الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الهروب هو الحل".. شعار المخترعين الصغار في مصر

يفكرون فى السفر فرارا من البيروقراطية والتجاهل

تكريم محمود المالكي
تكريم محمود المالكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
براءات الاختراع تراجعت في السنوات الأخيرة.. والتعليم العالي خفضت ميزانية البحث العلمي
تدنى مستوى التعليم في مصر في الفترة الأخيرة حتى قبعت في المراكز المتأخرة مع دول مثل الصومال وتشاد، رغم تصريحات المسئولين عن ضرورة التعليم، والاهتمام بالبحث العلمي. 
فخلال السنوات الأخيرة تشهد براءات الاختراع في مصر تذبذبا ملحوظا، فيما وصلت براءات الاختراع في مصر لأقصى مستوى لها في 4 سنوات من 2009 حتى 2012 حيث تم تسجيل 683 براءة اختراع، تراجعت لتسجل 641 براءة اختراع، ثم عادت للصعود من جديد عام 2014 حيث تم تسجيل 752 ابتكارا. 
الأمر لا يتعلق ببراءات الاختراع التي تمكن أصحابها من تسجيلها فقط، لكن يتخطى مُخترعين شبابا يعانون من عدم قدرتهم على تسجيل براءات لاختراعاتهم، والأدهى أيضًا أن مئات الأشخاص منهم لا يجد مُتسعًا للاستفادة العملية من هذه الاختراعات، التى لطالما كانت مراكز البحث والشركات تتجاهل تنفيذ هذه الأفكار على أرض الواقع، التى من شأنها أن تنهض بعدة مجالات مُختلفة فى المُجتمع.
«البوابة» تواصلت مع عدد من مُخترعى مصر الشباب، لترصد معاناتهم في عرض اختراعاتهم حتى ترى النور في مصر، حتى أنه تبادر إلى ذهن بعضهم السفر إلى الخارج ليترك مجال البحث العلمي في مصر أصلًا، منهم أصحاب اختراعات «الشمسية المُكيفة» و«الحرير المهندس وراثيا» و«المطاط المعدل كيميائيا».


"السحابة المكيفة"
يخرج ابن الإسماعيلية محمود المالكى صاحب الـ ٢٠ ربيعا في أولى خطواته تجاه قاهرة المعز على أمل أن يصل بمشروعه العالمى الذى حصد العديد من الجوائز، وتربع على عرش المراكز الأولى فى روسيا وتايلاند إلى المكانة التى يستحقها، وفى طريقه لطرق أبواب المسئولين واجه الكثير من العراقيل التى كادت أن تطيح بأحلامه بشكل كامل، إلا أنه لا يزال يصر على أن ترى «الشمسية المكيفة» النور هنا في أرض الكنانة. 
قابلنا المالكى ابن المدينة الباسلة بابتسامته العريضة ليشرح لنا الفكرة الرئيسية لمشروعه قائلا: «السحابة المكيفة ببساطة هو جهاز تكييف طائر يغطى مساحة الشخص كليا أثناء السير فى الشوارع دون التعرض للشمس، ويتميز الجهاز بأنه يسير أعلى الشخص بشكل غير ملموس فهو يوفر له الراحة من خلال وضع الشخص احتياجاته الخاصة فى الجهاز مثل ماء عصير وأدوات شخصية يتم التحكم فى الجهاز من خلال تطبيق عبر الهاتف المحمول يتم من خلاله تزويد الهواء أو تقليله ومزايا أخرى».
ويضيف المالكي: مؤمن تماما أن ربنا خلق لنا عقلا وأن الأفكار تأتى لعلاج مشكلة موجودة، فأسعى بطريقة أو بأخرى لحلها، وقد انطلقت فكرة السحابة المكيفة أو الشمسية المكيفة من هذا الإيمان، فعملت خلال عدة أيام وشهور على تطوير فكرتي، وانتهيت من تنفيذها بالفعل. 
وحصدت فكرته العديد من الجوائز والمراكز الأولى فى العديد من دول العالم، حيث حصلت على المركز الأول على مستوى العالم فى معرض روسيا الدولى «أرشميدس» والمركز الثانى على مستوى العالم معرض كوريا (سول)، مركز ثان فى تايلند من المجلس الوطنى للأبحاث فى تايلاند.


