الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

محمد فائق فارس النضال الإفريقي يتحدث لـ"البوابة نيوز": العلاقات المصرية الإفريقية ضاربة في القدم.. وحتشبسوت شاهدة.. ومواجهة الفكر بالفكر.. والأمن ليس المسئول الأول عن التصدي للجرائم الإرهابية

محمد فائق فارس النضال
محمد فائق فارس النضال الإفريقى يتحدث لـالبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مواجهة الفكر بالفكر.. والأمن ليس المسئول الأول عن التصدي للجرائم الإرهابية
جزء كبير من الاضطراب في العالم يرجع لغياب السلام القائم على العدل وتعدد المعايير في منطقة الشرق الأوسط
الفن العصا السحرية لتقدم الشعوب والرقي بوجدانها

اشتهر بمواقفه النضالية الصلبة، ففى أعقاب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ارتدى زى الصيادين وانغمس فى صفوف المقاومة الشعبية للاحتلال البريطانى لبورسعيد، وفى عام 1976، رفض قرارا من رئيس الجمهورية بالإفراج عنه من السجن، مشروطا باعتذار يقدمه لرئيس الجمهورية، وعاد إلى محبسه خمسة أعوام أخرى، حتى لا يعتذر عن جريمة لم يرتكبها مجسدا معنى الكرامة الإنسانية، وقد تم اعتقاله مرة أخرى بعد أشهر قليلة من خروجه من السجن، مع أكثر من 1500 من قادة العمل العام فى مصر، ولم يفرج عنهم إلا بعد رحيل الرئيس السادات، إنه السفير محمد فائق، أحد أهم أبطال ملحمة النضال الإفريقى، وصاحب لقب فارس النضال الإفريقى من الدرجة الممتازة، وشارك حركات التحرير من مختلف دول القارة، وحارب معهم حروبهم من أجل إرساء قيم العدالة والمساواة وتحقيق الحرية والاستقلال لشعوب القارة السمراء.

■ ما شعورك تجاه تواجدك في المكان الذي قمت بإنشائه منذ ما يزيد على ٦٠ عامًا؟
- إنه من أجمل لحظات حياتي أن أتى إلى هذا المكان الذي بدأت فيه النضال مع قيادات القارة الإفريقية وأبطالها، لأن الرابطة الإفريقية كما كنا نطلق عليها قديما، والمعروفة الآن باسم الجمعية الإفريقية، التى احتضنت حركات التحرير والثوار والمناضلين من شتى ربوع القارة، حيث ضمت الجمعية الإفريقية ما يقارب ٣٨ مكتبا سياسيا لجميع القوى السياسية والأحزاب بالقارة، كما أنها كانت ومازالت هى الملتقى الوحيد فى القارة الإفريقية للأفارقة، ولذا نجد أنهم أطلقوا عليها «بيت إفريقيا» لأنها كانت هى الكيان الوحيد الذي تناقش فيه ويدار منه جميع شئون القارة سواء من القيادات الإفريقية المقيمة بمصر أو خارج مصر، فهذا المكان له تاريخ ومازال بعد ٦٠ سنة يؤدي دوره في العلاقات العربية الإفريقية.
■ ما نظرة سيادتكم لدور الفن في الرقي بسلوكيات المجتمع وتشكيل وجدانه، وإبعاده عن العنف والإرهاب، وقدرة الدراما على تكوين رصيد من التسامح والمحبة لدى الشعوب؟
- للفن دور كبير في تقدم الشعوب وتحقيق التنمية، كما أنه يؤثر بشكل أساسي في تكوين الوجدان البشري، فالدراما على سبيل المثال يمكنها أن تعالج مشاكل كبيرة، فعندما كنت أتردد على الولايات المتحدة الأمريكية فى بداية الخمسينيات كنت أرى أن الممارسات العنصرية محتدمة جدا، ولا يمكن التغلب عليها، ولكن بمجموعة من الأعمال الدرامية تمكنت السينما من تغيير النظرة العنصرية داخل نفوس المواطنين الأمريكيين، وتهذيب سلوكهم لترسيخ تقبلهم للآخر.
ولا تتوقف أهمية الإبداع الفنى والدرامى عند توعية المجتمع والرقى بسلوكياته وتهذيبها، ولكنها تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فنجد أن رقى الدول وثقلها السياسى يقاس بحجم نتاجها الدرامى والإبداعات العقلية لأبنائها.

