الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

"ماسبيرو" بلا "كعك" والقلق يحاصر عماله

ماسبيرو- أرشيفية
ماسبيرو- أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعينين زائغتين، وجسد نحيل أكله الفقر، جلس شاردًا، نحو عالم آخر ممتلئ بالهموم، ملقيًا برأسه على أحد جدران المبني العتيق، ذو المائة عام"ماسبيرو"، يحمل فوق رأسه جبالًا من المخاوف التي هزمت تجاعيد وجهه النحيف، بملابس غبرتها الأتربة، يجاوره جردل بلاستيكي وممسحة ومكنسة، تلك الأدوات التي استلمها ليمارس مهام عمله بعد عطلة قضاها بين الخوف والرجاء.
"أ.م"عامل نظافة بمبنى ماسبيرو، رجل تجاوز عقده الخمسين بأربع سنوات، قضي عمره في عمل النظافة، يعول ٤ شباب جامعيين، يقول بنبرة مرتعشة: "خايف يمشونى من الخدمة، أنا في رقبتي شباب بيتعلم وكل يوم والتاني أسمع أنهم هيستغنوا عن نص الموظفين والعمال، وطبعًا العجوز اللي هيمشي مش العفي والمذيع".
الرجل الخمسيني يؤكد أنه لم يشعر للعيد بمذاق كما أن زوجته لم تتمكن من عمل "الكعك" للعام الثالث على التوالي بسبب ارتفاع التكاليف وحالة التقشف التي فرضها خوفًا من التسريح في أي وقت، خاصة وأن راتبه لم يعد يكفيه "العيش الحاف"، حسبما وصف.
حالة الفزع الذي سيطرت على الرجل كأنها عدوى تفشت بين صفوف الموظفين والعمال بماسبيرو، على اختلاف مستوياتهم ودرجاتهم الوظيفية، حتى أنها تمكنت من قطاع الأمن الذي يضم الآلاف.
القلق هنا سيد الموقف وهو ما أكده أحد أفراد الأمن، الذي أوضح أن هناك حالة "فوبيا" وذعر تسيطر على الجميع بسبب ما تردد من شائعات حول خصخصة ماسبيرو للتخلص من ديونه التي تتراكم عامًا بعد عام.
البرامجيون هم الأوفر حظًا، حيث أكد بعضهم أن الإطاحة بهم "لعب بالنار" لافتين أن إعادة الهيكلة واجبة للمبنى ولكن على أصحاب القرار فتح ملفات أصحاب الإجازات السنوية المتكررة ووقفها بل والتلويح بالفصل في حال الإصرار على السفر ومد الإجازات، من أجل إتاحة الفرص لخبرات  جديدة بدلًا من حجز الأماكن على الفاضي وعما "سبايب في دول عربية.
"مصيرنا إيه" - سؤال كان الأشهر لكل من قرر أن يشترك في الحديث، خاصة من يعملون في قطاع القنوات الإقليمية، صاحبة النصيب الأكبر من الخسائر بسبب رداءة المحتوى وانصراف المشاهد عنها واختيار الفضائيات بديل.
100 عام من العطاء، هى تاريخ المبني الأزرق العجوز، الواقع على ضفاف النيل، المحاصر باتهامات العجز والفشل وتكبيد الدولة مليارات من الديون سنويًا، لم يبخل فى الدفاع عن نفسه حيث بدا لسان حاله يقول: أنا الشاهد على أهم الأحداث السياسية أنا صاحب الإرث البرامجي الذي لن يتكرر، مسقط رأس الفن، من رحمي جاء عمالقة العمل الإعلامي، وأنا صاحب الفضل، سأظل المنارة والمنبر، لم أصب بالشيخوخة بعد ولن أهزم.