طرق الأبواب
«أى حد عنده حلم يحاول أن يصل لمكانة كبيرة» بصوت خافت قالها محمود لتكون خير دليل عما وصل إليه من حالة نفسية متدنية نتيجة المعاناة التى واجهها فى محاولاته «طرق الأبواب» المتكررة، من أجل الوصول لمسئول يساعده في النهوض بالفكرة أو يتبناها لترى النور.
«وفى أول رحلة إلى القاهرة لعرض مشروعه على المسئولين لم يجد محمود المالكي إلا الحواجز أمامه، يقول: فاضطررت للكذب على مسئولي الأمن من أجل الوصول إلى وزير التعليم، ونجحت الكذبة البيضاء، وبالفعل وصلت لوزير التعليم الفني السابق، ووعدني بتقديم المساعدة التي لم أتلقاها إلا الآن، التقيت أيضًا وزير التعليم العالى السابق الدكتور أشرف الشيحى والعديد من المسئولين البارزين فى الدولة إلا أني لم أتلق الدعم الكافي لتنفيذ المشروع على أرض الواقع وخدمة بلدي.
لم أتوقف عند هذه النقطة، ولكن توجهت أيضًا للدكتور محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي، والذي رحب بشدة بالمشروع وقال إنه قد يكون مناسبا لأصحاب المهن الشاقة في درجات الحر الشديد مثل رجال الشرطة والمرور.
وقال المالكي إن الفكرة مرنة، ففي التصميم يمكن أن يجرى عليها جميع التعديلات لتتناسب مع المناطق الساخنة في الخليج العربي والدول الإفريقية، ويستهدف بشكل كبير العمال، عناصر شرطة المرور الذين يفرض عليهم العمل التواجد تحت أشعة الشمس لفترات طويلة، الأمر نفسه يمكن تطبيقه على المناطق الشمالية شديدة البرودة، فمن خلال تطبيق الهاتف الذكي يمكن التحكم في رفع درجة الحرارة، كما يخدم الجهاز المستخدم في حمل المتعلقات الشخصية، الاحتياجات اليومية للتخفف من معاناة الشكل، وكل هذا بشكل غير ملموس حيث يضع المستخدم متعلقاته الشخصية مثل الهاتف أو الحاسب اللوحي أو المفاتيح. 
وواصل محمود حديثه لـ«البوابة» قائلا: «لم تكن فكرة الشمسية المكيفة هى الأولى التى قدمتها للعالم ولكن قدمت قبل ٤ سنوات، بحثا عسكريا حول تعطيل صاروخ بواسطة شعاع ونجح أيضا فى حصد المركز الأول على العالم فى معرض روسيا، وكنظيره السابق ذكره ظل المشروع حبيس الأدراج ولم ير النور حتى اليوم». 
السفر هو الحل
وبعد أن أوصدت جميع الأبواب فى وجه محمود، فقد الأمل تقريبا بعد ٤ سنوات من «طرق الأبواب»، ونفد صبره وانتهت رحلة معاناته مع مسئولى البحث العلمى فى مصر، فاتجهت للبحث عن فرصة للسفر بالخارج وهى الفكرة التى رفضها فى السنوات الأولى بعد التكريم، أو الاتجاه للبحث عن رجل أعمال يتبنى المشروع.

