الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تساؤلات تائهة «3»

يسألونك عن الدولة المدنية الحديثة (34)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إلى ماذا تشير التساؤلات! غياب رؤية وتشتت قناعات ولا شك. وأى دلالة يمكن أن يطرحها استمرار توهانها! ضعف إدراك لأهمية الرأى العام، ودوره فى بناء «دولة مدنية حديثة» طال النداء بها عنوانًا للمشوار الصعب الذى ارتضته الثورة المصرية، يناير ـ يونيو، باعتبارها الموطن الطبيعى لمجمل متطلبات الحياة الكريمة الحرة التى تستهدفها كل ثورة شعبية حقيقية.
غير أن انشقاقًا فى الصف الوطني، لا يمكن السماح به جراء قسوة التساؤلات، وطول بُعدها عن مسلكها الصحيح إلى حد التوهان عن الأجندة الوطنية المنوط بها تجميع جميع الجهود الوطنية خلف أهداف مشتركة تعبر عن ارتفاع الوعى العام، داخل أروقة النظام وبين صفوف الشعب على السواء، إلى مصاف المسئوليات الجسام، والتحديات الضخمة، والمخاطر الداهمة على أمننا القومى بشكل عام.
لا يمنعنا ذلك من مواصلة التنقيب عن «تساؤلات» طال توهانها، وزاد حجمها، إلى حد لا يمكن معه التغاضى عنها، أو تهميش دورها فى تكاتف مكونات الأمة كافة، دفعًا بالوطن إلى مراحل متقدمة من عملية بناء «الدولة المدنية الحديثة». من هنا أقول:
• منهج جديد نحتاجه بشدة ونحن نواجه تكرار العمليات الإرهابية. إذ لا يصح الثبات على رؤى غير جادة فى مخاطبة الرأى العام بوضوح وشفافية. ولطالما أكدت أن التبشير بقرب القضاء على الإرهاب على الأرض المصرية، يُعد مخاطرة غير محسوبة التبعات. ذلك أن الإرهاب بات لاعبًا أساسيًا فى العلاقات الدولية المعاصرة. ومنوط به النهوض بأدوار تعجز عنها «الدول» ولا تجد غضاضة فى اللجوء إلى الجماعات المتشددة المسلحة لقضم مساحات متتالية من سيادة دول أخرى لصالحها، فيما لا يمكن أن تتضمنه سياسات دولية واضحة لا يمكنها الفكاك من سياج قيم ومبادئ الشرعية الدولية. وعليه؛ فإن مصر لا بد أن تنال نصيبها من العمليات الإرهابية، بحكم ثقلها فى المنطقة، ومحورية دورها. ثم إن مجابهة الإرهاب عملية مُكلفة جدًا وتتحمل الدولة فى سبيلها نفقات تنوء عن حملها ميزانيتها المرهقة بفعل عوامل شتى. من هنا؛ فإن المجتمع المصرى مُطالب بالتعايش مع خطر الإرهاب باعتباره أمرا واقعا، نجتهد فى تقليل مداه والحد من آثاره، لكننا أبدًا لن نقضى عليه نهائيًا بخطة، وإن كانت مُحكمة. ولن نستعدل مسار أصحابه بخطاب ديني، وإن كان شديد البلاغة، بالغ التطور. والخلاصة، هل يدلنا ذلك إلى سبيل وطنى يحترم العقول، ويتبنى المنطق. فنعاقب المُقصر، بلا تنكيل. ونبث الأمل فى النفوس، دون مبالغات تنتقص من يقظتنا اللازمة؟!
