السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قطر والمصير المجهول

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشكلة دول الخليج مع قطر بدأت منذ تسلم الشيخ حمد بن خليفة سدة الحكم، وممكن أن تنتهى بإبعاده فعليًا عن الحكم لا شكليًا.
وصل الشيخ حمد بن خليفة للحكم بالانقلاب على والده ونفيه والحجز على أمواله، وبدأ فترة حكمه شاعرًا بعدم الإحساس بالأمان، فهو خائف من ردة فعل الدائرة الصغيرة المحيطة به بعد عزل أبيه ونفيه، وهو خائف من الدائرة الكبيرة المحيطة به، أى دول مجلس التعاون، إن لم تتقبل التغيير بهذا الأسلوب الغريب على أعراف قبلية وسياسية جديدة على المنطقة، يشعر دائمًا أن هاتين الدائرتين ممكن أن تنزعا منه السلطة؛ وذلك لسهولة نزع السلطة فى قطر من حاكم إلى آخر!
لذلك؛ أسس وبنى وتبنى مشروعًا قطريًا منفردًا يعتقد أنه وحده ما سيبقيه فى الحكم ويؤمّن له الاستقرار، ووحده ما سيبقيه فى السلطة ويحميه.
اعتقد الشيخ حمد أن تحالفاته مع القوى العظمى، وقبوله بلعب الممول لمشروعات التقسيم فى العالم العربى أكبر ضمانة لبقائه، وبخاصة أن تلك المشروعات هى إسقاط الدول المحيطة به، وبقاء قطر وحدها حاضنة للقيادة المركزية الإقليمية فى المنطقة الجديدة التى ستنشأ بعد السقوط، منطقة تحكمها جماعات تدين لقطر بالامتنان لمساعدتها للوصل لسدة الحكم. فالولايات المتحدة وإيران وإسرائيل رسمت شرق أوسط جديدًا، وجميع هذه الدول اتفقت على ضرورة إعادة رسم خريطة المنطقة العربية، كى تحكمها «الأقليات» و«الجماعات الدينية» التى ستدين لقطر بالامتنان لدورها فى الوصول إلى الحكم، وستدار من قطر لوجود جميع قيادات تلك الجماعات فى الحاضنة القطرية، وهكذا يضمن الشيخ حمد بقاءه فى الحكم وبقاء قطر واقفة فى محيط تساقطت دوله.
ما تطلبه الدول المقاطعة من قطر اليوم لا يكمن فى التفاصيل، وقف قناة «الجزيرة»، أو قطع العلاقات مع تلك الجماعات، بل إن ما تطلبه هو قطع علاقتها «بمشروع حمد بن خليفة»، أى إنهاء المشروع الكبير الذى عمل حمد بن خليفة ووزيره معه على تنفيذه على مدى العشرين عامًا التى مضت، أى منذ توليه سدة الحكم، وصرف عليه مليارات الدنانير، وقطع العلاقة بالمشروع يعنى قطع العلاقة بجميع التنظيمات المسلحة التى قوضت الأمن فى المنطقة، والأهم قطع العلاقة مع أجنحتها السياسية، والتوقف عن الدعم المقدم لها ماديًا كان أم لوجيستيًا.
تنفيذ هذه المطالب سهل فى التنفيذ، إغلاق «الجزيرة» ووقف المؤسسات التمويلية وطرد الأجنحة السياسية، قرارات قابلة للتنفيذ فى يوم واحد، وأهم مسألة فى تلك المطالب أنها لا تمس الشعب القطرى ولا تعنى له شيئًا، ولا يعرف أصلًا أن قيادته ضالعة فيها، وتنفيذها سيعيد الشعب القطرى إلى حاضنته الطبيعية الخليجية، إنما هل سيقبل حمد بن خليفة التخلى عن مشروعه؟ أبعد كل هذا الشوط الذى قطعه سيقبل بالتقاعد والاكتفاء بدور الأب الصامت؟ هل شخصيته من النوع الذى يقبل أن يهمّش ويقر بالهزيمة، وبأن المشروع انتهى منذ لحظة الإعلان عنه وكشفه؟
لا أعتقد، نأتى للسؤال الأهم: هل بإمكان الشيخ تميم المحاط بأبيه وإخوته، أن يقنعهم أو يجبرهم على الإقرار بانتهاء المشروع والعودة إلى المعطيات الواقعية التى تعيد قطر إلى حجمها الطبيعى بعد حالة التضخم التى عاشتها؟ هل بإمكانه إقناعهم أو إجبارهم بأنه يستحق أن يمنح فرصة إعادة ترتيب تموضع قطر وسط محيطها الطبيعي؟ هل سيقنعهم أنه يستحق أن يحكم قطر الجديدة، قطر المنفتحة على جيرانها، قطر الآمنة المطمئنة فى حضن جيرانها والمؤمّنة على استقرارها وأمنها معهم؟ صعب... فالأب محكم الخناق عليه، ومصر على الاستمرار فى المشروع رغم استحالة التنفيذ بعد كل هذا الكشف والمواجهة العلنية.
حمد بن خليفة ما زال يناور وينكر، ويحاول كسب الوقت عله يفكك جبهة الصمود والتصدى للمشروع الأخطر على المنطقة، يحاول أن يضغط على تلك الجبهة باستدرار عطف الشعوب، بتحريك أصحاب المصالح التجارية، بتحريك الحلفاء تركيا وإيران وإسرائيل ومن يستطيع من الإدارة الأمريكية، ومحاولاته باءت كلها بالفشل إلى الآن، فهو لا يريد أن يقر بأن الدول المقاطعة ما كشفت المستور الأب بعد أن استنفدت بقية الحلول.
الحل فى يد الشيخ تميم، وحده من يستطيع أن ينقذ قطر، ودورنا هو تشجيعه وفتح الباب له ومساعدته ليأخذ زمام الأمور بجدية وتحييد الأب إن أمكن، عدم خروج الأب للتحدث إلى العلن إلى الآن، ومنع حمد بن جاسم أن يتحدث من قطر، قد يكونان مؤشرًا بأن تميم يحاول تقييد أذرع الأب ومنعه من تعقيد الأمور؛ لذا فإن إرسال رسائل إيجابية إلى تميم أن الطريق الوحيدة للعودة هو الإعلان عن انتهاء المشروع، وقطع العلاقة بينه وبين قطر.
فلا يغلق على الشيخ تميم الباب، وبخاصة مع القيادات الشابة فى الدول المقاطعة، ومع الوساطات التى نشطت، بل يساعد كى يجد له مخرجًا ولقطر كى تنقذ نفسها من مصير مجهول.
نقلًا عن «الشرق الأوسط»