الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

لمحات بين حدائق العيد والأدب

الحدائق فى العيد
الحدائق فى العيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للحدائق حضورها الجميل في الأعياد مثل عيد الفطر المبارك الذي يحتفل به المصريون الآن، كما أنها تحظى بحضور ثقافي يتجلى في إبداعات الأدب والفن حتى يحق الحديث عن "حدائق العيد وحدائق الأدب".
وكان ملايين المصريين قد تدفقوا مع حلول أول أيام عيد الفطر أمس "الأحد" على الحدائق والمتنزهات في مشهد منح "أرض الكنانة" المزيد من البهجة، فيما أعلن وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الدكتور عبد المنعم البنا في مقابلة تلفزيونية أن جميع حدائق وزارة الزراعة مفتوحة ومهيأة لاستقبال الزائرين طوال أيام العيد.
وإلى جانب حديقة الحيوان تدفقت جموع المصريين على حدائق الأورمان والأسماك والزهرية والمتحف الزراعي بالدقي فضلا عن حدائق انطونياديس بالإسكندرية والنباتات بأسوان وغيرها من الحدائق العامة على امتداد الخارطة المصرية.
ويطالب الكاتب محمد سلماوي بحماية المتحف الزراعي المصري والمساحة الخضراء المحيطة به لافتا إلى أنه "يعتبر أول متحف زراعي في العالم" كما اقترح سلماوي الذي شغل من قبل منصب رئيس اتحاد الكتاب المصريين "إقامة حدائق لبعض النباتات المصرية التي قاربت على الانقراض ومنها زهرة اللوتس المصرية الأصيلة".
غير أن محمد سلماوي أشار إلى أنه تلقى رسالة تفيد بوجود "واحدة من حدائق اللوتس النادرة داخل نادي المعادي كما أن إحدى الجمعيات الخاصة أقامت بجوار هذا النادي حديقة أخرى جميلة لتربية زهرة اللوتس المصرية".
وفي الثغر السكندري استقبلت حدائق قصر المنتزة والمعمورة جموع المحتفلين بعيد الفطر إلى جانب حدائق انطونياديس الشهيرة وفقا لتصريحات لمحافظ الأسكندرية الدكتور محمد سلطان الذي توقع أن يرتاد حدائق المعمورة والمنتزة بأشجارها النادرة أكثر من مليون ونصف المليون زائر خلال ايام العيد.
وفيما تفقد حدئق الحيوان والأورمان بالجيزة والأسماك بحي الزمالك اكد الدكتور عبدالمنعم البنا على ان الوضع طبيعي في حديقة الحيوان بعد السيطرة الكاملة على حريق محدود كان قد اندلع امس الأول "السبت" بالسور الشجري للحديقة دون أي إصابات أو خسائر داعيا المواطنين لزيارة الحديقة للاستمتاع بعطلة عيد الفطر المبارك.
وكانت وزارة الصحة والسكان قد أعلنت عن تشكيل غرفة عمليات مركزية لمتابعة تنفيذ خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الفطر وأشارت إلى توزيع 2240 سيارة مجهزة على المتنزهات والحدائق وغيرها من أماكن التجمعات العامة أثناء احتفالات العيد. 
والرؤية بالعين المجردة تكشف فورا عن أن هذا الحريق المحدود لم يؤثر البتة على تدفق عشرات الآلاف من الزوار في أول أيام عيد الفطر على حديقة الحيوان فيما توقع رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان الدكتور محمد رجائي في تصريحات صحفية ان يصل مجموع الزوار للحديقة خلال الأيام الثلاثة لعطلة عيد الفطر الى نحو نصف مليون زائر.
وإذ تقرر فتح "المتحف الحيواني" بحديقة الحيوان للزائرين خلال ايام عيد الفطر وهو المتحف المكون من ثلاثة طوابق والذي اسس منذ عام 1906 ويضم آلاف الطيور المحنطة والحيوانات من الثدييات فضلا عن الزواحف وكذلك "إنسان الغاب" توالت المشاهد المبهجة في أول أيام العيد بالحديقة التي تجول الزوار بين مسطحاتها الخضراء و"بيوت السباع والدببة والقرود والزراف والطيور النادرة"
وإذا كان الأدب نافذة تطل على الحياة بكل ما فيها وإذا كانت الثقافة في أحد معانيها تعني رؤية ما للحياة والوجود فان النظرة لعالم الحيوان تختلف بلا ريب من زمن لزمن كما أن أسلوب التناول وحتى تصرفات الحيوانات في زمن الجاحظ ودانتي مثلا أو زمن عباس محمود العقاد تختلف عن عصر مابعد الحداثة.
