الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الدبلوماسية المصرية وثورة 30 يونيو.. انطلاقة جديدة لتعزيز ثقل مصر إقليميًا ودوليًا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نجاح ورشادة أداء الدبلوماسية المصرية بعد ثورة 30 يونيو استمد زخما إيجابيا من رؤية القيادة السياسية للأوضاع الدولية والإقليمية وتحديدها الواضح للأهداف، والتفاعل المباشر والواضح على المستوى الرئاسي مع القضايا الإقليمية والدولية كافة، إدراكا لكون تحديد صانع القرار السياسي للأهداف والمبادئ التي تحكم تحركات السياسة الخارجية أهم عناصر نجاحها.
وتظل القوة المتعاظمة للجيش المصري تسليحا وتدريبا وعقيدة سندا لنجاح السياسة الخارجية المصرية مثلما يمثل الرصيد المتنامي لتماسك الجبهة الداخلية وبخاصة خلال السنوات الأربع الماضية حافزا لقوة تحركات الدبلوماسية المصرية.
ومن هذا المنطلق جاءت الزيارات الخارجية التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، وحرصه على المشاركة في القمم والمحافل الإقليمية والدولية بخلاف زياراته الثنائية لدول العالم لتصب فى مصلحة مصر سياسيا واقتصاديا.
وبدت في هذا الإطار المواقف الثابتة التي تتبناها الدبلوماسية المصرية، خاصة حيال القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط وعلى رأسها الحرب السورية وليبيا واليمن والعراق.. فيما تظل القضية الفلسطينية تحتل مكانتها على رأس الأولويات المصرية.

التحديات تفرض نفسها 
وفيما تفرض التحديات السياسية نفسها، إلا أن توظيف قدرات الآلة الدبلوماسية في الخارج لتعزيز وضع مصر الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية ظل هدفا أساسيا في زيارات وزير الخارجية ومشاوراته الثنائية ومتعددة الأطراف، إضافة للسعي للاستفادة من قوة مصر الناعمة وتعظيمها وإعلاء رصيدها الحضاري والثقافي والإنساني المتميز.
وجاءت ثورة الشعب المصري بمختلف أطيافه في الثلاثين من يونيو لتؤكد على ثوابت السياسة الخارجية المصرية والتي تعد القضية الفلسطينية أحد أهم أولوياتها، للإيمان المصري الراسخ بحق الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه المشروعة المسلوبة وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفي هذا الإطار أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي العام الماضي دعوته لحل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا وتشديده على ضرورة اتخاذ التدابير كافة، من قبل المجتمع الدولي لإنهاء هذا الصراع وتمكين الفلسطينيين من العيش بحرية وكرامة، مؤكدا استعداد مصر لبذل الجهود كافة في هذا الإطار. 
وحرصت مصر على المشاركة فى الاجتماعات والمحافل الدولية ذات الشأن.
أما على الصعيد الإنساني، فعقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014، نظمت مصر بالتعاون مع الحكومة النرويجية - "مؤتمر القاهرة حول فلسطين: إعادة إعمار غزة" يوم 12 أكتوبر 2014 لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني وإزالة آثار العدوان، حيث تمكن المؤتمر من حصد نحو 5.4 مليار دولار كمساعدات دولية لفلسطين.


الأزمة السورية 
وجاءت التحديات التي فرضتها تطورات الأزمة السورية واتصالها الوثيق بالأمن القومي المصري والعربي لتدفع بالقضية السورية لصدارة أولويات تحركات السياسة الخارجية المصرية بعد الثلاثين من يونيو.
وعملت مصر جاهدةً على دعم جميع السُبل الرامية لإنهاء معاناة الشعب السوري الشقيق ووضع نهاية للصراع الذى دخل عامه السابع مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على كيان الدولة السورية ومؤسساتها والعمل على استعادة الأمن والاستقرار في ربوع البلاد وبين أطياف الشعب كافة، وحرصت مصر على انجاح مهمة مبعوث الأمم المتحدة تنفيذا لمخرجات مؤتمر جنيف ومجلس الأمن 2254.
وبذلت الدبلوماسية المصرية جهودا حثيثة لوقف نزيف الدم السوري، وتم تقديم منصة وطنية للمعارضة السورية – يقودها السوريون أنفسهم – من خلال رعاية مصر لمجموعة تستقطب معارضة وطنية معتدلة تسعى إلى التوصل لحلٍ سياسي يؤسس لدولة مدنية سورية تحافظ على وحدة أراضيها وترابط أطيافها المجتمعية والدينية، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية.
وتم عقد "مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية" في يناير 2015، ثم عقد مؤتمر ثان موسع بالقاهرة في يونيو 2015 صدرت عنه وثيقتا "خارطة الطريق" و"الميثاق الوطني السوري".


