الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

جنوب سيناء.. قرية الجبيل.. الكنز الغائب

عبر منها الكليم «موسى».. وسكنها «الرهبان».. وهجرها الناس

أحد الأهالى يتحدث
أحد الأهالى يتحدث للبوابة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مسافة ٥ كيلو مترات من مدينة طور سيناء عاصمة محافظة جنوب سيناء، تقف قرية صغير بحجمها، كبيرة بآثارها وعبق الماضي الذى يضرب فى جذور التاريخ، وتجده بجلاء بين ثنايا هذا الشاطئ البكر، إذا وضعت رحالك بها رأيت الرمال العذراء تداعب أمواج الخليج الدافئة، وهذه مواويل بحارتها لا تزال تصدح فى آذاننا حين ركبوا وخاضوا غمار البحر لطلب الرزق بين أضلع الخليج الغنى بلؤلؤه وخيراته! تلكم المشاهد ترسم لوحة بديعة من الطبيعة الخلابة، لوحة تحار الكلمات على الشفاه فى وصفها، ويسلب العقل جمالها.. إنها قرية الجبيل المنسية، ولها مسمى آخر «قرية الصيادين».
وأكد أهالى قرية الجبيل، أن القرية تمتلك مقومات سياحية تجعلها تنافس مدينة شرم الشيخ العالمية، فالقرية تقع على شريط ساحلى ممتد لعشرات الكيلومترات، ويوجد بها مطار، وبها منطقة «رأس رايا» الكنز الذى لم يكتشف بعد! والتى هجرها الأهالى لعدم وجود خدمات بها، وبها أحد الإنشاءات السياحية، ولكنه توقف منذ سنوات وهجره أيضًا أصاحبه.
وقال محمد الحمصى: «إن القرية كنز بمعنى الكلمة، ولكن للأسف الشديد لم يلتفت إليها أحد، وهناك مشكلات عدة يعانى منها أهالى القرية، وعلى رأسها مشكلة المواصلات، موضحا أن القرية لا توجد بها مدارس مرحلة ثانوية سواء ثانوي عام أو فني، مما يضطر أبناؤنا للنزول يوميا إلى المدينة ثلاثة أو أربعة مرات لمدارسهم ودروسهم الخصوصية، وشراء احتياجاتهم، حيث لا يوجد سوى سوق عشوائية بالقرية تقام كل أسبوع، الأمر الذى يضطر فيه ولى الأمر لتخصيص أكثر من ربع راتبه على المواصلات، ناهيك أن هناك العديد من أولياء الأمور ليسوا بموظفين ولا يستطيعون تحمل نفقات مواصلات أبنائهم، فمعظم الأهالى بسطاء وطيبون، يعمل معظمهم فى الصيد، ولذلك أطلق عليها قرية الصيادين»، مضيفا: «أن القرية لا يوجد بها مكتب للبريد ولا نقطة شرطة، ومعظم شوارعها غير مرصوفة، وتعاني من مشكلة القمامة وقلة عدد أعمدة الإنارة».
وأضاف حميد سعد جبلى من قبيلة المزينة، ومن أهالى القرية، ويعمل بالتربية والتعليم: «إن تعداد القرية نحو ١٠ آلاف نسمة، ولا يوجد سوى مخبز بلدى وحيد للقرية»، مطالبًا بفتح مخبز جديد بجانب المخبز البلدي، كما طالب بزيادة حصة المخبز البلدي لسد حاجة أهالي القرية.
وأشار جبلى إلى أن منطقة «رأس رايا» التابعة للقرية كان يسكنها عدد كبير من الناس، وهى منطقة يمكن تنميتها واستثمارها، وكانت بها مدرسة، ولتقصير المسئولين في تقديم الخدمات بالمنطقة فلا توجد مياه ولا وحدة صحية ولا طرق، فبدأ الناس يهجرون المنطقة وأغلقت المدرسة التى تكلفت الملايين، وخربت «رأس رايا» بسبب تقصير الحكومة- على حد قوله.
«رأس رايا» الكنز الغائب
على الرغم من وجود آثار إسلامية وقبطية، ووقوع المنطقة على الساحل مباشرة، وهناك من غاص بالمنطقة، وأكد وجود شعاب مرجانية، كما تصلح المنطقة لممارسة العديد من الرياضات البحرية، إلا أن المنطقة لم يتم وضعها على خريطة الاستثمار السياحى حتى الآن، إنها «رأس رايا». 