"هل شاخ المبنى المستدير الذى يضم في رحمه 12 قطاع"؟ سؤال أجابه، حمدي الكنيسي، عضو الهية الوطنية للإعلام، مؤكدًا أن ماسبيرو له أفضال وطنية لا ينكرها منصف، من خلال تأريخ وتأصيل أهم الحقب التاريخية، وتغطية أهم الأحداث السياسية وعمل حملات توعوية وخدمات إعلانية مجانية، لصالح الدولة ووزاراتها المعنية، بشكل خدمي وبدون مقابل يغطي حتى النفقات.
ويشير عضو الهيئة إلى أن خطة تطوير ماسبيرو "سهلة" وأن الهيئة تعد دراسة كاملة عن آلية التطوير دون المساس بالعمال والموظفين، لافتًا أن عماله ليسوا السبب الحقيقي في تراكم ديونه، وأن تلك المديونيات نتيجة طبيعية لضياع كثير من المستحقات المالية سواء بمدينة الانتاج الإعلامي التي شارك فيها الاتحاد بنسبة 40% أو النايل سات، فضلًا عن تداخل المشكلات الإدارية والمالية وهروب الكفاءات من المبني.
بنبرة صوت هادئة وأمل في الغد، يبشر الكنيسي أن القادم أفضل في ظل خطة الهيئة الوطنية للإعلام للارتقاء بماسبيرو، خلال الشهور المقبلة.
"إذاعات إقليمية، قنوات فضائية، معهد للتدريب من أقدم المعاهد في العالم العربي، مكتبة سمعية بصرية فريدة، تراث برامجي وإذاعي، أكاديمية إعلامية مهتمة بتعليم كل فنون الإنتاج الإذاعي والتليفزيوني لا مثيل لها بين الجامعات العربية"، كلها ثروات معطلة، لم تكفِ الاتحاد حاجته، كما أنها لم تستغل على الوجه المطلوب حسب رأي الخبراء.
د. صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، يرى أن غياب العقلية الاستثمارية والإدارية إلى جانب الترهل الإداري والبيروقراطي، يأتي على رأس قائمة المعوقات لـ"ماسبيرو" مؤكدًا أنه يحتاج لثورة تشريعية تبدأ بإجراء إصلاحات عاجلة على القانون رقم 13 لسنة 1979 وتعديلاته.
"اتحاد الإذاعة والتليفزيون" اسم تجاري له باع طويل وثقل على مر العصور، لكنه عجز عن تلبية احتياجات 35 ألف عامل،  قالها د. حسن علي، الخبير الإعلامي وأستاذ الإعلام بجامعة المنيا، مضيفًا: "لا فرار من تطبيق رسوم الراديو والتليفزيون، على فاتورة الكهرباء".
"الطيور المهاجرة" من طواقم الإنتاج، مشكلة ذات صلة، لازالت تواجه ماسبيرو، بهروب الكوادر الإعلامية نحو قنوات خاصة تحقق طموحهم المادي والمعنوي، وهو ما اتفق عليه محمد العمري، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ورئيس شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات.
أسامة هيكل، رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان يؤكد رفضه التام لفكرة الخصخصة ويعد بعدم المساس بالموظفين، ويرى أن الحل في إسقاط ديون المبنى التي تقدر بـ بنحو 27 مليار جنيه.
عراقة المبنى الواقع على كورنيش النيل بصمود جعلت مجدي لاشين، عضو المجلس الأعلى للإعلام، ورئيس قطاع التليفزيون، يقترح أن تسقط الدولة جميع ديونه، وأن تطوي الصفحات القديمة، مؤكدًا إلى أن الاقتراض لم يكن على سبيل الرفاهية وإنما كان لسد الفجوة بين ما تمنحه وزارة المالية وما يحتاجه الاتحاد فعليًا لتغطية نفقاته.
"إسقاط الديون، تقليص قطاعات ماسبيرو من 12 إلى 7 قطاعات، بيع بعض الأراضي، إنشاء شركات جديدة تتم إدارتها بأسلوب تجاري تدر أرباحًا تغطي النفقات" كلها مقترحات تقدم بها الخبراء بعيدًا عن تشريد العمال والموظفين.