الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

البحر الأحمر.. حلايب وشلاتين.. حياة بدائية رغم غناها

«البوابة» سافرت إليهم عبر «آلة الزمن»

أهالى حلايب وشلاتين
أهالى حلايب وشلاتين يعيشون حياة بدائية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتحدثون لغة غير مكتوبة.. ويتعاملون بالمقايضة.. وأبسط أمانيهم «بطاقات هوية»
يعيشون على الدقيق ولبن الماعز.. ويرفضون وحدات الحكومة لأن بها «حمامات»
عند دخولك إلى مدينتي حلايب وشلاتين، جنوب محافظة البحر الأحمر، تشعر كأنك ركبت آلة الزمن وعدت إلى سنوات العصر البدائي، حيث أول ما ستراه عيناك بيوت خشبية وأناس صحراويون لا يعرفون النقود ولا يزالون يتعاملون بأسلوب المقايضة، ولا يزيد طعامهم على «العصيدة» وجبتهم الرئيسية التى تتكون من الدقيق والماء الساخن ولبن الماعز أو الجمال، إلى جانب «الجبَنة»، وهي البن المطحون مضافا إليه «الزنجبيل». 
وبمجرد الاقتراب من مثلث الجنوب، تنقطع شبكات الهواتف المحمولة، ثم تتوغل قليلا لتداهمك الطبيعة القاسية، من جبال ورمال وبرودة شديدة ورياح قوية، يرزح تحت قسوتها أبناء ٣ قبائل «البشارية، الحمداب، العبابدة»، الذين تخلوا مضطرين عن كل مظاهر البهرجة، فتجد بعضهم لا يحلقون رءوسهم طوال حياتهم، ويرتدون قميصا أبيض تعلوه سترة دائما ما تكون سوداء اللون «سديري» وعمامة كبيرة على الرأس.
يسكن أبناء هذه القبائل، قرى «أبرق» و«الجاهلية» و«سعفة» و«أدلديت» و«رأس حدربة»، حيث يعانون من التهميش بعد أن حرموا من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية وكذلك الاستفتاء على الدستور، لأنهم لا يملكون أوراق ثبوتية أصلا، إذ تسببت عزلتهم عن حياة الحضر فى حرمانهم من استخراج شهادات الميلاد وبطاقات الرقم القومى.
وعلى الرغم من مظاهر الفقر المدقع السائدة، تحتوى «حلايب وشلاتين» على عدد من المحميات الطبيعية، أكبرها «جبل علبة»، التى تحتوى على عدد كبير من الآثار الفرعونية، إضافة إلى غناها بالثروات الجيولوجية والمعدنية والموارد المائية، من آبار وعيون للمياه العذبة، وتتنوع الموارد بين الطبيعية والبشرية والثقافية، وهكذا تجد الحياة البرية والنباتات الطبيعية، كما تضم أنواع مختلفة من الطيور النادرة المقيمة والمهاجرة، والأشجار النادرة، ذات القيمة البيئية والاقتصادية الكبيرة.
الشيخ محمد سدو، شيخ مشايخ «البشارية»، كشف لـ«البوابة» أن أهالى المنطقة يتحدثون لغة ليست العربية، تنطق ولا تكتب ولا يفهمها سواهم، وهى اللغة «البجاوية» التى تنتمى لـ«البيجا» بشرق السودان.
ويضيف «سدو» أن هناك عدة أودية لا تتحدث إلا اللغة البجاوية، ومن أهمها وديان «ميسح» «الشلال» و«إدلديب» و«أم رسين» و«فروكيت» و«كات هيوه» و«إيلاب»، مشيرا إلى أن الأسماء الفرعونية كانت جميعها بيجاوية الأصل.
الغريب أن أهالى المنطقة رفضوا الانتقال إلى وحدات توطين أنشأتها لهم الحكومة، لأن هذه البيوت تضم بداخلها دورة مياه، بينما هم يعتقدون أن الشياطين تسكن دورات المياه، ولذا يجب ألا يكون داخل البيت، وعلى ذلك لن يكون مستغربا أن المنطقة لا تزال تدار بالأحكام العرفية التى يحكم بها كبار القبيلة، ومن لا يرضى بذلك يكون مصيره الاستبعاد ومقاطعة أفراحه وأحزانه والامتناع عن تزويجه.
وعلى ذكر الزواج، فإن لسكان حلايب وشلاتين تقاليد وطقوس يتفردون بها، إذ يكون الزواج داخل نطاق القبيلة، فتكون الفتاة لابن عمها منذ نعومة أظفارها، وهى عادة قديمة كان الهدف منها المحافظة على الهوية البجاوية، كما أن ابن العم هو الأولى بحسب عادات وتقاليد القبائل فى هذه الصحراء.
ومع ذلك فإن العريس لا يتلقى الموافقة إلا بعد استشارة قيادات القبيلة، وإذا تزوج من دون استشارتهم يتعرض للمقاطعة كذلك، كما أن هناك شهورا معينة ومفضلة لإقامة الزواج عند قبائل حلايب وشلاتين، هى ربيع أول وربيع ثانى وجماد أول وجماد ثانى، وإذا لم يتمكنوا من إتمام العقد فى هذه الشهور، فإنهم ينتظرون حتى يحل عليهم ذو الحجة، فيعقدون زواجهم فيه، ويكرهون الزواج فى محرم وصفر.
وعندما يستقر الشاب على زوجته، يعزلون الزوجة عنه لمدة شهر داخل منزل والدها، فلا يراها العريس حتى يشتاق لها، وتوضع إشارة بيضاء من القماش فوق المنزل الذى يقام بداخله حفل الزواج، كنوع من الدعوة للناس إلى الحفل، مع إرسال مندوب لدعوة قاطنى الأودية البعيدة.
أما فى الحفل، فإن العريس يجلد أصحابه بالكرباج، دليلا على قوته، وكلما كان الصديق أقرب تحمل من الكرباج أكثر، ثم تحت مصابيح السماء يحيى الشباب «الهوسييت» وهى رقصة الفلكلور عند البشاريين، وتكون على أنغام «الباسينكوب» وهى آلة وترية بجاوية.