل له النائب العام التحقيق معى فى البلاغ ليبث إليَّ بشرى سيئة ولكنه قبل أن يقول لى: إن هناك مفاجأة تنتظرك قلت له مباغتا: أنت تقصد بالتأكيد أن الأجهزة الأمنية الثلاث التى راسلتها لتسألها عن حقيقة تلك الأوراق التى معى، والتى تشير إلى تخابر مرسي العياط فى 22 يناير 2011 مع مخابرات دولة أجنبية قد أخبرتك بالفاكس الآن أنه لا صحة لها، وأنها لا تملك أي أصول تثبت صحتها.

 

ساعتها صعق الرجل، فكيف لى وأنا متهم، ومُبلّغ فى آنٍ واحد، أن أعرف شيئا حدث للتو ولا يعلم به غير النائب العام والمحامى العام الذى يتولى التحقيق، لكننى قلت له بالحرف «تذكر يا سيادة المستشار أن هذه بلادنا، وأن الحكام يأتون ويذهبون ونبقى نحن الملاك الحقيقيين لتلك الأرض وأننا سننتصر فى النهاية رغم تلك الأوراق التى بيديك، وسوف تعيد الأجهزة ذاتها إرسال الأوراق الحقيقية فى وقتها».. أما كيف عرفت محتوى ما بيد المحامى العام من فاكسات وقتها فتلك قصة تستحق أن نبدأ بها حكاياتنا عن 30 يونيو فى يوم ما.

 

لم ينتابنى شعور بالخذلان قطّ، كنت أعرف، وما زلت، أن للحكومات ضروراتها وللشعوب خياراتها، فالسياسى له خياراته التى تختلف بطبيعة الحال مع موظف الدولة أينما كان موقعه.

 

أعتقد أن البداية الحقيقية يجب أن تكون من حيث وقفت فى ميدان التحرير فى السابع عشر من مايو 2013 عندما دعونا إلى مليونية العودة إلى الميادين لأقسم أمام ستين ألف مواطن مصرى أننا سنعيد مرسي ورفاقه إلى السجون مرة أخرى، وقتها اتصل بى مسئول أمنى كبير جدا ليخبرنى أن مرسي استدعاه وطلب منه أن يضعنى خلف الأسوار لمدة 25 عاما، ولكن بما يرضي الله، أى لا سياسة فى الموضوع، فقط قضية جنائية وينتهى الموقف لتكن «قتل، مخدرات» وخلافه، وقد تعلل الرجل للرئيس بقرب موعد 6-30 وطلب منه تأجيل العملية لما بعد ذلك الموعد، تذكرنا ذلك فيما بعد أنا وهو فى مكتبه وضحكنا.

 

هل تصلح تلك البدايات؟ أم أننى يجب أن أبدأ بوعد وعده مسئول بجهاز سيادى كبير بمكتبه ذات يوم عقب نجاح ثورة 30 يونيو عندما قال لى حرفيا: سيأتى يوم ونصنع لكم تماثيل فى ساحة هذا المبنى، فقد صنعتم شيئا يرقى للمعجزات، ولكنهم عوضًا عن ذلك اصطدموا بالبعض لأنهم رفضوا أن يسيروا فى الركب كالقطيع يسمع ويطيع، قالوا: ما الفرق إذن؟ لو كنا سمعنا وأطعنا لغيركم ما وصلت إليكم وما كنا كذلك، واتفقنا فى النهاية على أن نتفق على ما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه وافترقنا، ولكن على حب الوطن.

 

هل تصلح كل تلك الحكايات كبداية للحديث عن ثورة هذا الشعب العظيم فى 6-30 أم يصح أن نبدأ من حيث التجهيز للحدث العظيم؟

 

كنت قبلها ألقي محاضرة فى مدرسة المخابرات الحربية عن جماعة الإخوان، والحقيقة عندما تلقيتُ الطلب وجدته غريبا بعض الشيء، فسألت محدثى: هل تعلم يقينًا من أنا؟ وهل تدعوننى بالفعل لإلقاء محاضرة حول الإخوان داخل مدرسة المخابرات الحربية؟ وهل تعرف جيدا رأيى فيهم؟ وضحك الرجل مؤكدا أنهم يعرفون كل شيء فذهبت وكانت مفاجأة ربما تصلح فى يوم ما لحديث طويل عن ذكرى تلك الثورة العظيمة.

 

ولكننى لا أعرف لماذا ينتابنى شعور عميق بأن البداية الحقيقية يجب أن تكون من حيث اجتمعنا نفر قليل لن أذكر منهم أسماء لكى لا يغضب البعض لنفكر ماذا سنفعل فى الثلاثين من يونيو، يومها قال لى البعض: نريد أن نعرف هل ستقف بعض أجهزة الدولة ضدنا أم معنا، وذهبت بالسؤال إليهم وجاء الجواب محيرا، فقد رسم محدثى على ورقة (شجرة) دائرة وعصا، وقال لى: إذا استطعتم أن ترسموا تلك الشجرة لأيام ثلاثة متتالية أضمن لكم أننا على الأقل لن نكون ضدكم، وعندما استفسرت كانت المفاجأة التى ربما أيضا تصلح لبداية قصة طويلة، حتما سأرويها يوما عن ذلك اليوم العظيم عندما افترشنا ميدان التحرير وكوبرى قصر النيل وصنعنا من أجسادنا ليس شجرة فقط، ولكن أنهارا فى الشوارع راحت تتدفق حتى الاتحادية مرورا بميدان رمسيس والعباسية يومها قال لى أحد الكبار فى ذلك الوقت الآن: أستطيع أن أقول لك :(مبروك) وأنا مطمئن، لذلك عندما هاجم البعض مكتبى بالسلاح الآلى فى عز ظهر يوم الجمعة عقب 30 يونيو، استغربت أن يأتى إلى مسامعى أصوات بعينها سمعتها من قبل فى مناسبات مختلفة لتطلب منى الصفح عن هؤلاء، كان الوقع مخيفا وغير محتمل، لكننى صفحت لأن الرجال هكذا، لا يملكون سوى شيئين الصفح والكتمان، ولكنها قصة قد لا أستطيع روايتها أبدا؛ لأنها نقطة سوداء أحاول أن أتناساها لكى لا تثقب الثوب الأبيض.

 

ذكريات طويلة وعميقة صنعها أبطال حقيقيون منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، قد نملك الوقت والشجاعة يوما لنرويها لكم ولأولادنا وأحفادنا ولكننا اليوم نكتفي بأن نقول للمصريين.. كل المصريين: كل عام وأنتم بخير.