■ ما تقييمك للعلاقات المصرية الإفريقية؟
العلاقات المصرية الإفريقية ضاربة فى القدم منذ فجر التاريخ، وعلى مر العصور، ويمكن رصدها منذ بداية توثيق حضارة القدماء المصريين بالعديد من الآثار مثل رحلة حتشبسوت، ورموز وسمات البيئة الإفريقية الموجودة على المعابد الفرعونية المصرية وحتى الآن.
وهذا التاريخ المشترك يدعم تواجد مصر وتعاونها مع الدول الإفريقية بتبنيها للتنمية، لما لها من أهمية كبرى فى تعظيم الاستفادة من موارد القارة وثرواتها، خاصة أن القارة تذخر بأكبر مخزون عالمي من المعادن والمواد الخام.
فهناك دولتان فقط يستحوذان على خمس إنتاج العالم من الفوسفات، والذى يعد من أهم المعادن التى تدخل فى الصناعات التكنولوجية المتقدمة والنووية والمستحضرات الطبية.
ولأن إفريقيا لم تنم بالكامل حتى الآن، ومازالت غنية بثرواتها الطبيعية التى تصل إلى ثلث مخزون العالم، ويتوافر بها أكبر مخزون من المياه العذبة والأراضى الخصبة والمناخ المعتدل، مما يضع على عاتق دول شمال القارة وهى الدول العربية التى حققت معدلات تنمية أكبر لتحمل مسئولية التنمية فى الدول الإفريقية جنوب الصحراء، لأن هذا يعطي فرصة أكبر للعالم العربي الإفريقي للمشاركة في تنميتها، ويدفع بزيادة إنتاجها فى مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويتجلى هنا دور مصر الريادى لما تزخر به من مراكز بحثية وجامعات تمثل نواة لاحتواء التكنولوجيا ونقلها وتوطينها بالدول الإفريقية.
ومصر لديها ميزة تفضيلية لما تتمتع به من رصيد كبير من الوافدين من مختلف دول العالم خاصة الدول الآسيوية والإفريقية الذين يأتون للدراسة بمدارسها ومعاهدها وجامعاتها، وهذا يعد من أهم دعامات الدبلوماسية الناعمة فى العصر الحديث، ليصبحوا سفراء لها فى دولهم، ودعامات قوية لعلاقة مصر مع العالم.
كما أن الجمعية الإفريقية التى نشأت بمبادرة من الشعب المصرى لتبنى هموم وقضايا القارة العادلة، مازالت تقوم بهذا الدور عن طريق طرق الأبواب وتوحيد الجهود، وفتح أفق جديد من خلال الاهتمام بالفن والسياسة والاقتصاد وكل نواحى الحياة.
وأهمية القارة الإفريقية لمصر تنبع من كونها السوق الطبيعية لها، ومصر بما لديها من نهضة صناعية تحتاج إلى أسواق لاستيعاب منتجاتها، والعلاقات القوية بين الدول تنمو على التبادل التجارى، وتعظيم المصالح والمنافع المشتركة، وما حققته مصر من تقدم صناعى، وما تذخر به الدول الإفريقية من مواد خام يهيئ المناخ لخلق تعاون بين مصر والدول الإفريقية، لقيام مشروعات تنموية مشتركة للاستفادة من المميزات التفضيلية التى يتمتع بها كل طرف، وتراكم الخبرات الصناعية فى مصر يؤسس لقيام العديد من الاستثمارات والصناعات التحويلية للمواد الخام الإفريقية.