وأكد أهالي القرية ومنهم غريب حسان، عضو مجلس النواب عن دائرة طور سيناء، أن المنطقة الساحلية الممتدة من قرية الجبيل وحتى رأس الكنيسة، مرورا برأس رايا تصلح لإقامة العديد من المشروعات السياحية، فهى عبارة عن جونة طبيعية ليس لها مثيل فى العالم، وتصلح لإقامة العديد من المشروعات السياحية المهمة، خاصة فى مجال الغوص، فالمنطقة بها شعب مرجانية، وهناك أماكن الصيد البحرى، ومناطق تصلح للسباحة، حيث تمتلك المنطقة بحيرة طبيعية مساحتها شاسعة، وطالب حسان بعمل دراسة سياحية للمنطقة، وإعطاء المستثمرين نسخة من الدراسة وتشجيعهم على الاستثمار هناك، لأن معظم المستثمرين لا يعرفون سوى شرم الشيخ ودهب.
من جانب آخر، أكد العالم الأزهري الشيخ محمد عبد العظيم، مدير عام منطقة جنوب سيناء الأزهرية الأسبق، الباحث صاحب كتاب السياحة الدينية في سيناء، أن منطقة «رأس رايا» هي نهاية الجبل الغربي الموجود حاليًّا، عند حمام موسى بطور سيناء، والجبليات الصغيرة الموجودة حاليًّا بمنطقة «رأس رايا» هي نهاية الجبل الذي اندك من خشية الله.
وأشار عبدالعظيم إلى أن الآيات تقول إن نبي الله موسى، عليه السلام، صام ٤٠ يومًا ثم صعد الجبل الذي تم ذكره في القرآن الكريم، في سورة الأعراف وهو الجبل الموجود، حاليًّا، بمنطقة حمام موسى ثم ناجى ربه، ثم كلمه ربه، ثم طلب من ربه أن يراه أي أن يريه نفسه، فقال رب العزة لموسى، عليه السلام، كما جاء في الحديث القدسي: «يا موسى لن تراني، إنه لن يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم»، ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}[الأعراف: ١٤٣].
وأكد عبدالعظيم أن المفسرين لهم ثلاثة تفسيرات في هذه الآية، الأولى أن الجبل لما تجلى نور الله عليه دك الجبل فانخر في الأرض فهو تجلجل فيها، والثانية اندك الجبل أي استوى مع سطح البحر، والثالثة اندك الجبل فأصبح نصفه في البحر والنصف الآخر في البر، وهو ما ينطبق على جبل حمام موسى.
وأضاف عبدالعظيم، أن جبل حمام موسى هو الجبل الذى نزلت عليه التوراة لأن الجبل قطع كأنه قطع بسكين وسوى بالأرض، وهذا يليق بتفسير الآية الكريمة، مضيفًا أن بقية الجبل هبط بعد أن كان عاليًّا، وظهرت عليه آثار الهبوط وسوى سطحه وبقي متعرجًا أملسًا كأنه وعاء للعجين اليابس تعرض للضغط عليه بغطاء أملس متعرج، وأن الجبل الغربي في سيناء هو جبل حمام موسى على شاطئ الخليج وليس بعده شيء.
وأوضح عبد العظيم أن سيدنا موسى، عليه السلام، عندما جاء إلى الوادي المقدس طوى الموجود في مدخل وادي «إسلا» التابع لمدينة طور سيناء، والذي يبعد عن العاصمة نحو ٣٥ كيلو مترا، ومصبه هنا في منطقة «رأس رايا»، جاء إلى «رأس رايا» التي كانت ميناء طور سيناء القديم كما أكد علماء الآثار، ليركب من «رأس رايا» ليعبر إلى البر الثاني عند رأس غارب أو رأس شقير، ومنها إلى الزعفراني، ومنها إلى الكريمات، ومنها إلى بني سويف، ومنها إلى الفيوم، حيث يقيم أهل سيدنا موسى وسيدنا هارون وفرعون من أجل أن يبلغه الرسالة.
ونوه عبدالعظيم بأن منطقة «رأس رايا» هي التربيعة التى ربطت حمام موسى بالوادي المقدس، ولذلك عسكر الرهبان في هذه المنطقة «رأس رايا» منذ زمن بعيد، ليكونوا بجوار الوادي المقدس، ولكن البربر اعتدوا عليهم، وهذا ما ذكره نعوم شقير في كتابه «تاريخ سيناء»، كما ذكره الكثير من الباحثين.
وفي نفس السياق، أكد محمد أحمد عمران، مدير الآثار الإسلامية والقبطية بجنوب سيناء، أن منطقة «رأس رايا» منطقة أثرية قديمة، وكانت مدينة طور سيناء قديما، وكان بها ميناء تجارى مهم، يستقبل الحجاج المسلمين والمسيحيين القادمين من أوروبا وآسيا لزيارة الأمكان المقدسة فى سيناء وفى كاترين وغيرهما.
فهل آن الأوان لوضع قرية الجبيل على الخريطة السياحية؟