مصر وليبيا 
وفي خضم الأزمة المريرة التي تعيشها ليبيا، تأتي الأوضاع المتردية في الدولة الجارة في مقدمة أولويات السياسة الخارجية المصرية، نظرا لعمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تربط البلدين، وهو ما أكدته مصر من خلال مبادرتها التي سبق وأن أطلقتها وعبرت فيها عن موقفها الثابت والواضح من تطورات الأوضاع في ليبيا، والتي ارتكزت على ثلاثة مبادئ تكمن فى احترام وحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، عدم التدخل في الشئون الداخلية لليبيا، الحفاظ على استقلالها السياسي، علاوة على الالتزام بالحوار الشامل ونبذ العنف.
وجسدت التزام مصر بمبادرتها ورؤيتها من خلال دعمها لدور المؤسسات الشرعية للدولة، وعلى رأسها مجلس النواب، وتأكيدها على ضرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة بما فيها الجيش، والشرطة، فضلا عن استعدادها لتقديم المساعدة للحكومة الليبية في جهودها لتأمين وضبط الحدود مع دول الجوار وفق برنامج متكامل، مشددة على أهمية الدعم الدولي فيما يتعلق بالمساعدة في محاربة الإرهاب وتأهيل مؤسسات الدولة بالتعاون مع دول الجوار.
وتم عقد عدة لقاءات في القاهرة مع شخصيات قيادية ليبية أبرزها لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي مع فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي في مايو 2016، وكذلك استقبال وفود برلمانية، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمر لزعماء القبائل الليبية بهدف التوصل إلى حل سلمي يدعم الاستقرار ويسهم في دفع جهود التنمية والتعاون في شتى المجالات، فضلا عن محاربة الإرهاب. 
وفي إطار حرصها على العمل على استعادة الأمن والاستقرار في ربوع ليبيا، قامت مصر بتشكيل اللجنة الوطنية المعنية بالأزمة الليبية.
وفيما يخص الوضع في اليمن أكدت مصر دوما مساندتها الشرعية اليمنية، وتابعت تطورات القضية اليمنية منذ ثورة فبراير 2011 وما شهدته البلاد من عدم استقرار أمني وسياسي، باعتبارها من أولويات السياسة الخارجية المصرية في ضوء خصوصية العلاقات بين البلدين والتي يظل البعد الاستراتيجي والأمني عنصرا أساسيا في منظومتها. 
وارتكز الموقف المصري دائما على دعم وحدة الأراضي اليمنية والترحيب بقرارات الأمم المتحدة كافة ومجلس الأمن الصادرة بشأن اليمن، فضلا عن تأييد التسوية السلمية وإجراء حوار وطني من أجل التوصل لحل توافقي.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية في أكثر من بيان لها، دعم القاهرة لمؤسسات ورموز الدولة الشرعية، وأن مستقبل اليمن يتحدد بالتوافق بين الأطراف السياسية المختلفة.
وشددت مصر على أهمية التزام جميع الأطراف السياسية اليمنية بمواصلة الحوار السياسي برعاية أممية على أساس المبادرة الخليجية، وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة الوطنية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة باعتبارها السبيل الوحيد لحل أزمات البلاد الحالية، وهو ما تجسد في استقبال الرئيس السيسي لنائب رئيس الجمهورية اليمنية، ورئيس مجلس الوزراء خالد بحاح في يوليو 2015، وكذلك لقاء رئيس الوزراء المصري مع بحاح خلال زيارة الأخير للقاهرة في يونيو 2015 .
وبعد نجاح ثورة 30 يونيو، قامت الدبلوماسية المصرية بجهود مكثفة لاستعادة الدور المصري الريادي على الساحة الأممية، وقد تُوج هذا الجهد بانتخاب مصر لعضوية المقعد غير الدائم في مجلس الأمن الدولي عام 2015 بدعم واسع من الجمعية العامة، ما يعكس تقدير المجتمع الدولي لمصر ودورها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
وتعمل مصر من خلال هذا المقعد على دعم القضايا الأفريقية والعربية وقضايا الدول النامية إذ تتمثل أولويات مصر داخل مجلس الأمن في الدفاع عن القضايا العربية، والأفريقية، ومكافحة الإرهاب، وتسوية النزاعات في الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وجاءت عضوية مصر فى المجلس في ظل تحديات جسيمة تواجه المنطقة، حيث عملت مصر من خلال عضويتها بالمجلس على حماية المصالح العربية، والدفع بحلول بناءة لأزمات القارة الأفريقية والدول العربية..وقد حققت عضوية مصر فى مجلس الأمن إنجازات كبيرة عكستها مواقف الوفد المصري تجاه العديد من القضايا المهمة وعلى رأسها مكافحة الإرهاب الذي بات يهدد دول العالم كافة..
