الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

القطب الصوفي السوداني الغزالي الياقوتي يتحدث لـ"بوابة العرب": جهات نافذة فى الخرطوم يهمها صعود المتشددين.. وتَصدُّر السلفيين للمشهد سيحول المجتمع إلى أشلاء.. والمؤسسات لا تساعدنا فى محاربة التطرف

شيخ الطريقة السمانية
شيخ الطريقة السمانية الياقوتية الشيخ الغزالى الياقوتى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أغلب السودانيين «الدواعش» تعلموا خارج الدولة
تصاعدت وتيرة المناقشات داخل البيت الصوفى السودانية بعد حالة الصدمة التى انتابته منذ قررت الحكومة السودانية إلغاء مؤتمر عام عن التصوف، كان مقررا أن يعقد بقاعة "الصداقة" بالعاصمة، فى الوقت الذى لا تعتبر مشايخ الصوفية هذا التصرف صدفة، إذ سمحت السلطات نفسها فى وقت سابق للجماعات السلفية بعقد مؤتمر عن السلفية بالقاعة، ما يعكس حالة من الرضا الحكومى على السلفية على حساب الصوفية. هذا الاحتمال تدعمه الصوفية بمشاركة عناصر سلفية مؤخرًا فى الحكومة السودانية، ما يعنى أن الخرطوم باتت تتيح المجال للسلفية والمتشددين الوصول إلى مناصب قيادية.
"البوابة" حاورت شيخ الطريقة السمانية الياقوتية بشرق النيل، الشيخ الغزالى الياقوتى، الذى كشف عن توجهات متشددة للدولة السودانية تتزامن مع مشهد عربى غارق فى التطرف... إلى نص الحوار..
■ بداية ماذا عن أزمة إلغاء مؤتمر "قاعة الصداقة"؟
قررت السلطات السودانية إلغاء المؤتمر بناء على قراءة خاطئة تفيد بأن المقيمين عليه لديهم أجندة سياسية وفق ما تبادر إليهم من معلومات، للأسف من أصحاب أجندة شخصية ليس إلا.
والذى حدث بالضبط أن المؤتمر بعد أن تم التصديق عليه بعنوان "التصوف.. قضايا آنية ورؤية مستقبلية" قبل أسبوع من تاريخ قيامه، إلا أنه فى اليوم الموعود له تم استدعاء الأمين العام للمجمع الصوفى، ومعه مسئول الإعلام بالمجمع الصوفى من قبل سلطات الأمن، وظلوا بمكاتب أمن الدولة من العاشرة صباحًا وحتى السادسة مساء، فى حوارات مع سلطات الأمن دون تحديد مبررات كافية من الجهات الأمنية لإلغاء الندوة، وقبل ساعة من زمن البداية، وبعد أن احتشد جزء مقدر من المتصوفة لمكان الندوة أخطر الأساتذة أعلاه بالقرار النهائى.
■ هل تتفق مع الرأى القائل بأن الصوفية فى السودان يتم محاصرتها؟
ليس الأمر بهذا الوصف.. لأن المجتمع السودانى تركيبته الكلية هى من المتصوفة، إذا فلفظة محاصرة غير دقيقة، كما أن العبارة توحى بتخطيط من قبل الدولة، الأمر أيضًا ليس كذلك... نعم هناك جهات نافذة من الدولة تسعى ليعلو صوت المدرسة المتشددة بتوصيفها الأحادى وتركيزها على مذهب معين، مع منحنى إقصائى للآخر، ولكن لا توجد محاصرة.
■ إلى أى مدى تتفق مع الأقاويل المحذرة من صعود السلفية فى السودان؟
بداية لا بد من تحرير مصطلح السلفية، فنحن لا نسلم أن هؤلاء المتطرفين يتبعون السلفية، لكنهم فى الأصل وهابية يسرقون حتى المصطلحات. أما عن الاتفاق مع صوت التحذير، فهذا هو صوت العقل الذى يقرأ الواقع بعمق رؤية وحيادية بعيدة عن التدليس العقائدى ودغدغة الخطابات الدينية، والحركة المتشددة تاريخها متجذر فى تكفير المجتمعات، ومن ثم تتعمد إخراجهم من ثوب الإسلام العريض، لتظل هذه الثلة الضئيلة هى فقط من يمثل الإسلام وتاريخ نجد خير شاهد على ذلك... من هنا يأتى الحذر، والمجتمع السودانى الموصوف بسماحة ومحبة لا تجدها عند الشعوب الأخرى سيتحول إلى أشلاء ممزقة؛ لأن منهجهم قائم على نظرية "معنا أو الطوفان".
■ ما رأيك فى مشاركة السلفيين فى تشكيل الحكومة السودانية الجديدة؟
أعتقد أنهم استفادوا من ركون الحكومة، بفعل التقارب مع بعض دول المنطقة التى تحمل إيديولوجية بعينها تقترب من أفكار السلفيين، وأنا شخصيًا لا أتوقع أن تكون هذه الدول طالبت السودان بالدفع بالسلفيين، ولكن هذا تم بشورى من بعض الأشخاص المحسوبين على السلفيين والإخوان، الذين أوهموا السلطة بأن التصرف بهذا الشكل سيرضى دول خارجية.
■ هل طالبتم فعلًا المشاركة أسوة بالسلفيين؟
أبدًا.. هذا حديث عار من الصحة، كل الذى حدث طالبنا الحكومة برفع يدها عن رعاية هذه المدرسة، وأن تترك ميدان الفكر مفتوحًا بيننا، دون وصاية منها أو من بعض مؤسساتها النابتة.