■ هناك إنجاز كبير ومهم من إنجازاتك التى قمت بها من موقعك كأول رئيس للجمعية الإفريقية.. وقلما يذكر فى تاريخ العلاقات المصرية الإفريقية رغم أهميته القصوى.. وهو تحويل معهد دراسات السودان إلى معهد دراسات البحوث الإفريقية؟
- قام معهد دراسات السودان بدور عظيم فى تنظيم دراسات متخصصة فى كل ما له علاقة بدولة السودان سياسيا واستراتيجيا وإنسانيا، ونظرا لهذا النجاح الذى حققة هذا المركز أردنا أن تستفيد منه باقى الدول الإفريقية، فواتتنا الفرصة لتوسيع نطاق الاستفادة منه ليشمل كل دول القارة، وليساهم فى تحقيق حريتها واستقلالها على أسس علمية وأكاديمية.
■ استجبت سيادتك للطلب الملح الذى أجمع عليه زعماء حركات التحرير التى كانت تتخذ من الجمعية الإفريقية مقرا لها.. وكذا رؤساء الجمهوريات التى نالت استقلالها سابقا، بتوفير فرص دراسية للوافدين الأفارقة لمعاناتهم من انعدام فرص تمكنهم من الدراسة فى بلادهم؟
- تعمد الاستعمار أن يعرقل العملية الدراسية فى الدول الإفريقية، حتى يتركها فريسة للجهل والظلام، ولا يتمكنوا من الحفاظ على حقوقهم والاستفادة من مقدراتهم التى حباهم الله بها، لذا تمكنا من وضع خطة توفر للشباب الأفارقة فرصا دراسية فى جامعة الأزهر، والجامعات المصرية الأخرى، لاحقا بالتوازى مع عدد من المدارس التى تم فتحها فى الدول الإفريقية بمبادرة من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، والتى حملت فى مجملها اسمه وأصبحت لا تخلو قرية أو مدينة من مدرسة ناصر للتعليم الابتدائى أو الأساسي، وهى التى تخرج منها قيادات القارة ومعلميها، ولأن المنح الدراسية بدأت بالدراسات الدينية فى جامعة الأزهر، فحرصنا على أن يتمكن الدارس من دراسة علوم أخرى أكاديمية تمكنة من المشاركة فى بناء الوطن، ولأن هؤلاء الوافدين يتقلدون المواقع الهامة عند عودتهم لأوطانهم لتميزهم بما حصلوا عليه من مؤهلات علمية، وهذا ما جعل جامعة الأزهر تضيف للعلوم الدينية والشرعية جميع العلوم التطبيقية والإنسانية.

■ ما تقييمك لدور الجمعيات الأهلية في توطيد العلاقات الشعبية بين الدول الإفريقية بعضها البعض؟
- هناك دور مهم للمجتمع المدنى يقدمه فى تقارب العلاقات بين الشعوب وصياغة المناخ المشجع للتعاون بين الدول الإفريقية، من خلال إلقاء الضوء على مقومات تبادل المنافع والعناصر الثقافية المشتركة، وتحقيق التعارف بين الشعوب، مما يمتن العلاقات الرسمية ويضع لها أسسا قوية تمهد الطريق للتكامل، فمنظمات المجتمع المدنى قادرة على تكوين دعامات لقنوات العلاقات الرسمية، وأيضا تقوم بتشكيل قناة موازية لهذه القنوات، التى يمكنها احتواء بعض المشاكل التى قد تطفو على السطح وتغلب عليها المصير المشترك للدول، وأشار فى ذلك الدور الذى قامت عليه أسرة وادى النيل وقت نشأتها عام ١٩٩٦، والتى لم تكن العلاقات الرسمية على أفضل ما يكون، ولكنها كونت قناة بديلة لاستمرار العلاقات لحين نقاء الأجواء.