وكثفت مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وما عانته ولا تزال من الإرهاب البغيض الذي راح ضحيته المئات من أبناء الشعب المصري، وخاصة من أفراد الجيش والشرطة، الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمكافحة ظاهرة الإرهاب التي تتصاعد على مستوى العالم، حتى أصبحت مصر تقف في الصفوف الأمامية لمحاربة الإرهاب إقليميا ودوليا، وتتعاون القاهرة مع الشركاء في المنطقة وخارجها لمواجهة الفكر المتطرف والأنشطة الإرهابية التي تنتج عنه باعتبار مصر هي موطن الأزهر الشريف ودار الإفتاء، وهما أهم مراكز الفكر الإسلامي الوسطي على مستوى العالم.
وتشارك مصر بفاعلية في الائتلاف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، فتولت رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن الدولي، وقامت في هذا الإطار بعدد من المبادرات الرامية لتعزيز التعاون والتنسيق الدوليين في إطار مكافحة الإرهاب، ومحاولة إيجاد حلول مستدامة تستهدف التعامل مع جذور ظاهرة التطرف.
ويأتي الخطاب الذي ألقاه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت مؤخرا في الرياض والذي اعتبره مجلس الأمن وثيقة رسمية من وثائق المجلس - ليرسم خارطة طريق جديدة فى مجال مكافحة الإرهاب برؤية مصرية شاملة للقضاء على هذه الظاهرة ويظل الانتماء المصري للقارة الأفريقية في صدارة دوائر السياسية الخارجية بل ويشكل أحد المعالم الرئيسية في تاريخ مصر فضلا عن دوره في تطوير حاضر البلاد وصياغة مستقبلها، ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على التواصل بصفة مستمرة مع قادة الدول الأفريقية وذلك من خلال الزيارات المتبادلة أو الاتصالات الهاتفية.
كما يقوم الوزير سامح شكري ووزراء الحكومة المصرية بالعديد من الزيارات إلى البلدان الأفريقية لخلق فرص جديدة للتعاون وإرساء شراكات ثنائية تحقق مصالح متبادلة للشعب المصري، والشعوب الأفريقية الشقيقة.
وتؤكد مصر في جميع المناسبات أن التوجه نحو أفريقيا هو بلا شك منظور ثابت ومستقر لسياسة مصر الخارجية فتسعى مصر دوما لتحقيق المزيد من التضامن الأفريقي وصولا إلى أهدافنا المشتركة.
وفى هذا الإطار جاء دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في أفريقيا التي تقوم بالمساهمة من خلال عملها فى بناء قدرات أشقائنا الأفارقة فى مختلف المجالات ثمرة واضحة لهذا النهج والتوجه المصري لإعلاء مفهوم الشراكة والمصالح المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة لدول القارة السمراء.
وحرصت مصر على إقامة علاقات متوازنة والاحترام والمصالح المتبادلة مع جميع دول العالم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا وعززت روابط عميقة مع مختلف البلدان سواء مع الدول العربية والأفريقية الشقيقة، أو مع القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة على أساس من الاحترام المتبادل خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مقاليد الحكم فى البلاد والتصميم الذي يبديه لمكافحة الإرهاب وكذا مع روسيا الاتحادية وبلدان الاتحاد الأوروبي، وبخاصة ألمانيا وفرنسا أو مع القوى الآسيوية وبخاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
وبعد مرور أربع سنوات على انطلاق ثورة الثلاثين من يونيو التي قام خلالها الشعب المصري بالتعبير عن إرادته في رسم مستقبله ومستقبل أبنائه، تواصل الدبلوماسية المصرية جهودها من أجل رفعة الوطن وحماية مصالحه بقراءة دقيقة للمشهد الإقليمي واتصاله بالمشهد الدولي، وبتصميم وعزيمة على مواجهة أية مخططات يريد واضعوها استنزاف مقدرات الدول العربية، وفي مقدمتها مصر واستنزاف دماء أبنائها بدعمهم للتنظيمات الإرهابية وتشجيعهم أو تواطؤهم مع أيديولوجيات فكرية متطرفة تشكل رصيدا للأنشطة الإرهابية.
ومن هذا المنطلق فقد بات واضحا للقاصي والداني أن مصر قلب العروبة النابض ستظل رغم التحديات كافة، سدا منيعا أمام كل طرف يريد أن يعيد رسم خارطة المنطقة العربية بل ومنطقة الشرق الأوسط وتقزيم دولها أو تقسيمها على غير إرادة شعوبها، مثلما تظل مصر بجيشها الأبي القادر حصنا لأمتها في مواجهة قوى الشر والظلام.