• فى إطار «ديمقراطية الحكم»، كركيزة أساسية فى بناء الدولة المدنية الحديثة»، نجد أن عملية الفصل والتوازن بين السلطات، أمر يحظى بعناية بالغة فى الدساتير الحديثة التى تبنتها الدول التى تقدمت ديمقراطيًا، وواصلت على أرض الواقع العمل بها بالتزام كبير لا يناله أدنى شك. وبالفعل قطع الدستور المصرى الجديد خطوات واسعة على هذا النهج. غير أن التفاعلات الأخيرة أكدت أن الموقف على الأرض بالغ الصعوبة. إذ لا يفيدنا إنكار الكثير من الاشتباكات التى وقعت بين مجالات عمل بعض السلطات، ما يؤدى إلى مشروعية المخاوف من النيل من تماسك النظام، وقدرتنا على استخلاص مصالحنا الوطنية من محيط شديد الالتباس، عميق فى خلافاته، ممتد فى آثاره. والحال إذن، هل نتوقع انتهاء المباريات الصفرية بين كثير من مؤسساتنا؟! فليس صحيحًا أن طريقًا آمنًا نُعبده وصولًا إلى «الدولة المدنية الحديثة»، يمكن أن نشقه على حساب هيبة واستقلالية إحدى السلطات الرئيسية فى الدولة. مثلما لا يمكننا أن نثق فى سلطة، مهما علت، متى ارتضت التغول على غيرها من السلطات. وإن حسنت النوايا، وصدقت التوجهات. فقد وضعت، بمعرفة التجارب الناجحة التى سبقتنا، قواعد بناء «الدولة المدنية الحديثة»، ولم يعد مطروحًا أبدًا إجراء اختبارات نستحدثها، بموجبها نشكك فى أهمية التوازن، والفصل، والرقابة المتبادلة بين السلطات. أيدفعنا ذلك إلى مراجعات ومصارحات جادة حقيقية؟! بها نعيد ترتيب أولويات الأجندة الوطنية؛ فنعمل على الارتقاء بجماعية العمل الوطنى الرامى إلى بناء «دولة مدنية حديثة». نستند فى ذلك إلى دستورنا الثورى وما قدمه من فرص واعدة لنهضة الوطن.
• لطالما فشلت حسابات أنظمة لم تستطع قراءة صحيحة لتوجهات الرأى العام؛ ومن ثم لم تنجح فى استشراف المستقبل، ومستقبل الأوطان قريب دائمًا!. شىء من ذلك أسقط مبارك، صاحب الرصيد الاحتياطى الكبير (أكثر من ٣٦ مليار دولار)، صاحب العلاقات الإقليمية والدولية المتوازنة، والأهم أنه صاحب الثلاثين عامًا من الاستقرار فى مقعد الرئاسة، فى بلد لم يسبق أن ثار بحق طلبًا لإسقاط نظام وطني. وقبل مبارك، كان أنور السادات مهملًا فى حسابات القوة مع أعدائه «الصغار»، فتنقل معهم «بخفة» من مواقع التحالف إلى العداء وبالعكس، دون اكتراث كبير بما يخلفه ذلك من تداعيات على الصورة الذهنية لدى الرأى العام، سواء عنه وعن نظامه، أو عن أعدائه. فكانت نهايته بأيديهم، وصعود نجمهم فى ظل نظام مبارك الذى وجد فيهم ضالته، فاتخذهم «فزاعة» للداخل والخارج. واليوم، لا طاقة للوطن بتحمل كُلفة حسابات تفشل إن هى أهدرت بلاغة وصدق «خطاب البطون» متى باتت خاوية. إذ ليس لنا أن نتوقع استمرار المواطن الرضوخ مُشجعًا لسياسات تؤكد تهميش الرأى العام واحتياجاته الأساسية، ودفع فاتورة إصلاح ما أفسدته أنظمة متعاقبة على مدى أكثر من ٦٠ عامًا متواصلة من التردى والإهمال وغياب القدرة السياسية، فى ظل الاستمتاع باحتكار الوطن، وتأميم مصالحه لصالح فئات بعينها. والتساؤل هنا يتعلق بالرئيس السيسى شخصيًا. هل لديه قناعة بقدرته، فى ٨ سنوات، على تصحيح ما فسد منذ ثورة يوليو ١٩٥٢؟! وماذا عن الأفضل للوطن! أن يجابه مشكلاته بجرأة وشجاعة محسوبة العواقب، أم يغامر فى مباراة صفرية، يكسب فيها كل شىء أو يرتد خلفًا لمسافات بعيدة من الفشل والفوضي؟! وعليه، لماذا نضع المواطن البسيط فى إشكالية المفاضلة بين مشروعات قومية، وإن كانت عظيمة، ومتطلبات حياته اليومية، وإن بدت صغيرة.
جزء كبير من رشادة الحكم، يتعلق بقدرته على إدراك الأوزان الحقيقية لمكونات الرأى العام كافة. وأمل كبير يحوزه النظام الحاكم متى جابه بشجاعة تسارع طموحاته، واشتباكها مع واقع صعب. وأصعب منه عملية بناء «دولة مدنية حديثة» ميلًا إلى مستقبل لا يسنده حاضر قوى. وتمتد التساؤلات إلى الأسبوع المقبل بإذن الله.