■ بصفتك فارس النضال الإفريقي، حدثنا عن أسباب انتشار العنف والإرهاب في شتى دول العالم، والذي أصبح ظاهرة محيرة ويحتاج لنظرة غير تقليدية في التصدي له، فما الذي تقترحه سيادتكم في مواجهة هذا المهدد العالمي الذي يتربص بأمن واستقرار الدول؟
- انتشر الإرهاب في مختلف دول العالم، ولم تصبح هناك دولة واحدة في منأى عنه، وهذا أمر مؤسف للغاية، ولم يعد الإرهاب يتوقف عند عمليات إجرامية فردية، ولكنه أصبح يتسلح بأدوات كانت إلى وقت قريب حكرا على الدول، ومن أهمها «الأداة الإعلامية»، وأصبح لدى الإرهاب آلة إعلامية تصل إلى كل دول العالم، وتقوم على نشر أفكار العنف والتطرف من أجل أستقطاب عناصر جديدة للانخراط في هذه التنظيمات الإجرامية ولزيادة نطاق نشاطها الجغرافي.
ونجد كل هذه المقومات التي مكنت هذه التنظيمات الإرهابية من القيام بجرائمها على هذا المستوى من التخطيط والدقة لا يمكن أن توفر لها إلا من خلال أنظمة، ودول تعمل على تمويلها وتقديم المخططات الاستراتيجية لها على أعلى مستوى، وكذا توفير الدعم اللوجيستي والمعلوماتي لها، حتى تتمكن من التخفي عن الأجهزة الأمنية العالمية، وأيضًا التعتيم والتمويه على منابع تمويلها، والتى تتمثل فى شبكة معقدة من الشريكات التى تعمل في أنشطة اقتصادية متباينة على مستوى العالم، فهذه الأنظمة التى تقدم الحاضنة الآمنة لتلك التنظيمات الإجرامية، ترتكب العديد من الجرائم المخالفة للأعراف والقيم الإنسانية، وأيضا تسبب عدم الاستقرار وانتشار الفوضى والقتل في العالم، مما ينعكس بالسلب على حالتي الأمن والسلم العالميتين وتراجع معدلات التنمية والتقدم البشري.
ولا يمكن للإرهاب أن ينتشر بهذا الشكل إلا بتوافر هذه الحزمة من المساعدات المالية والمعلوماتية من بعض الدول الأساسية، وهو ما أوجد حتمية تنظيم الحملة العالمية لمواجهة الإرهاب، بعد أن ساد كل دول العالم.
كما أن الدول التى تخرق الالتزام العالمى بتجفيف منابع تمويل الإرهاب وتقدم الفدية لهذه التنظيمات الإرهابية ما هى إلا شريك في دعم هذا النشاط الإجرامي، وهذا الدعم لا يجعلها في مأمن من شروره، ولكنها تصبح دائما الهدف الأول وترتد عليهم، ومن يتصور أنه يوظف الإرهاب للتغلب على بعض الخصوم والأعداء، يصبح أول فريسة له وأكبر مثال على ذلك ما شهدناه من تنظيم القاعدة وبن لادن.

■ هل ترى أن المحاور التي وضعتها الدول كافية لمواجهة الإرهاب؟
- ثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن التصدي للإرهاب لا يقف عند الدور الأمني فقط، ولكن هناك مجموعة من الجهود والمقاومات يجب أن تتضافر للقضاء عليه بشكل ناجح، أولها ارتفاع معدلات التنمية في الدول، ووفرة الدخل، والأمن الاقتصادي، والاحتياجات الأساسية، وتجديد الخطاب الدينى ودعمه بالأسس العلمية، وجعله منزها عن أفكار غير المتخصصين والمجتهدين بغير علم، وقد دعا الرئيس السيسي لتطوير الخطاب الديني وتنقيحه. 
كما يجب الرقي بطرق التفكير في المجتمع على كل المستويات، لأن الفكر ينمو ويتطور كما تتطور معه الحياة، فيجب تنزيه الدين عن استخدامه كوسيلة للحكم وإخضاع الشعوب واستخدامه كأفيون لتغييب عقول الشباب ودفعهم للتطرف وتنفيذ جرائم ضد الإنسانية. 
كما يجب أن تسود العالم أفكار العدالة والمساواة والمحبة بين الناس، وأن أكثر منطقة فى احتياج لهذا السلام القائم على العدل، هى منطقة الشرق الأوسط، لما تعج به من مشاكل سياسية مثل قضية فلسطين والعديد من المشاكل الاقتصادية.
وأنا متفائل أن العالم يعيد صياغة أسس العلاقات لتقوم على فضائل القيم الإنسانية لتظلها المحبة والسلام.