رحلة "الحرير المهندس وراثيًا"
ومن مدرسة التكنولوجيا المعلومات إلى جامعة الأزهر لا تزال مصر لديها الكثير من أبنائها المبتكرين، وحصدوا لهم ولمصر بالضرورة العديد من الجوائز، فى موضوعات بحثية من المؤكد أنها مهمة فى سبيل البحث عن هذا الوطن الذى يحتاج لكل جهد من أبنائه لكى يستفيق من كبوته الاقتصادية التى تعصف بنا خلال السنوات الأخيرة. 
ففى جامعة الأزهر حاورت «البوابة»، الطالب بكلية الزراعة بجامعة الأزهر أحمد عبدالله عبداللطيف، والذى اختار تخصصا دقيقا جدا من أجل نسج أحلامه وهو «قسم البيوتكنولوجى» أو التكنولوجيا الحيوية، وهى استخدام تطبيقات التقنية الحديثة فى معالجة الكائنات الحية، والتعامل مع الكائنات الحية على المستوى الخلوى وتحت الخلوى من أجل تحقيق أقصى استفادة منها صناعيًا وزراعيًا وبالتالي اقتصاديًا وذلك عن طريق تحسين خواصها وصفاتها الوراثية.
«فكرتي تصلح كمشروع قومي مربح جدا اقتصاديا»، بهذه الكلمات استهل الطالب الذي تبدو عليه علامات الجدية والطموح الملحوظ حديثه معنا عن فكرته التي تحولت إلى مشروع وحصد العديد من الجوائز العالمية.
وشرح لنا أحمد عبدالله فكرة مشرعه «الذي يصلح لأن يكون أحد الأعمدة الاقتصادية للدول»، حيث قال: «شغلى باختصار عن الحرير المهندس وراثيا، وهذا النوع من الحرير يصلح للدول ذات الطقس البارد والتى لا تسمح الظروف المناخية فيها بإنتاج الحرير، ولكن المشروع يكسر هذه القاعدة، ويمكن هذه الدول من إنتاج الحرير عن طريق بذل المزيد من الجهد فى مجال «البيوتكنولوجي» الذي يساعدها في إنتاج الحرير وتصديره بدلا من استيراده كما تجرى العادة.
وأردف قائلا: «هذا ليس كل شيء بل يصلح لنا أيضا»، مصر تنتج الحرير سنويا ولكن في شهور معينة ولكن المشروع سيمكننا من إنتاج الحرير طوال العام، فبدلا من أن يقتصر إنتاج الحرير على ٨ شهور من محافظات الوجه البحرى ومن ٩ شهور إلى ١٠ شهور من محافظات الوجه القبلي، سيصبح بإمكاننا إنتاج الحرير طوال السنة. 
النقطة الأهم فى المشروع هى الاعتماد على تغذية الديدان المنتجة للحرير على ورق التوت، سيصبح بإمكاننا أن نغذيها على أى نوع من الورق النباتى الأخضر بشرط ألا يكون ساما أو خشنا «حادا» وبهذا ستنتج مصر الحرير فى أسرع وقت وبنفس الجودة، هكذا وصف أحمد فكرة المشروع.
نجح المشروع بهيئته الأولى، وحصد العديد من الجوائز، حيث اختير كأحد أبرز الاختراعات فى معرض «جينيفا انفنشن» بسويسرا لعام ٢٠١٦ وحصد الميدالية البرونزية للمعرض، وتم تكريم الطالب أحمد عبدالله من قبل الجالية المصرية بسويسرا، وجائزة تشجيعية خاصة من دولة البرتغال، وتكريم من جامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية. 
واستقبلت مصر المخترع بالعديد من الجوائز وتم تكريمه من قبل وزير التعليم العالى والبحث العلمى الدكتور أشرف الشيحي، وحصل على جائزة تشجيعية «مبلغ ٤ آلاف جنيه مصري». 
«مجرد وعود»، هذا ما وصف به أحمد طبيعة البحث العلمى فى مصر، وقال إن كل ما حصل عليه فى مصر هى وعود بإيجاد شركات ناشئة لنا لتبنى المشروع ولكن هذا لم يحدث، ولم يتم تنفيذ أو حتى بشائر تنفيذ المشروع حتى يومنا هذا، مختتما حديثه معنا بنظرة منكسرة تعبر عن مصير البحث العلمى فى مصر. 


المطاط المعدل كيميائيا
ومن جديد نعود لمحافظة الإسماعيلية، حيث دفعت الأرقام الخطيرة فى عدد ضحايا حوادث الطرق طلاب الفرقة الرابعة شعبة البرمجة، بمدرسة تكنولوجيا المعلومات بالإسماعيلية، محمد شومان، وأحمد عبدالتواب، وعمر عصام، للبحث عن حلول جذرية لهذه الأزمة التى تحصد أرواح عشرات الآلاف من أبناء مصر سنويا، فلقد أشار تقرير لمنظمة الصحة العالمية – صدر نهاية العام الماضي- إلى أن عدد ضحايا الحوادث فى العام الأخير فى مصر بلغ ٢٥ ألفا و٥٠٠ شخص بين قتيل ومصاب، بالإضافة إلى أكثر من ٣٠ مليار جنيه خسائر مادية.
الطلاب الثلاثة وجدوا ضالتهم بعد أشهر من البحث، باستخدم المطاط المعدل كيميائيا فى صناعة السيارات من أجل التخفيف من ضحايا حوادث الطرق سنويا. 
وللمزيد من التفاصيل عن المشروع التقينا الطالب محمد شومان، أحد أعضاء فريق العمل على المشروع ليشرح لنا ماهية هذا المشروع الخطير من حيث طبيعته، حيث قال: «بدأنا اختراعنا منذ أربعة أعوام، فكرنا فى حل لمشكلة الحوادث فى مصر والعالم بمصر نتيجة للسرعة المتهورة أو انشغال السائق أثناء القيادة». 
وتابع: «تنتج الخسائر الكبيرة لحوادث السيارات نتيجة اصطدام سيارة بأخرى أو اصطدامها بجسم آخر، إصابات بشرية وخسائر مادية وحالات وفاة تصل بالملايين كل عام، وهدف صناع السيارات يرتكز على صنع سيارة آمنة من أجل الحفاظ عليها أثناء السير، واقتصرت جهودهم لحماية قائد أو ركاب السيارات على «الأكياس الهوائية»، والتى لا شك أنها تحمى الركاب إلا أنها فى بعض الأحيان تتسبب فى إصابات بالغة فى الأنف أو الرقبة لدى البعض»، ومن هنا جاءت فكرتنا فى تطوير الهيكل الأساسى للسيارة من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الحماية لركاب السيارات. 
وشدد شومان على أهمية العمل الجماعى من أجل الوصول لأفضل النتائج، حيث قال «هدفنا دائما هو القضاء نهائيا على تلك الحوادث وتخفيض معدلات الخسائر المادية والبشرية نتيجة هذه الحوادث».