والمفكر المصري العملاق عباس محمود العقاد قد ذهب إلى شييء من هذا عندما قرر عقد ندوته الأسبوعية في باديء الأمر بجزيرة الشاي في حديقة الحيوان بالجيزة وكان يطيب له أن يداعب رواد ندوته بتشبيه كل منهم بحيوان بعينه اعتمادا على فراسته في المطابقة بين حيوان معين وواحد من رواد الندوة وقد بدأ العقاد بنفسه واختار أن يكون زرافة وأحسن الاختيار كما يرى الكاتب وديع فلسطين !.
فالعقاد العظيم يضيق بالأقفاص والسدود والقيود ثم إنه فارع الطول كالزرافة تماما أما الشاعر عبد الرحمن صدقي وكان بدوره طويلا عريضا فقد جعل العقاد منه "بطريقا" او "نيجوين" وهو طائر يمشي منتصبا مختالا مرفوع الرأس.
أما الكاتب الكبير علي أدهم فكان نصيبه عند العقاد الإبداع في قفص الضبع في حين اختار للموسيقار محمد حسن الشجاعي وكان ضخم الجثة تقمص شخصية "فرس البحر" الذي يعرف باسم "سيد قشطة" بينما أودع الكاتب عصام الدين حفني ناصف المعروف بأفكاره الاشتراكية والماركسية قفص الدب القطبي الروسي تماشيا مع مذهبه السياسي حينئذ !.
وعندما أصدر الكاتب طاهر الطناحي كتابه "حديقة الأدباء" آثر أن يصور الكاتب الكبير توفيق الحكيم في صورة عصفور ربما استيحاء من روايته "عصفور من الشرق" وحرص الطناحي أيضا على أن يختار لكل أديب حيوان أو طائر يناسبه.
وهكذا فطه حسين "كروان" وعباس محمود العقاد "عقاب" والعالم الأديب أحمد زكي "ديك" وعزيز أباظة "بلبل" والشاعر ابراهيم ناجي "سنجاب" واحمد لطفي السيد "نسر" والشاعر اللبناني ميخائيل نعيمة "طاووس" وفكري اباظة "بولدوج" ومحمود تيمور "هدهد" وامير بقطر "ابو قردان".
أما أحمد رامي ففراشة وامينة السعيد "زرقاء اليمامة" واحمد امين "مالك الحزين" ربما لأنه لم يكن يعرف الابتسام كما يقول الكاتب الكبير وديع فلسطين.
ولئن كان الأديب والكاتب اللبناني الأصل وصاحب الحضور الثقافي المتوهج في فرنسا امين معلوف يحث في رواية "حدائق النور" انسان المعاصر على البحث عن "المادة المنيرة" في كل فكر فان كتاب:"ارض خضراء وطيبة" لأروسولا بوكان ويتناول دور الفلاحين الانجليز أثناء الحرب العالمية الثانية مع تركيز واضح على فكرة تحول المواطن العادي إلى مزارع لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء قي زمن الحرب.
وهكذا ظهرت فرق "فتيات الأرض" لتحل محل المزارعين الرجال الذين جندوا في الجيش فيما تسرد مؤلفة الكتاب وهي متخصصة في البستنة الكثير من القصص حول تحويل الحدائق والبساتين وحتى مشاتل الزهور الى حقول لزراعة المواد الغذائية الأساسية "لأمة في حرب".
ورغم شعور اورسولا بوكان بالأسى حيال ماحدث أيامئذ في بلادها من تحويل حدائق الورد لحقول بطاطس فإن ذلك يشكل جزءا من ثمن النصر دفعه الانجليز عن طيب خاطر ومن اجل مستقبل حافل بالورود!.
وقد تقترن بعض الحدائق الشهيرة بعالم السياسة كما هو الحال بالنسبة "لحديقة الورد" التي يطل عليها المكتب البيضاوي بالجناح الغربي للبيت الأبيض في واشنطن والتي يظهر بها الرئيس الأمريكي وضيوفه في المناسبات الخاصة.
وإذا كانت "حديقة الورد" أقيمت في البيت الأبيض عام 1902 على طراز الحدائق الأمريكية في القرن الثامن عشر فإن الكاتب محمد سلماوي يقترح اقامة حديقة للوتس في مصر "تستدعي أمام ضيوفنا تاريخنا المجيد من خلال ذلك الرمز الجميل الذي جسد رقي الحضارة المصرية القديمة".
وإذ أوضح أن المتحف الزراعي المصري في منطقة الدقي"مجمع متحفي متكامل يتكون من سبعة متاحف كل منها له مبناه الخاص داخل حدائق المتحف" دعا سلماوي وزارة الزراعة لإقامة بحيرة جميلة في حدائق المتحف الزراعي لتنمو فيها زهرة اللوتس الرقيقة.
