الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

على هامش موائد «الزينة» الرمضانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هى موائد متنوعة عامرة محتشدة قد تكون إفطارا أو سحورا، استفزازا وإنفاقا له دواعيه الخاصة تماما عند أصحابه ومرتاديه، لكنها بحال لن تشبه موائد الرحمن فى فضلها ولا كرمها ولا تواضعها، ولن تتوسل بأهدافها ولا غاياتها، هى بعض زينة القوم وتجوالهم صورا، وحضورها ليسوا أولئك الفقراء أو عابرى السبيل، أو من اضطرتهم ظروف العمل أو البقاء فى الطريق إلى التواجد، لن تجد فيها مسنا يبحث عن وجبة ساخنة، ولا مشردا ينتظر لقيمات يقمن صلبه، كما لن تتأسى تلك الموائد المستفزة بمبادرة الدولة بتجميع الفقراء وأصحاب الشكاوى البسطاء على إفطار رئاسى، ستستمر فى طريقتها السنوية وكأنها لم تعرف أو تفهم الرسالة.
وبينما يمتنع كثير من مرتادى موائد الرحمن الرمضانية من التصوير تخفيا أو سترا، هنا سيكون شرط الحضور الضمنى التصوير والابتسام، ثم ذلك «الشير» مع ذكر المكان والجهة وصاحب الزينة، هى موائد تشبه ذاتها لا تتوسل راجية دعاء فقير محتاج، ولكنها تنتظر المقابل عاجلا فى إشارة هنا أو هناك وخبرا أو فيديو، موائد الزينة والدعاية فى رمضان مظهر قديم معيب فى مجتمع جديد، مظهر يجب عليه أو يجدر به تقديرا وتأدبا أن يخفت قليلا، أو على الأقل يتوارى صمتا من فرط تأنقه إنفاقا وبذخا وسط حملات ودعوات حكومية لضغط الإنفاق والبحث عن موارد للباحثين عن رغيف خبز «وحتة جبنة».
تمثل بحق نموذجا للإهدار المالى يشكل عبئا كبيرا على المجتمع، وينتقل بالاحتفال من باب إضفاء وإكرام المحتاجين وأصحاب الشكوى، والاقتراب منهم، إلى باب إنفاق «وخلاص»، وسيتم ذلك –فى نظر أصحاب البيزنس- تحت وطأة جملة متكررة «كل سنة وأنت طيب.. وده تقليد سنوى»، وتحت وطأة الجملة التى فى غير أوانها ستمضى وتكبر صناعة استفزازية تقوم عليها شركات وهيئات وصناعات وأفراد، وستشكل إهدارا وسيرا فى عكس أولويات جدارة الإنفاق المؤسسى والمجتمعى فى مصر، وسيكون لذلك تبعاته أن يدفع الفاتورة صاحب المحل الذى هو ذلك المواطن البسيط، بزيادة سعر سلعة أو خدمة تعويضا لما تم إنفاقه على موائد «التباهى» وما يشبهها.
ولن يجدى هنا القول إن هذه شركات وهيئات ومؤسسات غير حكومية أو خاصة أو استثمارية أو وسيطا بينهم، وأنها ضرورية لربط المهتمين ودعم الصلة بالمؤسسات بمصالحها وعملائها، وسأقول: وماذا لو حضر كل ذلك وهؤلاء وتناولوا شيئا بسيطا تماما، معلنين بكل فخر أنهم يتوجهون بعائد كل ذلك الهدر السنوى لمستشفى قروى مجهول لا يملك أن يدفع ثمنا لإعلاناته ولو سطرا فى صحيفة، أو يخصصونه للمساهمة فى بناء مدرسة فى قرية نائية أو تطويرها أو دعمها بالوسائل التعليمية التى تساعد الطلاب على حسن التعلم، أو حتى دفعا لمصروفات المدارس أو تقديم ملابس مدرسية جديدة للأطفال فى عام دراسى قادم تخفيفا عن أولياء أمورهم البسطاء.
نحتاج وأتصور أنه من الضرورى أن يجرى جهار المركزى للمحاسبات دراسة عن اقتصاديات موائد ومناسبات الحاضرين بلا لزوم على موائد الشهرة تلك، تطالعنا بفواتير حجم إنفاقها، وأظن أننا سنخرج بأرقام عجيبة «تخض».
الإدارة المجتمعية عامة للأوضاع الاقتصادية يعوزها توعية بفقه أولويات الاحتياجات الوطنية، وتأكيد أهمية القدوة وبناء معالم الدور المجتمعى والرشيد للهيئات والمؤسسات جميعها فى مصر، وربما نحتاج إلى إنشاء هيئة أو حتى وزارة جديدة غير تقليدية اسمها وزارة كفاءة إدارة الموارد، لا تكون وظيفتها فقط رصد مخالفات أو ما شابه، وهو أمر تعنى به جهات رقابية ومحاسبية لها دورها فى هذا الصدد، بل تكون معنية فى الأساس ببناء خطط من خارج أفق الوزارات والهيئات العاملة، بشأن جلب وتنظيم وإدارة الموارد، تقدم تصورات بشأن تعظيم توظيفها وسبل توجيهها، لا تكون رقيبا بل شريكا ومنبها وطارحا لأفق التطوير من خارج صندوق بيروقراطية إدارة الشأن اليومى والانغماس فيه فى هذه الوزارات، وهى مهمة جديرة بمجتمع يراد له أن ينمو خارج سياقات إشكالية وبمعدلات أعلى من مساحات الحركة التى تئن تحت ضغط الاحتياجات اليومية.