■ وماذا عن بعض مواد القانون العام الخاصة بالدجل والشعوذة.. هل فعلًا تستهدف الصوفية؟
المادة جاءت فى قانون النظام العام فضفاضة، وغير مفسرة تتعلق بالدجل والشعوذة، ولكن هذه العبارة لا تمت لأهل التصوف بصلة، ولكن استغلها بعض أصحاب هذه المدرسة، مستفيدًا من التعميم دون تنصيص فى القانون أن التصوف دجل وشعوذة، ولكن ذهنية هذا الجاهل ضد التصوف، وأنه دجل وشعوذة يريد أن يطوع المادة لفهمه، ودمغ من يخالفه بها، فأوهموا بعض أفراد النظام العام أن أتباع المتصوفة يمارسون الدجل، وبالفعل كانت هناك حالات تصدى لها أهل التصوف بالقانون والأدلة، والغريب أن كتب أئمة هؤلاء الجهلاء كابن تيمية وابن القيم، بالفعل لم تصمد القضية أمام القانون سويعات، إذ كانت البراءة وباتت سابقة قانونية تنسف كل ادعاء من شأنه أن يشين أهل التصوف من قبيل هذه المادة.
■ هل ترى التصوف قادرًا على وقف الفكر المتطرف؟
نعم.. التصوف قادر لأنه يخاطب العقل فى أعلى مستوياته، كما أنه يحول المجرد إلى انفعال مع قضايا الواقع، هذا على سبيل الممارسة، لا ذاك العبوس المتجهم الذى أول ما يتبدى لك كأنه شر مستطر، ثم إن هذا الفكر المتطرف أوهى من خيط العنكبوت إذا ما تخلى من تجرثم به من هذه التعبئية وأفرغ فؤاده واستمع لأهل العلم بفيض من المحبة، أكرر المحبة؛ لأن هؤلاء أول ما يركزون عليه هو كراهية، وأقول أوهن من خيط العنكبوت، لأنه قد ثبت بالممارسة أن محاضرة واحدة تهدم ما شابهم.
■ هل المكتبة الصوفية قادرة على مواجهة المكتبة "الداعشية" الضخمة؟
أولًا: لا يوجد أضخم من المكتبة الصوفية، ولكن الإشكالية فى من يقرأ، فهؤلاء الدواعش اعتمدوا على سندوتشات من الكتيبات والرسائل مشحونة بمسائل محددة يتم حفظها وترديدها، بينما المكتبة الصوفية تحوى علما أصيلا يحتاج إلى جهد ومساحة من الزمن؛ لأنه إرث ذاك العلم الذى قرأه الحبيب المصطفى على مكث أكثر من عشرين عامًا يتشربه الصحابة وحفظوه فى قلوبهم، لذا فكل من يطّلع على المكتبة الصوفية سرعان ما يتبين له الحق.
■ هل هناك ثمة برامج تسعون إلى تنفيذها للتصدى للمتشددين؟
البرامج صراحة اجتهادات فردية أو خجولة لضعف الإمكانيات لبعض الجمعيات، لكن الصوفية فى المجمل تتعمد الوصول إلى الطلاب فى الجامعات على وجه التحديد.
■ هل تجدون ردود فعل إيجابية من الطلاب؟
بالفعل، التجاوب معنا جيد جدًا ويؤكد أن التصوف بخير ولا خوف عليه.
■ رغم وصول الطرق الصوفية إلى قطاع واسع من الشعب السودانى.. إلا أن السودان تصدر من وقت إلى آخر إرهابيين يحملون الفكر "الداعشى".. كيف ترى هذه المفارقة؟
هذه المفارقة نتيجة استقطاب بعض الشباب فارغى الذهن مشبوبى العاطفة، إذ سهل خداعهم بوعود الجنة والحور العين، دون أن يدركوا مقاصد الجهاد وفقهه، وهل هو غاية أم وسيلة. وأعتقد أن الأسر انتبهت لهذه الظاهرة فتضاءلت بفضل المحاورات والتوعية.
■ إذًا لماذا وصل الفكر "الداعشى" إلى الشباب السودانى؟
وصل لأن المتصوفة، بل المجتمع بأسره، لم يلتفتوا إلى هذه الأفكار الشاذة والدخيلة على المجتمع، وإنما كان جل اهتمام أهل التصوف منصبًا على المجتمع وفق التربية القائمة على التسامح والمحبة. كما أن هنالك عوامل أخرى مهمة تمثلت فى ظاهرة الاغتراب الكثيفة منذ الثمانينيات، ومن هنا تربى هذا الجيل الذى يحمل الجرثومة الداعشية بعيدًا عن الحاضنة الصوفية، ولعل الظاهرة البينة أن كل الذين التحقوا بداعش فهم من حملة شهادات عربية أى غير سودانية وحصلوا على العلم من مجتمعات عربية أخرى.
■ ما دور الصوفية السودانية فى ظل موجة التشدد الصعبة التى تمر على المنطقة؟
التصوف هو صمام الأمان لحماية المجتمعات من هذه الموجات، وهو الحل لكل مشكلات العالم ليس على صعيد التشدد اليمينى وإنما حتى على صعيد التشدد اليسارى، فلن يجدوا لهم حلا يروى ظمأ رؤاهم إلا فى التصوف؛ لأنه الوسطية الحقة لا المدعاة، ذلك لأنه يخاطب الجسد والعقل والروح؛ وبالتالى يتفاعل مع كل مكونات الحياة.
■ هل توفر الدولة السودانية لكم الدعم للقيام بهذا الدور؟
أبدًا، وإن كان هنالك فهو لشخوص وليس مؤسسات.