ومن بين المباني السبعة في المتحف الزراعي المصري يوجد مبنى يحوي اعمالا فنية خالدة تصور المشهد الزراعي المصري ولوحات لفنانين عالميين الى جانب رواد الفن التشكيلي المصري مثل محمود سعيد وراغب عياد.
والآن فإن بعض الحدائق البديعة في بريطانيا تستضيف معارض فنية مثل حدائق ضيعة "واديسدون" بقصرها الارستقراطى في مقاطعة باكينج هامشاير فيما يبدي الكاتب محمد سلماوي شعورا بالأسف لأن عدد الحدائق العامة في القاهرة باتت "تعد على اصابع اليدين".
وكثيرا ما تحدث مثقفون عرب عن باريس بصورة أقرب للغزل فيما تحظى " حدائق التويليري" الباريسية بجانب كبير من هذا الشغف لبعض المثقفين العرب كما يبدي البعض إعجابا بحدائق نهر الراين في ألمانيا والروابي الخضر المطلة على النهر.
غير أن العشق كله يبقى من نصيب الحدائق الخضراء لنهر النيل الخالد كما يستعيد البعض من كبار السن بالشجن والحنين ذكريات الشباب والخطى العاشقة على العشب الأخضر أو لقاء مع الحبيبة على مقاعد خشبية واسمنتية تتناثر بتلك الحدائق الباسمة.
"في الكتابة عن الحب للحروف شذى ياسمين وضمائم فل وندى وبيت موعده الحلم" فيما كان الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة قد ذكر في سياق طرح حول الأستاذ محمد حسنين هيكل إنه كان يعشق حديقة أشرف عليها بنفسه في بيته الريفي بمنطقة "برقاش" وهي حديقة حافلة بألوان الورد البلدي وقد أقامها من أجل زوجته ورفيقة عمره السيدة هدايت تيمور.
ومع حبيبته الجميلة تجول الكاتب الراحل انيس منصور بين حدائق غناء في إيطاليا ومن أجل حبيبته الجميلة نفى هذا الكاتب الكبير عن نفسه أى صفة للفيلسوف فحبيبته ليست دميمة وهى مختلفة عن تلك المرأة الغبية التى تزوجها الفيلسوف مارتين هيدجر كما أنها مختلفة عن سيمون دى بوفوار رفيقة عمر الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر.
فهؤلاء الفلاسفة الكبار يقول عنهم أنيس منصور:"ليس لديهم وقت للتفكير..وفى لحظات الضعف يهيمون بهذا النوع من النساء" أما حبيبته الإيطالية فنموذج للجمال ومعها أقسما عند "نافورة الطرق الثلاثة" فى روما على الحب حتى الموت..وقد وفى انيس منصور بالوعد حتى موتها..ومعها كانت أيام بين الحدائق الغناء فى الريفييرا الإيطالية وبعدها كان يتضرع لخالقه ان يخفف احزانه "فلولاها ماكتبت ومابكيت".
وثمة تأملات بالغة العمق والعذوبة للشاعر الأمريكى هنرى كول فى قضايا الحب وشجونه ووروده وهو ينظر فى قصائد الشاعر الفرنسى الكبير شارل بودلير موضحا ان كثيرا من قصائد صاحب ديوان "ازهار الشر" كانت "تستكشف الطابع المتغير للجمال فى خضم تحولات باريس الى مدينة صناعية".
وينظر كول لديوان "ازهار الشر" الصادر عام 1857 باعتباره "اللحن الآخير للرومانسية قبل أن توارى الثرى" فيما يتناول نظرة بودلير للحب إلى جانب فنانين وكتاب عظام قدر لهم أن يعيشوا فى باريس ويتجولوا بين حدائقها الغناء مثل الفنان الأسبانى بابلو بيكاسو والكاتب الروائى الأمريكى ارنست هيمنجواى والأديبة والناقدة الأمريكية جيرترود شتاين.
وفي طرح بعنوان:"شارع الشاعر " في مجلة "نيويوكر" تحدث الشاعر الأمريكى هنرى كول عن ايامه فى" الحى اللاتينى" بباريس وعن شوارع تفوح بعبق ذكريات الحب ونهر السين والمكتبات ودور السينما وبرج ايفل وحدائق لكسمبورج وتمثال بودلير والزهور التى وضعها عند نصبه التذكارى.
إنها لمحات بين حدائق العيد وحدائق الأدب وإبداعات تلبس وجه المكان وتحتضن التاريخ كما تعانق الحاضر..أنه العيد الذي تستقبل فيه الحدائق ملايين المصريين لتزهو الزهور بشعب مؤمن وعاشق للحياة..وهنا تكون الكتابة " كمن يزرع وردة لغاية واحدة: أن يلبي رغبة العطر" !!.. وما أروع وأطيب العطر المصري !.